"أكبر حملة تطهير في الجيش الصيني"، هكذا يصف محللون عملية التغيير التي جرت مؤخراً في الصين.
يقول تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية: "يشرف الزعيم الصيني شي جين بينغ على حملة كاسحة لتعزيز الولاء، وتأكيد المزيد من السيطرة على جيش التحرير الشعبي".
الرئيس الصيني أطاح بقائد قوة الصواريخ النووية
خلال حفل أقيم في بكين يوم الإثنين 31 يوليو/تموز، عيَّن شي رؤساء جدداً لقوة الصواريخ التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني، التي تسيطر على الترسانة النووية والصواريخ التقليدية للبلاد، بما في ذلك الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي يمكن أن تصل إلى أراضي الولايات المتحدة.
وتُعَد هذه الأسلحة جزءاً من برنامج سريع التوسع، وهو أمر بالغ الأهمية لهدف الصين طويل الأجل المتمثل في الاستيلاء على تايوان وتحدي الولايات المتحدة في المنطقة.
من خلال التعديل الكبير، أطاح شي قائد القوة الصاروخية، وهو من قدامى المحاربين في قوة الصواريخ بجيش التحرير الشعبي الصيني الذي ظل غائباً عن الأنظار لشهور. يأتي ذلك بعد أقل من أسبوع من إقالة وزير الخارجية تشين غانغ، الموالي لشي، والذي اختفى تماماً عن الأنظار. في كلتا الحالتين، لم يُقدَّم أي تفسير رسمي، لكن حالات الاختفاء هذه غالباً ما تكون علامات على التحقيق.
وقال محللون إن مثل هذه الأحداث قد تشير إلى تصدعاتٍ محتملة في قبضة شي على السلطة في فترته الثالثة، ما ينذر بمزيد من عدم اليقين داخل المستويات العليا من النظام الصيني.
وقال لين ينغ يو، الأستاذ المساعد للشؤون الدولية في جامعة تامكانغ في مدينة تايبيه الجديدة: "لقد أبرز هذا أن شي لديه مشاكل داخل النظامين الدبلوماسي والعسكري. وهذا يدل على أن شي قد يواجه المزيد من الصعوبات عندما يتعلق الأمر بالتحكم داخلياً".
إليكم ما حدث ولماذا هو مهم.
الأمر بدأ برئيس أركان الجيش الصيني السابق
عيَّن شي وانغ هوبين، النائب السابق لقائد البحرية، كرئيس جديد لقوة الصواريخ بجيش التحرير الشعبي، ليحل محل لي يوتشاو، الذي كان قائداً منذ يناير/كانون الثاني من العام الماضي. عُيِّنَ شو شيشينغ، من القوات الجوية الصينية، مفوضاً سياسياً، وهو منصبٌ كبير بنفس القدر مسؤول عن تنفيذ توجيهات الحزب.
نائب قوة الصواريخ السابق، ليو غوانغبين، كان غائباً أيضاً عن الرأي العام لعدة أشهر، ما أثار تكهنات بأنهم مستهدفون في إطار حملة شي، التي استمرت لعقد من الزمان لاستئصال الكسب غير المشروع وعدم الكفاءة في الجيش.
منذ وصوله إلى السلطة في عام 2012، أشرف شي على حملة قمع الفساد في الجيش الصيني، ما أدى إلى تطهير كبار القادة مثل فانغ فنغوي، الرئيس السابق للأركان المشتركة لجيش التحرير الشعبي، الذي رافق شي في أولى مهامه. التقى بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2017، وحُكِمَ عليه بالسجن المؤبد بتهمة الفساد في عام 2019.
وذكرت صحيفة South China Morning Post الصينية، الأسبوع الماضي، أن لي واثنين من كبار القادة الآخرين يخضعون للتحقيق من قبل وحدة مكافحة الفساد بالجيش. وذكر تقرير نشرته صحيفة Financial Times البريطانية، هذا الأسبوع، نقلاً عن اثنين من كبار المسؤولين الحكوميين الأجانب، أن قادة القوة الصاروخية يخضعون للتحقيق بتهمة تسريب أسرار عسكرية.
الفساد مشكلة طويلة الأمد
شي الآن في خضم جهدٍ جديد للقضاء على الفساد، في يونيو/حزيران، قالت الهيئة التأديبية القوية للحزب الشيوعي الصيني إن أكثر من 39 مسؤولاً، وفيهم كوادر عسكرية، قد خضعوا للتحقيق منذ أكتوبر/تشرين الأول. وأضافت أنها "تقضي بحزم على سرطان الفساد دون تسامح".
وفي الشهر الماضي، أطلق الجيش تحقيقات في نظام المشتريات، وأصدر إرشادات جديدة صارمة بشأن التفاعل الاجتماعي للقادة. يبدو أن كليهما يهدف إلى تضييق الخناق على تسريب معلومات سرية وغيرها من الانتهاكات، وفقاً للتغطية الإعلامية الحكومية للحملة.
يُعَد الفساد في جيش التحرير الشعبي مشكلة طويلة الأمد، وحملة التطهير الحالية هي الثالثة منذ أن تولى شي منصبه.
وقال لي نان، الزميل الباحث الكبير في جامعة شرق آسيا الوطنية في معهد سنغافورة الوطني: "كان العديد من هؤلاء الضباط متورطين في شراء أنظمة أسلحة للقوة الصاروخية، وعملوا في البيروقراطية الصينية، وربما حاولوا التأثير على العطاءات أو تلقي رشاوى".
مؤشرات على أن الرئيس يفتقد للسيطرة الكاملة على الجيش
قال لي إن استمرار الفساد في المستويات العليا من الجيش يشير إلى أن شي لا يزال يفتقر إلى العلاقات الشخصية الكافية والرقابة لمنع إساءة استخدام القوة العسكرية.
بعد آخر حملة قمع كبيرة منذ حوالي خمس سنوات، سُجن فانغ مدى الحياة، وتوفي تشانغ يانغ، وهو جنرال كبير، منتحراً قبل توجيه الاتهام إليه رسمياً. شغل كلٌّ منهما مناصب مهمة في الجيش الصيني لسنوات قبل التحقيق معه.
كيف يؤثر ذلك على قدرات الجيش الصيني أمام الصين؟
يمثل تعيين قادة جدد من أجزاء أخرى من الجيش خروجاً حاداً عن التقاليد، يتمتع وانغ وشو بخلفيات بحرية وجوية، بينما كان لي وأسلافه من داخل القوة الصاروخية.
قال جويل ووثنو، الباحث البارز في جامعة الدفاع الوطني، إن إطاحة أكبر اثنين من قادة القوة التي تسيطر على الترسانة النووية للبلاد، وجلب ضباط من مختلف الخدمات ليحلوا محلهم "أمر مذهل".
تُعَد القوة الصاروخية الفرع الأكثر حساسيةً في جيش التحرير الشعبي، و"بالنسبة لشخص ليس لديه خبرة في الخدمة"، فإن استبدال القائد "أمر غير مسبوق تقريباً"، على حد قوله.
قد يكون لهذه الخطوة تداعيات على أي صراع محتمل على تايوان، وهي جزيرة ديمقراطية منشقة عن بكين، تقول إنها ستضمها بالقوة إذا لزم الأمر لفرض الوحدة.
إذا اندلعت الحرب يمكن للصواريخ التقليدية بعيدة المدى للقوة الصاروخية أن تستهدف القواعد الأمريكية وحاملات الطائرات في غرب المحيط الهادئ، في حين أن صواريخها الباليستية قصيرة المدى يمكن أن تستهدف تايوان.
قال ووثنو: "إذا لم تكن تثق بقادة قوة مركزية جداً في الحملة على تايوان، فسوف يؤثر ذلك بشكل كبير على قرار الدخول في حرب في المقام الأول".
وعلى نطاقٍ أوسع، تُعَد التعيينات الجديدة ضربةً قاضية لقوة الصواريخ التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني، والتي نهضت لتصبح فرعاً كاملاً من الجيش قبل ثماني سنوات فقط، وتوسعت بسرعة.