عندما أراد بنيامين نتنياهو ضمان إعادة انتخابه قبل 4 سنوات، لجأ إلى دونالد ترامب، أو على وجه الدقة إلى اللوحات الإعلانية العملاقة للرئيس الأمريكي آنذاك، وهو يضع ابتسامته الأقل تهديداً، ويصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي، تحت عنوان "نتنياهو في رابطةٍ مختلفة"، باللغة العبرية.
كان تأييد ترامب بمثابة فوز للرجل الذي شغل منصب رئيس وزراء إسرائيل لفترة أطول من أي شخصٍ آخر. كان الرئيس الأمريكي السابق يحظى بشعبيةٍ لدى الإسرائيليين، لأنه أصرّ على سياسات واشنطن القائمة منذ فترة طويلة بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، والاعتراف بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية المحتلة. كانت مكانة ترامب في إسرائيل، التي حظيت بتأييد 71% لتعاطيه مع الشؤون الدولية، أعلى مما في أي دولةٍ أخرى تقريباً، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
ولكن بقدر ما أحب الكثير من الإسرائيليين ترامب الشعبوي، لم يتوقع سوى القليل منهم إلى أي مدى سيثبت رئيس وزرائهم استعداده لتحويل أزمة شخصية إلى أزمة سياسية، توشك على تدمير إسرائيل من أجل إنقاذ نفسه.
"أولوية ترامب ونتنياهو هي مصالحهما الشخصية"
يقول حادار ساسكيند، رئيس منظمة أمريكيون من أجل السلام الآن، المنظمة الشقيقة لحركة السلام الإسرائيلية، لصحيفة الغارديان: "الأولوية الدافعة لكل من ترامب ونتنياهو هي مصالحهما الشخصية. كان تأسيس هذه الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل يتعلق بإبقاء نتنياهو في السلطة، وبالتالي خارج السجن".
تقول الغارديان: كلا الرجلين في معركة الآن من أجل البقاء خارج السجن. تتراكم التهم الفيدرالية ضد ترامب، فيما يخص نتنياهو محاكمة فساد استمرت أكثر من 3 سنوات. والسلطة تمنح كليهما أفضل احتمالاتٍ لتجنب مواجهة العدالة.
أثبت ترامب استعداده لشن هجمات شعبوية على مؤسسات الدولة طوال فترة رئاسته، وبلغت ذروتها في محاولاته لقلب نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2020 ودوره في إثارة الغوغاء لاقتحام مبنى الكابيتول. إذا عاد إلى السلطة، يمكن للأمريكيين توقع هجوم كامل على استقلال النظام القضائي ووزارة العدل.
لقد سلك نتنياهو مساراً مختلفاً من خلال تشكيل ائتلاف مع بعض الأحزاب القومية الأكثر تطرفاً في إسرائيل. وتقول الغارديان إن قادة هذه الأحزاب عنصريون بلا مواربة تجاه العرب، ويجهرون بطموحاتهم بضم بعض أو كل الأراضي المحتلة، وجعل الهيمنة الإسرائيلية دائمة على الفلسطينيين.
كيف يتفادى نتنياهو السجن من خلال إضعاف المحكمة؟
ويمضي التحالف المتطرف قدماً في إصدار تشريع للحد من سلطة القضاء الإسرائيلي، ذلك التشريع الذي أثار بعضاً من أكبر المظاهرات في تاريخ إسرائيل، علاوة على الأزمة السياسية العميقة. مرت المرحلة الأولى يوم الإثنين 24 يوليو/تموز، عندما صوَّت الكنيست الإسرائيلي على تقييد قدرة المحكمة العليا على إلغاء القوانين.
لنتنياهو وحلفائه مصلحة مشتركة في إضعاف سلطة المحاكم، فهذا يمنحه فرصةً لتفادي السجن مع تنحية ما يخشى اليمين المتطرف أن يكون عقبةً أمام طموحاته بإسرائيل الكبرى.
لكن إذا كان ترامب ونتنياهو رجلين يائسين يأملان في استغلال السلطة لإنقاذ نفسيهما على حساب بلديهما، فهناك اختلافات مهمة. بادئ ذي بدء، عندما انتخب الأمريكيون ترامب رئيساً في عام 2016، كانوا يعرفون بالضبط أي زعيمٍ سياسي سيحظون به -حتى لو أثبت أنه مضرٌّ بالاستقرار ومثير للاستقطاب أكثر مما توقعه بعض المؤيدين.
في المقابل، قال آرون ديفيد ميللر، الذي يعرف نتنياهو منذ أن كان مفاوضاً أمريكياً للسلام في الشرق الأوسط خلال عدة إدارات، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس هو السياسي نفسه الذي كان عليه قبل بضع سنوات، حسب وصفه.
قال ديفيد ميللر: "لم يعد نتنياهو ذلك السياسي الإسرائيلي الحذِر الذي يتجنب المخاطرة ويتقدم خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء. لم يعد ذلك السياسي الذي يحترم الرأي العام… إنه الآن جاهز للمخاطرة ويائس تماماً، وفي كثير من النواحي، فقد السيطرة. إنه مدفوع بحقيقة أنه إذا أُجريت الانتخابات غداً، يمكن لشخص آخر تشكيل حكومة، وسيكون عرضة لمشكلةٍ وجودية، وهي خضوعه للمحاكمة".
نتنياهو يخرّب النظام الإسرائيلي بيديه
وقال ساسكيند إنه حتى بعض أنصار نتنياهو فوجئوا بمدى استعداده لتخريب النظام الإسرائيلي من أجل حماية نفسه. لم يقل أحدٌ على ترامب إنه سياسي عادي، فالولايات المتحدة لا تزال تعيش بتداعياتٍ من فترة رئاسته. لكن ربما كان نتنياهو هو الزعيم الأكثر ضرراً على المدى الطويل، بالعودة إلى اغتيال رئيس الوزراء آنذاك، إسحق رابين، في عام 1995.
كزعيم للمعارضة، قاد مسيرات معارضة لاتفاقات سلام رابين مع الفلسطينيين، حيث صُوِّرَ رئيس الوزراء بالزي النازي وسط هتافات "الموت لرابين". واتهمت ليا، أرملة رابين، نتنياهو بأنه هو من قام بهندسة التحريض الذي أدى إلى مقتل زوجها.
وبعد 7 أشهر من الاغتيال، انتُخِبَ نتنياهو لفترة ولايته الأولى، بادئاً بها طريقه ليصبح رئيس الوزراء الأطول مدةً في إسرائيل.
قال ساسكيند إن إسرائيل لا تزال تعيش مع إرث نتنياهو. وأضاف: "لقد دفع إسرائيل إلى ما هي عليه الآن، حيث الكراهية المُثارة داخل المجتمع. أعتقد أنه مسؤول عن ذلك أكثر من أي شخص آخر".