من مالي إلى سوريا وليبيا، ثم أوكرانيا وغيرها، اتُّهِمَت جماعة المرتزقة الروسية فاغنر المدعومة من الكرملين بتعذيب المدنيين واغتصابهم وقتلهم، وهو ما حفَّزَ جهوداً في مبنى الكونغرس في واشنطن لتصنيف المجموعة منظمةً إرهابية أجنبية، ما يجعلها على قدم المساواة مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وغيره من المنظمات المسلحة الإرهابية حول العالم.
لماذا تخشى واشنطن من تصنيف "فاغنر" منظمةً إرهابية؟
لكن وزارة الخارجية الأمريكية، التي تشعر بالقلق من الآثار المترتبة على الدبلوماسية الأمريكية في عددٍ من البلدان الإفريقية، حيث يُعرَف أن فاغنر حاضرة، تقاوم بهدوء، وفقاً لمصادر بالكونغرس ومسؤولين حكوميين سابقين.
وتقول مجلة Foreign Policy الأمريكية، إن القلق يتمثل في أن مثل هذه الخطوة قد تعرّض للخطر التواصل الأمريكي مع حفنة من الدول الإفريقية غير المستقرة بالفعل، مثل مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، والتي يمكن أن تتحول إلى حالة من الفوضى إذا كانت إدارة بايدن تلاحق فاغنر بشدة.
المجموعة التي اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً بتمويلها من الدولة الروسية، لعبت دوراً أساسياً في غزو أوكرانيا، وقادت الهجوم الذي استمر لأشهر على بلدة باخموت الشرقية. وفي إفريقيا، حيث انخرطت المجموعة في عدد من الأنشطة بما في ذلك الأمن، وتعدين الذهب، والحملات السياسية، اتُّهِمَ عملاء فاغنر بارتكاب فظائع ضد المدنيين، بما في ذلك الاغتصاب والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء.
تقول فورين بوليسي، إن الخلاف في واشنطن حول ما إذا كانت فاغنر ستُصنَّف رسمياً على أنها جماعةٌ إرهابية يؤكد الخط الدقيق الذي تتبعه إدارة بايدن في سعيها لعزل روسيا، بسبب غزوها الشامل لأوكرانيا، مع موازنة الآثار العالمية المُضاعَفة للحرب. وقد دفع هذا الحذر، في بعض الأحيان، المنتقدين في كل من الولايات المتحدة وأوروبا إلى اتهام الإدارة الأمريكية بالحذر المفرط بشأن التصدي لموسكو.
مشروع قانون في مجلس الشيوخ لتصنيف فاغنر منظمةً إرهابية
قامت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بتقديم تشريع في وقت سابق من هذا العام، من شأنه أن يجبر إدارة بايدن على تصنيف فاغنر منظمةً إرهابية أجنبية، وهو تصنيف حكومي رسمي يسعى لعزل الجماعة، ويمنع الأمريكيين من تزويدها بالدعم المالي أو المادي.
وقال السيناتور الجمهوري روجر ويكر: "يجب المعاقبة على جرائم الحرب بقسوة". وأضاف: "في حين أن مجموعة فاغنر والجيش الروسي يتصارعان، لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما تواصل جيوش الظل قتل المدنيين ونشر العنف، من واجبنا تحميلهم المسؤولية، وإظهار كيف نرد على هذه التهديدات".
وصفت وزارة الخزانة الأمريكية المجموعة، التي يقودها حليف بوتين طويل الأمد يفغيني بريغوجين، بأنها منظمة إجرامية عابرة للحدود الوطنية، في يناير/كانون الثاني.
ما هي شبكة مجموعة فاغنر؟
يلاحظ الخبراء الأمريكيون أنه لا يوجد كيان واحد يُعرَف باسم مجموعة فاغنر. في المقابل، تقول التقارير إنها شبكة مترامية الأطراف من الشركات الوهمية وعملاء الظل، الذين تتراوح خدماتهم من الحرب الشاملة إلى التصيُّد الإلكتروني.
ويمكن أن يدفع تصنيف الإرهاب وكالات الاستخبارات الأمريكية والمدعين العامين إلى تكريس المزيد من الوقت والموارد لمحاصرة شبكات فاغنر العالمية، وفقاً لشهادة جيسون بلازاكيس، الذي قاد مكتب مكافحة الإرهاب وتمويل الإرهاب التابع لوزارة الخارجية لأكثر من عقد من الزمان.
وقال بلازاكيس في شهادة مكتوبة أمام لجنة هلسنكي، المكونة من أعضاء من الحزبين: "مع وجود محللين إضافيين مُكرَّسين لقضاء الوقت في الكشف عن الشركات الوهمية لبريغوجين، فإن ذلك يزيد من احتمالية أن تسلط الولايات المتحدة مزيداً من الضوء على مسار أموال فاغنر".
من المعروف أن المجموعة نشطة في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا والسودان وسوريا بشكل بارز. ويمكن أن يؤدي وضع مجموعة المرتزقة في القائمة السوداء إلى عزوف البلدان الأخرى في إفريقيا، التي تفكر في العمل مع فاغنر عن ذلك. ووفقاً للخبراء، دعت فصائل من المجلس العسكري الحاكم في بوركينافاسو إلى جلب فاغنر للعمل في البلاد، بينما قد تتطلع المجموعة أيضاً إلى الاستفادة من الصراع في السودان لتوسيع وجودها.
"مخاطر السمعة"
في السياق، يقول كاميرون هدسون، الذي شغل منصب مدير الشؤون الإفريقية في مجلس الأمن القومي خلال إدارة جورج دبليو بوش، إن وصف الجماعة بأنها إرهابية "سيزيد من مخاطر السمعة بدرجة أكبر على تلك البلدان التي تفكر في علاقة مع فاغنر".
إن وضع مجموعة المرتزقة على قدم المساواة مع تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، من شأنه أن يرسل بيان إدانة قوياً، لكن إدارة بايدن سعت إلى كبح جماح الاقتراح، مستشهدةً بمخاوف دبلوماسية وبيروقراطية، وفقاً لاثنين من موظفي الكونغرس ومسؤولين سابقين في وزارة الخارجية، على دراية بالمحادثات حول هذه المسألة.
كان مسؤولو الإدارة حذرين فيما يتعلق بتكرار حقبة الحرب الباردة، عندما تنافست الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على النفوذ في القارة الإفريقية، وأعربت وزارة الخارجية عن مخاوفها من أن تصنيف مجموعة فاغنر منظمةً إرهابية قد يؤدي إلى العزلة لبلدانٍ مثل مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى.
وفي حين أن الإدارة لديها مجموعة من خيارات العقوبات المتاحة لكبح قدرة المجموعة على العمل، فإن تصنيف الإرهاب يمكن أن تكون له تداعيات واسعة النطاق على الدول الإفريقية.
عرقلة النشاط الإنساني
يجادل منتقدو الاقتراح بأنه يمكن أن يعرقل العمليات الإنسانية في البلدان التي تعاني بالفعل من الأزمات. قد يؤدي حظر التصنيف الإرهابي على توفير الدعم المادي أو المالي للمجموعة، إلى إعاقة قدرة وكالات الإغاثة على التفاوض على الوصول البري أو الجوي إلى مناطق في بلدٍ ما تحت سيطرة فاغنر. لقد حدث ذلك، مثلما كان مع الإرهابيين المرتبطين بالقاعدة النشطين في القرن الإفريقي.
قال هدسون: "هناك سابقة حقيقية وعواقب لذلك"، مشيراً إلى أن تصنيف الإرهاب على حركة الشباب أعاق جهود الإغاثة في الصومال، حيث مات أكثر من ربع مليون شخص في مجاعة بين عامي 2010 و2012. قد تدفع هذه الخطوة أيضاً البنوك والشركات إلى الانسحاب من البلدان التي تعمل فيها المجموعة، ما يزيد من تفاقم مشاكل الاقتصادات الهشة بالفعل.
لم تكن مجموعة فاغنر مساهماً في تحقيق الأمن والاستقرار في بلدانٍ مثل مالي، التي لا تزال تكافح مع انسحاب عملية مناهضة التمرد بقيادة فرنسا العام الماضي. لكن المغادرة السريعة للجماعات التي تحارب الإرهابيين في بعض الأحيان، مهما كانت وحشية، يمكن أن تعجِّل بتدهورٍ سريع في بلدٍ يصارع الجماعات المتمردة لأكثر من عقدٍ من الزمان، كما تقول فورين بوليسي.