بدلاً من انتظار زوجها الصياد لإنهاء يومه قبالة سواحل غزة، تعمل منى حنيدق الآن إلى جانبه. يصطاد السمك بينما هي تبتكر وتُعِد أطباقاً لذيذة به، وافتتحت حنيدق، مع 19 امرأة أخرى، مطعم زوجات الصيادين للمأكولات البحرية بالقرب من ميناء دير البلح في وسط قطاع غزة. هناك تعيل النساء أزواجهن، الذين يواجه عملهم في قطاع الصيد قيوداً أكثر صرامة من قبل إسرائيل.
قالت حنيدق، 36 عاماً، لموقع Middle East Eye البريطاني، أثناء تنظيفها السمك: "يذهبون للصيد في الصباح الباكر، وبمجرد عودتهم نأخذ السمك ونُعِد أطباقاً مختلفة بناءً على طلبات العملاء". وأضافت: "نحضِّر الوجبات ونلفها ثم نسلمها إلى مناطق مختلفة من قطاع غزة… نُكمل عمل أزواجنا، ونساعدهم في التغلب على التحديات".
الفلسطينيات ينقذن قطاع الصيد الذي دمره الاحتلال
قرّرت حنيدق إعالة زوجها بعد 14 عاماً من الزواج، شهدت خلالها أنه يوشك على التوقف عن الصيد مرات عديدة. قالت: "لقد شعر بالإحباط واليأس مراتٍ عديدة، وكان على وشك التخلي عن مهنته. كان يُطارَد هو ورفاقه من قِبَلِ الزوارق الحربية الإسرائيلية كل يومٍ تقريباً". وتابعت: "تفتح قوات الاحتلال النار عليهم باستمرار، وتهددهم باعتقالهم ومصادرة قواربهم وتقييد منطقة الصيد".
قبل بدء المشروع، انعكست مشاعر اليأس على زوج حنيدق، لاعتقاده أن المشروع قد يفشل. قالت: "كان جميع أزواجنا متشككين، أخبَرونا بأن المشروع سيفشل، خاصةً أننا بدأنا مشروعاً مشابهاً في عام 2021، وتخلينا عنه بعد بضعة أسابيع، لأننا لم نتلقَّ ما يكفي من الطلبات".
لكنها أضافت: "هذه المرة عملنا بشكل جيد على التسويق، ونظّمنا حفل افتتاح ببوفيه مفتوح لجذب العملاء، نتلقّى العديد من الطلبات، وأزواجنا الآن يدعمون الفكرة لأنهم يرونها تحقق نجاحاً".
غزة.. جذور عميقة في صيد الأسماك
رغم أن غالبية النساء العشرين اللائي يعملن في المطبخ هنّ زوجات صيادين، فإن هناك فتيات يتطلعن إلى إعالة آبائهن الذين يعملون في البحر.
تعلمت حنان الأقرع، التي نشأت في عائلة لها جذور عميقة في صيد الأسماك، إعداد وصفات المأكولات البحرية منذ صغرها. قالت: "أتذكر عندما كنت طفلةً، كنت أذهب إلى الميناء البحري، حيث يعمل والدي، لأحضر له الطعام والشاي، وكنت أشاهده يصطاد لساعات".
وتابعت: "كان جدي صياداً، والآن والدي وأعمامي وإخوتي يواصلون تقاليد العائلة، أنا على دراية كبيرة بوصفات الأسماك، وقد قررت الاستمرار في نفس التقليد، والبحث عن فرصة عمل جديدة من خلال هذا المشروع".
تحمل الشابة البالغة من العمر 29 عاماً شهادةً في الأدب الإنجليزي. منذ تخرجها عملت في وظيفةٍ تتعلق بهذه الشهادة لبضعة أشهر فقط. وقالت: "مازلت أبحث عن فرص عمل، لكني أعمل حالياً في المطبخ كل يوم تقريباً، لدينا جدول زمني لتنظيم ساعات العمل للسيدات، وكل واحدة منا تعمل وفقاً لجدولها الزمني والمهام الموكلة لها".
بلغ معدل البطالة في قطاع غزة المحاصر، والذي وصفته جماعات حقوق الإنسان بأنه "سجن مفتوح"، 45% نهاية عام 2022، مقابل 13% في الضفة الغربية، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وبين الشباب الخريجين (19-29 سنة) الحاصلين على دبلوم متوسط فأعلى، بلغ معدل البطالة في غزة 74%، مقابل 29% في الضفة الغربية.
يُدعَم مشروع المطبخ من قِبَلِ منظمة غير حكومية، وهي مركز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين، كجزء من مبادرة لتحسين دخل الصيادين وإعالة أسرهم.
لا عمل آخر
في النصف الأول من عام 2023، كان هناك حوالي 4900 صياد مسجل يعمل في المحافظات الخمس لقطاع غزة، وهم يعولون ما لا يقل عن 50 ألف شخص.
وبحسب نزار عياش، رئيس نقابة الصيادين في غزة، فإن عدد الصيادين في القطاع الساحلي قد ازداد خلال السنوات القليلة الماضية رغم القيود الإسرائيلية.
قال رئيس النقابة إنه منذ عام 2006، كان الصيادون والمزارعون هم العمال الأكثر تضرراً من قبضة إسرائيل الخانقة على غزة.
قال: "أول ملف يتعامل معه الاحتلال عندما يقرر تطبيق القيود هو بحر غزة. قاموا على الفور بتقليص منطقة الصيد من 12 إلى 6 أو 3 أميال بحرية. بالإضافة إلى ذلك، هناك حوادث يومية من الاعتقال ومصادرة القوارب والاعتداءات".
بموجب اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، تُلزَم إسرائيل بالسماح بالصيد لمسافة تصل إلى 20 ميلاً بحرياً قبالة ساحل غزة. لكن من الناحية العملية، لا يُنفَّذ ذلك مُطلقاً، حيث تظهر الزوارق الحربية الإسرائيلية عادةً على مسافة تتراوح بين 6 و12 ميلاً بحرياً. وفي بعض الأحيان يُقيَّد الصيادون في غزة بثلاثة أميال بحرية فقط من قِبَلِ البحرية الإسرائيلية.
قال عياش: "في الوقت الذي يصادرون فيه قوارب ومعدات الصيد، يمنع الاحتلال الإسرائيلي أيضاً دخول أي معدات ضرورية للصيد إلى غزة منذ 16 عاماً".
ويشمل ذلك الألياف الزجاجية اللازمة لتصنيع وإصلاح قوارب الصيد ومحركات القوارب. واليوم عند تعطل المحرك يقوم الصيادون بإصلاحه عن طريق استبدال أجزاء من محركات أخرى مُحطَّمة.