تواجه مصر أزمة مضاعفة تتمثل في حرارة الصيف الأعلى وانقطاع الكهرباء، ما يطرح تساؤلات أبرزها؛ هل تواجه مصر أزمة في إنتاج الكهرباء رغم الحديث عن فائض يتم تصديره للخارج؟
ومع موجة الحر الشديد التي تشهدها الدول العربية خلال يوليو/تموز الجاري، وارتفاع درجات الحرارة إلى نحو 50 درجة مئوية في بعض المناطق، يزداد الضغط على شبكات الكهرباء، مع اشتداد الطلب عليها؛ ما يؤدي إلى انقطاعات في التيار الكهربائي لساعات، ويضاعف ذلك من معاناة الناس.
لكن في مصر، التي تمكنت خلال الأعوام الماضية من تجاوز العجز في توليد الطاقة الكهربائية، بفضل اكتشافات الغاز وبخاصة حقل "ظهر" شرق البحر المتوسط، إضافة إلى استثمارات ضخمة في محطات توليد الكهرباء، فيبدو الأمر غامضاً ويثير التساؤلات.
كم تنتج مصر من الكهرباء؟
ازداد إنتاج مصر من الطاقة الكهربائية خلال السنوات العشر الماضية بصورة لافتة، بعد أن توسعت الحكومة في إنشاء وتنويع محطات توليد الكهرباء، ما بين المحطات التقليدية، التي تعتمد على الغاز الطبيعي والمشتقات البترولية، ومحطات توليد الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والمياه.
فبحسب بيانات وزارة الكهرباء وتصريحات المسؤولين فيها إلى وسائل الإعلام المحلية، حقق إنتاج مصر من الكهرباء طفرة وصلت بالإنتاج الإجمالي إلى نحو 36 ألف ميغاوات، بعد أن كان الإنتاج لا يتعدى 29 ألف ميغاوات قبل نحو عشر سنوات فقط.
وتأتي النسبة الأكبر من ذلك الرقم من محطات توليد الكهرباء التقليدية، حيث يبلغ الإنتاج في هذا القطاع أقل قليلاً من 60 ألف ميغاوات، بينما يبلغ إنتاج الكهرباء من محطات الطاقة المتجددة -الرياح والشمس والمياه- أكثر قليلا من 3 آلاف ميغاوات.
وخلال شهر يونيو/حزيران العام الماضي، أصدرت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية بياناً جاء فيه أن إجمالي القدرات المضافة من الكهرباء بلغ 31 ألف ميغاوات من الطاقة التقليدية والطاقات المتجددة، وذلك خلال الفترة من 2014 حتى 2022.
كم تستهلك مصر من الكهرباء؟
تستهلك مصر نحو 30 ألف ميغاوات من الكهرباء، وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد ذكر هذا الرقم، العام الماضي خلال مشاركته في المائدة المستديرة الرئاسية بـ"قمة داكار (العاصمة السنغالية) لتمويل البنية التحتية في أفريقيا"، بحسب صفحة رئاسة مجلس الوزراء المصري الرسمية على فيسبوك.
وخلال نفس اللقاء، قال مدبولي إن "إجمالي قدرات مصر الكهربائية كان يبلغ 28 ألف ميغاوات، في بلد يستهلك يومياً ما يزيد على 30 ألف ميغاوات، وخلال 8 سنوات فقط زادت هذه القدرات إلى 52 ألف ميغاوات"، مضيفاً أن "الشيء المهم في هذا السياق هو أن هذه القدرات المتحققة هي مزيج من الكهرباء التقليدية، والكهرباء المنتجة من الطاقة المتجددة، موضحاً في هذا الإطار أن مصر لديها الآن رابع أكبر محطة في العالم لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، هي محطة "بنبنان" في أسوان، والتي تعد "شراكة كاملة بين القطاعين العام والخاص".
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قال المهندس أحمد الشناوي، استشاري الطاقة بوزارة الكهرباء المصرية، لقناة "النيل الإخبارية" المحلية، إن إنتاج مصر من الكهرباء حالياً بلغ 63 ألف ميغاوات.
المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أيمن حمزة، قال لوسائل الإعلام المحلية في مايو/أيار الماضي، إن مصر لم تشهد أى انقطاعات نتيجة لتخفيف الأحمال على مدار الـ10 سنوات الماضية بجميع أنحاء الجمهورية، مضيفاً أنه "أصبح هناك احتياطي يومس بالشبكة يصل إلى 24 ألف ميغاوات يومياً خلال فصل الشتاء ويصل إلى 16 ألف ميغاوات خلال فصل الصيف".
لكن مع دخول الصيف الحالي (2023)، وهو فصل الصيف الأكثر سخونة في العالم منذ سنوات طويلة والسبب الرئيسي هو التغير المناخي، بدأ المصريون يعانون من انقطاعات التيار الكهربائي بشكل يومي وعلى فترات متفاوتة؛ مما تسبب في حالة من الغضب الشعبي وجدت طريقها مؤخراً إلى وسائل الإعلام المحلية بشكل لافت.
فانقطاع الكهرباء بتلك الصورة، وبخاصة في العاصمة القاهرة، أمر لم تعهده البلاد خلال السنوات الأخيرة، في ظل الفائض الكبير في القدرات الإنتاجية الكهربائية والحديث عن التصدير، على الرغم من أن استهلاك الكهرباء في مصر بلغ ذروته عند 34.6 ألف ميغاوات خلال يوليو/تموز الجاري، وفق موقع الطاقة المتخصص.
هل تصدّر مصر الكهرباء؟
تردّدت التساؤلات بشأن تصدير مصر للكهرباء واتخذت أشكالاً مختلفة عبر منصات التواصل الاجتماعي منها ما هو ساخر ومنها ما هو غاضب، فهل تصدر مصر الكهرباء؟
كان المتحدث باسم الوزارة، أيمن حمزة، قد أجاب عن هذا السؤال، في تصريحات إعلامية في مايو/أيار الماضي، لقناة الحياة المحلية، مؤكداً أن مصر تصدّر الكهرباء إلى أوروبا منذ فترة، وأن ذلك يتم عبر مذكرات تفاهم بين كل من مصر واليونان وقبرص.
المتحدث باسم الوزارة أكد أيضاً أن مصر ستقوم بتصدير الكهرباء إلى إيطاليا من خلال الكابلات البحرية، مشيراً إلى أن أهم ما تتميز به إيطاليا هو الشبكات القوية التي تتواجد لديها مما يسمح بزيادة القدرات التي ستعمل مصر على تصديرها.
وبحسب تصريحات جميع المسؤولين المصريين في قطاع الكهرباء ورئاسة الحكومة، تتمتع مصر باحتياطي جيد من الطاقة بشكل عام، هذا إلى جانب ما تتمتع به من شبكات نقل جيدة تتسم بالقوة الكبيرة؛ مما يجعل مصر مؤهلة لتصدير كميات كبيرة من الطاقة.
وفي الوقت نفسه، كشفت تقارير صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يتعلق بالصادرات المصرية من الوقود والطاقة، خلال شهر يناير/كانون الثاني 2023، عن تصدير صادرات بقيمة مليار و370 مليون من الوقود والطاقة، موضحاً أن إجمالي صادرات مصر من الطاقة الكهربائية بلغ نحو 10.940 مليون دولار الشهر الأول من العام الجاري.
لماذا قطع الكهرباء في مصر إذن؟
إذا كان إنتاج الكهرباء أعلى كثيراً من الاستهلاك، فلماذا تحدث انقطاعات الكهرباء بصورة متكررة تسببت في غضب شديد بين المواطنين؟ سؤال بدأ يتكرر على منصات التواصل الاجتماعي ووصل إلى وسائل الإعلام التقليدية، التي تسيطر عليها الحكومة إلى حد كبير.
قبل رصد الإجابات المتعددة لهذا السؤال، من المهم هنا ذكر شهادات كثير من المواطنين في قرى ومدن بعيدة عن العاصمة، تشير إلى أن انقطاعات التيار الكهربائي لفترات تتراوح بين ساعة و6 ساعات ليس أمراً جديداً، لكن وصول الأمر إلى "العاصمة وأحيائها التي يقطنها الكبار" أجبر الإعلام على إثارة القضية، بحسب أحد المواطنين القاطنين في إحدى قرى محافظات الدلتا، شمال القاهرة.
ففي العاصمة، بدأ انقطاع التيار الكهربائي منذ أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي رغم درجات الحرارة المرتفعة، وبدأت منصات التواصل الاجتماعي، وبخاصة فيسبوك الأكثر استخداماً بين المصريين، يعكس تلك الانقطاعات في صورة منشورات غاضبة وميمات ساخرة.
ثم ازدادت الأمور سوءاً مع مواصلة درجات الحرارة ارتفاعاتها القياسية وتزامن ذلك مع تواصل فصل التيار الكهربائي، والذي لم يعد مقتصراً على أحياء بعينها، بل طال جميع المناطق، بما فيها تجمعات سكنية توصف بأنها "سكن الأغنياء"، مثل مدينتي في شرق القاهرة والشيخ زايد في الغرب منها.
وتناولت برامج حوارية شهيرة وصحف قومية والمواقع التابعة لها مشكلة انقطاع الكهرباء بصورة عكست الغضب الشعبي المتزايد، فأصدرت الشركة القابضة للكهرباء، السبت 22 يوليو/تموز، بياناً غامضاً بشأن القصة، أثار المزيد من الغضب والسخرية.
إذ قالت الشركة القابضة لكهرباء مصر في بيانها إنه "يتم الالتزام بتنفيذ برنامج تخفيف الأحمال طبقاً للقدرات المطلوبة من كل تحكم، مع مراعاة البدء في الفصل بمدة زمنية 10 دقائق قبل رأس الساعة و10 دقائق بعدها، وألا تزيد مدة الفصل عن ساعة من وقت فصل التيار"، وأهابت الشركة بالمواطنين عدم استخدام المصاعد، خلال الفترة المحددة للفصل، حفاظاً على سلامتهم. وبدأ العمل بذلك النظام، بدءاً من منتصف ليل السبت الماضي.
وبحسب رئيس الوزراء، من المفترض أن تتوقف عمليات فصل التيار الكهربائي، التي فُسرت على أنها "تخفيف أحمال" عن شبكة التوزيع، منتصف الأسبوع الجاري.
لكن لم تقدم أي تصريحات رسمية تفسيراً منطقياً للتساؤلات الخاصة بما إذا كانت هناك وفرة في إنتاج الكهرباء وتتمتع مصر بشبكة توزيع قوية قادرة على تصدير الفائض، فلماذا يتم فصل التيار في مثل هذه الأجواء الخانقة؟ وهناك بعض التفسيرات المنتشرة، منها ما يقول إن الحكومة تولي أولوية للتصدير بحثاً عن العملات الأجنبية التي تعاني مصر من نقص حاد فيها، ومنها من يرى أن السبب هو سوء الإدارة في عمليات الصيانة الدورية لشبكات التوزيع وعدم وضع خطط استباقية للتعامل زيادة الأحمال الناتجة عن الارتفاعات غير المسبوقة في درجات الحرارة.