أثار التمرد الذي قاده زعيم مجموعة فاغنر الروسية، يفغيني بريغوجين، والصراع اللاحق على السلطة، حالة من عدم اليقين بشأن العمليات المستقبلية لهذه المجموعة المسلحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي هذا التقرير يستعرض موقع أسباب للتحليلات الاستراتيجية 4 سيناريوهات محتملة لمستقبل فاغنر التي تمردت على بوتين وتحظى بنفوذ واسع في مناطق مختلفة حول العالم.
ما حجم النفوذ الذي تحظى به "فاغنر" في المنطقة؟
تنشط مجموعة فاغنر، وهي شركة عسكرية روسية خاصة، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باعتبارها امتداداً لنفوذ روسيا، تتضمن أنشطتها تقديم الدعم العسكري والتدريب واستغلال الموارد في دول مثل السودان وليبيا وسوريا وغيرها، أدت عمليات المجموعة دوراً أساسياً في تأمين المصالح الجيوسياسية الروسية والاستفادة من الموارد الطبيعية الثمينة ومواجهة النفوذ الغربي.
ومع ذلك؛ تسبَّب تمرد مجموعة "فاغنر" في يونيو/حزيران 2023 بقيادة رئيسها، يفغيني بريغوجين، في إثارة شكوك حول مستقبل المجموعة، أدَّى الصراع على السلطة بين بريغوجين وبوتين إلى جعل عملاء فاغنر في حيرة من أمرهم بشأن مستقبل شراكاتهم الأمنية، من المرجح أن يركز بريغوجين على تأمين سيطرته على "فاغنر" وإمبراطوريته التجارية.
مع ذلك؛ من غير المرجّح أن تتخلى روسيا عن سيطرتها على مجموعة فاغنر دون مقاومة، إذ تضطلع المجموعة بدورٍ حيوي في سعي روسيا لتوطيد نفوذها الجيوسياسي والعسكري في المنطقة، تثير تلك القضايا تساؤلات حول استقرار واستمرارية عمليات "فاغنر" في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
سيناريوهات 4 تنتظر "فاغنر" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
السيناريو الأول: تحتفظ "فاغنر" بسيطرتها وتستمر العمليات في المنطقة
في هذا السيناريو، يقول موقع أسباب، إن بريغوجين ينجح في تعزيز سيطرته على مجموعة فاغنر ويواصل عملياته في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يركز بريغوجين على حماية إمبراطوريته التجارية، من ضمنها مجموعة فاغنر، ويواصل تقديم الخدمات شبه العسكرية مقابل السيطرة على موارد طبيعية ثمينة.
على الرغم من الصراع على السلطة مع فلاديمير بوتين، لم يحسم بعد عملاء فاغنر في إيران وليبيا وسوريا والسودان قرارهم، لكنهم اختاروا في نهاية المطاف الحفاظ على شراكاتهم الأمنية مع المجموعة، حيث تسمح قدرة بريغوجين على الاحتفاظ بالسيطرة لمجموعة فاغنر بمواصلة دعم الأهداف الجيوسياسية والعسكرية لروسيا في المنطقة، وهو ما يخفف من المخاطر المحتملة والتحولات في ميزان القوة.
ومع ذلك؛ قد يقود هذا السيناريو أيضاً إلى تحديات ومخاطر محتمَلة، قد يؤدي الاستقلال الذاتي لمجموعة فاغنر وتحقيقها استقلال جزئي عن الحكومة الروسية إلى تضارب في الأهداف أو الإجراءات التي لا تتوافق مع السياسات الرسمية الروسية، وقد يسفر ذلك عن تعقيدات في العلاقات بين المجموعة والحكومات الداعمة لها، وكذلك مع الجهات الفاعلة الدولية الأخرى المنخرطة في المنطقة.
السيناريو الثاني: انقسام "فاغنر" وفقدان الدعم الروسي
في هذا السيناريو؛ يؤدي الصراع على السلطة بين بريغوجين وبوتين إلى تفكّك مجموعة فاغنر، وهو ما يؤدي إلى إضعاف مكانة المجموعة وقدراتها، سَيُشكّل فقدان الدعم الروسي على وجه الخصوص تحدياً بالنسبة لمجموعة فاغنر، لأنَّها تعتمد اعتماداً كبيراً على الحكومة الروسية في التمويل والموارد والدعم السياسي، وبدون هذا الدعم ستواجه المجموعة خللاً شديداً في قدرتها على العمل بفعالية والحفاظ على وجودها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قد تواجه "فاغنر" صعوبات في الحفاظ على عقودها الحالية وتجنيد المرتزقة والوصول إلى الشبكات اللوجستية الضرورية ومصادر التمويل اللازمة.
تظهر فصائل مختلفة داخل مجموعة فاغنر، لكن بريغوجين سيواصل الاحتفاظ بالسيطرة على فصيل واحد، بينما ينضم آخرون إلى الجيش الروسي أو يوضعون تحت لواء قيادة جديدة، يؤدي هذا الانقسام إلى إضعاف نفوذ مجموعة فاغنر وتراجع كفاءة عملياتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مسبباً حالة من عدم اليقين وسط عملائها.
نتيجة لذلك؛ تسعى دول مثل ليبيا والسودان إلى البحث عن شراكات أمنية بديلة، إذ ربما يتوجهون إلى الصين أو حتى الولايات المتحدة الأميركية من أجل الحصول على الدعم، حيث يؤدى فقدان الدعم الروسي وتفكّك مجموعة فاغنر إلى خلق فراغ قوة في المنطقة، وهو ما يترتب عليه حدوث تحولات سريعة في موازين القوى وديناميكيات السلطة.
بالنسبة للدول التي تنشط فيها مجموعة فاغنر، قد يترتب على انقسام فاغنر وفقدان الدعم الروسي تداعيات مختلطة، فمن ناحية؛ قد ينجم عن ذلك تراجع في نفوذ وأنشطة المجموعة، وهو ما قد يؤدي إلى تقليل انتهاكات حقوق الإنسان والأعمال المزعزعة للاستقرار، ولربما يتيح هذا الوضع فرصة لهذه الدول لإعادة تقييم علاقاتها مع الجهات الفاعلة الخارجية والسعي إلى شراكات بديلة، ومع ذلك؛ فإنَّ غياب مجموعة فاغنر قد يخلق أيضاً فراغات أمنية وصراعات على السلطة، لاسيما إذا لم تكن هناك بدائل فورية أو ترتيبات أمنية بديلة، ونتيجة لذلك؛ قد تصبح الحكومات والفصائل المعتمدة على دعم المجموعة عرضة للتهديدات الداخلية والخارجية، وفي بعض الحالات؛ قد يصل الأمر إلى تجدد نزاعات أو تقوية المجموعات المسلحة المنافسة.
السيناريو الثالث: اندماج "فاغنر" مع شركة عسكرية خاصة أخرى
في هذا السيناريو؛ تندمج كيانات مجموعة فاغنر مع شركة عسكرية خاصة أخرى، مثل شركة كونفوي (Convoy) التي يقودها سيرغي أكسيونوف وكونستانتين بيكالوف، ويعزز هذا الاندماج وجود وتأثير الكيان الجديد المندمج في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث يرث الكيان الجديد علاقات "فاغنر" ومكانتها الموثوق بها، ما يسمح له بمواصلة تقديم الخدمات شبه العسكرية وتأمين الوصول إلى الموارد الثمينة.
لكن في الوقت نفسه، قد تواجه دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي اعتمدت على دعم "فاغنر" تحديات في التعامل مع الديناميكيات الجديدة وتقييم موثوقية الكيان المندمج.
ستعتمد الآثار المترتبة على مثل هذا الاندماج على هوية وطبيعة الشركة العسكرية الخاصة الأخرى المندمجة مع مجموعة فاغنر، فإذا حدث اندماج مع شركة تتشارك نفس الأهداف والاستراتيجيات، قد يؤدي ذلك إلى اندماج سلس واستمرار عمليات مجموعة فاغنر، وذلك يعني أن تأثير الكيان المندمج ونفوذه سيتواصل في الدول التي تنشط فيها المجموعة -مثل ليبيا وسوريا والسودان.
لكن إذا تضمّن الاندماج شركة ذات أولويات أو مناهج مختلفة، فقد يترتب على ذلك تغييرات كبيرة في عمليات المجموعة واستراتيجياتها قد تحدث تغييرات في الدول محل التركيز أو إعادة تقييم التحالفات أو حتى إنهاء بعض العقود والعلاقات، وقد يعطي الكيان المندمج الأولوية لمصالح اقتصادية أو أهداف جيوسياسية مختلفة، وهو ما ينجم عنه حدوث تغيير في ديناميكيات القوة في تلك الدول، وقد يتمتع الكيان المشترك الجديد بقدرة أكبر على ممارسة النفوذ والتورط في انتهاكات حقوق الإنسان أو مواصلة الأنشطة المزعزعة للاستقرار، بما يؤدي إلى إثارة توترات مع دول أو قوى إقليمية أو تنظيمات دولية أخرى، وهو ما يقود إلى مزيد من التدقيق وإثارة صراعات محتملة.
السيناريو الرابع: انسحاب فاغنر من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
في هذا السيناريو المطروح؛ تقرر مجموعة فاغنر وقف عملياتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسبب الصراع على السلطة، وأوجه عدم اليقين المحيطة بمستقبل المجموعة.
ويخلق هذا الانسحاب فراغاً أمنياً كبيراً، لاسيما في دول أثبتت المجموعة فيها حضوراً جوهرياً مثل ليبيا والسودان، حيث يؤدي رحيل مقاتلي فاغنر إلى إضعاف مواقف الجهات الفاعلة المحلية التي كانت تدعمها المجموعة، وهو ما قد يغيّر ميزان القوى لصالح الفصائل أو الحكومات المنافسة.
وقد يترتب على ذلك إضعاف قدرة تلك الجهات المحلية المدعومة من "فاغنر" على محاربة الجماعات المتمردة وحماية البنية التحتية الرئيسية، أو مواصلة الاحتفاظ بالسيطرة على الموارد الثمينة، كما قد يؤدي رحيل مجموعة فاغنر أيضاً إلى إعادة ترتيب التحالفات، وهو من المحتمل أن يتسبب في نشوب صراعات جديدة أو تفاقم النزاعات القائمة.
علاوة على ذلك، قد يخلق انسحاب مجموعة فاغنر فرصاً لأطراف خارجية أخرى للتدخل لملء الفراغ الأمني، ربما تسعى قوى إقليمية أو أصحاب مصلحة دوليين إلى توسيع نفوذهم في تلك البلدان المتأثرة، وهو ما يترتب عليه زيادة المنافسة والحروب بالوكالة، وقد يقود ذلك إلى مزيد من زعزعة استقرار المنطقة وتعقيد جهود السلام والاستقرار.
من ناحية أخرى، قد يوفر أيضاً انسحاب مجموعة فاغنر فرصة للبلدان المتأثرة لإعادة تقييم علاقاتها مع الجهات الفاعلة الخارجية والبحث عن شراكات بديلة، كما قد تسعى تلك الدول إلى تنويع مصادر الدعم العسكري والأمني من خلال الانخراط مع شركات عسكرية خاصة أخرى أو منظمات دولية أو تحالفات إقليمية، كما قد ينجم عن ذلك ترتيبات أمنية أكثر توازناً واستقلالية.
في النهاية، سيكون انسحاب مجموعة فاغنر له تداعيات أيضاً على نفوذ روسيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد يشير انسحاب "فاغنر" إلى تحول ما في استراتيجية روسيا أو أولوياتها، في خطوة يحتمل أن تلقي بظلالها على علاقاتها مع الدول المتأثرة، كما قد تحتاج روسيا إلى إيجاد طرق بديلة للحفاظ على مصالحها الجيوسياسية وحماية استثماراتها الاقتصادية في المنطقة.