مع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية وتفاقم الظواهر الجوية المتطرفة حول العالم، تستعد الدول لإجراء محادثات خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب28) هذا العام حول تمويل قضايا المناخ – أي الأموال التي تقدمها الاقتصادات الكبيرة لمساعدة الدول الأكثر فقراً على التكيف مع تلك الظاهرة.
وهناك دول لم تقدم المبالغ التي تعهدت بها حتى الآن. ويقول محللون إن بعضها دفع أكثر من "حصته العادلة". فيما تقول دول أخرى إنها ليست مضطرة لأن تدفع على الإطلاق.
ما هي الدول التي تقدم هذا التمويل؟
تعود قائمة الدول الملزَمة بالمساهمة إلى محادثات الأمم المتحدة حول المناخ عام 1992. ولم يتم توسيع القائمة منذ ذلك الحين.
تضم القائمة 23 دولة هي أستراليا والنمسا وبلجيكا وكندا والدنمارك وفنلندا وفرنسا وألمانيا واليونان وأيسلندا وأيرلندا وإيطاليا واليابان ولوكسمبورغ وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والبرتغال وإسبانيا والسويد وسويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة.
وشملت القائمة أيضاً المجموعة الاقتصادية الأوروبية التي كانت موجودة قبل الاتحاد الأوروبي.
ومن بين الدول غير المدرجة على القائمة الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم اليوم، فضلاً عن دول يرتفع فيها نصيب الفرد من الثروة مثل الإمارات. وتسعى دول لتغيير هذا الوضع.
ما هي الدول التي تدفع حصتها العادلة؟
لا تحدد قواعد الأمم المتحدة حجم الأموال التي يتعين على كل دولة غنية دفعها.
ووضع معهد التنمية الخارجية للأبحاث (أو.دي.آي) ومقره لندن، تقديرات لحجم التمويل الذي يجب أن تدفعه كل دولة غنية للوصول لهدف المئة مليار دولار سنوياً الذي تعهدت الدول الغنية بتقديمها بشكل مشترك، وذلك بناء على الدخل القومي لكل دولة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تنتجها منذ 1990 وعدد سكانها.
ووفقاً لهذا التحليل، فإن سبع دول فقط هي التي دفعت "حصتها العادلة" في عام 2020، وهي الدنمارك وفرنسا وألمانيا واليابان وهولندا والنرويج والسويد.
وبحسب ترتيب المعهد، فإن الولايات المتحدة تتخلف عن كل الدول المتقدمة الأخرى لدى مقارنة مساهماتها السابقة في تمويل قضايا المناخ مع ما يفترض أن تكون عليه "حصتها العادلة".
وشملت المساهمات في 2020 مبلغ 8.66 مليار دولار من فرنسا و16.09 مليار دولار من اليابان. في المقابل، قدمت الولايات المتحدة 2.3 مليار دولار في 2020.
وتعهدت واشنطن بمبلغ 11.4 مليار دولار لعام 2025، لكن المعهد أشار إلى أن هذا يمثل 25% فقط من "الحصة العادلة" للولايات المتحدة.
ويمثل الاتحاد الأوروبي، المؤلف من 27 دولة، مجتمعاً أكبر مساهم في تمويل قضايا المناخ، إذ قدم مبلغ 23.38 مليار يورو (26.15 مليار دولار) في 2020.
تلك المبالغ لا تشمل جميع الأموال المتعلقة بالمناخ مثل حجم التمويل الذي تخصصه هذه الدول للمشاريع المرتبطة بهذه المسألة.
كما أنها لا تعكس حجم ما تنفقه الدول في الداخل لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض. وأقرت الولايات المتحدة مشروع قانون الحد من التضخم ويشمل تخصيص مبلغ 430 مليار دولار. ويتضمن بنوداً رئيسية لخفض الانبعاثات والتوسع في استخدام التقنيات منخفضة الكربون.
ارتفاع التكاليف
من المتوقع أن تأتي مسألة التمويل في صدارة الموضوعات المطروحة في مؤتمر المناخ المقرر عقده في نوفمبر/تشرين الثاني حين ستبحث نحو 200 دولة إنشاء صندوق لدعم الدول الأكثر عرضة لخطر التأثر بتغير المناخ وتعاني من أضرار مرتبطة به، إلى جانب بحث تعهد جديد لتمويل قضايا المناخ لما بعد عام 2025.
وحتى ذلك الحين، سيظل التعهد الإجمالي عند نحو 100 مليار دولار سنوياً يقل كثيراً عما هو مطلوب لإزالة الكربون من الاقتصادات والتكيف مع عالم أكثر دفئاً. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه بحلول عام 2030، ستحتاج الدول المعرضة لخطر التأثر بتغير المناخ إلى ما يقرب من ستة تريليونات دولار لتقليل الانبعاثات فقط.
ما هي أسباب تغير المناخ؟
والسبب الرئيس وراء تغير المناخ هو الانبعاثات الكربونية التي تنتج عن الأنشطة الصناعية وتتسبب في رفع درجة حرارة الكوكب بصورة متسارعة، لذلك شهدت قمة المناخ في باريس 2015 اتفاقاً كان يعد تاريخياً بين الدول الكبرى على خفض الانبعاثات الكربونية، والهدف عدم زيادة درجة حرارة الكوكب عن 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2023.
لكن الاتفاقيات شيء والتنفيذ شيء آخر، فالمصالح أعلى من صوت العقل والخلافات الجيوسياسية بين القوى العظمى، إضافة إلى سطوة الشركات العملاقة، كلها أمور جعلت من التحول إلى الطاقة النظيفة والحد من استخدام الوقود الأحفوري بأنواعه أبطأ كثيراً مما يفترض ومما تم الاتفاق عليه.
وإذا ذكرت الانبعاثات الكربونية، ذكرت الصين وأمريكا على الفور، فكلتاهما مسؤولة عن 40% من إجمالي تلك الانبعاثات، وبالتالي فإن عليهما مسؤولية مباشرة في تنحية خلافاتهما وصراعهما من أجل السيطرة على العالم جانباً والعمل معاً لإنقاذ الكوكب.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، كان قد وصف عام 2021 بأنه يمثل "جرس إنذار" للبشرية قبل أن يفوت أوان إنقاذ الكوكب من تداعيات التغير المناخي، وشهدت قمة المناخ في ذلك العام بالفعل اتفاقاً مفاجئاً بين الصين وأمريكا في آخر لحظة، جاء بمثابة مفاجأة سارة أشاد بها الجميع.
فقد توصلت الصين والولايات المتحدة يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إلى "إعلان مشترك حول تعزيز التحرك حيال المناخ"، وذلك على هامش أعمال قمة المناخ في اسكتلندا، والتي وُصفت بـ"قمة الأمل الأخير" لكوكب الأرض.
هل تنحّي الصين وأمريكا خلافاتهما جانباً؟
لكن بعد نحو 9 أشهر من ذلك الاتفاق المفاجئ، قامت نانسي بيلوسي، الرئيسة السابقة لمجلس النواب الأمريكي، بزيارة إلى تايوان، فاستشاطت الصين غضباً وأوقفت جميع أوجه التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، بما فيها ملف التغير المناخي، وأعلنت الصين تمسكها بتصنيفها الأممي "كدولة نامية"، رافضة المشاركة في تمويل "صندوق الأضرار وتعويض الخسائر" للدول النامية عن أضرار المناخ التي تتسبب فيها الدول الغنية.
لكن يبدو أن حرارة صيف 2023 القائظة قد تكون سبباً رئيسياً في إقناع "المذنبين الرئيسيين" بحتمية العمل معاً قبل فوات الأوان.
فقد أعادت الصين فتح باب التواصل مع أمريكا، فزار وزير الخارجية أنتوني بلينكن بكين، ثم زارتها أيضاً وزيرة الخزانة جانيت يلين، وأخيراً وصل جون كيري مسؤول ملف المناخ، فهل ستكون القوتان العُظميان الأكبر في العالم، والأكثر تلويثاً له، قادرتين على تبديد التوترات الدبلوماسية للتركيز على الأهداف المناخية الرئيسية؟
لكن الواضح هنا هو أن كلتا الحكومتين لا تزالان تكافحان لتحقيق التوازن بين مطالب النمو الاقتصادي وخفض الانبعاثات، ما يؤدي إلى تحركات متناقضة أثارت انتقادات من دعاة حماية البيئة.
فالصراع الجيوسياسي المحتدم بين القوتين الأعظم جعل الصين تعطي الأولوية لأمن الطاقة لديها، وهذا يعني العودة إلى طاقة الفحم، لأنها أكثر موثوقية عند مقارنتها بتقطع طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ففي العام الماضي، وافقت الصين على زيادة كبيرة في إنتاج الطاقة من الفحم، وهو ما يعادل الموافقة على محطتين كبيرتين لتوليد الطاقة بالفحم في الأسبوع، وفقاً لأحد التحليلات الغربية. ووجد تحليل آخر أنه في حين أن الطاقة المتجددة تشكل الآن حصة أكبر من إنتاج الطاقة في الصين، فإن الطاقة التي تعمل بالفحم لا تزال ترتفع من حيث القيمة المطلقة بسبب الطلب الهائل.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد أقرت مؤخراً تشريعين من شأنهما ضخ مليارات الدولارات في الطاقة النظيفة. لكنها وافقت أيضاً على أحد أكبر مشاريع التنقيب عن النفط والغاز في السنوات الأخيرة في ألاسكا.
كما زادت انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة في عام 2022؛ حيث استهلكت البلاد المزيد من الغاز الطبيعي خلال الطقس القاسي في ذلك العام، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
يقول البروفيسور كامين: "الولايات المتحدة ليست أفضل.. لذلك كل واحد أمامه طريق طويل ليقطعه، وكل واحد يحتاج إلى تحفيز الآخر، والأهم من ذلك أن البلاد جميعها تراقب إلى أي درجة تكون الولايات المتحدة والصين جادتين تماماً بشأن المناخ".