في مايو/أيار الماضي، وقَّع الحوثيون في اليمن مذكرة تفاهم مع الحكومة الصينية ومجموعة أنطون لخدمات حقول النفط الصينية؛ من أجل الاستثمار في التنقيب عن النفط في البلاد. وذكرت وسائل إعلام تابعة للحوثيين أن الصفقة جاءت بعد مفاوضات وتنسيق متعدد مع عدة شركات أجنبية لإقناعها بالاستثمار في قطاع النفط المتأخر في البلاد.
ورغم أن مجموعة أنطون لخدمات حقول النفط ألغت الاتفاقية لاحقاً، تؤكد صفقة التنقيب عن النفط أن بكين تعترف ضمنياً بالحوثيين كما يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي، وهم الذين أقاموا علاقات دبلوماسية رسمية فقط مع إيران وسوريا حتى الآن، كهيئة حاكمة في اليمن، بينما لا تزال تصرِّح علناً بأن الحكومة اليمنية هي الممثل الشرعي للبلاد.
الصين تقدم نفسها كوسيط دبلوماسي محتمل في اليمن
في معرض تأكيده لعلاقة بكين المتنامية مع الحوثيين، أشاد أحد أعضاء المكتب السياسي للجماعة، علي القحوم، بالصين، قائلاً إنها "صعدت لتلعب دوراً محورياً، وتعقد اتفاقيات تعيد الهدوء والسلام والعلاقات الدبلوماسية بين دول المنطقة". يشير القحوم هنا إلى الاتفاق السعودي الإيراني الأخير الذي توسطت فيه الصين، والذي قد ينسب إليه الفضل في الحركة الدبلوماسية الأخيرة في اليمن بين المملكة السعودية والحوثيين.
المثير للدهشة أن صفقة التنقيب عن النفط والعلاقات بين الحوثيين والصين لم تُقابل برد فعل علني من أكبر أعداء الحوثيين، المملكة العربية السعودية، كما يقول الموقع الأمريكي. ويشير عدم إدانة الرياض إلى أن المملكة تتسامح على الأقل مع الاتفاق وعلاقات بكين مع الحوثيين، خاصة إذا كان بإمكان الحكومة الصينية أن تلعب دوراً محورياً في إنهاء حرب كلفت الرياض مليارات الدولارات.
علاقات قوية من الانفصاليين
لكن الصين لا تتدخل فقط إلى جانب الحوثيين. التقى القائم بالأعمال الصيني تشاو تشنغ مع سفير المملكة السعودية في اليمن، محمد بن سعيد الجابر، لمناقشة آخر التطورات في اليمن وكيفية الوصول إلى حل سياسي. يأتي هذا الاجتماع بعد سلسلة اجتماعات بين تشنغ وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، بمن فيهم رئيس المجلس التشريعي رشاد العليمي، وزعيم المقاومة الوطنية طارق صالح، وزعيم المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي.
وبينما كانت بكين جزءاً اسمياً من مجلس القيادة الرئاسي، فإنها تعمل أيضاً على تطوير العلاقات مع المجلس الانتقالي الجنوبي لسنوات. بالإضافة إلى الاجتماع مع الزبيدي، حافظت الصين منذ فترة طويلة على خطوط اتصال مفتوحة مع المجموعة الانفصالية.
وبينما تعارض الصين علناً قضية استقلال الجنوب، فقد تمكنت من الاستفادة من علاقتها مع المجلس الانتقالي الجنوبي لتشجيعها على التمسك باتفاقيات تقاسم السلطة مع الحكومة اليمنية. وبعد الاتفاق الإيراني السعودي، أثنى مسؤولو المجلس الانتقالي الجنوبي على الصين للدور البنّاء الذي لعبته في الشرق الأوسط.
لكن لماذا تحاول الصين إقامة علاقات مع أطراف متعددة في حرب لم تحظ باهتمام دولي يُذكَر في السنوات الأخيرة؟
ليس التدخل الصيني في اليمن جديداً على الإطلاق. تعود العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والصين إلى عام 1956 عندما كانت اليمن في الواقع أول دولة في شبه الجزيرة العربية تعترف بجمهورية الصين الشعبية. منذ توحيد اليمن في عام 1990، وقَّعت الصين اتفاقيات لبناء محطات لتوليد الطاقة بالغاز الطبيعي في اليمن، وتوسيع موانئ الحاويات في عدن والمخا، ونشطت في قطاع إنتاج النفط في اليمن. وبدأت الصين أيضاً في تطوير اتصالات مع الحوثيين في وقت مبكر من عام 2011.
ويأتي انخراط بكين في اليمن على خلفية الانتعاش الكبير في نشاطها الدبلوماسي عبر الشرق الأوسط وإفريقيا، ويبدو أنها تضع نفسها كبديل غير تدخلي للولايات المتحدة. من أجل توسيع نفوذها في المنطقة، قامت الصين بغزوات دبلوماسية متعددة، بما في ذلك التوسط في اتفاقية التطبيع السعودية الإيرانية الأخيرة، وكذلك استضافة قمم الصين والدول العربية وقمة مجلس التعاون الصيني الخليجي.
ومع احتفاظ الصين بعلاقات إيجابية مع جميع الأطراف في اليمن، وكذلك مع داعمي الحرب -الرياض وأبوظبي وطهران- يمكن أن تكون عملية السلام في اليمن أحدث الخطوات في بناء غطاء بكين الدبلوماسي.
ولكن بينما تتطلع بكين بالتأكيد إلى تعزيز علاقاتها الدبلوماسية في المنطقة للتنافس مع الولايات المتحدة، فقد يكون هناك المزيد من الأمور على المحك فيما يتعلق بتدخلها المحتمل في اليمن. وبالتحديد، تعتبر الصين تأمين الوصول إلى الموارد والأسواق الحيوية بمثابة مكاسب مالية مرتقبة.
هل تساهم الصين في إعادة إعمار اليمن؟
تدرك بكين أنه بعد انتهاء الحرب، سيحتاج اليمن إلى ملايين الدولارات لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية. ومن خلال الانخراط مع جميع أطراف الحرب، فإن ذلك يضمن أنه بغض النظر عن النتيجة، فإن الشركات الصينية، مثل شركة هاربور الهندسية الصينية، في وضع مناسب للفوز بهذه العقود المربحة.
ولعل الأهم من ذلك أن موقع اليمن الاستراتيجي في الخليج يجعله جذاباً لبكين. يمر جزء كبير من تجارة الصين مع أوروبا عبر خليج عدن والبحر الأحمر، بينما يمر النفط الصيني المستورد من الشرق الأوسط وإفريقيا عبر باب المندب ومضيق هرمز.
وبينما تتمتع الصين بالفعل بإمكانية الوصول إلى هذه الممرات المائية الاستراتيجية، فإن تأمين الوصول إلى الموانئ اليمنية يمكن أن يساعد في تعزيز مبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة، ويضمن الدخول إلى طرق التجارة العالمية.