اجتمع الشهر الماضي سياسيون ليبيون ينتمون إلى المجلسين التشريعيين المتنافسين في البلاد (أحدهما في طرابلس العاصمة، والآخر في مدينة طبرق الشرقية) في المغرب للاتفاق على مسودة قانون انتخابي لحل أزمة الانتخابات الليبية. لم يشاركوا النص مع الجمهور، لكنهم نالوا الثناء من الدبلوماسيين الغربيين. بعد سنوات من التأخير، ربما كانت ليبيا على وشك اختيار حكومة جديدة، تنهي جمودها السياسي الطويل.
ثم ظهرت التحفظات. كان من المفترض أن يوقِّع رئيسا المجلسين التشريعيين في ليبيا شخصياً على المسودة، لكنهما تراجعا في اللحظة الأخيرة. دعا المشرعون في جزء من البلاد المقسمة إلى انتخابات في غضون 8 أشهر، بحسب تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
وأشار المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى أن هذا كان متفائلاً، لأن "الثغرات القانونية وأوجه القصور الفنية" تعني أن القوانين الانتخابية الجديدة لن تؤتي ثمارها.
عقبة انتخاب الرئيس
كانت ليبيا موحدةً من قبل، لكنها انزلقت في حربٍ أهلية وانقسامٍ إقليمي، بعد إطاحة معمر القذافي في عام 2011. تنظر الأمم المتحدة والقوى الغربية إلى الانتخابات على أنها السبيل للخروج من هذه الأزمة، وحاولت مراراً تنظيمها، لكن المحاولات فشلت، ومع ذلك فهم يطالبون نفس السياسيين وقادة الميليشيات بتدشين محاولة أخرى.
كان آخر فشل في عام 2021، عندما حددت السلطات موعد الانتخابات، وسجلت ما يقرب من 3 ملايين ناخب. لا يزال هؤلاء ينتظرون. أُجِّلَ الاقتراع رسمياً بسبب مشكلات قانونية، بما في ذلك الأهلية للترشح للانتخابات. لم يكن لليبيا دستور ولا قوانين انتخابية، وهي معضلة كان من المفترض أن تحلها المحادثات في المغرب.
بالنسبة لبعض المشاركين، كانت القضية الأكبر هي مسألة من هو المؤهَّل للترشح للرئاسة، وهو نقاش موجه لرجل واحد: خليفة حفتر، الجنرال الذي تحوّل إلى أمير حرب، حاول عبثاً غزو طرابلس، في عام 2019. يريد السياسيون هناك استبعاده؛ إما عن طريق منع العسكريين، وإما الأشخاص الذين يحملون جنسية مزدوجة من الترشح (لدى حفتر جواز سفر أمريكي).
ويُقال إن مسودات القوانين الانتخابية تتطلب من المرشحين المحتملين تعليق زيهم العسكري. لكن هذا ليس حلاً دائماً. يمكن لحفتر أن يسلم السيطرة على ما يسمى بالجيش الوطني الليبي إلى ابنه صدام، الذي أعدّه لهذا المنصب. ومع ذلك، إذا خسر الانتخابات، يمكنه استعادة المنصب، وربما يحاول تغيير النتيجة بالقوة.
ورغم الأحاديث الأخرى، فإن هذا هو السبب الحقيقي والقاضي وراء عدم قيام ليبيا بعد باختيار حكومة جديدة، إذ ليس هناك حافزٌ لدى أحد لإجراء انتخابات قد تجبره على الخروج من السلطة.
في عام 2021، عندما عُين عبد الحميد دبيبة، رجل الأعمال الكبير في قطاع البناء، رئيساً لوزراء الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، وعد بعدم الترشح للرئاسة. نكث وعده في وقت لاحق. ويخشى عقيلة صالح، رئيس البرلمان المنتهي الصلاحية في الشرق، من فقدان قبضته على السلطة، بل قد سعى إلى عرقلة أي تقدم سياسي.
يختبئ في الخلفية سيف الإسلام القذافي، الابن الثاني للقذافي. لقد كان يخطط بهدوء للعودة -بغض النظر عن أنه حُكِمَ عليه بالإعدام من قِبَلِ محكمة في طرابلس، ووُجِّهَت إليه لائحة اتهام من قِبَلِ المحكمة الجنائية الدولية. سُجِّل كمرشح رئاسي قبل انتخابات 2021 المجهضة.
لقد ظل بعيداً عن الأنظار، وقبل عامين، أجرى مقابلة قلَّما تتكرر مع صحيفة New York Times الأمريكية. إذا اتفقت الفصائل المتنافسة في ليبيا على موعد الانتخابات، فمن المحتمل أن يصعد حملته ويضع نفسه كشخصية توحِّد البلاد. قد ينجح الأمر، فبعد 12 عاماً من إطاحة القذافي، ينظر الكثير من الليبيين إلى عهده على أنه فترة استقرار نسبي. وهذا سبب آخر لتأجيل حكام البلاد الحاليين للانتخابات.
تحالف حفتر والدبيبة
في مايو/أيار الماضي، كان مصدر سياسي ليبي كشف لوكالة الأناضول، تفاصيل اتفاق غير معلن جرى بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، وقائد قوات الشرق، خليفة حفتر، على تشكيل حكومة ليبية موحدة.
وقال المصدر الليبي إن ذلك جاء خلال مشاورات جرت مؤخراً في العاصمة المصرية القاهرة بين وفود من حكومة الوحدة الوطنية ومندوبين عن حفتر، وبتمثيل أقل من مجلس النواب.
كما أوضح أن الاتفاق "ينص على أن يكون الدبيبة رئيساً للحكومة الموحدة المقبلة، مقابل تنازله عن الضغط الذي يمارسه لإقصاء حفتر من (المشاركة في) الانتخابات الرئاسية المقبلة".
وأردف المصدر المطلع الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن الدبيبة، "بموجب الاتفاق سوف يمتنع عن الضغط الذي كان يمارسه بشكل سري، لإقصاء حفتر من الترشح للانتخابات الرئاسية"، كما أشار إلى أنه "بموجب ذلك الامتناع من قبل الدبيبة سيسمح بإقرار قوانين انتخابية تسمح لمزدوجي الجنسية والعسكريين بدخول السباق الانتخابي، وهما أمران كانا سيقصيان حفتر، حيث ينطبقان عليه، كونه يحمل الجنسية الأمريكية، وكذلك عسكرياً".
"إبعاد" باشاغا
ولفت إلى أن فتحي باشاغا رئيس الحكومة المعينة من قبل مجلس النواب (شرق) رفض اتفاق الدبيبة وحفتر، الذي كان من المفترض أن يتولى بموجبه منصب "نائب رئيس حكومة الوحدة".
وبحسب المصدر نفسه، فإن باشاغا "رفض أن يكون نائباً للدبيبة في رئاسة الحكومة المقبلة الموحدة، ما دفع حفتر للضغط على مجلس النواب لتوقيفه عن رئاسة الحكومة".
وفي 16 مايو/أيار الجاري صوّت مجلس النواب بـ"الأغلبية" لصالح إيقاف باشاغا، عن رئاسة الحكومة، التي كلف بها في مارس/آذار 2022، وإحالته للتحقيق، خلال جلسة بمدينة بنغازي (شرق)، بدلاً من مدينة طبرق (شرق) التي اعتاد عقد جلساته بها.
وفي فبراير/شباط 2022، كلف مجلس النواب باش آغا، بتشكيل حكومة جديدة بعد إعفاء حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة، الذي رفض القرار، وأيده في ذلك غالبية أعضاء المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، ما أدى إلى انقسام السلطة التنفيذية مجدداً.
وفي الوقت الحالي على الأقل، لا يبدو المأزق بهذا السوء، لقد انحسر العنف. تحافظ أسعار النفط المرتفعة على تدفق المليارات إلى الخزانة، مما يساعد على شراء الهدوء، لكن هذا غير مستدام، فإذا فشلت العملية السياسية، من المرجح أن يُستأنَف القتال. لا يزال قادة ليبيا يفضِّلون الاستيلاء على السلطة بالقوة، على كسبها من خلال الانتخابات.