كاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن يفسد قمة الناتو، بعد أن هاجم قادة الدول المتحفظين على طلبه هبسرعة انضمام بلاده للحلف، الأمر الذي قوبل بانتقادات غير مسبوقة من قبل أقوى حليفين له: الولايات المتحدة وبريطانيا، فهل ينذر خطأ زيلينسكي بأفول الدعم الغربي لأوكرانيا؟
فعشية القمة غرد فولوديمير زيلينسكي: "يبدو أنه لا يوجد استعداد لدعوة أوكرانيا إلى الناتو أو جعلها عضواً في الحلف".
واستبق الرئيس الأوكراني البيان الذي كان يعد بشأن عضوية أوكرانيا، بوصف مفاوضات الدول الأعضاء بالتردد السخيف لأنها تسعى لتقديم وعد لأوكرانيا بالانضمام للحلف دون وضع جدول زمني، مع وضع إصلاحات متعلقة بالسياسة والاقتصاد والنواحي العسكرية.
وقال زيلينسكي: "تردد حلف شمال الأطلسي حيال أوكرانيا يشجّع الإرهاب الروسي"، معتبراً أن "عدم تحديد إطار زمني لعضوية أوكرانيا في الناتو أمر غير مسبوق وسخيف"، وأضاف: "لكن أوكرانيا تستحق الاحترام أيضاً".
كما أطلق الرئيس الأوكراني العنان لتوجيه انتقادات للناتو على الشبكات الاجتماعية.
وأثارت فورة الغضب هذه حفيظة كبار أعضاء الناتو الذين ضخوا دعماً عسكرياً ومالياً يزيد عن 160 مليار دولار لأوكرانيا منذ بدء الحرب قبل أكثر من 17 شهراً.
سلوك غير دبلوماسي
لقد كان هذا، بمعايير القمم الدولية، سلوكاً غير دبلوماسي، حسب وصف تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
جاءت تغريدة زيلينسكي، قبل أقل من ساعة من توقيع جو بايدن و30 من زعماء الناتو الآخرين على إعلان القمة النهائي حول هذا الموضوع. اتضح أنه بيان لم يحدد جدولاً زمنياً يمكن لأوكرانيا الانضمام من خلاله، ولا قائمة بالشروط التي يتعين عليها الوفاء بها، ولا حتى تقديم دعوة للانضمام في تاريخ غير محدد في المستقبل بمجرد انتهاء الحرب مع روسيا.
في وقت لاحق، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، لشبكة CNN، إن أوكرانيا لا يمكنها الانضمام إلى الناتو على الفور، لأنها كانت "حقيقة لا مفر منها" أن بند الدفاع المشترك في المعاهدة يعني أن الحلفاء سيضطرون إلى الدخول في حرب مباشرة مع روسيا.
زيلينسكي يتهم الناتو باستخدام أوكرانيا كورقة للتفاوض مع روسيا
في المقابل، مضى زيلينسكي في الادعاء بأن قادة الناتو لم يكونوا جادين بشأن دعوة أوكرانيا فعلياً للانضمام إلى الحلف، واشتكى من أن نهجهم يشير إلى أنهم بدلاً من ذلك يريدون الاحتفاظ بعضوية الناتو كورقة مساومة للمفاوضات النهائية مع روسيا.
وكتب "عدم اليقين هو ضعف"، بينما كان يستعد للانضمام إلى الحلفاء في اجتماعات في فيلنيوس. وسأناقش هذا علانية في القمة".
أرسلت رسالة زيلينسكي الصارمة المكونة من 170 كلمة، موجات من الصدمة خلال القمة، حيث كان بايدن يأمل في قيادة استعراض للوحدة ضد روسيا وإبراز قدرته على حشد الشركاء العالميين، وهو عنصر أساسي في خطة إعادة انتخابه، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة the Washington Post الأمريكية.
في حين أن زيلينسكي لم يذكر بايدن في تغريدته، فقد وصف الزعيم الأوكراني رئيس الولايات المتحدة في الناتو بأنه "صانع القرار".
من جانبه، كان بايدن أكثر تردداً من العديد من أعضاء الناتو الآخرين بشأن محاولة أوكرانيا الحصول على وعد محدد للانضمام للناتو، قائلاً إنه بالإضافة إلى حل الحرب المستمرة مع روسيا، كانت كييف بحاجة إلى الخضوع لإصلاحات إضافية لتصبح مؤهلة.
وكانت الولايات المتحدة وألمانيا هما اللتين أصرَّتا على التراجع عن الالتزام بضم أوكرانيا إلى الحلف. في حين قدمت المسودات الأولية لبيان القمة الختامي مساراً أوضح لانضمام أوكرانيا في النهاية، لكن بايدن والمستشار أولاف شولتز كانا حذرين من التمادي في هذه التعهدات.
وطالبت فرق الدولتين بإجراء تغييرات في الأيام الأخيرة قبل القمة؛ ما أزعج الكثير من الدول الأوروبية الأخرى، وكذلك الأوكرانيون.
كانت تعليقات بايدن بشأن عدم استعداد أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو من أوضح تعليقاته حتى الآن بشأن هذه المسألة، الأمر الذي أثار حفيظة زيلينسكي.
وقال المسؤولون الأوكرانيون إنهم يدركون أنه لن تتم دعوتهم على الفور للانضمام إلى الحلف في هذه القمة، لكنهم كانوا يأملون في تحديد مسار أو جدول زمني واضح كتابياً يمنحهم الثقة في أنه سيتم دعوتهم قريباً.
في اليوم التالي، سمع الفريق الأوكراني أنَّ الحلفاء أوشكوا على الاتفاق على نص البيان، لكنه لن يعجبهم؛ لذا قرروا إرسال تغريدة استفزازية، في محاولة لإعادة دفة النقاش لصالحهم.
يبدو أن ضغوط أوكرانيا جاءت في وقت متأخر، كما أن زيلينسكي حاول أن يحشد الرأي العام الغربي، عبر مخاطبة حشود الجماهير في لتوانيا التي تستضيف القمة، وهي واحدة من أكثر الدول تعاطفاً مع كييف، ومن الدول القليلة في الناتو التي تؤيد منح كييف عضوية سريعة.
وهذا التعاطف نابع بطبيعة الحال من أن البلدين كان خاضعين لسيطرة موسكو في العهدين السوفييتي والقيصري.
وقال الرئيس الأوكراني إن كييف بالفعل حليف لليتوانيا، وستقاتل من أجل "الدفاع عن حريتها".
ولكن في النهاية خرج البيان بوعد مبهم لأوكرانيا بأن تنضم إلى الناتو عندما تكون قد أكملت "إصلاحات ديمقراطية وأمنية" غير محددة، وهي عقبة طالب بها بايدن نفسه على وجه الخصوص.
ولكن استحوذت تغريدة الرئيس الأوكراني بالتأكيد على انتباه المفاوضين، لكنها جاءت بنتائج عكسية.
فعندما وصل زيلينسكي إلى مقر انعقاد القمة، قوبل بانتقاد صريح من عدة قادة آخرين، الذين أوضحوا أنَّ تصرفه غير مقبول.
كشفت هذا الموقف عن بعض التشققات لأول مرة في علاقة الولايات المتحدة بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
إحباط غير مسبوق تجاه زيلينسكي
في حين أن الإحباط من زيلينسكي قد انتشر من قبل، إلا أنه لم يكن واضحاً على المسرح العالمي كما كان هذا الأسبوع في أوروبا. أظهر بايدن وزيلينسكي وجود روابط قوية بينهما منذ بداية الحرب في أوكرانيا التي استمرت 18 شهراً، لكن الشقوق التي انكشفت في القمة مثلت تغيراً في اللهجة مقارنة بأواخر العام الماضي عندما غادر زيلينسكي بلاده لأول مرة منذ الغزو الروسي للسفر إلى واشنطن.
قام بايدن بدوره بزيارة مفاجئة وتاريخية إلى كييف في فبراير لإحياء الذكرى السنوية الأولى للحرب. عززت الزيارتان من دور بايدن كزعيم لحلف شمال الأطلسي عندما يتعلق الأمر بالرد على روسيا ودعم أوكرانيا.
إحباط زيلينسكي هدد بأن يلقي بظلاله على القمة التي وُصفت بأنها تحتوي على مزيد من الدعم العملي لأوكرانيا.
استياء لدى بريطانيا وأمريكا من تزايد الطلبات الأوكرانية
قال وزير الدفاع البريطاني، بين والاس، الأربعاء، إن المملكة المتحدة ليست "متجر أمازون" للأسلحة التي تحتاجها أوكرانيا.
جاء ذلك رداً على سؤال حول ما إذا كان الحلفاء فشلوا في إعطاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إطاراً زمنياً لعضوية الناتو خلال قمة فيلنيوس، "ما من شأنه أن يقوض الروح المعنوية للقوات الأوكرانية على خط المواجهة"، بحسب شبكة سكاي نيوز المحلية.
وأضاف الوزير البريطاني: "وقد يكون من الحكمة أن تسمح كييف لمؤيديها بالشعور بالامتنان".
وتفيد التقارير الغربية أنه بينما تتلقى أوكرانيا مساعدة عسكرية غربية فإنها تسارع على الفور في الضغط من أجل أخرى.
اللافت أنه تم استخدام لغة مماثلة من قبل سوليفان مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي، الذي كان قد أغضبه سؤال من ناشط أوكراني قال إن الولايات المتحدة كانت "خائفة من فوز أوكرانيا". بدأ كبير مساعدي بايدن بالقول إن الشعب الأمريكي، أي دافعي الضرائب الأمريكيين، "يستحقون درجة من الامتنان" من "الولايات المتحدة.. من حكومتنا".
"رد الفعل العنيف من بايدن يرجع إلى حد كبير إلى لهجة الرسائل الأوكرانية،" حسب ما قال لوك كوفي، الزميل الأول في معهد Hudson والمستشار السابق في وزارة الدفاع بالمملكة المتحدة.
رئيس أوكرانيا يغير لهجته ويظهر امتنانه لبايدن
وأُجبر زيلينسكي على إعادة تقويم تصريحاته لتجنب انهيار قمة الناتو، حسب ما ورد في تقرير صحيفة the Guardian البريطانية.
وعندما وصل زيلينسكي إلى القمة، صباح الأربعاء، كان من الواضح أن هناك حاجة إلى إعادة ضبط بوصلته لتجنب حدوث خيبة أمل. بدا الرئيس الأوكراني جاداً ومتحفظاً في مؤتمر صحفي مشترك مع الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، وكان حريصاً على التعبير عن امتنانه لبايدن والكونغرس الأمريكي والشعب الأمريكي. قال: "نحن نقدر هذا تقديراً عالياً".
غيّر زيلينسكي لهجة خطابه، يوم الأربعاء، عندما قال قادة الناتو إن خطة عمل العضوية، التي تقدم نصائح لدولة تسعى للانضمام، لن تكون مطلوبة لعضوية أوكرانيا المستقبلية في الناتو. لكنه استمر في الاعتراض على الصياغة القائلة بأن أوكرانيا بحاجة إلى تلبية "الشروط" للانضمام إلى الناتو.
أصبحت اللهجة بين الطرفين في اليوم الأول للقمة أكثر تصالحية بشكل ملحوظ مقارنة بما حدث عشية القمة، عندما التقى بايدن مع زيلينسكي على هامش القمة، لكن بايدن حرص على إعادة التأكيد على موقفه بأن أوكرانيا ليست مستعدة لعضوية الناتو، حسب ما ورد في تقرير لموقع the Hill الأمريكية.
أثنى الرئيس الأوكراني، يوم الأربعاء، على بايدن بعد اجتماعهما الفردي، بل واعترف بالآثار السياسية المدمرة للموافقة على القنابل العنقودية المثيرة للجدل في كييف.
ما الذي دفع زيلينسكي إلى تغيير لغة خطابه؟
خلال العشاء في فيلنيوس -حيث عُقِدَت قمة الناتو- وبينما كان الرئيس الأمريكي متوجهاً إلى فندق الإقامة، سلّم القادة الأوروبيون رسالة واضحة إلى زيلينسكي، وفقاً لما ذكره شخص كان حاضراً، بحسب ما ذكرته وكالة Bloomberg الأمريكية.
بحسب المصدر، قيل لزيلينسكي إنَّ عليه الحفاظ على هدوئه والنظر إلى الصورة الكاملة. ففي النهاية، جدّد القادة تعهداتهم لأوكرانيا بمنحها العضوية وضمانات أمنية جديدة من مجموعة الدول السبع. وبحلول اليوم التالي، بدا أنَّ زيلينسكي استوعب الرسالة.
ويبدو أن الأوكرانيين أدركوا أنهم تجاوزوا بعض الشيء، وأنهم تنبهوا لخطوة الإضرار بالعلاقة التي تربطهم بالولايات المتحدة. وهم يتراجعون ببطء، حسب قول ليانا فيك، زميلة أوروبا في مجلس العلاقات الخارجية التي أضافت أنه "ليس خلافاً حقيقياً في العلاقة، لكنه اختبار لأوكرانيا".
هل تتراجع أمريكا عن حماستها لدعم أوكرانيا؟
ومنذ انتقادات زيلينسكي لعدم وجود جدول زمني للانضمام إلى الحلف، ضاعف البيت الأبيض من تأكيده بأن أوكرانيا ستكون في النهاية جزءاً من الناتو.
وأكد بايدن أن دعم أوكرانيا "لن يتراجع" في خطاب بعد اجتماع زيلينسكي مع قادة الناتو.
حققت أوكرانيا الكثير في القمة: الالتزام من جميع أعضاء مجموعة السبع بمواصلة تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية على المدى الطويل، والاتفاق لبدء برنامج تدريبي لطياريها على طائرات إف-16 الغربية بمساعدة 11 دولة، وحزمة مساعدات عسكرية بقيمة 700 مليون يورو (600 مليون جنيه إسترليني) من ألمانيا والعديد من التعهدات الجديدة الأخرى، بالإضافة إلى وعد رسمي بأن "مستقبل أوكرانيا في الناتو".
ولكن وصلت رسالة حاسمة بأن لتدللها على دول الناتو، ولاسيما الولايات المتحدة، له حدود.
كان الدبلوماسيون من كلا الجانبين يصوّرون فورة غضب زيلينسكي في اليوم السابق على أنها مناورة مألوفة تهدف إلى زيادة الرهانات في المفاوضات، وهي خطوة نجحت في الماضي، لكن هذه المرة لم تؤتِ ثمارها.
ورغم أنَّ زيلينسكي هدد عدة مرات بعدم حضور القمة، تغيرت نبرته عندما تحدث للصحفيين في منتصف النهار.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو يقف بجانب زيلينسكي في وقت لاحق يوم الأربعاء 12 يوليو/تموز: "سنحرص على حصولك على ما تحتاجه.. ونتطلع إلى اليوم الذي نعقد فيه اجتماعاً للاحتفال بعضويتك الرسمية في الناتو".
لا يعني ما سبق أن بايدن سوف يتخلى عن حماسه دعم أوكرانيا، بعد أن جعل هذه الحرب قضيته الرئيسية، فأي نكسة فيها، هي هزيمة له.
ولأشهر اضطر بايدن إلى مواصلة دعم أوكرانيا في الداخل مع قلق من تراجع حماس الكونغرس ودافعي الضرائب الأمريكيين للحرب.
اقترح بعض المشرعين الجمهوريين أن الولايات المتحدة لا يمكنها تقديم شيك على بياض. لكن استطلاعاً للرأي أجرته رويترز/إبسوس الشهر الماضي في الولايات المتحدة، وجد أن 65% من المشاركين يريدون أن تواصل الولايات المتحدة تسليح أوكرانيا، مقارنة بـ48% قالوا الشيء نفسه في مايو/أيار الماضي.
جادلت ليانا فيكس، زميلة أوروبا في مجلس العلاقات الخارجية، بأن العلاقة الشخصية بين الرئيسين ظلت قوية، وتوقعت أنها ستكون قادرة على تحمل مثل هذه الخلافات.
ففي النهاية كان بايدن هو الرجل الذي ساعد على تحويل زيلينسكي من رئيس مغمور يناشد بوتين إجراء مفاوضات إلى زعيم يفرض الشروط على روسيا، ويرفض التفاوض معها قبل الانسحاب من كل الأراضي الأوكرانية، ويلقي العظات على كبار الزعماء الغربيين.
كما أن حماسة الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة، لدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا في كل الأحوال، ليس حباً في كييف، بل رغبة في استنزاف وإضعاف موسكو، دون أن تراق نقطة دم أمريكية.