بعد خلافات وتهديدات من وزراء اليمين المتطرف بعرقلتها، صادق "الكابينت" الإسرائيلي مساء الأحد 9 يوليو/تموز 2023، على العمل على منع انهيار السلطة الفلسطينية عبر عدة خطوات تقدم لها تسهيلات اقتصادية، شريطة التزام السلطة بعدة شروط. فما هي هذه التسهيلات، وهل تنجح بإنقاذ السلطة الفلسطينية مع تصاعد العمل المقاوم بالضفة الغربية؟
ما التسهيلات الاقتصادية التي قررت حكومة نتنياهو تقديمها للسلطة الفلسطينية؟
ذكرت وسائل إعلام عبرية أن مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر صادق بأغلبية 8 أعضاء ومعارضة وزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير" على القيام بخطوات منعاً لانهيار السلطة الفلسطينية.
حيث جرى الاتفاق خلال الاجتماع على قيام رئيس حكومة الاحتلال وبالتعاون مع وزير جيشه بتقديم مقترحات للتسهيلات تجاه السلطة الفلسطينية لاحقاً، حيث تم النظر بعدة مقترحات ومنها إقامة منطقة صناعية قرب الخليل، بالإضافة لخطة مالية لإنقاذ السلطة من الانهيار عبر منحها القروض الميسرة.
وبينت القناة أن من بين المقترحات أيضاً جدولة الديون الفلسطينية وتقديم إعفاءات على الوقود وتقديم موعد تحويل عائدات الضرائب الفلسطينية، وكذلك زيادة ساعات العمل على معبر الكرامة، وإعادة تصاريح كبار مسؤولي السلطة VIP".
من جانبها، ذكرت قناة كان العبرية، أن من أبرز التسهيلات الاقتصادية التي ستقدمها تل أبيب للسلطة، إقامة إنشاء ممر كبير لنقل البضائع عند معبر "ألمبي" أو "جسر الملك حسين"، حيث سينقل هذا الممر مواد البناء بمختلف أنواعها لمناطق السلطة.
كما سيخدم هذا الممر قطاع التصدير والاستيراد لدى السلطة الفلسطينية بشكل كبير وبأرقام غير مسبوقة من قبل. وذكر محلل الشؤون الفلسطينية في القناة العبرية أليؤور ليفي أن هذا المشروع حصل على "مباركة" حكومة نتنياهو يوم الأحد بالفعل، وأن ممثلين عن السلطة الفلسطينية وإسرائيل وأمريكا والأردن اجتمعوا في العاصمة الأردنية عمّان قبل عدة أسابيع لمناقشة هذا المقترح.
ما الشروط التي وضعتها تل أبيب لتقديم هذه التسهيلات؟
من جانبها، ذكرت القناة "12" العبرية أن مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر صادق على القيام بخطوات عدة منعاً لانهيار السلطة الفلسطينية، ولكن ليس قبل استيفاء السلطة لعدة شروط وهي وقف "التحريض في الإعلام الفلسطيني والمنظومة التعليمية".
كما اشترط "الكابينت" لمنع انهيار السلطة وقف الدعاوى الفلسطينية الرسمية المقدمة ضد الاحتلال في المحافل الدولية، والتوقف عن دفع رواتب الأسرى والشهداء، بالإضافة لوقف البناء في المناطق المصنفة "C" وفق اتفاقيات أوسلو.
وفي 26 يونيو/حزيران المنصرم، نقلت قناة "كان" التابعة لهيئة البث الرسمية الإسرائيلية تصريحات لنتنياهو قال فيها: "نحن بحاجة للسلطة الفلسطينية ولا يمكننا السماح لها بالانهيار".
وتابع: "مستعدون لمساعدة السلطة الفلسطينية مالياً، لدينا مصلحة في استمرار عملها، وحيث تنجح في العمل فهي تقوم بالمهمة لنا وليس لدينا مصلحة بسقوطها".
وقال مكتب نتنياهو إنه "في ظل عدم وجود تغيير في التقييم القومي، ستعمل إسرائيل على منع انهيار السلطة الفلسطينية، مع الدفع بمطالبتها بوقف أنشطتها ضد إسرائيل في المحافل القضائية والسياسية الدولية، ووقف التحريض في وسائل الإعلام ومناهج التعليم ووقف دفع المخصصات لعائلات الإرهابيين والقتلة، ووقف البناء غير القانوني في المنطقة C".
كما شدد البيان الإسرائيلي على أن قوات الاحتلال "ستواصل العمل بتصميم على إحباط الإرهاب"، على حد تعبيره، وأضاف أن "رئيس الحكومة ووزير الأمن، يوآف غالانت، سيقدمان لمجلس الوزراء مقترحات لإجراءات تؤدي إلى استقرار الوضع المدني على الساحة الفلسطينية".
وتمنع السلطات الإسرائيلية، البناء أو استصلاح الأراضي في المناطق المصنفة "ج"، دون تراخيص من قبلها، والتي من شبه المستحيل الحصول عليها، وفق ما يقوله فلسطينيون وتقارير حقوقية دولية.
وصنفت اتفاقية أوسلو (1993) أراضي الضفة إلى 3 مناطق: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية وتقدر مساحتها بنحو 60% من أراضي الضفة.
هل تنقذ هذه التسهيلات السلطة الفلسطينية بالفعل؟
يقول عوني المشني العضو في المجلس الاستشاري لحركة فتح، في مقال له بموقع MEE البريطاني، إن الوقت يداهم السلطة الفلسطينية بالفعل، حيث تضغط تل أبيب على السلطة بشدة لتمارس دورها في مطاردة واستئصال المقاومة الفلسطينية، التي اشتدت في العام الأخير، وخصوصاً في مخيم جنين ونابلس، ومن ناحية أخرى، يضغط الجمهور الفلسطيني في الاتجاه المعاكس، ويطالب السلطة الفلسطينية باختيار واضح والوقوف إلى جانب نضاله الوطني قبل فوات الأوان.
ولم يعد البقاء في الوسط مقبولاً للإسرائيليين ولا للفلسطينيين. وهذه معضلة معقدة للسلطة الفلسطينية، وهذا لأن الانحياز إلى أي من الجانبين قد يؤدي إلى انهيارها، كما يقول المشني.
فإسرائيل لن تسمح لها بالانحياز إلى مشروع التحرير الوطني. وإذا انحازت إلى الحفاظ على دورها في حماية إسرائيل، ستصطدم مع شعبها الذي سيحاول إسقاطها بكل قوة، وتلك أزمة حقيقية.
ويدرك معظم الفلسطينيين الظروف الصعبة التي نشأت عنها السلطة الفلسطينية، وبالتالي حدودها في اتباع استراتيجية ثورية كاملة، ولكن حتى سياسة براغماتية متوازنة- تلك التي تترك مجالاً لاستراتيجية وطنية قائمة على التحرر- باتت غير ممكنة الآن. فقد اختل هذا التوازن الحساس لأن المشروع الصهيوني وصل إلى مرحلة محاولة إنهاء الصراع إنهاءً تاماً.
وبدأ وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، في تنفيذ "خطته الحاسمة" تدريجياً بزيادة أعداد المستوطنات والإسراع في التهويد، وما يصاحبه من قمع للشعب الفلسطيني. وكردّ فعل طبيعي، نما النضال الوطني الفلسطيني، الذي وضع السلطة الفلسطينية بين المطرقة والسندان، وهذا حد من خياراتها وقوض قدرتها على تحقيق التوازن بحسب المشني.