حرب عالمية على “الأخضر المستبد”.. مكانة الدولار تتراجع.. والمتضررون يستعدون بتحالفات وعملات بديلة

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/04 الساعة 08:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/04 الساعة 08:41 بتوقيت غرينتش

في ربيع 2022 كانت الولايات المتحدة مشغولة بفرض عقوباتها على روسيا بعد غزو أوكرانيا، عندما عاد الحديث عن أثر هذه العقوبات على مكانة الدولار، وإمكانية تراجعه عن عرشه التاريخي فوق كل العملات.

وفي الأسابيع الأولى من 2023 كان الدولار الأمريكي يحصي خسائر غير متوقعة في عامه السابق: فقد سيد العملات 8% من حصته في الاحتياطيات العالمية، لتصبح 58% بعد أن كانت تمثل 73% في عام 2001.

وفي تلك الفترة، نمت حصة اليوان الصيني بنحو 2.5%.

هل هناك من يخشى المزيد من تدهور الأخضر؟

وهل هناك من يحتفل بهذا التراجع؟

لما يقرب من ثلاثة أرباع القرن، سيطر الدولار على التجارة والتمويل والمحافظ الاحتياطية للبنوك المركزية في أنحاء كوكب الأرض. 

ومع ذلك، فإن التضخم المرتفع، والجغرافيا السياسية المتشعبة لصراعات واشنطن، والعقوبات التي فرضتها أمريكا وحلفاؤها على دول مثل روسيا، تسببت مؤخراً في زيادة أصوات المتشككين في الدولار مرة أخرى، كما كتبت مجلة The Economist البريطانية.

في أماكن مختلفة من العالم تتصاعد الدعوات للتخلي عن الدولار، كعملة للتبادل التجاري بين الدول، وتتطلع فيه 30 دولة للانضمام إلى تحالف البريكس الذي أسسه خصوم الدولار وضحاياه.

هل تكون عملة البريكس المقترحة بداية نهاية الدولار، خاصة مع نية عدد كبير من الدول الانضمام لتجمع البريكس؟ 

"القرن الذي شهد سيطرة الولايات المتحدة، بدأ في الانتهاء من منطقة الشرق الأوسط"، هكذا كتبت مجلة Newsweek الأمريكية في تقريرها الذي رصعته بنبوءة للرئيس المشارك في مجموعة الأزمات الدولية، فرانك غوسترا بأن إلغاء اعتماد دول العالم على الدولار الأمريكي قد أصبح حتمية لا مفر منها.

هل هذه السطوة الدولارية على العالم مهددة بالانهيار، وهل بقاؤها رهن بالأداء السياسي والعسكري الأمريكي، وما هي أسباب خصوم الدولار للتخلص من نفوذه، وما أهم الخطط التي بدأتها عشرات الدول للعثور على بديل للأخضر المستبد؟

في هذا التقرير محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة.

عندما أصبح الدولار العملة العالمية الأولى

اقتصاد ضخم في حماية المارينز وحاملات الطائرات وقانون يحمي الملكيات الخاصة

كان عام 1970 بداية التحول نحو مفهوم البترودولار، إذ اتفقت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" مع الولايات المتحدة على استعمال الدولار كعملة وحيدة في تسعير وبيع نفطها.

في عام 1973، عاد الأمريكيون ليثبتوا تسعير النفط بالدولار عبر اتفاقات مباشرة مع السعودية في عام 1974، قادها وزير الخارجية الأمريكي كيسنجر، وتوصل الطرفان إلى اتفاق من بندين:

على السعودية ضمان استمرارية تسعير النفط بالدولار، وإعادة تدوير فوائض البترودولار السعودية في السوق المالية الأمريكية.

وعلى أمريكا تأمين الحماية العسكرية والدعم التقني للسعودية تحديداً ودول أوبك عموماً! 

هناك 3 أسباب حاسمة في تفوق الدولار

يوجد نحو 185 عملة حول العالم، يبدو الدولار الأمريكي أقواها، إذ إنه حتى الآن تجرى 80% من عمليات التجارة العالمية عبر الدولار، ويتم تقديم نحو 39% من قروض العالم به، كما يتم استخدام 65% من المعروض بالدولار خارج الولايات المتحدة، ولهذا السبب فإن معظم الدول تقبل الدفع بالدولار فقط، ما يؤدي إلى تعميق مشاركة الدولار في التجارة العالمية.

هناك ثلاثة أسباب رئيسية صنعت قوة الدولار، وضمنت له القمة عبر السنوات:

القوة الاقتصادية

العملة الأمريكية، الدولار، هي العملة المعتمدة في معظم الحركات التجارية العالمية منذ الحرب العالمية الثانية، وهو يمثل الرمز الأبرز للهيمنة الأمريكية، ويعطي الاقتصاد الأمريكي ميزة هائلة؛ لأنه يطبع الأوراق النقدية المستخدمة في التجارة الدولية، ما يعطي واشنطن ورقة ضغط لا تتوفر لأي دولة أخرى.

ولأن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك الاقتصاد الأكبر، والدولار هو أكثر العملات تداولاً حول العالم، لا يقتصر تأثير رفع سعر الفائدة الأمريكي على الاقتصاد المحلي والمواطنين الأمريكيين فحسب، بل يمتد تأثيره إلى جميع دول العالم، وبالتالي على حركة الاقتصاد العالمي ككل.

القوة العسكرية

القوة العسكرية التي تقف وراء هذه القوة الاقتصادية من مشارق الشمس إلى مغاربها. عند تعاظم القوة الاقتصادية يجد الفائض المالي طريقه إلى الخارج للاستثمار أول الأمر، ثم تحتاج تلك القوة الاقتصادية إلى قوة عسكرية لحماية وجودها الاقتصادي في الخارج. إذا اقتضى الأمر تتحرك هذه القوات لحفظ النظام في المناطق الجامحة، ولكنها لا تفعل ذلك من أجل منفعة بلدان أخرى، بل من أجل نفسها.

الحماية القانونية للاستثمارات

تعد سيادة القانون في الداخل الأمريكي أهم مرتكز يستمد منه الدولار الأمريكي قوته. سيادة القانون تضمن للمواطن الأمريكي وللمؤسسات كافة الحقوق والحفاظ على الملكيات الخاصة، والأمر ينسحب كذلك على الأجنبي المقيم على الأراضي الأمريكية.

هذه خططهم للهروب من سطوة الدولار

العقوبات ضد روسيا أشعلت التمرد الدولي على الدولار وضحايا "الدولرة" يجهزون البديل 

فكرة فقدان الدولار لهيمنته لم تخطر ببال غالبية دول العالم المتقدم، حتى قررت الولايات المتحدة والحلفاء تجميد احتياطيات العملة الروسية، وفصلها عن نظام سويفت الذي ينظم الاتصالات المالية العالمية بين البنوك.

القرار كان رد الغرب على مغامرة بوتين في أوكرانيا، ويرى المحلل فرانك غوسترا الرئيس المشارك في مجموعة الأزمات الدولية أن هذه الخطوة زادت من مقاومة الدولار الأمريكي، مع إبرام العديد من الدول لاتفاقيات تجارية غير دولارية، وعودة خطط مجموعة بريكس لإصدار عملتها الخاصة. وقال: "يعتمد بناء الأنظمة المالية على الثقة. وإذا تم تسليح أو تسييس تلك الأنظمة المالية، فسوف تفقد الثقة اللازمة للحفاظ على هيمنتها".

بعد العقوبات الأمريكية ضد روسيا "شهد الدولار انهياراً مدهشاً خلال عام 2022 لنصيبه في السوق كعملة احتياط، على الأرجح بسبب استخدامه كسلاح عقوبات، فقد أدت الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد روسيا إلى ذعر الدول التي تحتفظ باحتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية" كما يضيف غوسترا.

بعدها بدأت البنوك المركزية في تقليل احتياطياتها من الدولار، والاتجاه إلى تكديس المزيد من الذهب، بعد أن رأت في العقوبات الروسية عبرة لمن يعتبر. 

العقوبات من هذا النوع تساهم في انقسامات النظام الاقتصادي والمالي العالمي، وهي العملية التي وصفتها شركة Enodo Economics قبل بضع سنوات بـ"الانفصال الكبير"، أي سعي كل دولة للعمل من أجل مصالحها دون التزام بالنظام العالمي، إلا في حالات الضرورة.

حتى الحلفاء القدامى لأمريكا، مثل فرنسا، أجروا معاملات بغير الدولار منذ أن شددت الولايات المتحدة عقوباتها. في أبريل/نيسان 2023، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن على أوروبا أن تقلل اعتمادها على الدولار الأمريكي من أجل الحفاظ على "استقلاليتها الاستراتيجية" وتجنب أن تصبح "تابعة" لأمريكا. لمزيد من التفاصيل إضغط هنا

تحميل المزيد