بعد مرور نحو عام ونصف على بدء الحرب الأوكرانية، لا تزال صادرات النفط والغاز الروسية تتدفق عبر أنحاء المعمورة، وتأتي لموسكو بأرباح أكثر مما كانت تجنيه قبل الحرب، وبينما يطالب الغرب العالم بمقاطعة روسيا، فإن قائمة مستوردي الغاز الروسي تحتوي على مفاجآت صادمة، تحطم السردية الغربية حول ضرورة محاصرة موسكو.
وبينما تعد الصين والهند حالياً أكبر سوق بديل للنفط الروسي الذي كان يذهب لأوروبا، فإن الغاز الروسي يبدو لغزاً؛ لأن تحوُّل موسكو لتصدير غازها إلى آسيا بعدما كان يصدر بكميات ضخمة لأوروبا يبدو أمراً صعباً؛ لأن أغلبه كان يصدر عبر خطوط أنابيب ضخمة مشيدة في اتجاه الغرب.
ودخل قرار الاتحاد الأوروبي حظر واردات النفط الروسي حيز التنفيذ، في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، في محاولة لتقليص إيرادات موسكو؛ رداً على غزوها لأوكرانيا، أعقبه وضع حد أقصى لأسعار النفط الروسي المنقولة بحراً، حتى للدول غير الأوروبية.
ولكن فعلياً، فإن ذلك لم يؤدِّ لتراجع كبير لصادرات النفط الروسي التي وجدت أسواقاً جديدة في آسيا، خاصة لدى الهند والصين حتى لو بأسعار أرخص، ولكن بما أن النفط أسعاره أصلاً مرتفعة كثيراً مقارنة بمستويات ما قبل الحرب، فإن الأمر لا يمثل فارقاً كثيراً بالنسبة لروسيا؛ بل على العكس يعتقد أن إيراداتها من النفط قد زادت عن السنوات العادية التي تكون فيها أسعار النفط متوسطة.
أما بالنسبة للغاز، فلم يفرض الاتحاد الأوروبي حظراً على الغاز الروسي لصعوبة استبداله واكتفى بمحاولة تقليل الاعتماد عليه، بينما فرضت دول غربية أخرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة حظراً على استيراد الغاز الروسي، علماً أن الأولى كانت تعتمد عليه بشكل ضئيل، والثانية تعد ثاني أكبر منتج للغاز في العالم وأكبر منتج للغاز المسال، وبالتالي هي منافس لروسيا في هذا المجال ومستفيدة من فرض قيود على الطاقة الروسية.
ورغم الضجيج الغرب ومطالبته دول العالم بوقف التجارة مع روسيا، فإن السؤال هو كيف تواصل موسكو تصدير الغاز، وأين يذهب الغاز الروسي وبأي طريقة يذهب إلى مستهلكيه؟
ويبدو أن هناك مفاجأة كبيرة تقف وراء إجابة عن السؤال.
الاتحاد الأوروبي ظلَّ أكبر مستورد للطاقة الروسية بعد عام من الحرب
حققت روسيا إيرادات تزيد عن 315 مليار دولار من صادرات الوقود الأحفوري (نفط، غاز، فحم)، في جميع أنحاء العالم، وفقاً لتقديرات مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA)، التي صدرت بعد عام من بدء الحرب الأوكرانية.
بما يقرب من نصف قيمة هذه الصادرات (149 مليار دولار) جاءت من دول الاتحاد الأوروبي، حسبما ورد في تقرير لموقع Visual Capitalist نُشر في يناير/كانون الثاني 2023.
قبل الحرب كان أكبر خمسة مستهلكين للغاز في روسيا هم ألمانيا وإيطاليا وبيلاروسيا وتركيا وهولندا، وأكبر خمسة مستهلكين للغاز الطبيعي الروسي المسال هم اليابان والصين وفرنسا وإسبانيا وتايوان، وفقاً للمراجعة الإحصائية لشركة BP للطاقة العالمية.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي الروسي، الذي شكل 45٪ من واردات الكتلة في عام 2021، وفقاً للمفوضية الأوروبية، حيث استوردت دول الاتحاد الأوروبي 155 مليار متر مكعب من الغاز الروسي في ذلك العام.
تراجع واردات الأوروبيين من غاز روسيا لم يكن قراراً ذاتياً بل اضطروا له بسبب العقوبات التي فرضها بوتين
في عام 2022، قطع الاتحاد الأوروبي خطوات كبيرة في تقليل اعتماده على إمدادات الطاقة من روسيا، لكن هذا لم يكن نتيجة إجراءات الاتحاد الأوروبي بقدر ما كان نتيجة لقرارات اتخذها الكرملين. تضمنت هذه القرارات تغييرات فرضتها موسكو على القواعد المتعلقة بإمدادات الغاز للعملاء الأوروبيين (مرسوم بيع الغاز مقابل الروبل للدول غير الصديقة)، وتعليق نقل الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم 1. وأدى ذلك إلى انخفاض إجمالي في صادرات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي بنحو 80 مليار متر مكعب، حسبما ورد في تقرير لموقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
رداً على ذلك، زاد الاتحاد الأوروبي وارداته من الغاز الطبيعي المسال – بما في ذلك، في الواقع، الغاز الطبيعي المسال الروسي – بنسبة 60 في المئة عن العام السابق. وتخطط المفوضية الأوروبية لاستيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال المعلن عنها في مارس/آذار 2022.
إليك أبرز البدائل لأوروبا
زاد الاتحاد الأوروبي العام الماضي واردات الغاز عبر خطوط الأنابيب: فمن أذربيجان، ارتفعت هذه الواردات من 8.1 مليار متر مكعب في عام 2021 إلى 11.4 مليار متر مكعب في عام 2022؛ ومن النرويج، ارتفعت الواردات من 82 مليار متر مكعب في عام 2021 إلى ما يقرب من 90 مليار متر مكعب في عام 2022.
وتراجع اعتماد ألمانيا بشكل كبير على الغاز الروسي العام الماضي، بعد أن كان يشكل نحو 55 % من واردات البلاد قبل الحرب الأوكرانية.
ولكن كان العامل الإضافي الرئيسي في تراجع واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي هو الانخفاض في استهلاك الغاز الطبيعي، الذي قُدّر بنسبة 10-12 في المئة في عام 2022.
كان هذا الانخفاض ممكناً جزئياً بسبب درجات الحرارة المرتفعة نسبياً خلال خريف 2022-23 وأوائل الشتاء، وجزئياَ كذلك بسبب المزيد من "السلوك الأخضر" استجابة لأزمة الطاقة (مثل خفض درجة الحرارة الداخلية أو التحول إلى مضخات الحرارة)، إضافة إلى انخفاض الإنتاج الصناعي في العديد من دول الاتحاد الأوروبي.
إليك نسبة الغاز الروسي من واردات الاتحاد الأوروبي حالياً
ويختلف الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري الروسي بشكل كبير عبر أوروبا..
في عام 2021، استورد الاتحاد الأوروبي ما يزيد عن 380 مليون متر مكعب في اليوم من الغاز عبر خط أنابيب من روسيا، أو حوالي 140 مليار متر مكعب للعام بأكمله. بالإضافة إلى ذلك، تم تسليم حوالي 15 مليار متر مكعب على شكل غاز طبيعي مسال (LNG)، بحجم إجمالي يبلغ 155 مليار متر مكعب من الواردات من روسيا.
ولكن الصورة تغيرت في عام 2022، حيث وفرت روسيا 15٪ من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز في الربع الثالث من عام 2022، انخفاضاً من 23٪ في الربع الثاني من عام 2022 و40٪ في عام 2021.
قائمة مستوردي الغاز الروسي بعد الحرب تحمل مفاجأة صادمة وإليك موقع أوروبا فيها
ورغم الحرب لم تتوقف واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي، حتى لو تراجعت بشكل كبير، وما زالت دول الاتحاد الأوروبي أكبر مستورد للغاز الروسي بفارق كبير بينها وبين ثاني وثالث أكبر مستورد وهما تركيا والصين.
إليك إحصاء بأكبر مستوردي الغاز الروسي في العالم بين تاريخ الغزو في فبراير/شباط 2022، وفبراير/شباط 2023، نشره موقع Visual Capitalist.
الترتيب | الدولة | قيمة الواردات من الغاز الروسي بالمليار دولار |
1 | ألمانيا | 12.1 مليار دولار |
2 | تركيا | 7.5 مليار دولار |
3 | الصين | 6.1 مليار دولار |
4 | المجر | 5.9 مليار دولار |
5 | إيطاليا | 5.6 مليار دولار |
5 مكرر | النمسا | 5.6 مليار دولار |
7 | فرنسا | 4.2 مليار دولار |
8 | اليابان | 3.7 مليار دولار |
9 | بلجيكا | 3.5 مليار دولار |
10 | سلوفاكيا | 3.1 مليار دولار |
11 | بولندا | 2.9 مليار دولار |
11 مكرر | إسبانيا | 2.9 مليار دولار |
13 | بلغاريا | 2.5 مليار دولار |
14 | التشيك | 1.5 مليار دولار |
15 | هولندا | 0.8 مليار دولار |
15 مكرر | كوريا الجنوبية | 0.8 مليار دولار |
17 | اليونان | 0.2 مليار دولار |
المجموع | 68.9 مليار دولار |
أي إن دول الاتحاد الأوروبي استوردت نحو 50.8 مليار دولار بين 24 فبراير/شباط 2022، و26 فبراير/شباط 2023 مقابل 7.5 مليار دولار لتركيا و6.1 مليار للصين، وبالتالي فإن كبار مستوري الاتحاد الأوروبي يدفعون لموسكو نحو 73.73 % من قيمة مشتريات قائمة كبار مستوردي الغاز الروسي، بما يجعلهم يشكلون الأغلبية الساحقة من مستوردي الغاز الروسي.
كيف يصل الغاز الروسي للاتحاد الأوروبي؟ المفاجأة الكبرى أنه يأتي عبر أوكرانيا
من 27 فبراير/شباط إلى 7 مايو/أيار 2023، تلقى الاتحاد الأوروبي (EU) أكبر حجم من الغاز الطبيعي من روسيا عبر الترانزيت عبر أوكرانيا، بكمية تبلغ 259 مليون متر مكعب.
وكان خط أنابيب ترك ستريم ثاني مسار رئيسي آخر، حيث نقل 194 مليون متر مكعب.
يمثل دور أوكرانيا في وصول الغاز الروسي لأوروبا مفارقة كبرى، ويعيد للأذهان الهجوم الذي استهدف خطي أنابيب نورد ستريم 1 و2، اللذين يربطان روسيا وألمانيا، في بحر البطليق في سبتمبر/أيلول 2022 في منطقتين اقتصاديتين تابعتين للسويد والدانمارك، والذي كشفت معلومات أمريكية مسربة عن أنه تم تنفيذه من قبل ما وصف بجماعات داعمة لـ"كييف" وليس روسيا كما أثير من قبل، الأمر الذي يطرح تساؤلاً ملحاً وهو: هل هدف أوكرانيا من العملية زيادة اعتماد الأوروبيين والروس على خطوط الغاز المارة ببلادهم لزيادة إيراداتهم بينما هم يشجبون من يشتري النفط والغاز الروسيين؟
ما هي الدول الأكثر التزاماً بخطة الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي؟
حظرت بعض الدول مثل المملكة المتحدة ودول البلطيق الغاز الروسي، بما يشمل الغاز الطبيعي المسال، تماماً. وطالبت حكومات أخرى في المنطقة الشركات بتقليل الاعتماد عليه. لكن الحظر الشامل على تدفقات الغاز من روسيا كان حتى الآن غير مستساغ سياسياً في الاتحاد الأوروبي.
انخفض استهلاك الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي بنسبة 17.7٪ في الفترة من أغسطس/آب 2022 إلى مارس/آذار 2023، مقارنة بمتوسط استهلاك الغاز للأشهر نفسها (أغسطس – مارس) بين عامَي 2017 و2022.
حددت تدابير خفض الطلب المنسقة على الغاز، وهي جزء من خطة REPowerEU لإنهاء اعتماد الاتحاد الأوروبي على الوقود الأحفوري الروسي، هدفاً هو خفض الاعتماد على الغاز الروسي بنسبة 15 ٪ للفترة من أغسطس/آب 2022 إلى مارس/آذار 2023 مقارنة بمتوسط الفترة نفسها من السنوات الخمس السابقة.
تشير البيانات إلى أن غالبية دول الاتحاد الأوروبي وصلت إلى هدف خفض نسبة الاعتماد على الغاز الروسي بنسبة 15٪ أو أعلى، باستثناء عدة دول، خفضت استيرادها للغاز الروسي ولكنها لم تصل للمستوى المطلوب.
وهذه الدول هي: أيرلندا بنسبة تفوق الحد المطلوب بـ(0.2٪) وسلوفاكيا (1.0٪) وإسبانيا (10.8٪) وبولندا (12.5٪) وسلوفينيا (13.8٪) وبلجيكا (14.5٪).
يعني ذلك أن بولندا واحدة من أكثر الدول الأوروبية حدة في المواقف تجاه روسيا هي من أكثر الدول عدم التزام بخطة خفض الاعتماد على الغاز الروسي.
أما مالطا (أصغر مستهلك للغاز بين جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي)، فهي الوحيدة التي شهدت زيادة بنسبة 12.7% في استيراد الغاز الروسي بين أغسطس/آب 2022 ومارس/آذار 2023.
في المقابل، انخفض استهلاك الغاز الروسي في فنلندا بنسبة (55.7%) وليتوانيا (40.5%) والسويد (37.2%) وفي دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، انخفض الاستهلاك إلى ما هو أدنى من المستهدف البالغ 15%، وفي بعض البلدان بهامش كبير (فوق 20%).
أثرت السرعة التي تكيفت بها أسواق أوروبا الغربية مع خفض الغاز في خطوط الأنابيب الروسية على شركة غازبروم أكثر من غيرها من الشركات الروسية. فقد تراجع إنتاجها بنسبة 20% عام 2022 إلى 412.6 مليار متر مكعب، وهو أدنى مستوى منذ 15 عاماً على الأقل. وانخفض صافي دخلها الخاص بالمساهمين بأكثر من 41% إلى 1.23 تريليون روبل.
سياسة الاتحاد الأوروبي في تقليل الاعتماد على روسيا تواجه تحديات عدة
ومع ذلك، لا يزال الاتحاد الأوروبي يواجه تحديات كبيرة في سعيه للاستقلال عن إمدادات الغاز الروسية. سيكون أكبرها تأمين إمدادات غاز مستقرة من أماكن أخرى غير روسيا.
قد يصل عجز الغاز في الاتحاد الأوروبي في عام 2023 إلى 57 مليار متر مكعب، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
ويعادل هذا النقص حوالي 14.5% من إجمالي استهلاك الغاز، وفقاً لتقرير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الذي نشر في فبراير/شباط 2023.
تقترح وكالة الطاقة الدولية أنه من المتوقع أن يبلغ إجمالي الطلب على الغاز في الاتحاد الأوروبي 392 مليار متر مكعب في عام 2023. إلى جانب ذلك، سيحتاج استهلاك الغاز في الاتحاد الأوروبي إلى الانكماش بنسبة 13-20%، اعتماداً على مدى قيام روسيا بتخفيض صادراتها من الغاز.
يواجه الاتحاد الأوروبي عدة مشاكل في مساعيه للاستغناء عن الغاز الروسي، منها توقع أن تشتد المنافسة بين مستوردي الغاز الطبيعي المسال في عام 2023، ويمكن أن تكون الصعوبة الرئيسية لأوروبا هي احتمال إحياء الطلب على الغاز في الصين بالإضافة إلى اهتمام المصدرين الأمريكيين المتزايد بزيادة الإمدادات إلى هذه السوق.
في الوقت نفسه، ليس من المتوقع حدوث نمو كبير في إمدادات الغاز الطبيعي المسال في السوق العالمية هذا العام. كل هذا من المرجح أن يجعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي شراء مزيد من الغاز الطبيعي المسال.
المفارقة أنه على الرغم من الانخفاض الحاد في تصدير الغاز الروسي المُرسَل عبر خط الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي، ارتفعت شحنات الغاز الطبيعي المسال الروسي إلى الاتحاد الأوروبي العام الماضي (بنسبة 12% مقارنة بعام 2021). كانت فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا أكبر مستوردي الغاز الطبيعي المسال الروسي في عام 2022. وهذا جعل روسيا ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في الاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة، وفقاً لتقرير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
وسبق أن قال سعد شريدة الكعبي وزير الطاقة ورئيس شركة قطر للطاقة الحكومية للغاز في منتدى الطاقة في مجلس الأطلسي في أبوظبي في يناير/كانون الثاني 2023: "الأوروبيون اليوم يقولون إنه لا سبيل للعودة لشراء الغاز الروسي"، ولكنه رأى أن الغاز الروسي سيعود في نهاية المطاف إلى أوروبا لأن الدول "تسامح وتنسى".
البديل للسوق الأوروبية.. الصين ليست واعدة لروسيا كما تبدو
جزء كبير من البنية التحتية الحالية لتصدير الغاز في روسيا كان موجهاً ناحية الغرب ناحية أوروبا وتركيا، ولكن لسوء حظ موسكو، أصبح معظم زبائنها الآن باتجاه الشرق وجزء كبير من البنية التحتية التي تحتاجها لتزويدهم بالغاز لم يُشيّد بعد، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وهذا الانعدام في التوافق بين خطوط الأنابيب والزبائن- والذي قد يستغرق حله سنوات، جعل تحول صادرات الغاز الروسي نحو أسيا أبطأ كثيراً من النفط، بل إن دولة مثل الهند أصبحت بعد العقوبات الغربية مستورداً رئيسياً للنفط الروسي بدلاً من أوروبا وبأسعار رخيصة، ولكنها لا تكاد تستورد أي غاز روسي، بينما الصين لم تستوعب الكميات التي توقفت روسيا عن تصديرها لأوروبا.
تستورد الصين معظم غازها عبر خط أنابيب من آسيا الوسطى – وتعد تركمانستان حالياً أكبر مورد لبكين.
لكن من المقرر الانتهاء من خط أنابيب جديد، يعرف باسم قوة سيبيريا "Power of Siberia"، في وقت لاحق من هذا العقد (بدأ الضخ جزئياً)، ويمكن أن يجعل روسيا أكبر مورد للغاز إلى الصين. وتقول بعض التقارير إن البلدين على وشك الاتفاق على بدء البناء العام المقبل.
إليك معدل زيادة الواردات الصينية من الغاز الروسي
قبل حرب أوكرانيا بلغت واردات الصين من الغاز الروسي نحو 220 ألف طن في يناير/كانون الثاني 2022، ووصلت ذروتها في نوفمبر/تشرين الأول 2022، حيث بلغت ذلك الشهر أكثر من 800 ألف طن؛ أي ما يقارب أربعة أضعاف مستوى ما قبل الحرب، ثم انخفض المعدل لنحو 600 ألف طن في مارس/آذار 2023، حسب بيانات ذكرها موقع هيئة الإذاعة البريطانية "bbc".
وسرّعت روسيا توجهها نحو الصين، حتى قبل الحرب الأوكرانية، حيث، وقعت شركة غازبروم قبيل الحرب بفترة قليلة، صفقة توريد ثانية مع الصين، بموجبها ستنقل شركة الطاقة 10 مليارات متر مكعب أخرى من الغاز سنوياً على مدار 25 عاماً عبر خط أنابيب ثانٍ يُعرف باسم طريق الشرق الأقصى، لم يُشيّد بعد.
ومطلع هذا العام، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين أن تطوير منشآت إنتاج ومعالجة وشحن الغاز في شرق روسيا، بالقرب من الحدود مع الصين، له "أهمية استراتيجية حقيقية". ومع ذلك، فشلت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، لموسكو في مارس/آذار الماضي، في الخروج بالتزام فوري من بكين لشراء مزيد من الغاز الروسي.
ويتطلب تحوُّل الكرملين إلى الصين إنشاء خطوط أنابيب جديدة لتكملة خط قوة سيبيريا Power of Siberia، الذي بدأ تشغيله في ديسمبر/كانون الأول عام 2019. والشحنات المتجهة إلى الصين ليست سوى جزء بسيط من تلك التي كانت تتدفق إلى أوروبا قبل الحرب، لكنها نمت ويتوقع أن ترتفع بنسبة 42% هذا العام إلى 22 مليار متر مكعب قبل أن ترتفع إلى 38 مليار متر مكعب سنوياً بحلول عام 2025، وهي كمية تكفي لتلبية الاستهلاك السنوي لفرنسا.
وبلغت المحادثات حول ما يسمى بمشروع قوة سيبيريا 2- الذي سيضاعف تدفق الغاز الروسي إلى الصين إلى ما يقرب من 100 مليار متر مكعب- "مرحلتها النهائية" منذ شهور، وفقاً لموسكو. لكن حتى لو أُبرم اتفاق بحلول نهاية عام 2023، فسيستغرق بناء خط الأنابيب خمس سنوات على الأقل، في تأكيد على أنه من الصعب على موسكو أن تجد بديلاً لأوروبا بين عشية وضحاها.
يأتي ما يقرب من 50% من إجمالي احتياجات الهند من الغاز من الخارج، لكن القليل جداً يأتي من روسيا ومعظمه يأتي من دول الخليج.
وتتطلع موسكو إلى مضاعفة إنتاج الغاز الطبيعي المسال ثلاث مرات بحلول نهاية العقد، ويمكنها استغلال سعة خط الأنابيب الفائضة بعد انخفاض التدفقات إلى أوروبا لتحقيق هذا الهدف. وترغب شركة Novatek في ربط منشأة غاز طبيعي مسال مقترحة في مورمانسك بشبكة غازبروم، في خطوة قد تسمح للشركة بتسييل الغاز الذي كان يضخ في السابق إلى أوروبا.