أصبحت العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة "في وضع ساخن خلال السنوات الأخيرة إلى حد كبير، بسبب الأعمال الإسرائيلية"، وفقاً لما ذكره الباحث في سياسات الشرق الأوسط، ستيفن ديفيد، هذا الأسبوع، في معهد القدس للاستراتيجية والأمن، مضيفاً: "هذا يشكل تهديداً رئيسياً، وربما وجودياً لإسرائيل".
أسباب تآكل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية
تقول Jerusalem Post الإسرائيلية، إن ديفيد، وهو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز، يرى أن الأسباب الجذرية لتآكل العلاقة بين واشنطن وتل أبيب كثيرة، أبرزها التوسع الاستيطاني المستمر والإصلاحات المقترحة التي تهدف إلى الحد من سلطة القضاء وصعود اليمين المتطرف والعلاقات الإسرائيلية الصينية وغيرها.
وقال ديفيد إن "علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة خاصة بالفعل". فمن الناحية الاقتصادية كانت إسرائيل أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ما ساعد على ترسيخ التفوق العسكري لإسرائيل على الدول المجاورة.
قدمت الولايات المتحدة أيضاً دعماً كبيراً لإسرائيل على الساحة الدولية، حيث انسحبت من الدول النظيرة في مجلس الأمن للاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل في عام 2017، فضلاً عن السيادة على مرتفعات الجولان في عام 2019.
قال ديفيد في حديثه للجمهور في معهد القدس، إن قوة وجرأة أمريكا في دعم تل أبيب منعت إسرائيل من أن تكون "منبوذة عالمياً ومعزولة ومحتقرة ومعاقبة، لذا فإن العلاقة الخاصة هي صفقة كبيرة".
وبحسب ديفيد فإن التطورات داخل إطار الحدود الأمريكية والإسرائيلية تهدد العلاقة، لكن التطورات الأمريكية هي رد فعل على الإجراءات الإسرائيلية المتشددة.
ما مزايا التحالف مع إسرائيل من وجهة نظر أمريكية؟
من وجهة نظر الولايات المتحدة تتلخص العلاقة الخاصة مع إسرائيل- والتي باتت تنهار الآن- لثلاثة أسباب: الفوائد الاستراتيجية التي توفرها إسرائيل، ووجود اللوبي المؤيد لإسرائيل، و"القيم المشتركة" بين الطرفين.
أولاً، كان للتحالف مع إسرائيل تاريخياً مزايا تكتيكية للولايات المتحدة، قال ديفيد: "إسرائيل هي القوة العسكرية الأقوى في المنطقة، الاصطفاف المؤيد لأمريكا لا يعتمد على هذه الحكومة أو تلك. يوفر معلومات جيدة حول مجموعة واسعة من القضايا، الإرهاب والدفاع الصاروخي والطائرات بدون طيار وحرب المدن"، حسب تعبيره.
لكن الأهمية الاستراتيجية لإسرائيل تضاءلت في العقود القليلة الماضية، حيث تعالج الولايات المتحدة الآن قضايا جيوسياسية أخرى، وفقاً لديفيد: "تركز أمريكا على أوكرانيا، وتركز على التحدي المتزايد للصين".
وأضاف الباحث: "آخر شيء تريد الولايات المتحدة القيام به هو محاولة إخماد الحرائق في الشرق الأوسط، وإذا أشعلت إسرائيل تلك الحرائق فسيكون هناك الكثير من الغضب".
العدو المشترك لإيران لا يساعد قضية إسرائيل أيضاً، وفقاً لديفيد: "إذا شنت إسرائيل هجوماً تعارضه الولايات المتحدة فقد يهدد ذلك بالتأكيد العلاقات الإسرائيلية الأمريكية".
من جهته، قال آلان ديرشويتز، أستاذ القانون بجامعة هارفارد، وصوت نشط معروف في الجالية اليهودية الأمريكية، لصحيفة جيروزاليم بوست إنه يعارض ديفيد، معتقداً أن العلاقة "لا تزال قوية للغاية"، ويرجع ذلك أساساً إلى هذه العلاقات الاستراتيجية. وفقاً لديرشوفيتز "ستبقى العلاقة سليمة ما دامت تحافظ علاقات المخابرات العسكرية بين الطرفين على قوتها".
واتفق يوجين كونتوروفيتش، مدير القانون الدولي في منتدى كوهليت للسياسة، وهي مؤسسة فكرية يمينية طورت المخططات للإصلاح القضائي الذي اقترحته الحكومة، مع ديرشوفيتز.
وقال كونتوروفيتش لصحيفة جيروزاليم بوست إن العلاقة الخاصة حالياً "تستمر في الازدهار بسبب القيم المشتركة بين البلدين". وأضاف أن الخلاف الدبلوماسي ليس فريداً في العلاقة المعنية. وقال: "هناك تسييس متزايد لإسرائيل في الولايات المتحدة، وهو ليس خاصاً بإسرائيل، إنه جزء من تسييس متزايد لكل قضية".
"اللوبي الإسرائيلي لم يعد ذا أهمية كالسابق"
في الوقت الحاضر تبدو العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل أكثر فتوراً من المعتاد، لم يقم الرئيس جو بايدن بعد بدعوة نتنياهو لزيارة واشنطن، وهي حقيقة كررها ممثلو البيت الأبيض في مناسبات متعددة.
ولم يكن اللوبي الإسرائيلي الذي استشهد به ديفيد "أبداً بنفس الأهمية التي كان عليها في السابق"، لذا فإن نفوذه المحدود ليس ذا أهمية كبيرة. وزعم أن أهمية اللوبي تضاءلت بسبب تزايد الفصائل داخل الجالية اليهودية الأمريكية، حيث تدعم بعض الجماعات اليهودية الحكومة الإسرائيلية وآخرون ينتقدونها.
فعلى الجانب الداعم هناك مجموعات ضغط مثل المنظمة الصهيونية الأمريكية، أيباك. أما على الجانب المنتقد لإسرائيل فلديك منظمة "صوت يهودي من أجل السلام" وغيرها، لذا لدينا وضع لا تتحدث فيه مجموعة واحدة باسم يهود أمريكا، كما يقول ديفيد.
بسبب انقسام اللوبي يمكن للمشرعين الأمريكيين تبرير الإجراءات المعادية لإسرائيل، إذا كانت مدعومة من قبل أي مجموعة مصالح يهودية، ما يؤدي إلى ممارسة اللوبي ضغطاً أقل بكثير للتشريع لصالح إسرائيل، وفقاً لديفيد.
وقال ديفيد إن "القيم المشتركة هي أقوى علاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، كلتا الدولتين تأسست على القيم اليهودية والمسيحية، وكلتاهما دولة مهاجرين، وكلتاهما ديمقراطيات ليبرالية"، لكن ديفيد قال "إن هذا المبدأ الأخير آخذ في الانهيار بسبب مأساة الإصلاح القضائي والقضايا مع فلسطين".
وأضاف: "ينظر العديد من الأمريكيين إلى الجهود المبذولة لإضعاف المحكمة العليا، على أنها تدمير للجزء الليبرالي من الديمقراطية الليبرالية. يبدو أنه يسمح للأغلبية بفرض إرادتها على الأقلية".
"الأمريكيون ينظرون بشكل متزايد لإسرائيل كدولة استبدادية"
يقول ديفيد أيضاً: "لا يبدو في الوقت نفسه أن حل الدولتين في طريقه للخروج"، مضيفاً أن الأمريكيين ينظرون بشكل متزايد- بحسب استطلاعات الرأي المتكررة- إلى إسرائيل كدولة فصل عنصري أو دولة استبدادية، حيث لا يُمنح نصف السكان نفس الحقوق مثل اليهود، وهذا يدعو إلى التشكيك في إسرائيل كدولة ديمقراطية، ناهيك عن كونها ديمقراطية ليبرالية".
استشهد ديفيد في طرحه بالقول إن "الجالية اليهودية اليوم أكثر عداءً لإسرائيل من أي وقت مضى في ذاكرتي"، وكل ذلك بسبب تآكل العلاقات مع واشنظن. ومع تناقص الدعم من يهود أمريكا فإن العلاقة الدبلوماسية الخاصة معرضة لخطر شديد.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب، في مارس/آذار، وللمرة الأولى، أن تعاطف الديمقراطيين مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفهم مع الإسرائيليين. وأفادت مؤسسة بيو للأبحاث أن 64% من اليهود في الولايات المتحدة ديمقراطيون. وقال ديفيد: "لذا فإن الحزب الذي هو موطن اليهود الأمريكيين هو الحزب الذي أصبح أكثر عداء لإسرائيل".
وأشار ديفيد إلى أن "العبء يقع على عاتق إسرائيل"، للحفاظ على العلاقة الخاصة، مضيفاً أن الوفاء بهذا العبء يتطلب وقف التوسع الاستيطاني و"الانفتاح الحقيقي على حل الدولتين، أو أي حل آخر يوفر مستقبلاً لائقاً للفلسطينيين وأراضيهم وحقوقهم".