تقرير أمريكي “خطير” للغاية.. هل تتخلى إدارة بايدن عن سياسة “الصين الواحدة” وتدعم استقلال تايوان؟

صدر مؤخراً تقرير أمريكي يتعلق بالموقف من تايوان، ويهدد استراتيجية "الصين الواحدة" بشكل خطير، فهل تقدم إدارة بايدن على خطوة يراها الكثيرون "متهورة" للغاية؟

التقرير صادر عن "مجلس العلاقات الخارجية"، الذي يعتبر بشكل عام رائد مراكز الأبحاث المعنية بالسياسة الخارجية في الولايات المتحدة، بالنظر إلى عضويته الواسعة وقيادته المرموقة، فيعكس المجلس وجهات نظر مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية العاقلة السائدة.

ويتبنى التقرير وجهة النظر المتشددة للصقور في واشنطن، وهم يرون تايوان "حجر الزاوية" في السياسة الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ وآسيا بشكل عام، ومن ثم يدفعون باتجاه تغيير استراتيجية "صين واحدة" المتبعة بشأن تايوان منذ عودة العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وبكين.

ما هي سياسة "الصين الواحدة" بشأن تايوان؟

تعتبر الصين تايوان جزءاً من أراضيها، بموجب مبدأ "الصين الواحدة"، وتقول بكين إن قضية تايوان هي الأمر الأكثر حساسية وأهمية في علاقاتها بالولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تقوم سياسة الولايات المتحدة على الاعتراف بأن "الصين واحدة"، ولا تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع تايوان.

ويرجع أصل القضية التايوانية أو الأزمة الصينية مع تايوان إلى أربعينيات القرن الماضي، إذ كانت تايوان تاريخياً جزءاً من الصين، لكن عندما اندلعت الحرب الأهلية في البلاد، بدأت القصة تأخذ منحى تاريخياً مغايراً لما كانت عليه الأمور وقتها.

الحرب الأهلية اندلعت بين الحزب القومي الحاكم في الصين وقتها وبين الحزب الشيوعي الصيني بزعامة ماو تسي تونغ. وعندما انتصر الشيوعيون فرّ أعضاء الحكومة والحزب الحاكم، وعبروا مضيق تايوان ومعهم احتياطي الصين من الذهب بالكامل، ليستقروا على الجزيرة ويعلنوا قيام جمهورية الصين وعاصمتها تايبيه.

وبطبيعة الحال ظلّ العالم يعترف بجمهورية الصين كممثل للشعب الصيني، بينما لم يعترف العالم بجمهورية الصين الشعبية التي أقامها الحزب الشيوعي الصيني في البر الرئيسي وعاصمتها بكين.

ذلك الفصل من تاريخ الصين بشقيها الصين الشعبية (بكين) وجمهورية الصين (تايبيه) وقعت أحداثه عام 1949، وأصبحت جمهورية الصين (تايوان) تشغل مقعد الصين الدائم في مجلس الأمن الدولي، بعد أن اعترفت بها الولايات المتحدة والدول الغربية، بينما لم يعترف أحد تقريباً بجمهورية الصين الشعبية.

واستمرت الأمور على هذا النحو حتى عام 1971، عندما انقلبت الأمور واعترف الغرب بقيادة واشنطن بطبيعة الحال، بأن جمهورية الصين الشعبية وعاصمتها بكين هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصيني، وتم نقل مقعد العضوية الدائمة من تايوان إلى الصين، لتبدأ دول العالم تباعاً في سحب اعترافها بتايوان وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الصين.

وعندما أغلقت واشنطن سفارتها لدى جمهورية الصين (تايوان) عام 1979، وافتتحت سفارة لها في بكين، حولت مقر السفارة في تايبيه إلى مكتب للتمثيل التجاري، وسرّع القرار الأمريكي من عملية اعتراف الدول الأخرى بالصين الشعبية (البر الرئيسي وعاصمته بكين) وسحب الاعتراف بجمهورية الصين أو تايوان.

ولم يعد لجمهورية الصين تمثيل في المنظمات والهيئات الدولية، وأصبحت عبارة "تايوان جزء من الصين" حاضرة باستمرار في الوثائق الأممية، ولم يتم قبول عضوية تايوان في منظمة التجارة العالمية أو اللجنة الأولمبية الدولية إلا بعد تغيير الاسم ليصبح تايبيه الصينية.

ومع بداية صراع القوى الكبرى بين أمريكا والصين، خلال رئاسة دونالد ترامب ثم جو بايدن، أصبحت تايوان في القلب من هذا الصراع. وفي أكثر من مناسبة أعلن جو بايدن أن واشنطن "ستدافع عسكرياً عن تايوان إذا ما غزتها الصين"، وهو ما اعتبرته بكين "لعباً بالنار".

ماذا يقول التقرير الأمريكي الخطير؟

في هذا السياق، تناول موقع Responsible Statecraft الأمريكي بالرصد والتحليل ما جاء في التقرير الصادر مؤخراً عن "مجلس العلاقات الخارجية"، معتبراً أنه "تقرير متهور يزيد من فرص حدوث أزمة مع الصين"، حيث إنه من الجدير بالملاحظة وربما الخطير أنَّ المجلس نشر للتو تقييماً للسياسة الأمريكية تجاه تايوان، يعكس إلى حدٍّ كبير وجهة النظر الصقورية المتشددة في واشنطن بشأن مجموعة من القضايا، بما في ذلك القيمة الاستراتيجية لتايوان بالنسبة للولايات المتحدة، وأهداف الرئيس شي جين بينغ والحزب الشيوعي الصيني.

وإذا ما أساء مجتمع صنع السياسة الأكبر نطاقاً فهم وجهة النظر الخلافية للغاية هذه، باعتبارها تُعبِّر عن إجماع الخبراء، ستخاطر الولايات المتحدة بمزيد من التصعيد مع الصين، وصولاً إلى صراع خطير.

من المفترض أنَّ التقرير اعتمد على وجهات نظر فريق عمل مؤلف من مجموعة واسعة من الخبراء، بشأن العلاقات الأمريكية الصينية والعلاقات الأمريكية التايوانية. لكنَّ الجزء الأكبر من الدراسة يغفل أو يُقلِّل من المواقف الأكثر توازناً التي يتبنَّاها أولئك الذين يشاركون حالياً في النقاش الدائر بشأن السياسة تجاه تايوان.

ونتيجة لذلك، أصدر 5 من أعضاء فريق العمل، البالغ عدد أعضائه 17، اعتراضاتٍ على التقرير، مُنوِّهين إلى مشاكل تأسيسية متعلِّقة بطبيعة الحجج والتوصيات (واعترض عضوان آخران في فريق العمل رغبةً في اتخاذ موقف أكثر تشدداً).

يبدأ التقرير بملاحظة واعدة، تُظهِر نظرة ثاقبة للدينامية التصعيدية التي نشأت عن حدوث انهيار في العلاقة الأمريكية الصينية، فيقول: "اتهمت الصين الولايات المتحدة باتباع سياسة صين واحدة (زائفة)، اعتراضاً على الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة بخصوص العلاقات مع تايوان. تؤكد الولايات المتحدة أنَّ أفعالها تتسق مع سياسة صين واحدة، وأنَّها رد ضروري على الإكراه الصيني المتزايد لتايوان. وقد خلق هذا الخلاف دينامية فعل ورد فعل تفرض فيها الصين ضغوطاً على تايوان، ما يدفع الولايات المتحدة لاتخاذ خطوات لإظهار دعمها لتايوان، ما يؤدي بدوره إلى ضغوط صينية أكبر على الجزيرة".

وتجلى ذلك بشكل واضح في زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، إلى تايوان، مطلع أغسطس/آب 2022، وهي الزيارة التي ردت عليها الصين بفرض حصار شبه تام على الجزيرة، واتخاذ إجراءات غيرت الوضع القائم في مضيق تايوان للأبد.

ومن هذه النقطة، قد يتوقَّع المرء أن يتم بحث الأفعال المزعزعة للاستقرار من جانب كل الأطراف. وفيما يتعلَّق بتوصيات السياسة، يكون المرء مهتماً بالطرق المقترحة للطمأنة المتبادلة التي يجب أن يتبعها كل طرف فاعل، فضلاً عن الخطوط الحمراء التي يجب أن يتجنَّبها كل طرف.

والأهم، قد يأمل المرء في مناقشة كيف يمكن للولايات المتحدة والصين إعادة علاقاتهما الأكبر إلى أرضية صلبة، والشرط المسبق لذلك هو أن يثق كل جانب في ضمانات الآخر، بأنَّه يحترم الوضع الراهن الذي أبقى تايوان آمنة لأكثر من أربعة عقود.

تناقض أمريكي بشأن الموقف من تايوان

بدلاً من ذلك، يجري استعراض تكتيكات الضغط الصينية بالتفصيل، في حين تُترَك تكتيكات الولايات المتحدة وتايوان جانباً، ما يترك انطباعاً بوجود عدوان من جانب واحد وليس شعوراً بعدم الأمن مدفوعاً بشكل متبادل من الجانبين.

ومع أنَّ التقرير يدعم، كلامياً، سياسة "صين واحدة" ويدعو على نحوٍ معقول الولايات المتحدة إلى تجنُّب الإشارات الرمزية بشأن السيادة التايوانية، فإنَّ كل المقترحات الأخرى تشمل تعزيز قدرة تايوان والولايات المتحدة على مقاومة النفوذ الصيني.

والكثير من هذه الأفكار سديدة، لكنَّها لا يمكن أن تنجح في ردع العدوان الصيني إلا إذا كانت مصحوبة بمبادرات إيجابية قوية. وفي ظل المناخ الحالي، سيدفع تبنّي أجندة "ردع" غير متوازنة دوامة التصعيد أكثر نحو الصراع، بحسب تحليل الموقع الأمريكي.

ربما تكون المشكلة الأعمق في التقرير، والتي تؤثر على كل تقييماته الأخرى، هي تصويره لتايوان باعتبارها موقعاً استراتيجياً حيوياً لا بد من إبقائه بعيداً عن النفوذ الصيني، من أجل الحفاظ على القوة العسكرية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادي.

ويؤكِّد التقرير، الذي يستشهد مراراً بشهادة أدلى بها مسؤول وحيد في وزارة الدفاع الأمريكية أمام الكونغرس (ولم تكرر إدارة بايدن تصريحاته بعدها)، أنَّ تايوان حيوية بالنسبة للولايات المتحدة، بسبب "موقعها الجغرافي في قلب سلسلة الجزر الأولى… ودورها باعتبارها مركزاً عالمياً لتصنيع أشباه الموصلات… واستعدادها للعمل مع الولايات المتحدة باعتبارها شريكاً موثوقاً بشأن القضايا العابرة للحدود الوطنية". ويجادل مُعِدُّو التقرير بأنَّ مصير تايوان "سيحدد إلى حدٍّ كبير قدرة الجيش الأمريكي على العمل في المنطقة".

مع ذلك، فإنَّ القيمة الاستراتيجية لتايوان بالنسبة للموقف العسكري الأمريكي العام في آسيا نقطة يتجادل فيها الكثير من المحللين والباحثين، في الغالب دون الوصول إلى استنتاجات حاسمة.

ففي حين أنَّ سيطرة الصين على تايوان ستؤدي بلا شك إلى بعض التأثيرات التقييدية الكبيرة على القدرة العملياتية الأمريكية في آسيا، إلا أنه يوجد اختلاف كبير للغاية حول ما إن كان ذلك سيترك تلك التأثيرات الخطيرة الحاسمة على إبراز القوة الأمريكية في المنطقة مثلما يدَّعي التقرير.

الأهم من ذلك، أنَّ التقرير، من خلال تعريفه لتايوان باعتبارها أصلاً استراتيجياً ضرورياً للولايات المتحدة، يتنصَّل من سياسية "صين واحدة"، التي تنص على أنَّ الولايات المتحدة ستقبل بأي حل لقضية تايوان (بما في ذلك الوحدة مع الصين) إذا ما جرى التوصل إليه سلمياً ودون إكراه.

ما مدى أهمية تايوان الاستراتيجية فعلاً؟

رغم تأطير التقرير لمسألة تايوان باعتبارها واحدة من قضايا التنافس الاستراتيجي الأمريكي الصيني، وتقديم اقتراحات سياسية عدة لواشنطن من أجل الحفاظ على موضع أفضلية على بكين، فإنَّه يُوصي، للمفارقة، بأنَّه على الولايات المتحدة أن تبقى متمسكة بسياسة صين واحدة، وتُطمئِن بكين أنَّ واشنطن لا تسعى لفصل تايوان عن الصين بصفة دائمة.

ويبدو أنَّه يمكن فعل ذلك ببساطة من خلال تكرار شعار أنَّ واشنطن تتمسَّك بسياسة صين واحدة، في حين تتجنَّب "الإشارات الرمزية"، التي من شأنها أن تحفز رد فعل قاسياً من الصين الشعبية، وتثير مخاوف بكين من أنَّ واشنطن تبتعد عن سياسة صين واحدة التي تتبنَّاها. بعبارة أخرى يصر معدو التقرير على أنه "يجب أن تثق الصين بكلامنا وحسب".

ويتمثَّل تأكيد ثانٍ إشكاليّ للغاية، ورد في التقرير، في فكرة أنَّ الرئيس شي جين بينغ على الأرجح سيصبح أكثر عدوانية تجاه تايوان، وربما يستخدم القوة، من أجل "حشد الدعم للحزب الشيوعي الصيني وحكمه الشخصي"، خصوصاً إذا ما واصل الاقتصاد الصيني التباطؤ.

ومع أنَّ التقرير لا يُقدِّم أدلة ملموسة ويُقِرُّ بأنَّ هذا التصوير لعقلية شي هو محض تكهنات، فإنَّه يستخدم هذا الادعاء باعتباره جزءاً مهماً من حجته، للتأكيد على كل أشكال الردع مع إغفال الطمأنة الموثوقة. 

المصاحب المنطقي لاعتماد التقرير الكبير على الردع على حساب الطمأنة الموثوقة، هو فكرة أنَّ الولايات المتحدة يجب أن تستبدل سياسة الغموض الاستراتيجي طويلة الأمد تجاه التدخل العسكري الأمريكي في أي صراع في تايوان، بسياسة وضوح استراتيجي تضمن هذا التدخل.

وبشكل عام، بدلاً من تقديم تأييد ثابت دعماً لنهج أكثر موثوقية وتوازناً للتعامل مع القضية التايوانية، سيُعزِّز تقرير مجلس العلاقات الخارجية ببساطة النهج العسكري المتمحور حول الردع وتجاهل الطمأنة، وهو النهج الذي يتبنَّاه الكثير من محللي الشأن الدفاعي في واشنطن.

لكنَّه خلال ذلك يغفل أو يُقلِّل من الحجج المضادة للآخرين، وبعضهم كان ضمن فريق العمل. ومن شأن توصياته أن تُلزِم الولايات المتحدة بسباق تسلح مفتوح وغير محدود ومحتدم على نحو متزايد مع الصين بسبب تايوان. ومن شأن هذا النهج الأحادي أن يُعمِّق مستوى الريبة وعدم الثقة الصينية في الدوافع الأمريكية، وبالتالي زيادة احتمالية نشوب أزمة أو صراع شديد مع بكين، ووضع شعب تايوان في خطر عظيم.