يبدو أن نتنياهو قد قرر الرد على جفاء إدارة بايدن معه، بالتقارب مع الصين، حيث جرى الإعلان مؤخراً أنه تلقى دعوة لزيارة بكين من الحكومة الصينية، وهي الدعوة التي يبدو أنها تغضب الحكومة الأمريكية، فهل زيارة نتنياهو للصين بداية لتحالف إسرائيلي صيني أم مجرد استفزاز لبايدن؟
وتأتي الأنباء عن زيارة نتنياهو للصين في وقت انخرطت فيه الصين في برنامج طموح من مبادرات الدبلوماسية والسلام داخل الشرق الأوسط وفي أوكرانيا. ويأتي ذلك ضمن محاولات الصين لتقديم أوراق اعتمادها كقوة عالمية مسؤولة، واستغلال الخلافات بين الولايات المتحدة وحلفائها في الوقت ذاته، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
زيارة نتنياهو للصين جاءت بعد تؤخر دعوة البيت الأبيض له للقدوم لواشنطن
وتتمحور أحدث نقاط الاهتمام الصينية حول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ حيث أعلن الأسبوع الجاري عن دعوته لإجراء زيارة رسمية إلى بكين في وقتٍ تتصاعد خلاله التوترات بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وأوضح اثنان من مساعدي نتنياهو أن الحكومة الصينية دعته لزيارة بكين رسمياً في الشهر الماضي، على هامش الاجتماع السنوي للجنة الصينية-الإسرائيلية المشتركة للتعاون الابتكاري، التي تجتمع سنوياً منذ عام 2014.
ولم تُنشر أي نقاشات مفصلة حول تاريخ زيارة نتنياهو للصين، لكنها لن تحدث قبل أكتوبر/تشرين الأول على الأرجح، بحسب المساعدين.
يُذكر أن رؤساء وزراء إسرائيل يتلقون دعوةً لزيارة البيت الأبيض في غضون بضعة أسابيع من انتخابهم حسب المتعارف عليه؛ لكن بايدن اختار أن ينأى بنفسه عن نتنياهو نتيجة ضمه الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى ائتلافه الحاكم، ومحاولة تلك الأحزاب لتمرير قوانين ستُضعف سلطة المحكمة العليا الإسرائيلية بشكلٍ كبير.
وبدلاً من محاولة تهدئة الرئيس الأمريكي؛ حصل نتنياهو على دعوة للقاء الرئيس شي جين بينغ في بكين.
نتنياهو يريد استفزاز الأمريكيين بهذه الزيارة
إذ قال إفرايم هاليفي، السفير ورئيس الاستخبارات الإسرائيلية الأسبق: "أعتقد أن استخدام الصين كوسيط لإجراء محادثات غير مباشرة مع إيران هي فكرة رائعة بالنسبة لنتنياهو. لكن المؤسف هو أن دافعه الحقيقي وزراء زيارة نتنياهو للصين يتمثل في استفزاز الأمريكيين، وهذه فكرة سيئة للغاية".
وقد نشطت الصين في الشؤون الدبلوماسية للشرق الأوسط بدرجةٍ متزايدة خلال العام الجاري؛ حيث أشرفت على استئناف العلاقات بين إيران والسعودية في أبريل/نيسان، قبل أن تستقبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال الشهر الجاري.
وفي فبراير/شباط، قدمت الصين خطة سلام في أوكرانيا تتألف من 12 نقطة؛ لكن تلك الخطة لم تُسفر عن أي تفاعل بين موسكو وكييف، أو أي تحسن في الوضع داخل ساحات المعارك.
لكن تفاعل الصين مع نتنياهو هو الذي زاد المخاطر بدرجةٍ أكبر من غيره؛ إذ تظل إسرائيل أقرب الحلفاء الاستراتيجيين إلى الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حتى في أحلك فترات فتور العلاقات بين البلدين.
وتتعاون أجهزة الاستخبارات والجيش في الولايات المتحدة وإسرائيل عن كثب. كما يحاول الدبلوماسيون الأمريكيون التوسط في اتفاق دبلوماسي بين إسرائيل والسعودية.
الصين عرضت على الرئيس الفلسطيني عقد مؤتمر لإحياء السلام
ولا شك أن خطة نتنياهو للسفر إلى الصين تمثل تجسيداً درامياً لطريقة تقديم بكين لنفسها كشريك استراتيجي بديل، وكقوةٍ عظمى منتظرة.
ومن المنطقي أن تتفاعل إسرائيل مع الصين التي باتت أكثر انخراطاً في شؤون المنطقة. ففي مارس/آذار، توسط الدبلوماسيون الصينيون في هدنةٍ بين السعوديين والإيرانيين، بعد سبع سنوات من خوض الجانبين لحرب بالوكالة في اليمن وغياب أي علاقات دبلوماسية بينهما.
بينما زار عباس بكين قبل أسبوعين فقط؛ حيث عرض عليه شي استضافة مؤتمر دولي للمساعدة في تهيئة الظروف المواتية لتجديد العملية الدبلوماسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومن المؤكد أن فرص حدوث ذلك تظل ضئيلة للغاية، لكن نتنياهو لا يريد أن يتعرض للاستبعاد من الدائرة الصينية.
هذه الطريقة حققت نجاحاً مع السعودية
ولم يتحدد تاريخ زيارة نتنياهو بعد، ولم يتضح كيف سيكون رد فعل الحكومة الأمريكية عند بدء الزيارة فعلياً. في ما قال دبلوماسي أمريكي بارز ينخرط في شؤون الشرق الأوسط إن "شغل بايدن الشاغل حالياً يتمثّل في إخراج الصين من المنطقة"، وذلك قبل بضعة أيام فحسب.
ولهذا غيّر الرئيس الأمريكي موقفه من السعودية وحاكمها الفعلي الأمير محمد بن سلمان؛ حيث يتودد الدبلوماسيون الأمريكيون إلى الأمير محمد اليوم، في محاولة لتوقيع اتفاقية استراتيجية يمكنها أن تعيد السعوديين إلى المعسكر الأمريكي بشكل حاسم.
ويبدو أن نتنياهو يظن أن الانفتاح على الصين سيساعده في الحصول على استجابة مماثلة من بايدن، لكنه قد يجد نفسه على خطأ. إذ كتب تامير هايمان، مدير معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، تغريدةً تقول إن "الزيارة تأتي ضمن سياق الرفض الأمريكي لدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن. ويُعد توقيت الزيارة بمثابة خطأ فادح في ظل الأزمة التي تواجهها العلاقات مع الولايات المتحدة. ولن يدفع ذلك بالأمريكيين إلى دعوة نتنياهو، بل على العكس، سيثير الأمر غضبهم".
نتنياهو يعتبر التدخل الصيني في الشرق مفيداً
وصرح نتنياهو مؤخراً خلال جلسة إحاطة سرية أمام المشرعين الإسرائيليين بأن التدخل الصيني المتزايد في الشرق الأوسط "قد يكون مفيداً"، لأنه "سيقنع" الولايات المتحدة بزيادة تفاعلها داخل المنطقة وفقاً لمسؤولين إسرائيليين حضرا الاجتماع وتحدثا إلى موقع Axios الأمريكي.
وأفاد المسؤولان بأن نتنياهو أجاب عن الأسئلة خلال جلسة إحاطة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست؛ إذ وصلته أسئلة بشأن تدخل الحكومة الصينية في الاتفاق السعودي الإيراني، وحول ما إذا كانت محاولات الصين للعب دور أكثر نشاطاً في المنطقة ستفيد إسرائيل.
وأجاب نتنياهو قائلاً بحسب المصادر: "إن التدخل الصيني في المنطقة ليس سيئاً بالضرورة؛ بل قد يكون مفيداً لأنه سيقنع الولايات المتحدة بالبقاء هنا".
يُذكر أن إسرائيل قيّدت التدخلات الصينية في قطاعات الاقتصاد، والتقنية، والبنية التحتية خلال العامين الماضيين تحت الضغوط الأمريكية. ومع ذلك، يواصل البلدان التعاون في مجالات التجارة والصحة والابتكار.
بينما قال أحد مساعدي نتنياهو للموقع الأمريكي: "ستكون مجرد زيارة عادية ولن تكون إشارة سياسية لأي شخص".
في ما أخطر مكتب رئيس الوزراء إدارة بايدن بالزيارة بعد وقتٍ قصير من صدورها، وذلك نظراً لحساسية المسألة ووفقاً لاثنين من مساعدي نتنياهو.