مع استمرار البحر المتوسط في لفظ جثث المزيد من الضحايا في كارثة أخرى لقارب مهاجرين، يسير الاتحاد الأوروبي على طريق تمرير اتفاقية إصلاح شامل لقواعد الهجرة الخاصة به وتشديدها؛ بينما يقول النقاد إنَّ حقوق طالبي اللجوء لا تُؤخَذ في الاعتبار مرة أخرى.
وتجري مفاوضات في بروكسل لإعطاء الضوء الأخضر النهائي لاتفاقية كبيرة وافق عليها وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من هذا الشهر، التي تتضمن إجراءات متسارعة وأكثر صرامة لبعض طالبي اللجوء، وقواعد أكثر مرونة لطرد المتقدمين المرفوضين، ونقل نحو 30 ألف طالب لجوء سنوياً من دول خط المواجهة مثل إيطاليا واليونان وإسبانيا إلى أعضاء آخرين في الكتلة، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
ويتعين على البلدان الداخلية التي لا ترغب في المشاركة في البرنامج دفع 20000 يورو لكل شخص لا تقبله، مع تحويل الأموال إلى صندوق تديره المفوضية الأوروبية. وفي حين أنه ليس من الواضح حتى الآن كيف ستُنفَق هذه الأموال بالضبط، لكن يُعتقَد على نطاق واسع أنها ستُستخدَم لتعويض أعضاء الجنوب أو لدعم مراقبة الحدود والتنمية الاقتصادية في بلدان المغادرة.
وقالت ستيفاني بوب، مستشارة سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي في منظمة أوكسفام الدولية: "تهدد هذه المقترحات عامةً بتفاقم أوجه القصور المزمنة وانتهاكات حقوق الإنسان داخل نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي بدلاً من تحسينها".
تنازل كبير من اليمينيين
مع وصول الغالبية العظمى من المهاجرين إلى إيطاليا، تعد آلية إعادة التوزيع الجديدة بين الدول الأعضاء بمثابة تنازل كبير لرئيسة الوزراء اليمينية المتطرفة في إيطاليا، جيورجيا ميلوني، التي انتُخِبَت العام الماضي بناءً على وعود بكبح الهجرة وإيصال صوت إيطاليا في بروكسل.
وقالت لورينا ستيلا مارتيني، المحللة التي تتخذ من روما مقراً لها في المجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية: "حقيقة أنَّ تعريف المشكلة على أنها أوروبية، ولا بد من حلّها بجهود جميع الأوروبيين، يمثل بالفعل انتصاراً لإيطاليا".
وقد وصف كبار المسؤولين في بروكسل الاتفاقية، التي أنهت سنوات من الجمود، بأنها "خطوة تاريخية". وصرحت أنيتا هيبر، متحدثة رسمية للشؤون الداخلية في المفوضية الأوروبية، بأنَّ الإصلاح الذي يعملون عليه يجمع بين "مساعدة المحتاجين إلى الحماية الدولية، ومنع المغادرين غير النظاميين، ومكافحة شبكات التهريب الإجرامية، وتقديم مسارات للهجرة الآمنة والقانونية، وإعادة أولئك الذين ليس لديهم حق في الإقامة".
لكن المدافعين عن الحقوق قلقون. ففي امتياز آخر لصالح إيطاليا، تتيح مسودة الاتفاقية إمكانية رفض طالبي اللجوء عندما يمكن إعادة توجيههم إلى "دولة ثالثة آمنة" خارج الكتلة. ووفقاً للقواعد الجديدة، يجب أن يكون للمهاجرين نوع من الاتصال مع البلدان التي يُرسَلون إليها، لكن الأمر يعود في النهاية إلى الدول الأعضاء، وليس بروكسل، لتقرير ما إذا كانت الشروط مُستوفَاة؛ وهو ما يخشى النقاد أنه سيمهد الطريق لعمليات النقل التعسفي إلى أماكن ذات سجلات مشبوهة في مجال حقوق الإنسان.
وعلّقت مستشارة سياسة الهجرة ستيفاني بوب قائلة: "الفكرة من وراء ذلك تبدو ببساطة كما يلي: سوف نسهل عليكم ترحيل الأشخاص".
مصالح قيس سعيد
وقد ثبُت منذ مدة طويلة أنَّ طرد المهاجرين الذين رُفِضَت طلبات لجوئهم يمثل تحدياً، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم تعاون بلدانهم الأصلية. وفقاً لمكتب الإحصاء الأوروبي، من بين أكثر من 422400 شخص أُمِروا بالمغادرة في عام 2022، رُحِّل أقل من ربعهم بالفعل. والآن، مع وصول العديد من تونس إلى الشواطئ الإيطالية، يشك الكثيرون في أنَّ حكومة ميلوني ستستخدم القواعد المُخفَّفة لمحاولة إعادة المهاجرين إلى هناك مقابل الحصول على مساعدة مالية – غير منزعجة من انزلاق تونس نحو الاستبداد في عهد الرئيس قيس سعيد.
وبحسب المجلة الأمريكية، كما لم يمنع هذا الانزلاق الاستبدادي القادة الأوروبيين العازمين على كبح الهجرة من السعي لتحقيق مصالح قيس. فقد زارته ميلوني مرتين هذا الشهر، ترافقها في إحدى المناسبات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي قالت إنَّ المفوضية تدرس تقديم أكثر من مليار يورو من المساعدات مقابل تحسين السيطرة على الحدود وحملة أكثر صرامة على تهريب البشر.
ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي تغمر فيها سلطات الاتحاد الأوروبي الأنظمة المخادعة بالمال في محاولة للسيطرة على تدفقات المهاجرين؛ إذ تدفع إيطاليا والاتحاد الأوروبي عشرات الملايين من اليورو للسلطات الليبية لمساعدتها على اعتراض القوارب المتجهة إلى أوروبا، بغض النظر عن التقارير التي تتحدث عن انتهاكات واسعة النطاق في مراكز الاحتجاز الليبية.
بنود جديدة في قانون الهجرة
إضافة إلى ذلك، فإنَّ مسار التدابير السريع الذي وافق عليه وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي هذا الشهر يثير الدهشة؛ إذ يستلزم من دول خط المواجهة على طريق الهجرة إنشاء مراكز احتجاز جديدة على الحدود، بسعة حوالي 30 ألف شخص، لمعالجة طلبات اللجوء ذات فرص النجاح الأقل سريعاً، لا سيما أولئك الذين يحملون جنسيات متوسط معدل موافقتهم عليها أقل من 20%.
ومع ذلك، لم تذكر الاتفاقية نوع الموارد التي ستُخصَّص لتشغيل المرافق الجديدة وضمان المعالجة السريعة. ويشعر الكثيرون بالقلق أيضاً من أن تصير هذه المراكز في النهاية تماماً مثل المعسكرات الشبيهة بالسجون التي بُنِيَت مؤخراً بتمويل من الاتحاد الأوروبي في اليونان، والتي وصفها الزعيم اليوناني اليميني كيرياكوس ميتسوتاكيس بأنها "لا تشوبها شائبة"، لكنها تخضع حالياً للتحقيق من أكبر هيئة رقابية في الاتحاد الأوروبي بسبب التقارير التي تفيد بأنَّ السجناء لم يحصلوا على ما يكفي من المياه والرعاية الطبية والدعم القانوني.
وقالت المستشارة ستيفاني بوب: "من غير الواضح كيف ستكون هذه الاتفاقية نموذجاً فعالاً يُطرَح الآن عبر الحدود الأوروبية".
وفي حين أنَّ كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي متفائلون بشأن تحول المقترحات في الاتفاقية إلى قانون في غضون بضعة أشهر، إلا أنه لا يزال يتعين إزالة العديد من العقبات في ظل العملية التشريعية شديدة التعقيد للاتحاد الأوروبي. وبرغم أنَّ غالبية وزراء الداخلية أيدوا الاتفاقية، لكن المفاوضات جارية الآن بين ممثلي الحكومات الوطنية والبرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية للتوصل إلى موقف مشترك، الذي سيحتاج بعد ذلك إلى التصويت عليه مرة أخرى.
وحتى لو دخلت الخطة حيز التنفيذ، فإنَّ تطبيق بعض أجزائها ينتظره طريق وعر؛ فقد استُحدِثَت آلية إعادة توزيع حصص المهاجرين بين الدول الأعضاء برغم معارضة شرسة من حكومتي اليمين المتشدد في بولندا والمجر، اللتين صوتتا ضدها. وقالت بولندا، التي تستضيف حالياً مليون لاجئ من أوكرانيا، إنها لن تفتح أبوابها لمزيد من المهاجرين الذين يرسلهم أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرون ولن تدفع أية مساهمات نقدية.
ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي يُطبَق فيها نظام الحصص، الذي يشاد به باعتباره تقدماً كبيراً، ثم تتجاهل الأعضاء بالكامل تقريباً. فقد شهدت خطة مماثلة لنقل 160 ألف لاجئ دفع بها قادة الاتحاد الأوروبي في عام 2015 أقل من 35 ألف عملية نقل فعلية، مع عدم استقبال المجر وبولندا لأي شخص على الإطلاق. أدى برنامج إعادة توزيع المهاجرين الطوعي الذي وافقت عليه دول الاتحاد الأوروبي العام الماضي حتى الآن إلى نقل أقل من 1500 شخص، مقابل هدف 8000 شخص.
وقالت لورينا ستيلا مارتيني: "يبقى أن نرى إلى أي مدى ستعمل آلية التضامن الأوروبية بالفعل".