جواز السفر الباكستاني ضمن الأضعف في العالم، لكن بالنسبة لباكستانيين يحملون جنسيات غربية ويريدون أداء فريضة الحج، ربما يكون الأمر مختلفاً تماماً، فما السبب؟
منذ اتبعت المملكة العربية السعودية النظام الجديد للتقدم لأداء فريضة الحج بالنسبة للمسلمين في الدول الغربية، تقلّص العدد بشكل كبير، لكن بالنسبة لأي باكستاني يعيش في بريطانيا أو أمريكا أو أي دولة غربية أخرى، يمكنه التقدم للحج من خلال جواز سفره الباكستاني، وهو أسهل وأرخص كثيراً، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
التقدّم للحج من خلال منصة "نسك"
كانت جائحة كورونا، وعدم القدرة على حجز الحج من خلال النظام الجديد الذي أنشأته السعودية، قد أديا إلى تأخير حلم كثير من الباكستانيين في بريطانيا والغرب عموماً في أداء فريضة الحج.
وكان أحسن، العامل الباكستاني البالغ من العمر 42 عاماً، وزوجته من هؤلاء الحالمين لعدة سنوات بأداء فريضة الحج، والآن بدأت آماله تؤتي ثمارها. لكن أحسن يسلك الآن طريقاً بديلاً عن المرور عبر الطريق الرسمي المخصص للمواطنين البريطانيين. هذه المرة يستخدم جواز سفره الباكستاني.
قال أحسن، مشيراً إلى بوابة تطبيق الحج الجديد على الإنترنت، الذي أنشأته المملكة السعودية للمسلمين في الغرب: حاولنا الذهاب عبر الطريق الرسمي لـ"نُسُك"، لكن الموقع ظل عالقاً. وعندما نجحنا، كان الحجز قد بيعَ بالكامل، أو لم يعُد متاحاً.
وأحسن هو أحد الباكستانيين البريطانيين الذين يستخدمون جنسيتهم الثانوية لإيجاد وسيلة أخرى للحصول على فرصة الحج منذ بدأ تطبيق النظام الجديد "نسك" في العالم الغربي العام الماضي. قال أحسن: كنا نبحث كل يوم في "نُسُك"؛ من الصباح إلى الليل، وحتى أثناء استراحات الغداء في العمل وبمجرد أن أنهي العمل.
بموجب هذا النظام الجديد الذي أدخلته الوزارة، خُفِّضَت حصة أماكن الحج المخصصة للمملكة المتحدة لأداء فريضة الحج هذا العام من أكثر من 25 ألفاً إلى حوالي 3600.
وبعد أيام انتظار متتالية، مع تعطل موقع الويب وعدم حصوله على الحد الأدنى من الخيارات، سمع أحسن عن إمكانية التقدم للحج كمواطن باكستاني. فتقدَّم هو وغيره من الحجاج بطلب الحج عبر وكالات السفر الباكستانية باستخدام جوازات سفرهم الباكستانية، وتمكنوا من الحصول على الباقات الخاصة برحلة الحج بسهولة بالغة، وأيضاً بسعر أرخص بكثير من نظرائهم الذين تقدموا كمواطنين بريطانيين أو أمريكيين.
وتحدّث أحسن إلى الموقع البريطاني وهو جالس تحت مظلة بيضاء مغمورة بالأضواء في جلسة تدريبية للحج في لندن، حيث يشرح الإمام مناسك الحج باللغة الأوردية.
أحيت هذه الطريقة البديلة للتقدم للحج آمال العديد من الباكستانيين الذين يعيشون في الغرب، والذين يخشون أنهم قد لا يصبحون قادرين على أداء فريضة الحج بسبب النظام الجديد المعمول به في الولايات المتحدة وأوروبا وأجزاء أخرى من العالم الغربي.
تطرح هذه الموجة الجديدة من الباكستانيين مزدوجي الجنسية الذين يعيشون في الخارج ويستخدمون جنسيتهم الباكستانية عدداً من الأسئلة والفرص لباكستان نفسها، حيث تواجه البلاد واحدة من أسوأ أزماتها المالية في التاريخ، وهي في حاجة ماسة إلى ضخ نقود.
ففي العام الماضي، أدخلت المملكة السعودية قاعدة جديدة تنص على أنه يجب على المسافرين المحتملين من الدول الغربية حجز زياراتهم إلى مكة من خلال موقع إلكتروني حكومي، وليس عبر وكالات السفر التي كانت تاريخياً هي الخطوة الأولى للحصول على الباقات الخاصة برحلة الحج.
لماذا التقدم للحج من باكستان؟
ونتيجة لذلك، تعرَّف المسلمون في الغرب على تطبيق "نُسُك"، وهو منصة صممتها وزارة الحج والعمرة في المملكة السعودية لتقديم الباقات. لكن الباكستانيين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأجزاء أخرى من أوروبا يمكنهم تجنب هذا النظام الجديد عن طريق حجز باقة مباشرة عبر وكالة مرخصة في باكستان.
في باكستان، تُقسَّم حصة البلاد، التي تبلغ حوالي 180 ألفاً، إلى النصف بين الباقات التي ترعاها الحكومة والباقات الخاصة. وتُوزَّع الباقات الخاصة بين أكثر من 800 وكالة سفر مرخَّصة في الدولة.
ويمكن لأي مواطن باكستاني التقدم بطلب للحصول على هذه الباقات، بغض النظر عما إذا كان يعيش في البلاد أو في الخارج.
قال جنيد (وهو اسم مُستعار حفاظاً على هوية صاحبه)، المُطَّلِع على عمليات الحج الباكستانية: "إذا كان شخص ما يحمل جواز سفر باكستانياً، وتقدم في باكستان، فإنه يعامل على أنه باكستاني".
باكستان دولة تسمح بازدواج الجنسية، ويمكن لأي فرد وُلِدَ والداه أو أجداده في الأراضي الباكستانية التقدم بطلب للحصول على جواز سفر وبطاقة هوية وطنية، حتى لو لم يسبق له زيارة البلاد.
بالنظر إلى أن أي شخص يحمل الجنسية الباكستانية وجواز سفر يمكنه التقدم للحج في البلاد، فهذا يعني أن الباكستانيين ليس فقط في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة، ولكن في أي مكان خارج باكستان، قادرون على التقدم -بمن في ذلك أولئك الموجودين في أوروبا والدول الغربية الأخرى، الذين عليهم الآن التعامل مع تطبيق "نُسُك".
ورغم أنهم يتقدمون عبر باكستان، فهم قادرون على السفر مباشرة إلى المملكة السعودية دون الحاجة إلى التوقف في الدولة أولاً.
أحد أضعف جوازات السفر في العالم
أولئك الذين تحدّثوا إلى موقع Middle East Eye البريطاني حول أداء فريضة الحج باستخدام جنسيتهم الباكستانية، لم يفكروا في حياتهم كلها أنهم سيحتاجون إلى جواز سفر باكستاني، حيث يحتل المرتبة الرابعة بين أضعف جواز سفر في العالم.
علاوة على ذلك، فإن استخدام جواز سفر ثانٍ كان مصدر قلق لأحسن، الذي راقب في خوف وصدمة قيام الحكومة بتجريد شميمة بيغوم، المواطنة البريطانية، من هويتها البريطانية وعدم السماح لها بالعودة إلى البلاد.
بيغوم موجودة حالياً في شمال شرق سوريا، ومحتجزة في معسكر لعائلات مقاتلي داعش المشتبه بهم والأشخاص الفارين من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، حيث هزمت القوات التي يقودها الأكراد والمدعومة من الغرب الجماعة المتشددة.
بالنسبة لأيمن وخديجة تور، وهما زوجان باكستانيان أمريكيان يعيشان في الولايات المتحدة، سمعوا قصصاً كثيرة من آخرين هي التي منعتهما حتى من محاولة الذهاب إلى تطبيق نُسُك للحج، إذ اتخذا قرارهما العام الماضي بأنهما سيتقدمان من خلال وكالة باكستانية.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يخططان فيها للذهاب إلى الحج، وهو حلمهما على مدار حياتهما، ولم ينتبهما القلق بشأن أي مشكلات أو سيناريوهات سيئة قد تسقطهما من التطبيق. علاوة على السهولة التي تمكنا بها من الحصول على باقة الحج عبر باكستان، فإن اتخاذ هذا الطريق له مكافأة إضافية لهما، لأنه يسمح لوالدي أيمن، الموجودين حالياً في باكستان، بالانضمام إليهما في نفس المجموعة التي تؤدي مناسك الحج.
قال أيمن إن حجز الحج بهذه الطريقة يشبه الطريقة التي يتقدم بها الحجاج لأداء فريضة الحج في الولايات المتحدة قبل تطبيق نظام الحصص. أيمن، البالغ من العمر 50 عاماً، الشريك الإداري في شركة استشارية، وخديجة، طبيبة الأطفال البالغة من العمر 45 عاماً، تحدثا إلى موقع Middle East Eye البريطاني، في طريقهما إلى المطار.
استمتع الزوجان بتجربة التقديم من خلال باكستان، والتي قالا إنها سمحت لهما بتجنب الكثير من التوتر والقلق من أن الآخرين الذين يعرفانهم قد مروا بالتقدم من خلال الولايات المتحدة.
الآن يمكنهما فقط التركيز على الحج، والتي ستكون في حد ذاتها تجربة شاقة، ولكنها مجزية.
مستقبل التقديم على الحج من باكستان
بينما يتمتع المواطنون الباكستانيون الأجانب بالقدرة على تأمين مكان في موسم الحج لهذا العام بفضل الجنسية المزدوجة، فإن باكستان تلقي نظرة فاحصة أيضاً على هذه الظاهرة الجديدة.
تقدم هذه الظاهرة الفرصة للبلاد للاستفادة منها، ولكنها تخلق أيضاً بعض المشكلات في المستقبل، حيث قد يكون هناك الآن المزيد من المنافسة عندما يتعلق الأمر بالتقدم للحج من باكستان.
قال جنيد لموقع Middle East Eye: "إنها فكرة جيدة جداً؛ حيث يمكن لوكالة الحج تقديم باقة أخرى يمكن من خلالها القيام بجولة في باكستان".
بينما توجد فرص لتوسيع السياحة عن طريق الحج، تواجه باكستان أيضاً أزمة مالية كبيرة أدت إلى انخفاض قيمة العملة وارتفاع التكاليف، مما يجعل الحج بعيداً عن متناول الباكستانيين العاديين على نحو متزايد.
تواجه باكستان واحدة من أسوأ الأزمات المالية في تاريخها وهي معرضة لخطر التخلف عن السداد بسبب الديون الخارجية الضخمة على عاتقها. وقد انخفضت الاحتياطيات الأجنبية للبلاد إلى حوالي 4 مليارات دولار، وهو مبلغ يساوي تقريباً قيمة الواردات لشهر واحد.
وانخفضت قيمة العملة بنحو 20% مقابل الدولار هذا العام، بينما ارتفعت تكلفة الحج بشكل كبير في الوقت نفسه. وأشار جنيد إلى ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، إلى جانب الانخفاض الحاد في قيمة الروبية الباكستانية كسبب لانخفاض طلبات الحج.
في مايو/أيار، أعلنت باكستان أنها تتنازل عن 8 آلاف مكان لأداء العمرة -في علامة على المعضلة المالية لدى البلاد. وأعلنت كذلك في مارس/آذار أنها ستخصص نصف حصتها للحجاج الذين يدفعون بالدولار الأمريكي، في محاولة لجلب المزيد من العملة الأمريكية إلى الاحتياطيات الأجنبية لباكستان.
وعلى نفس المنوال، قالت باكستان في مايو/أيار إنها ستزيد حصة الحج للباكستانيين في الخارج الذين يتقدمون من خلال خطة الحكومة.
وأضاف جنيد أن هذا العام كان أيضاً الأسهل بالنسبة للباكستانيين الذين يعيشون في الغرب للتقدم، نظراً لحقيقة أن البلاد لم تكن قادرة على تلبية حصتها لأول مرة في التاريخ.
وفقاً لجنيد، كانت تكلفة الباقة الحكومية حوالي 250 ألف روبية باكستانية في عام 2016، والآن تبلغ حوالي 1.1 مليون روبية (حوالي 4 آلاف دولار)، مما يجعل السعر بعيداً عن متناول المواطن الباكستاني العادي.
لكن بالنسبة للأمريكي، فإن 4 آلاف دولار هي أقل تكلفةً بكثير من الباقات المتوفرة على "نُسُك"، التي تصل في أقصاها إلى 10 آلاف دولار. وفي السنوات القادمة، قد تستمر الفجوة المالية بين باكستاني أمريكي أو بريطاني وآخر يعيش في باكستان في الاتساع، مما يثير مخاوف بشأن من سيكون قادراً على التقدم للحج.