رفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة بنسبة 15% بعدما كانت وصلت إلى 8% مساء الخميس 22 يونيو/حزيران 2023، إلا أن هذا الإجراء لم يوقف نزيف سعر الليرة أمام الدولار والتي وصلت إلى 24.5 لكل دولار بعد هذه الخطوة مباشرة على الرغم من اعتقاد الكثيرين أن رفع سعر الفائدة قد يتسبب في تحسن الليرة أمام الدولار إلا أن ما حدث هو العكس.
ويقول عدد من خبراء الاقتصاد إن رفع سعر الفائدة إلى 15% أقل بكثير من المتوقع، على الرغم مع تدشين صناع السياسة لما وصفوها بعملية الانتقال التدريجي بعيداً عن عصر الأموال الرخيصة.
إذ تراجعت الليرة التركية بنسبة 4.3%، وذلك بعد أول اجتماع لتحديد سعر الفائدة منذ تولي وزير المالية الجديد محمد شيمشك ومحافظة البنك المركزي حفيظة غاية أركان منصبيهما الشهر الجاري. حيث رفعت لجنة السياسة النقدية سعر الفائدة على عمليات إعادة الشراء (الريبو) لأسبوع من 8.5% إلى 15%.
لماذا لم تتحسن الليرة رغم رفع سعر الفائدة؟
وجاء قرار الفائدة كمفاجأة للغالبية العظمى من الاقتصاديين المشاركين في استطلاع وكالة Bloomberg الأمريكية، الذين توقعوا وصول سعر الفائدة إلى 20% أو أكثر. بينما توقع مصرف Goldman Sachs Group Inc قفزةً في سعر الفائدة إلى نسبة 40%، بحسب تقرير لوكالة Bloomberg.
وربما يُبشر القرار بسياسةٍ جديدة، لكنه رغم ذلك لم يحقق آمال بعض المستثمرين وخبراء الاقتصاد، الذين طالبوا البنك المركزي بأن يرفع سعر الفائدة ليتجاوز معدل التضخم في البلاد. يُذكر أن معدل التضخم يستقر عند 39% في الوقت الراهن.
وانخفضت قيمة الليرة والسندات الحكومية بعد إعلان قرار البنك المركزي الذي لم يرق لتوقعات كبار المصارف والمحللين. بينما توقع بعض المحللين أن تُضاعف تركيا معدل الفائدة ضعفين، أو ثلاثة، أو حتى أربعة أضعاف في يوم الخميس 22 يونيو/حزيران.
ولا شك أن سعر الفائدة ارتفع بنسبةٍ كبيرة، لكن المستثمرين كانوا في انتظار المزيد من جانب البنك المركزي التركي. ولهذا السبب ظهرت تداعيات القرار على الأصول التركية.
بينما قالت سيلفا ديمير ألب، الخبيرة الاقتصادية السابقة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي وأستاذة جامعة كوتش بإسطنبول حالياً: "يترك هذا القرار التكيفي الكثير من علامات الاستفهام في الأذهان بشأن مدة دورة رفع الفائدة، كما يفشل في السيطرة على توقعات التضخم. بينما ستستمر الضغوطات على الليرة التركية".
بينما قال سايمون كويجانو-إيفانز، كبير خبراء الاقتصاد في شركة Gemcorp Capital Management بلندن، إن النهج "التدريجي" الذي يتبعه البنك المركزي سيُسفر على الأرجح عن "عملية تعلُّم تشمل الأسواق وصناع السياسة خلال الأشهر المقبلة".
ورغم ذلك، أوضح تود شوبيرت، رئيس أبحاث الدخل الثابت في مصرف سنغافورة: "يظل القرار بمثابة مؤشر إيجابي وخطوة على الطريق الصحيح، لكن يجب فعل المزيد. إذ من المرجح أن يشعر السوق بخيبة الأمل، لأن خطوة السياسة الأولية من الفريق الاقتصادي الجديد لم تكن أكثر قوة أو وفاعلية".
خطوات تدريجية
وضمن مساعيه لطمأنة المستثمرين الذين سحبوا أموالهم من تركيا في السنوات الأخيرة، أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعيين محمد شيمشك كوزير للمالية. وانضم شيمشك بذلك إلى قائمة رجاله القدامى الذين عادوا إلى الحكومة في يونيو/حزيران، بعد أن ابتعد عن الحكومة لخمس سنوات.
وجاء قرار يوم الخميس بعد أسابيع من الترقب والشكوك في السوق، بالتزامن مع عدم إدلاء حفيظة وشيمشك بالكثير من التصريحات عن تفاصيل سياستهما بعد التعيين، ناهيك عن عدم صدور أي تصريح بشأن أسعار الفائدة. وأدى هذا الغموض إلى رفع آمال بعض المصارف والمحللين في الغرب، الذين كانوا يطمحون إلى خطوة أكثر جرأة من أجل السيطرة على التضخم في يوم الخميس.
وقد تعهّد البنك المركزي بالمزيد من التشديد، لكنه حذر من أن الخطوات المستقبلية ستكون تدريجيةً بالتماشي مع توجيهات وزير المالية والخزانة شيمشك.
ويُعتبر أول قرارات رفع أسعار الفائدة منذ أكثر من عامين بمثابة نقطة تحول في مشوار تخلّي تركيا عن سياساتها غير التقليدية.
بينما يرى بعض المستثمرين والمحللين أن القرار يأتي جزءاً من خطة العودة التدريجية إلى السياسة الاقتصادية التقليدية، وذلك تحت قيادة شيمشك وحفيظة. وستشهد تلك الخطة استمرارهما في رفع أسعار الفائدة طوال العام.
إذ كان ماريك دريمال، كبير الخبراء الاستراتيجيين في مجموعة Societe Generale، يتوقع أن يتم رفع سعر الفائدة إلى 15%. وينظر دريمال اليوم إلى القرار باعتباره "إيجابياً".
وقال دريمال: "كان البنك المركزي محقاً في إشارته إلى مشكلة الطلب القوي والتضخم الأساسي المرتفع -كما تعهّد بزيادة سياسة التشديد. ونحن نتوقع رفع الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس في اجتماعي يوليو/تموز وأغسطس/آب، ليصل سعر الفائدة إلى 25%".
وربما تباطأ ارتفاع التضخم منذ العام الماضي، لكنه لا يزال قريباً من نسبة الـ40%. ويفرض هذا الأمر ضغوطاً على الليرة، التي خسرت أكثر من 60% من قيمتها في العامين الماضيين برغم تدخلات الدولة لدعمها.
تغيير السياسة
تعيش تركيا وضعاً مالياً صعباً أسفر عن تفشي التضخم وارتفاع تكلفة الغذاء، والسكن، والدواء، وغيرها من الاحتياجات الأساسية. مما وضع الشؤون المالية للبلاد في حالةٍ حرجة. وتعاني تركيا اليوم من نقص كبير في العملات الأجنبية.
لكن أردوغان حرّك عجلة تغيير السياسة بمجرد خروجه منتصراً من الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي.
إذ خفف البنك المركزي دفاعه عن الليرة في مطلع يونيو/حزيران، قبل تعيين حفيظة، في خطوةٍ رحب بها المستثمرون كعلامةٍ على اتجاه الحكومة إلى سياسة أكثر استدامة. لكن سعر الليرة حافظ على استقراره النسبي منذ ذلك الحين، مما أثار التكهنات بأن البنك المركزي أعاد إحياء جهود دعم العملة.
وربما كانت الخطوة الأخيرة بمثابة مفاجأة لقطاعٍ كبير من السوق، لكن السلطات حاولت إدارة التوقعات قبيل الاجتماع.
ففي وقتٍ سابق، حذّر مسؤول اقتصادي تركي بارز -طلب عدم ذكر اسمه لحساسية المسألة- من أن الزيادة الكبيرة في الفائدة حسب تسعير الأسواق قد لا تتحقق في يوم الخميس.
كما صرح شيمشك أمام كبار المسؤولين التنفيذيين في المصارف والشركات الأسبوع الماضي بأنه يريد التحرك بحذر، حتى يتجنب الآثار الجانبية غير المرغوبة، في إشارةٍ إلى قلقه من رفع تكلفة المال بدرجة شديدة الحدة، بحسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal
وأوضح شيمشك في تغريدة نشرها بعد قرار البنك المركزي أن السياسات المالية والنقدية المتوقعة، التي يدعمها الالتزام بمبادئ السوق الحرة، ستجذب تدفقات رؤوس الأموال إلى الاقتصاد التركي.
بينما قال فرانسيسك بالسيليس، رئيس قسم ديون الأسواق الناشئة العالمية في FIM Partners: "الأمر مخيب للآمال إجمالاً. إذ يتمتعون الآن بكامل رأس المال الذي يحتاجونه. وإذا عجزوا عن فعل ذلك في ذروة فترة شهر العسل، فسيكون من الصعب للغاية أن يقدموا ما تنتظره منهم الأسواق لاحقاً".