تواجه عملية إجراء الانتخابات في ليبيا، التي كانت مقررة قبل عامين وتجري محاولات لإجرائها هذا العام 2023، عقبات مستمرة، فما البدائل المحتملة حال استمر عدم التوافق بشأن القوانين الخاصة بالعملية الانتخابية؟
كان من المقرر سابقاً أن تُقام الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ليبيا، يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، وهو الموعد الذي كان قد تم إقراره من جانب ملتقى الحوار الليبي، وهو المسار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة للمرة الثانية خلال 10 سنوات من الاضطرابات والحرب.
لكن جاء الموعد ومر أكثر من عام ونصف العام على مروره دون أن يتم إجراء تلك الانتخابات لأسباب مختلفة، منها ما يتعلق بالانقسام الداخلي الذي يعصف بالبلاد منذ أكثر من 12 عاماً، ومنها ما يتعلق بمواقف الأطراف الخارجية الإقليمية والدولية، والتي يدعم بعضها أحد الأطراف في الداخل الليبي.
وفي فبراير/شباط الماضي، أعلن رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبد الله باتيلي، عن مبادرة لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في البلاد خلال العام الجاري 2023، واعتبر العديد من المراقبين للشأن الليبي أن مبادرته هي بمثابة الفرصة الأخيرة لمجلسي "النواب" و"الدولة" لإنجاز القوانين الانتخابية.
قوانين الانتخابات.. أوجه الخلاف
على الرغم من معارضة مجلس النواب الليبي الصريحة لمبادرة المبعوث الأممي وانقسام المجلس الأعلى للدولة بشأنها، إلا أن المجلسين سارعا لإقرار والتصديق على التعديل الدستوري وتشكيل لجنة 6+6 المشتركة لوضع قوانين الانتخابات.
ووفق اتفاق المجلسين، فقد كلفت لجنة "6+6" بإعداد قوانين انتخابية "توافقية" تجري عبرها انتخابات تحل أزمة الصراع على السلطة بين حكومة عينها مجلس النواب مطلع عام 2022، وحكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم الحكم إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.
غير أن مسارعة مجلس الدولة الليبي في التصديق على التعديل الدستوري تمهيداً لإقرار قوانين الانتخابات، وهو التعديل الذي أقره أيضاً مجلس النواب الليبي، دفع المبعوث الأممي للتراجع عن مبادرته بشأن تشكيل لجنة رفيعة المستوى للانتخابات تتولى وضع قاعدة دستورية وصياغة قوانين الانتخابات، وتحديد خريطة طريق.
وبدا واضحاً أن باتيلي فوجئ بهذا الاتفاق بين مجلسي النواب و"الدولة"، حيث إنهما فشلا طوال سنوات في الاتفاق على قاعدة دستورية للانتخابات، لكنهما بمجرد علمهما برغبة باتيلي في إحداث آلية بديلة لهما، صدّقا بسرعة على تعديل الإعلان الدستوري، حتى لا يتم تجاوزهما، ما أربك المبعوث الأممي.
وعلى الرغم من إعلان اللجنة المشتركة 6+6 خلال مؤتمر صحفي في مدينة بوزنيقة المغربية، توقيع أعضائها على القوانين الانتخابية التي أنجزتها عقب مباحثات استمرت لأسبوعين، إلا أن بعض بنود تلك القوانين أثار جدلاً في البلاد، ولاقى معارضة عدد من النواب بالمجلسين وأحزاب سياسية طالبت بتعديله، إلا أن اللجنة أعلنت أن قوانينها "نهائية ونافذة".
ولم يوقع رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الدولة، عقيلة صالح وخالد المشري، على القوانين الانتخابية بعد كما كان مقرراً، رغم وجودهما آنذاك بالمغرب، وسط أنباء عن عدم رضاهما عن المخرجات.
وعقب ذلك، قال المشري عبر حسابه بتويتر: "على الرغم من أنه يعتبر عمل اللجنة نهائياً وملزماً إلا أننا نأمل زيادة التفاهم حول بعض النقاط من خلال اللجنة نفسها في لقاءات قادمة".
وفي السياق ذاته طالب رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح كذلك، بإعادة التشاور من جديد للخروج بقوانين انتخابية "توافقية" خلال جلسة لمجلس النواب عقدت الثلاثاء الماضي.
ومع تصاعد الخلافات حول القوانين الانتخابية التي أنجزتها اللجنة المشتركة 6+6 بالمغرب برزت العديد من المسائل، منها البدائل الممكنة لإجراء الانتخابات الليبية في حالة تعذر إصدار القوانين الانتخابية من قبل مجلسي النواب والدولة.
ما البديل لإجراء الانتخابات في ليبيا؟
المحلل السياسي فرج فركاش قال لوكالة الأناضول إنه "في حال فشل المجلسين في التوصل إلى قوانين توافقية وقابلة للتطبيق على أرض الواقع، فهناك عدة سيناريوهات يمكن أن يلجأ إليها المبعوث الأممي، وهو اللجوء إلى الخطة ب، والمتمثلة في الاعتماد على لجنة ليبية عليا رفيعة المستوى يشكلها لصياغة قوانين توافقية تذهب بنا إلى انتخابات على الأقل تشريعية لتجديد الشرعية السياسية".
وأضاف فركاش: "أرى أن اللجنة العليا رفيعة المستوى ستعمل على إعادة صياغة القوانين الانتخابية تحت مظلة وإشراف المجلس الرئاسي، الذي يعطيه الإعلان الدستوري المؤقت صلاحيات دستورية".
وأوضح فركاش أن مجلسي النواب والدولة لديهما خيار آخر هو أن يمدد لهما المبعوث الأممي مهلة أخرى، وهذا احتمال ضعيف ويعتمد على مدى دعم القوى الخارجية لباتيلي في حال اختار السيناريو الأول والاعتماد على المجلس الرئاسي.
وبحسب المصدر نفسه فإن "السيناريو الأول سيصاحبه ربما دفع ودعم دولي، وخاصة أمريكياً أوروبياً اتجاه توحيد السلطة التنفيذية من خلال إعادة هيكلة بعض الوزارات في حكومة الدبيبة لاستيعاب القوى المعارضة، خاصة في الشرق الليبي، والمتمثلة في القيادة العامة ومن يناصرها".
وأشار فركاش إلى أن "مجلسي النواب والدولة إذا عارضا هذا السيناريو فسيجدون أنفسهما حتماً خارج اللعبة تماماً، لكن ربما التقارب المصري التركي سيساهم في إقناع عقيلة صالح وخالد المشري بالقبول بحلول بديلة".
من جانبه، رأى رئيس حزب التغيير الليبي جمعة القماطي أنه إذا فشل التوافق على القوانين التي تم الاتفاق عليها في المغرب "أتوقع أن تكون هناك ضغوطات على مجلسي النواب والدولة من قبل القوى السياسية الليبية، ومن قبل البعثة الأممية والمجتمع الدولي لمحاولة التوافق على إصدارها وتحويلها إلى المفوضية العليا للانتخابات".
ومتفقاً مع طرح فركاش، أضاف القماطي في حديثه للأناضول "بأنه في حال فشلت كل الضغوطات وفشل خيار توافق مجلسي النواب والدولة فإن أمام الأمم المتحدة بديل وحيد، وهو تشكيل لجنة ليبية رفيعة المستوى لإقرار القوانين الانتخابية وتحويلها إلى المجلس الرئاسي لإصدارها في شكل مراسيم رئاسية، على أن يدعم مجلس الأمن هذه الخطوة".
الخلاصة هنا هي أنه على الرغم من مرور أكثر من 12 عاماً على اندلاع الثورة في ليبيا، ومرور نحو 3 سنوات على اختيار سلطة انتقالية موحدة تقود البلاد إلى إجراء انتخابات جديدة، إلا أن مسار الانتخابات لا يزال مبهماً، ولا أحد يمكنه الجزم متى يمكن أن تعقد الانتخابات هذه المرة.
وتم اختيار محمد يونس المنفي، وهو دبلوماسي ليبي لرئاسة المجلس الرئاسي، ورجل الأعمال عبد الحميد محمد الدبيبة لمنصب رئيس الوزراء، ووافقت جميع الأطراف الداخلية والخارجية على هذا المسار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة، وتولى المنفي والدبيبة المسؤولية رسمياً منذ مارس/آذار الماضي.
وكانت السلطة الحالية في البلاد قد نتجت عن المفاوضات السياسية برعاية الأمم المتحدة (ملتقى الحوار الليبي)، والتي بدأت منذ اتفاق وقف إطلاق النار، قبل نحو 3 سنوات، حين بدا أن غالبية الأطراف قد اقتنعت أخيراً بأن مسار الحرب لن يؤدي إلى تحقيق أية نتيجة لصالح أي من تلك الأطراف، وهكذا صمد وقف إطلاق النار، باستثناء خروقات متناثرة من وقت لآخر من جانب قوات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر، في محاولة منه لتذكير الجميع بقدرته على إفشال الجهود السياسية مرة أخرى.
ولتفويت الفرصة على الجنرال المتقاعد لإفساد الاتفاق السياسي اتفقت الأطراف على أن يتولى المجلس الرئاسي منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة في ليبيا، بينما يتولى الدبيبة منصب وزير الدفاع، لكن حفتر ظل مصمماً على عدم الانصياع لأي منهما رغم اعترافه الشكلي بسلطتهما.
وكان من المفترض أن تشهد بداية يوليو/تموز 2021 اتفاق أعضاء ملتقى الحوار الليبي برعاية البعثة الأممية على القواعد الدستورية الحاكمة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة نهاية العام الجاري، لكن ذلك لم يحدث، فهل تتكرر العراقيل مرة أخرى؟