توقَّع خبيران تونسيان استمرار وصول المهاجرين غير النظاميين من مناطق إفريقية مختلفة إلى تونس، باعتبارها "محطة متقدمة نحو أوروبا بالنسبة لضحايا التحولات المناخية والاضطرابات السياسية في عدة دول إفريقية".
وأشار الخبيران التونسيان في حديثهما للأناضول إلى أن بلادهما "لا يمكنه مواجهة مشكلة الهجرة غير النظامية، وأن على أوروبا أن تحل مشاكل الهجرة بطرقها الخاصة".
وتشير أرقام المعهد الوطني للإحصاء بتونس (حكومي) عام 2021، إلى "وجود نحو 21 ألف مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء فقط في تونس، بمن فيهم اللاجئون وطالبو اللجوء والطلبة".
وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2022 دعا الرئيس التونسي قيس سعيد إلى تعاون دولي لمواجهة تزايد وتيرة الهجرة غير النظامية في بلاده، مشدداً على أنه "لا يمكن إيجاد حلول محلية لتلك الظاهرة".
وفي الأشهر الأخيرة، تصاعدت وتيرة الهجرة إلى أوروبا عبر شواطئ تونس، على وقع تداعيات الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها دول المنطقة، ما دفع تونس إلى مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة للحد من الظاهرة.
حروب وجفاف
رئيس مركز تونس للهجرة واللجوء (مستقل) حسن بوبكري، قال إن الهجرة غير النظامية التي تشهدها تونس "تقف وراءها أسباب مختلطة مثل الحروب والجفاف وغيرها".
وأوضح أن "منطقة القرن الإفريقي ودارفور غرب السودان ومناطق جنوب السودان تنطلق منها هجرات اقتصادية وأخرى قسرية ويلتقون على طرقات الهجرة شمال إفريقيا".
بوبكري الذي يدرّس علوم الجغرافيا ودراسات الهجرة بجامعتي سوسة وصفاقس، تحدث عن "بؤر توترات كبيرة في النيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو جراء نشاط حركات مسلحة تدفع الناس هناك للهجرة القسرية والاقتصادية".
وأشار إلى أن الذين "يهربون خوفاً على حياتهم من نشاطات الجماعات المسلحة والفقر والجفاف في بوركينا فاسو والنيجر وتشاد، يصل 20 بالمئة منهم إلى تونس".
وأكد بوبكري أن "سودانيين وصلوا مدينة صفاقس كلاجئين بعد الحرب الأخيرة التي اندلعت في الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل/نيسان الماضي".
أما أستاذ علم الاجتماع المختص في الهجرة مهدي مبروك، فيتفق مع بوبكري على أسباب استمرار الهجرة غير النظامية في تونس نحو أوروبا.
وقال مبروك: "أسباب عديدة تكمن وراء وصول آلاف المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس، منها التغيرات المناخية الحادة".
وأضاف: "من أسباب الهجرة غير النظامية العنف والحروب الأهلية التي تفجرت في أكثر من بلد بجانب الانقلابات العسكرية المتكررة والفقر والبطالة وغياب مشاريع التنمية في أكثر من مجتمع إفريقي".
مصادر الهجرة
وحول كيفية وصول المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس، قال بوبكري: "ليست لنا حدود مباشرة معهم فيصلون عبر ليبيا والجزائر، وفي ليبيا جماعات مسلحة تتاجر بالبشر مستغلة ظروفهم الصعبة، لذلك يهرب كثير منهم إلى تونس وهذا مصدر أول للهجرة".
أما المصدر الثاني للهجرة القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء، وفق بوبكري "فهم ممن يعبرون الجزائر من مالي والنيجر إلى تونس، وللأسف هناك من يموت منهم على الحدود التونسية الجزائرية بسبب صعوبة الرحلة في الصحاري".
ومنذ أشهر، تنشر وزارة الداخلية التونسية إحصائيات عن ضبط مهاجرين أفارقة على حدودها مع الجزائر، كما تصدر بيانات عن العثور على جثث عدد منهم.
ووفق مبروك، فإن "المهاجرين يصلون تونس عبر طرق مختلفة، فمنهم من يصل بطريقة قانونية حيث لا تفرض بلادنا تأشيرة على كثير من الدول، وهؤلاء ينزلون في المطار ولا يمكن للسلطات التونسية ترحيلهم".
أما البعض الآخر من المهاجرين، حسب مبروك "يخشى الترحيل في المطار أو من الإيقاف والإجراءات الإدارية المعقدة فيستعمل الطرق الصحراوية القديمة الرابطة بين تونس وإفريقيا جنوب الصحراء".
وأردف: "هناك من يدخل تونس تسللاً عبر الجزائر، والطريق الأسهل هو ليبيا فهناك من يهاجر من شواطئها أو حدودها البرية".
تهريب وإرهاب
وبرأي بوبكري، فإنه "كلما وُجد من يبحث عن الهجرة وُجد المهربون"، موضحاً أنه "خلال الخمسة أشهر الأولى من 2023 أعيد 23 ألف مهاجر غير نظامي من عرض البحر، 90 بالمئة منهم من إفريقيا جنوب الصحراء و10 بالمئة تونسيون، وخلال 2022 تم إرجاع 38 ألفاً نصفهم من الأفارقة".
ووفق مبروك "تنشط بتونس شبكات مختصة في الهجرة غير النظامية وتقوم بتمرير المهاجرين عبر الصحراء، ويذهب جزء منهم إلى المغرب ليتحول إلى إسبانيا وتحدث حينها كوارث عديدة بسبب هذه الأعمال غير المشروعة".
ولفت إلى أن "هناك تضامناً بين شبكات التهريب وجماعات إرهابية مع شبكات التسفير في الصحراء الكبرى، حيث يتبادلون المنافع والتقنيات والبشر".
وتابع: "بعض هؤلاء يستقر بتونس بعد وصوله إليها، لذلك نجد عشرات الآلاف يستقرون سنوات وبعضهم يمتهن أشغالاً هامشية والبعض يتخذ البلاد منطقة عبور لدول أخرى".
ووفق مبروك "تحولت تونس إلى دولة انطلاق وعبور للهجرات، وهي كذلك دولة استقرار عدة أفارقة والبعض منهم تحول إلى لاجئ".
دعم أوروبي
واعتبر بوبكري أن "الاتفاق الأخير بين تونس والاتحاد الأوروبي يهدف إلى مراقبة الهجرة والحدود وإرجاع المهاجرين غير النظاميين".
وفي 11 يونيو/حزيران الجاري أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن "حزمة شاملة" لتونس، منها تقديم دعم مالي يصل إلى 100 مليون يورو لإدارة الحدود والبحث والإنقاذ ومكافحة التهريب والهجرة.
وكان ذلك إثر لقاء جمع فون دير لاين بالرئيس قيس سعيد في قصر قرطاج، مع كل من رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته.
الاتفاق الأوروبي، وفق بوبكري "سيؤدي إلى أزمة اقتصادية كبيرة في تونس، وربما يقود إلى عنف اجتماعي، ولا يجب أن تقبل تونس أن يعيدوا لها من يهاجر بطريقة غير قانونية، وعلى أوروبا أن تتحمل مسؤوليتها لوحدها".
وتساءل بوبكري: "لماذا تفتح أوروبا حدودها لـ7 ملايين أوكراني وتعطيهم حق الإقامة لـ 3 سنوات قابلة للتجديد، وترفض قبول بضع عشرات آلاف من الأفارقة الذين وصلوا إليها.. هناك عنصرية في التعامل مع الهجرة".
وأشار إلى أن "الهجرة غير النظامية إشكالية عالمية يجب أن تكون لها إجابات عالمية كذلك".
وفي السياق، يقلل مبروك من أهمية "اتفاق تونس" في الحد من الهجرة، قائلاً: "في السنوات الأخيرة انعقدت قمتان حول الهجرة حضرتهما تونس، في مالطا ومراكش ولم نشهد بعدها تراجعاً ملحوظاً في أرقام المهاجرين".
تهديد أمني
مع زيادة المهاجرين غير النظاميين في تونس، تبدو أرقام الحاصلين على صفة "لاجئ" أقل بكثير من أعداد المهاجرين.
وتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بتونس (رسمية) في بياناتها، إن "هناك أكثر من 9 آلاف لاجئ وطالب لجوء من المسجلين لديها"، مبينة أن "معظمهم ينحدر من منطقة الشرق الأوسط وجنوب الصحراء والقرن الإفريقي".
ووفق البيانات التونسية "يصل معظم هؤلاء إلى البلاد براً أو جواً من البلدان المجاورة، وضمن تحركات مختلطة، عن طريق البحر أو البر من ليبيا الجزائر".
وقال بوبكري: "إذا أرادوا الانتقال من 9 آلاف إلى 50 ألف لاجئ ستكون هناك احتمالات توتر اجتماعي وعدم استقرار وعنف بين الأفارقة المهاجرين والتونسيين".
وأضاف: "ليس لتونس قانون ينظم اللجوء وفيها نحو 1200 شخص لهم صفة لاجئ، أما البقية فهم طالبو لجوء".
ويقلل مبروك من أهمية وجود من يحمل صفة لاجئ في تونس بالقول: "هم طالبو لجوء والدولة أحالت للمفوضية العليا للاجئين إدارة ملفات هؤلاء، وجزء قليل منهم يتحول إلى لاجئ نظراً لتعقيد عمليات إثبات استحقاق اللجوء".
وأردف: "كثير من المهاجرين الأفارقة لا يريدون اللجوء في تونس، بل يرغبون في الحصول على صفة لاجئ في دول أوروبا".