طرأت زيادة مخيفة على سوق المخدرات في أوروبا، بنسب تراوحت بين 150 و400%، خلال نحو 10 سنوات فقط، فهل يتصدى الاتحاد الأوروبي لانتشار السموم القاتلة قبل فوات الأوان؟
تقرير المرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان، الصادر الجمعة 16 يونيو/حزيران 2023، كشف عن أرقام صادمة وارتفاعات قياسية في تجارة وتعاطي المخدرات بأنواعها داخل الاتحاد الأوروبي، ما يمثل تحدياً لسياسات التكتل المتعلقة بمحاربة المخدرات والسياسات الصحية بشكل عام.
ويصادف 21 يوليو/تموز من كل عام اليوم العالمي لضحايا المخدرات، وخلال السنوات القليلة الماضية لوحظ ارتفاع أعداد الوفيات بسبب المخدرات في كثير من الدول الأوروبية. إذ سجلت ألمانيا وفاة 1826 رجلاً وامرأة عام 2021، في زيادة مطردة للعام الرابع على التوالي.
الكوكايين والقنب والهيروين في أوروبا
تقرير المرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان، ومقره البرتغال، خلص إلى أن سكان الاتحاد الأوروبي باتوا معرضين أكثر من أي وقت مضى "لمجموعة واسعة من المواد التي تؤثر على العقل"، وأشار إلى أن أكبر كمية من المخدرات التي تمت مصادرتها داخل الاتحاد الأوروبي كانت بين عامي 2011 و2021.
وبحسب التقرير، جاء الكوكايين في المرتبة الأولى بنسبة 416٪ ثم القنب العشبي بنسبة 260٪ والميثامفيتامين بنسبة 135٪ ثم الهيروين بنسبة 126٪ ثم الإكستاسي أو ما يُعرف بمخدر الهلوسة بنسبة 123٪ ثم الماريغوانا بنسبة 77٪، وأخيراً عقاقير الأمفيتامين بنسبة 42٪.
وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من ارتفاع الطلب على الأنواع المذكورة من المخدرات داخل الاتحاد الأوروبي، إلا أنه "من المرجح أن ارتفاع كميات المضبوطات يعكس بشكل جزئي الدور الأكبر الذي تلعبه أوروبا كمكان لإنتاج هذه العقاقير وتصديرها ونقلها".
وقال مدير المرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان، ألكسيس جوسديل، في بيان: "أي مادة لها خصائص نفسية التأثير يمكن أن تظهر في سوق المخدرات، وغالباً ما يتم تغيير اسمها أو تخلط مع مواد أخرى. وهذا هو السبب في أن العقاقير غير المشروعة يمكن أن تؤثر على الجميع سواء بشكل مباشر عن طريق تعاطيها أو بشكل غير مباشر من خلال تأثيرها على العائلات والمجتمع والمؤسسات وبيئات العمل"، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية.
وكشف التقرير أيضاً عن زيادة عمليات تهريب المخدرات إلى الاتحاد الأوروبي؛ ما أدى إلى ارتفاع أعمال العنف. ففي العاشر من يناير/كانون الثاني الماضي، قُتلت فتاة لم تتجاوز عامها الحادي عشر في إطلاق نار مرتبط بالمخدرات في ميناء أنتويرب بشمال بلجيكا.
وتُلقب مدينة أنتويرب بأنها "عاصمة الكوكايين في أوروبا". وكشفت السلطات في اليوم نفسه عن ضبط 110 أطنان من الكوكايين في الميناء عام 2022، مقارنة بـ91 طناً في عام 2021.
وفي هولندا، أفادت السلطات بضبط 52.5 طناً من الكوكايين في مدينة روتردام عام 2022 بانخفاض بلغ 77 طناً عن عام 2021.
وأشار "المرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان" (EMCDDA) إلى ارتفاع عمليات تصنيع الكوكايين في الاتحاد الأوروبي، حيث جرى تفكيك 34 مختبراً عام 2021 مقارنة بـ23 منشأة عام 2020، مضيفاً أن عصابات الجريمة المنظمة تستهدف بشكل متزايد الموانئ الأصغر، سواء في دول الاتحاد الأوروبي أم في دول الجوار.
هل تحولت أوروبا إلى مصدر للمخدرات؟
مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي، إيلفا يوهانسون، ترى أن "الجريمة المنظمة المتعلقة بالمخدرات تشكل تهديداً كبيراً للمجتمع، ويساورني قلق بالغ من أن أنواع المخدرات المستهلكة في أوروبا أضحت اليوم أكثر ضرراً على الصحة مما كانت عليه في الماضي".
وأضافت يوهانسون لشبكة دويتش فيله إن زيارتها الأخيرة إلى موانئ الاتحاد الأوروبي وإلى أمريكا اللاتينية أظهرت أن العصابات "تواصل التسلل إلى سلاسل التوريد، بما في ذلك استغلال العمال؛ ما يؤثر سلباً على المجتمعات جراء ازدياد العنف والفساد". ودعت المسؤولة الأوروبية إلى ضرورة تعاون الاتحاد الأوروبي مع دول خارج التكتل بهدف تعزيز الجهود العالمية لمحاربة تهريب المخدرات.
لكن الوقائع على الأرض تكشف عن وجود أبعاد أخرى متعلقة بانتشار المخدرات في أوروبا. ففي هولندا، حيث المخدرات قانونية، يتبع تجار المواد المخدرة، سواء الطبيعية أم المصنعة، أساليب مبتكرة للغاية في الترويج، بحسب تقرير آخر لشبكة DW الألمانية.
إنهم يستخدمون ملصقات تحمل رموزاً مشفرة (QR Code)، أو ما يعرف برموز الاستجابة السريعة التي يمكن تصويرها بكاميرات الهواتف المحمولة ومعرفة كل التفاصيل حولها، كأداة جديدة للترويج لأنواع مختلفة من المواد المخدرة، مثل الكوكايين والقنب الهندي، عبر شبكة الإنترنت.
وانتقل هذا الأسلوب الترويجي المبتكر، الذي يربط الزبائن بالتجار والموزعين وبخدمة توصيل المخدرات للمنازل، من مدينة أمستردام، التي تعد ملاذاً للمخدرات، إلى مدن هولندية أخرى، حيث ظهرت الملصقات أيضاً على أعمدة الإنارة والإعلانات والأسوار في نايميخن الكائنة على الحدود مع ألمانيا، ومدينة الجامعات أوتريخت.
وبالإضافة إلى الكوكايين، يجري تهريب أنواع أخرى من المخدرات مثل الهيروين والمواد الأفيونية المصنعة (المركبة) إلى الاتحاد الأوروبي. أفغانستان هي مصدر معظم الهيروين المستهلك في أوروبا. وأعلنت حركة طالبان حظراً على زراعة الخشخاش، ما قد يؤثر على إمدادات الهيروين العالمية. ويحذر التقرير من أن هذا الحظر قد يزيد الطلب على المواد الأفيونية المصنعة (المركبة) داخل الاتحاد الأوروبي.
كما ألقت الحرب في أوكرانيا، التي تصفها روسيا بأنها "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفها الغرب بأنها "غزو عدواني غير مبرر"، بظلالها على طرق تهريب المخدرات إلى الاتحاد الأوروبي مع انخفاض عمليات التهريب عبر منطقة القوقاز والبحر الأسود.
وكشف تقرير المرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان أن الحرب جعلت من الصعب على دول الاتحاد الأوروبي والسلطات الأوكرانية الاستمرار في علاج الناس "بمواد أفيونية المفعول"، وعرقلت جهود مكافحة تجارة العقاقير غير المشروعة في أوكرانيا؛ ما يحمل معه مخاطر صحية جسيمة.
ماذا قد تفعل أوروبا لمواجهة الخطر؟
تقرير المرصد أفاد أيضاً بارتفاع حالات التسمم بالكوكايين في الاتحاد الأوروبي العام الماضي، حيث يقوم المدمنون بحقن أنفسهم بالمخدر لوحده أو خلطه مع الهيروين. وحذر التقرير من أن منتجات القنب الجديدة مثل هيكسايدروكانابينول باتت تشكل أيضاً خطراً صحياً متزايداً. كما زاد استهلاك الكيتامين -الذي يُستخدم طبياً كمسكن للألم- ما يؤدي إلى مشاكل صحية مثل تلف المثانة.
وأشار التقرير إلى ارتفاع المشاكل الصحية جراء زيادة تعاطي مخدر "MDMA" (الإكستاسي) وأكسيد النيتروس المعروف باسم "غاز الضحك" بين الشباب؛ ما يعرضهم لإصابات في الرئة، ويمكن أن يؤدي إلى تلف الأعصاب.
وبهدف محاربة عمليات تهريب المخدرات، شرعت بلدان الاتحاد الأوروبي في سياساتها ذات الصلة، إذ تحاول لوكسمبورغ والتشيك ومالطا وهولندا وألمانيا وسويسرا إدخال لوائح جديدة ترمي إلى توريد الحشيش المسموح به للأغراض الترفيهية في بعض دول الاتحاد الأوروبي.
إلا أن هذه اللوائح لا تترك الباب مفتوحاً على مصراعيه، بل تتضمن تدابير مراقبة صارمة لسلاسل التوريد، وسن قوانين أكثر صرامة للحد من الاتجار في المخدرات. لكن بالنظر إلى تجربة هولندا في هذا السياق، تظل نتائج هذا التقنين المشروط محل شك بطبيعة الحال.
وتزامن ما يحدث بشأن المخدرات مع تصويت البرلمان الأوروبي قبل أيام لصالح إنشاء وكالة سيكون منوطاً بها تحذير التكتل الأوروبي من خلال مراقبة الزيادة في استخدام العقاقير غير المشروعة بهدف تطوير التدابير الصحية والأمنية اللازمة لمواجهة الزيادة.
وفي تعليقها على ذلك، قالت النائبة البرتغالية في البرلمان الأوروبي إيزابيل سانتوس إن "المشاكل الصحية والاجتماعية يجب أن تكون في صميم عملنا وسط عالم مليء بالتحديات. هذا التصويت يعد خطوة في الاتجاه الصحيح بهدف الخروج بنهج متوازن ومتكامل وعلمي لمحاربة ظاهرة المخدرات".
ومن جانبه، أوصى المرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان بضخ مزيد من الاستثمارات في مجال الطب الشرعي والسموم الذي "أصبح عنصراً أساسياً للوقوف على المتغيرات في سوق المخدرات والآثار الصحية المترتبة على استهلاك أنواع المخدرات المتغيرة".