تسود باكستان حالة من عدم الاستقرار السياسي منذ الإطاحة برئيس الوزراء السابق عمران خان واعتقاله مؤخراً، وتوجيه العديد من التهم له، قبل الإفراج عنه بقرار المحكمة. وتصعّب هذه الأجواء حصول البلاد على شريان حياة مالي من صندوق النقد الدولي، كما ستؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي، بحسب تقرير لمجلة modern diplomacy الأوروبية، وقد يقود استمرار الأزمة السياسية إلى انهيار البلاد مالياً.
ما حجم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها باكستان؟
تباطأ النمو والتضخم في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 220 مليون نسمة في جنوب آسيا خلال العام السابق. وبسبب الانخفاض الكبير في قيمة الروبية وانخفاض احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، واجهت باكستان صعوبة في استيراد السلع الأساسية مثل الغذاء، مما أدى إلى تدافع مأساوي في مواقع التوزيع. وكان هناك قلق بشأن احتمال تخلف باكستان عن سداد ديونها منذ شهور.
بعد إلقاء القبض على خان بتهم فساد في 10 مايو 2023، اندلعت الاحتجاجات وأعمال الشغب العنيفة في جميع أنحاء البلاد، مما شكّل تهديداً لقدرة الأمة على الحفاظ على السلام. ولاحقاً، أُفرج عن خان بكفالة، لكنه اعترف بأنه يتوقع اعتقاله مرة أخرى، مما يجعل البلاد في حالة من الشلل الاقتصادي.
ووفقاً لسيرجي لاناو، رئيس استراتيجية الأسواق الناشئة في Oxford Economics، "فإن ذلك يجعل الأمور معقدة للغاية مالياً. ويضع البلاد في وضع كان بالفعل صعباً للغاية اقتصادياً".
وبفضل صبر الدائنين مثل الصين، ربما تتمكن الحكومة الحالية من البقاء في المستقبل المنظور؛ ومع ذلك، ستزداد احتمالية التخلف عن السداد ما لم يتم الحصول على اتفاق مع صندوق النقد الدولي بسرعة.
وقال ممثل عن صندوق النقد الدولي يوم الخميس، 8 يونيو/حزيران 2023، إن المفاوضين "منخرطون بشدة" مع السلطات الباكستانية، التي "تواجه وضعاً شديد الصعوبة". أجرى صندوق النقد الدولي مناقشات مع الحكومة الباكستانية حول إحياء برنامج مساعدات بقيمة 6.5 مليار دولار.
ومع ذلك، فإن المستثمرين يشككون مع المناخ السياسي غير المستقر، لكن بعد الانتخابات التي ستتم في الخريف، يمكن لباكستان وصندوق النقد الدولي التوصل إلى اتفاق للإفراج عن التمويل الذي تشتد الحاجة إليه.
الانهيار المالي في باكستان
وتتزامن الاضطرابات السياسية في باكستان مع مستقبل اقتصادي قاتم للأمة، حيث تباطأ النمو إلى حد مفزع، وتعرقلت الواردات بشدة بسبب النقص الحاد في الدولار. كما أن الأسعار في ارتفاع شديد نتيجة لنقص الغذاء. وارتفعت تكلفة الغذاء بأكثر من 52% في المناطق الريفية وأكثر من 47% في المناطق الحضرية في أبريل 2023، مما رفع التضخم إلى معدل سنوي قدره 36.4%.
وبحسب مجلة مودرن دبلوماسي، فإن الناس في إسلام أباد يصطفون في طوابير طويلة للحصول على حصة الدقيق التي توزعها الحكومة عبر منشآتها المختلفة. وفي شهر رمضان، كان الكثير من الناس في باكستان يعانون من الجوع بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، بحسب تقارير محلية.
وبحسب رئيس البحوث في شركة "عارف حبيب ليمتد"، فإن احتياطيات البنك المركزي البالغة 4.4 مليار دولار من النقد الأجنبي كافية لتمويل الواردات لنحو شهر.
تدهور مستويات المعيشة في باكستان
وفي دولة لا تزال تتعافى من الفيضانات الرهيبة العام الماضي، تتسبب مشكلة "ميزان المدفوعات" في تدهور مستويات المعيشة. قال البنك الدولي الشهر الماضي إنه قد "يعكس مكاسب الفقر التي تحققت في العقدين الماضيين، ويزيد من انخفاض دخل الأسر الفقيرة بالفعل".
وفي الوقت الذي يتم فيه التشكيك في قدرة باكستان على الاستمرار في سداد ديونها، مع ملاحظة أن احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية كانت "أقل بكثير من اللازم لتغطية احتياجات الواردات والتزامات الديون الخارجية على المدى القريب والمتوسط"، خفضت وكالة التصنيف موديز التصنيف الائتماني للبلاد في أواخر فبراير.
ويمكن للمظاهرات المنتشرة في عموم البلاد أن تزيد المعاناة سوءاً. وقد حاولت السلطات تهدئة الفوضى هذا الأسبوع من خلال حظر الوصول إلى الإنترنت عبر الهاتف المحمول، وهي خطوة نددت بها GSMA، وهي جمعية تجارية لمزودي شبكات الهاتف المحمول، باعتبارها ضارة بالجمهور والشركات.
وأضاف عباس أن "حالة عدم اليقين السياسي والوضع المتأزم في الشارع، بما في ذلك الاحتجاجات يضعف الاقتصاد المتعثر بالفعل".
ماذا يمكن أن يحدث بعد ذلك؟
تحاول الحكومة الباكستانية التعاون مع صندوق النقد الدولي لإعادة تشغيل حزمة التمويل التي كانت معلقة منذ نوفمبر، ومن المقرر أن تنتهي في يونيو. صرحت مديرة الاتصالات في صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، يوم الخميس أن باكستان لديها "احتياجات تمويل كبيرة للغاية". وقال كوزاك "إن التمويل الذي التزم به بالفعل شركاء باكستان الخارجيون مرحب به، لكن التمويل الإضافي الكبير ضروري".
ويشكك المستثمرون في أن يتم قبول الإجراءات المطلوبة لصندوق النقد الدولي لتعزيز الوضع المالي للبلاد؛ حيث من المحتمل أن تؤدي إلى معاناة اقتصادية فورية نظراً للانتخابات الوشيكة والاستياء الشعبي المتزايد. هذا الأسبوع، لمست الروبية أدنى مستوى قياسي مقابل الدولار الأمريكي بنحو 300. في المقابل، أظهرت سندات الحكومة الباكستانية أسعاراً متدنية.
وفقاً لسيرجي لاناو، رئيس استراتيجية الأسواق الناشئة في Oxford Economics، ليس من السهل على الإطلاق خفض الإنفاق ورفع الضرائب. هذه قضايا لا يستطيع أحد تحملها في الفترة التي تسبق الانتخابات.
وفي شركة PGIM Fixed Income، التي تمتلك سندات باكستانية، صرح كبير الاقتصاديين في آسيا، غيروين بيل، بأن اعتقاد الشركة "الطويل الأمد" هو أن "الحكومة لن تكون قادرة على تقديم الضمانات اللازمة لصندوق النقد الدولي. وتابع بيل: "الظروف السياسية الحالية تدعم موقفنا فقط".
في خطاب متلفز يوم الجمعة، قال رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، إن سلفه عمران خان هو المسؤول عن المشاكل الاقتصادية للبلاد. وأشار إلى أن "العملة تمر بأوقات عصيبة. وأن الصعوبات التي تغلبنا عليها جعلت الوضع أسوأ". ومضى يقول: "نعمل على إصلاح الاتفاق مع صندوق النقد الدولي".
وتزداد احتمالية أن تتخلف باكستان عن سداد ديونها دون مساعدة من صندوق النقد الدولي، وهو أمر ضروري لإطلاق التمويل من مصادر أخرى. ومع ذلك، لا يزال هناك احتمال أن تتمكن البلاد من تجنب هذا الوضع.
ووفقاً لوكالة موديز، ستطلب باكستان تمويلاً خارجياً يتراوح بين 35 مليار دولار و36 مليار دولار للسنة المالية 2024، والتي تبدأ في يوليو وتنتهي في يونيو من العام التالي.
وسيحتاج ما يقرب من 50% من عائدات الحكومة إلى دفع فوائد الديون "للسنوات القليلة المقبلة"، وفقاً لوكالة التصنيف، مما سيؤدي إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية وتغذية الاضطرابات السياسية. وذكرت وكالة موديز في دراستها أن "جزءاً كبيراً من الإيرادات المخصصة لمدفوعات الفائدة سيقيد بشكل متزايد قدرة الحكومة على خدمة ديونها، مع تلبية احتياجات الإنفاق الاجتماعي الأساسية للسكان".