تشعر المعارضة الإسرائيلية بالقلق من أزمتين الأولى هي البرنامج النووي الإيراني والثانية مساعي حكومة نتنياهو للتعدي على سلطة القضاء.
المشكلة بالنسبة إلى المعارضة الإسرائيلية أن مساري حل الأزمتين يبدو أنهما متعارضان، فدعم حكومة نتنياهو في مواجهة إيران معناه تقويتها في مساعيها بإجراء تغييرات قانونية تضعف النظام القضائي الإسرائيلي.
في المقابل، فإن حكومة نتنياهو تلجأ إلى التصعيد الخارجي عندما توجه أزمة داخلية لتلفت النظر بعيداً عن مشكلاتها.
زعيم المعارضة الإسرائيلية وزير الدفاع الأسبق بيني غانتس عرض وجهة نظر المعارضة الإسرائيلية بشأن التحديات الرئيسية التي تواجه الدولة العبرية خلال لقاء افتراضي مع معهد واشنطن نشر ملخص له موقع المركز العربي في العاصمة الأمريكية واشنطن.
خمسة تحديات رئيسية
واعتبر بيني غانتس أن إسرائيل تواجه حالياً خمسة تحديات رئيسية، أولها تداعيات حرب أوكرانيا التي أثّرت في الاقتصاد العالمي وطالت عمليات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بالإضافة إلى ما خلفته من انعكاسات على علاقة روسيا الاستراتيجية بإيران، وإلى حد ما بالصين، من دون تجاهل معاناة الشعب الأوكراني أيضاً. وينطوي التحدي الثاني على المسألة الإيرانية، إذ وجدت طهران بتصدير الطائرات بدون طيار إلى روسيا مساراً مجدياً للتحايل على العقوبات الدولية واكتساب خبرة تشغيلية وتكنولوجية. أما التحدي الثالث فيتمثل بالحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك التصدي لقدرة إيران على تقويض النظام الإقليمي؛ على حد تعبيره.
وفيما يتعلق برغبة إسرائيل في التطبيع مع المملكة العربية السعودية تبدو نتائج المحادثات الأخيرة بين الولايات المتحدة والسعودية مبهمة، إلا أن توسيع نطاق اتفاقيات إبراهام ما زال ممكناً، حسب قوله.
ويأتي رابعاً الوضع الداخلي في إسرائيل، إذ يقول: "يجب الحفاظ على دولة ديمقراطية ثابتة ومؤسسات قوية. وأخيراً يقوم التحدي الخامس على ضرورة إحراز تقدم على صعيد القضية الفلسطينية حيثما أمكن"، حسب تعبيره.
يخشون برنامج إيران النووي، وهذه رؤية للتعامل معه غانتز
يكتسب موقف غانتر من البرنامج النووي الإسرائيلي أهمية خاصة بالنظر لخلفيته العسكرية، حيث كان رئيساً لأركان الجيش ووزير للدفاع، ورغم أنه لا ينظر له كسياسي ناجح، ولكن الإسرائيليين يتعاملون معه كعسكري مخضرم.
يقول غانتز إن إسرائيل يجب أن تبقى أقوى قوة إقليمية مهما يحدث في المستقبل، وفي هذا الإطار، يجب أولاً التشديد على أن المسألة الإيرانية تشكل تحدياً عالمياً قبل أن يكون إقليمياً، ما يعني أنها لا تشكل تهديداً لإسرائيل وحدها. فأعمال إيران تطال منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وكذلك أمريكا الجنوبية وإفريقيا ومناطق أخرى، حسب قوله.
ويقول "لذلك، سيتعين على إسرائيل اتخاذ إجراءات عند الضرورة للتصدي لبرنامج إيران النووي، بمشاركة الولايات المتحدة أم لا، مع العلم أن واشنطن ستتفهم ذلك. ويرى أنه لا داعي لشن عملية مباشرة ضد البرنامج، لكن موعد التحرك بات قريباً، لا سيما أن الفترة الزمنية التي تفصل إيران عن بلوغ مستوى خطير من تخصيب اليورانيوم تتقلّص، ولا يمكن السماح لها بالتقدم أكثر في مجال التخصيب".
ويضيف قائلاً ومع أن إسرائيل لا تحبذ التصعيد نحو حرب إقليمية، يجب النظر في ذلك كخيار حقيقي، مع الإشارة إلى أن الدول كافة لها مصلحة في التنسيق بشأن هذه المسألة، ومن الأفضل التوصل إلى حلّ من دون جرّ المنطقة إلى حرب.
ويرى أنه ستحدث مشكلة بالتأكيد إذا بلغ الإيرانيون قدرة التخصيب بنسبة 90%. فما إن يتجاوزوا هذه العتبة، سيتمكنون من توزيع المواد والتقنيات النووية إلى مواقع سرية وسيصعب بالتالي على إسرائيل وحلفائها وقف البرنامج.
وتدرك إسرائيل أنه في حال بلغت إيران نسبة 90%، ستحظى "بغطاء ردع" يزودها بالحماية للمناورة في المنطقة من دون تداعيات، وهذا ما يجب أن تدركه جميع الجهات الفاعلة بدورها. ولذلك يجب النظر في أي إجراءات تحد من الخطر الذي يطرحه التخصيب بنسبة 90%.
ولفت إلى أن إسرائيل التحقت مؤخراً بمنطقة عمليات القيادة المركزية الأمريكية ووقعت على اتفاقيات إبراهام، كما أن الولايات المتحدة ما زالت تملك أصولاً كثيرة ونفوذاً كبيراً في المنطقة. ومع ذلك، من المهم جداً أن تكرس الولايات المتحدة المزيد من الاهتمام الاستراتيجي للشرق الأوسط.
موقف المعارضة الإسرائيلية من اتفاقات إبراهام
يقول بيني غانتس إن حزب "الوحدة الوطنية" الذي يتزعمه سيدعم جهود أي جهة لتوسيع نطاق اتفاقيات إبراهام، على الرغم من عدم انعقاد اجتماعات رفيعة المستوى بين المسؤولين الإسرائيليين والعرب.
بالإضافة إلى ذلك، يؤيد الحزب إبرام اتفاقية تطبيع مع المملكة العربية السعودية، وتجلى هذا التأييد في سياسات وزارة الدفاع لترويج اتفاقيات إبراهام في عهد حكومة "بينيت ولابيد".
من المفترض أن المملكة العربية السعودية مهتمة بالتطبيع لأسباب تتعلق بالمصالح المشتركة في مجالات الأمن والاقتصاد والطاقة. وقد تضغط أيضاً في إطار اتفاقية التطبيع من أجل إحداث تغيير في القضية الفلسطينية.
التطبيع يجب أن يتضمن تفوق إسرائيل العسكري النوعي
ونظراً لأن اتفاقية من هذا النوع قد تتضمن جانباً نووياً مدنياً للسعوديين، يقول إنه يتعين على إسرائيل حماية مبدأ التفوق العسكري النوعي وتعزيزه.
لذلك، يجب على واشنطن مواصلة دعم إسرائيل في تفوقها العسكري النوعي، علماً أن البلدَين سيستفيدان من مناقشة التفوق العسكري النوعي بمعناه العريض، بما في ذلك جوانبه التقنية، حسب قوله.
ويقول إنه لم تطلب إسرائيل يوماً من الولايات المتحدة أن تقاتل عنها، إلا أن قدرتها على الحفاظ على مكانتها في المنطقة مرهونة بصون مبدأ التفوق العسكري النوعي.
لن يتحالف مع نتنياهو مجدداً وهذه رؤيته لحل أزمة القضاء
وفي ما يتعلق بالوضع السياسي داخل إسرائيل، فإن الانضمام إلى تحالف رئيس الوزراء نتنياهو غير وارد، حسب قوله.
وقال"مع أن حزب "الوحدة الوطنية" سيواصل دعم سياسات الحكومة الإيجابية مثل توسيع نطاق اتفاقيات إبراهام ومنع إيران من التحول إلى قوة نووية عسكرية. فقد انقضى السبب الأساسي للانضمام إلى حكومة الوحدة السابقة، وهو ضمان الأمن والاستقرار خلال أزمة كوفيد-19، كما أن الطريقة التي حلّ فيها نتنياهو الحكومة شكلت خيانة للثقة".
يرى غانتز "أنه في المستقبل، لا يجوز المساس بديمقراطية إسرائيل وتسييس نظامها القضائي. فإذا ضعف النظام القضائي لن يلجم الحكومة وسلطتها ومن المهم حلّ هذه المسألة. يوافق معظم الإسرائيليين على 70-80% من المسائل، إلا أن المتطرفين من جانبي الطيف السياسي يقوضون الوحدة المحتملة".
ولحل هذه الأزمة، يجب على إسرائيل تجنب تسييس النظام القضائي ومنع المزاعم الأيديولوجية المتشددة من تحديد السياسة الوطنية والتوصل إلى تسوية مفيدة للجانبين بشأن الإصلاحات القضائية.
ومن المهم أيضاً التأكيد على تأثير هذه المسألة في علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة والغرب، إذ قد تتغير المصالح المشتركة ولكن ليس القيم المشتركة.
ولا يقتصر الأمر على التغلب على الانقسامات فحسب، بل يجب أيضاً على إسرائيل أن تعطي الأولوية لخمس مسائل هي دفع عجلة التعليم وتطوير البنية التحتية في الجليل والنقب وتعزيز النظام القانوني وضمان نظام رعاية عادل والحفاظ على الأمن القومي. وأيضاً، يجب أن تتضمن الجهود المبذولة لتحقيق الوحدة الوطنية الاعتراف بأن مجتمع المتدينين المتشددين يخضع لتحول صامت من جيل إلى جيل نحو اعتماد وجهات نظر أكثر إيجابية تجاه المشاركة في القوى العاملة.
يعترض على منح سلطة واسعة لوزير المالية الإسرائيلي المتطرف
وفي ما يخص دور وزير المالية، بتسلإيل سموتريش، في سياسة الضفة الغربية، قدم نتنياهو تنازلات غير ضرورية للمتشددين في ائتلافه وقوض سلم القيادة في إدارة الضفة الغربية وفشل في ضمان سلطة فلسطينية مستقرة. ولا بدّ لإسرائيل من أن تحرص على تعزيز السلطة الفلسطينية لمنع نمو التشدد.
يقول: تعكس استطلاعات الرأي الأخيرة صورة مستقبلية إيجابية لحزب "الوحدة الوطنية"، ولكن أولوياته لا تزال على حالها. من المهم السعي إلى تحقيق الوحدة مع تقبل التنوع في إسرائيل ورفض التطرف واحترام المدارس الفكرية التقليدية والتحررية. إن الشعب الإسرائيلي يسعى الآن إلى استعادة الحياة الطبيعية.