يمثل هجوم الجندي المصري على الحدود الإسرائيلية الذي أدى لمقتل ثلاثة جنود إسرائيليين مأزقاً مزدوجاً للدولتين، سواء لأسباب متعلقة بالاختراق الأمني أو الدوافع وراء هذه العملية، التي يحيط بها غموض رسمي مصري وقدرٌ من الحفاوة الشعبية.
ولم تكشف السلطات المصرية بعدُ عن هوية فرد الأمن الذي أطلق النار على جنود إسرائيليين وأردى ثلاثة منهم، بعد اختراق الحدود إلى داخل إسرائيل يوم الجمعة 2 يونيو/حزيران. وقال بيان المتحدث العسكري المصري إن الجندي كان "أحد عناصر الأمن"، وكان متمركزاً على الحدود مع إسرائيل، وهو فرد من قوة التأمين الحدودية المنفصلة عن الجيش المصري.
وفي وقت سابق الإثنين، قالت هيئة البث الإسرائيلية (الحكومية) إن "المصري الذي نفذ الهجوم على الحدود هو محمد صلاح 22 عاماً من القاهرة"، مرفقة بيانها بصورة له.
أقامت عائلات القتلى الثلاثة في الهجوم جنازات لهم يوم الأحد 4 يونيو/حزيران في مقار إقاماتهم شمال إسرائيل ووسطها وجنوبها، حسبما ورد في تقرير لموقع Ynetnews الإسرائيلي.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية، الإثنين 5 يونيو/حزيران 2023، إن تل أبيب سلمت القاهرة جثمان الجندي منفذ الهجوم الحدودي، الذي وقع السبت وأدى إلى مقتل 3 جنود إسرائيليين وإصابة آخر، وذلك بعد ساعات من نشر الهيئة اسم منفذ الهجوم الحدودي.
وتضاربت الروايات المصرية والإسرائيلية بشأن تسلل الشرطي فجر السبت، إلى الحدود الإسرائيلية من الجانب المصري وقتله 3 جنود إسرائيليين وأصاب رابعاً قبل مقتله في وقت لاحق.
وذكرت رواية مصر عن الحادث أن المهاجم عبرَ الحدود أثناء مطاردته لمهربي مخدرات، وشارك في تبادل لإطلاق النار، ما أفضى إلى وفاته وثلاثة جنود إسرائيليين. ولم تصرح السلطات في القاهرة بتحميل أي طرف للمسؤولية، ولم تذكر الهجوم على الجنديين الإسرائيليين اللذين قُتلا أولاً قبل مواجهة القوة الإسرائيلية، ولم تُصدر كذلك أي اعتذار علني ولا نشرت المعلومات المتعلقة بوجود فرد الأمن المصري في هذه المنطقة.
ولكن الحادثة تمثل مأزقاً للجانبين المصري والإسرائيلي على السواء.
هجوم الجندي المصري على الحدود الإسرائيلية فضح ثغرات الجيش الذي لا يقهر
تزعم تل أبيب أن جيشها لا يقهر، ولكن هجوم الجندي المصري على الحدود الإسرائيلية فضح ضعف الجيش الإسرائيلي ومحدودية أجهزته، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
عدد الهجمات على هذه الحدود كان منخفضاً نسبياً، وفي العقد الماضي لم تكن هناك حالة أخرى أطلق فيها أحد أفراد قوات الأمن المصرية النار وأصاب جنوداً إسرائيليين.
ولكن الحادث الذي وقع صباح السبت أظهر أن الحدود الإسرائيلية غير منيعة كما تدعي تل أبيب، كما أظهر أن عقوداً من السلام مع مصر الذي ترسخ في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، لم يؤدّ إلى إنهاء حالة العداء الكامن في قلوب كثير من المصريين تجاه عدوهم القديم، بطريقة قد تنفجر في وجه الطرفين في أي لحظة.
تمكن الجندي المصري من اختراق الحدود دون عوائق وقتل ثلاثة جنود وجرح رابعاً. مرت ساعات كثيرة قبل أن يتم العثور عليه من قِبل إسرائيل وتصفيته.
ويتطلب هجوم الجندي المصري على الحدود الإسرائيلية تحقيقاً عسكرياً شاملاً لمعرفة أوجه القصور، ومراجعة الدفاع على طول هذه الحدود، التي وضعها الهدوء النسبي في ذيل أولويات الجيش الإسرائيلي في تخصيص الموارد والقوات، حسب الصحيفة.
أثيرت انتقادات بشأن كفاية القوات وطول مدة نوبات الحراسة وبطء الاستجابة للحادث.
كما أن الكتيبة المختلطة بين النساء والرجال التي نُشرت في المنطقة، لأن الحدود المصرية الإسرائيلية منطقة الخطر منخفض نسبياً، بحيث يمكن تخصيص ألوية المشاة النظامية لقطاعات أكثر اضطراباً مثل الحدود اللبنانية والأراضي الفلسطينية.
وتتساءل الصحيفة: "يجب الآن تحديد ما إذا كان الخطر على طول الحدود المصرية قد ازداد إلى حد يستلزم نشراً مختلفاً للقوات".
معلومات المخابرات الإسرائيلية بشأن مصر محدودة
وتقول الصحيفة: "إن هناك قضايا إضافية تتطلب التوضيح. كان معروفاً منذ سنوات أن معلومات المخابرات الإسرائيلية بشأن مصر تعاني من النقص بسبب إعطاء الأولوية في تخصيص الموارد (والوسائل التكنولوجية) لمناطق أخرى. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن السياج المرتفع والمعقد نسبياً الذي أقيم على الحدود المصرية منذ أكثر من عقد من الزمان يخدم الغرض منه -فقد أوقف تماماً تدفق طالبي اللجوء والمهاجرين لأسباب اقتصادية من إفريقيا- إلا أنه ليس محكم الإغلاق.
غالباً ما تنجح شبكات التهريب البدوية على جانبي الحدود في تجاوز الإجراءات المضادة للجيش والشرطة. قد يؤدي الحادث الأخير لتقليد هذه الأساليب من قبل مهاجمين لأسباب أيديولوجية سياسية.
على الرغم من التنسيق الأمني الوثيق والصداقة الواضحة في السنوات الأخيرة بين ضباط الجيش الإسرائيلي ونظرائهم المصريين، كشف الهجوم عن نقطة ضعف مؤلمة: في مثل هذا القطاع الطويل، مع انتشار القوات بشكل ضئيل والاستخبارات المحدودة، يمكن لمهاجم حازم يخطط لأفعاله بشكل جيد أن يخترق الحدود وإحداث إصابات.
كما أن التعاون مع مصر محدود أيضاً، في حين أن القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين بقيادة الولايات المتحدة في سيناء لا تحقق فائدة تذكر".
وتقول الصحيفة إنه إذا كان هذا الهجوم بداية التغيير نحو الأسوأ، فسيتعين على الجيش الإسرائيلي التفكير في تخصيص موارد ووسائل إضافية، وربما حتى إضافة قوات أفضل تدريباً، على الأقل لفترة محدودة.
وتقول الصحيفة: قد يكون من الضروري إعادة النظر في استراتيجية الدفاع بأكملها وتقييم ما إذا كان هناك توازن مناسب بين القوات والمراكز ووسائل المراقبة، بالنظر إلى الطول غير العادي للحدود المصرية.
منذ الهجوم، كانت هناك محادثات مكثفة بين مسؤولي دفاع إسرائيليين ومصريين لضمان عودة الهدوء على الحدود وتحديد ما إذا كان أي شخص قد ساعد المجند المصري في التخطيط للعملية أو تم إخباره بها.
وقد وصل مسؤولون عسكريون مصريون إلى المنطقة الحدودية يوم السبت 3 يونيو/حزيران. ونشر الجيش الإسرائيلي يوم الأحد 4 يونيو/حزيران صورة لضباط من الجيشين المصري والإسرائيلي واقفين معاً في سياق الاشتراك في إجراء التحقيقات.
تقول "هآرتس": "في ظروف مماثلة في الماضي على حدود إسرائيل مع الأردن أو مصر، كانت عمّان أو القاهرة تتحدث عن ضابط شرطة أو جندي "أصيب بالجنون"، لكن هذا تفسير سطحي بشكل عام، حسب الصحيفة، التي تقول إنه من المعقول افتراض أن المهاجم قد خضع لتأثير أيديولوجي تحت تأثير منظمة إسلامية (مثل فروع محلية لتنظيم الدولة الإسلامية، وكذلك تنظيم القاعدة، تنشط في سيناء) أو نفذ هذا العمل تضامناً مع الفلسطينيين.
من الصعب تجنيد متشددين في الوحدات العسكرية المصرية على الحدود الإسرائيلية
تنتمي قوات التأمين على طول الحدود مع إسرائيل إلى وزارة الداخلية المصرية. فبنود اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل عام 1979 تنص على عدم انتشار العسكريين المصريين في سيناء إلا على شريط ضيق شرقي قناة السويس. وعلى مدار العقد الماضي طلبت مصر أكثر من مرة إدخال قوات لمحاربة مسلحي "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) في شمال سيناء، وكانت إسرائيل توافق دائماً.
ومن الجدير بالذكر أن قوات تأمين الحدود ليست منفصلة عن الجيش فحسب، بل إن معداتها أقل جودة وتسليحها أقل تجهيزاً، فجنودها ليست لديهم عربات مدرعة ويسافرون في سيارات دفع رباعي، ولا يحملون إلا أسلحة خفيفة. وعندما يشن الجيش المصري حملات عسكرية على خلايا داعش، فإنه يُدخل القوات البرية والجوية بالتنسيق مع إسرائيل.
وتشير التقارير الواردة عن مصر على مدار السنوات الماضية، إلى أن أفراد قوات تأمين الحدود غالباً ما يأتون من سكان المناطق الطرفية في سيناء، ومعظمهم يكون من أصول فقيرة الحال.
لم تعلن الأجهزة الأمنية المصرية رسمياً من قبل عن كيفية الانضمام إلى قوات التأمين على الحدود المصرية الإسرائيلية، لكن المناقشات الواردة على مواقع الإنترنت وشهادات المدنيين المصريين على وسائل التواصل الاجتماعي، تشير إلى أن السلطات المصرية تتوخى في اختيارها الأفراد غير المنتمين هم وعائلاتهم إلى عصابات إجرامية أو إرهابية، وألا يكونوا ممن تصفهم بالمتشددين أو ذوي الميول المتطرفة.
يقول موقع وزارة الدفاع المصرية على الإنترنت إن المرشحين يجب أن يكونوا من الحاصلين على 60% من إجمالي درجات الشهادة الإعدادية العامة أو ما يعادلها على أقل تقدير حتى يتمكنوا من فهم حساسية التعامل مع الأطراف على الجانب الآخر من الحدود، ويقيم كثير من المجندين بالقرب من المناطق الحدودية أو في شمال سيناء، وهم من حديثي العهد بالانضمام إلى القوات المكلفة بحراسة الحدود، إذ يُستعان بهم في هذه المناطق بعد أقل من عام على تجنيدهم.
ورغم هذه الإجراءات لضمان مناسبة خلفيات الجنود الذين يرسلون لهذه الأماكن الحساسة، ولكن يظل من الصعب ضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث رغم قلتها في ظل مشاعر العداء الكامنة لدى كثير من المصريين الذين خاضت بلادهم أربع حروب مع إسرائيل، إضافة لتأثير التعاطف مع الفلسطينيين، خاصة أثناء الاعتداءات الإسرائيلية على غزة والأقصى.
وقال أوفير وينتر، كبير الباحثين في "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي، إن "مصر تحتاج إلى إسرائيل في مساعيها لمكافحة الإرهاب في سيناء، والذي كان السبب في مقتل نحو 3200 جندي مصري منذ 2013؛ وإسقاط طائرة روسية وإلحاق أضرار جسيمة بالسياحة. وكذلك فإن إسرائيل تحتاج إلى مصر لمنع الجماعات الإرهابية من ترسيخ انتشارها بالقرب من الحدود، وللحفاظ على الاستقرار والهدوء في المنطقة".
احتفاء شعبي بالجندي المصري الذي نفذ الهجوم
وأشار وينتر إلى أن "القاهرة وإن كانت لديها رواية معينة لما حدث يوم الجمعة، إلا أن الآراء مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي. فبعض الناس أشار إلى عدم وضوح البيان المصري، وعدَّ آخرون المهاجم بطلاً، وألصقوا بإسرائيل نظريات المؤامرة"، و"يدل عدم الكشف عن هوية المهاجم على أن مصر منزعجة مما حدث، وربما تسعى ألا يصبح الجندي بطلاً قومياً. ويدفع الهجوم إلى الأخذ بالاعتبار احتمال أن يكون الجندي المصري قد قام بالعملية بدوافع قومية أو دينية".
ويبدو أن هذا يغضب إسرائيل، إذ يقول وينتر: "على السلطات المصرية أن تسأل نفسها عن طبيعة تثقيف الجمهور العام بشأن إسرائيل بعد 44 عاماً من توقيع معاهدة السلام"، حسبما نقل عنه موقع Ynetnews الإسرائيلي.
في غضون التحقيقات، تزايد اقتناع مؤسسة الدفاع الإسرائيلية بأن المهاجم تصرف منفرداً، وليس بدافع الانتماء إلى منظمة ما. ولا يزال التحقيق في الواقعة مستمراً، لكن الموقع الإسرائيلي يزعم أن هناك تقارير تشير إلى أنه كان لديه ميول جهادية أثناء خدمته في تأمين الحدود.