يلتقط الرئيس الأمريكي جو بايدن الآن بعض أنفاس الراحة بعد قلق شديد وإفلات بالكاد من أن يشهد اقتصاد البلاد مصيبة تضاهي اصطدام نيزك فضائي بكوكب الأرض؛ إذ يبدو -بعد معاناة- أن أمريكا لن تتخلف عن سداد ديونها في عهده، كما يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية. فلماذا يُعدّ إنجاز هذه الصفقة انتصاراً لبايدن؟
اتفاق سقف الدين.. بايدن ينتصر
بعد الاتفاق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على صفقة تعليق سقف الديون البالغ 31.4 تريليون دولار وإقرار التشريع في مجلس النواب يوم الخميس، 1 يونيو/حزيران 2023، يمكن لبايدن كذلك أن يؤكد مرة أخرى الحجة الأساسية لأفضليته على غيره، والتي ظل يستحضرها طوال رئاسته: أنه رئيس في عصر يغلب عليه الاستقطاب، وأن صفقة كهذه لم تكن لتتم لولاه، فهو مبعوث مقبول من الحزبين ومناضل سياسي مخضرم لديه خبرة تمتد 36 عاماً في مجلس الشيوخ، ومن ثم فهو الوحيد القادر على تجاوز المسالك الوعرة، وعقد الصفقات مع الخصوم.
ويستند بايدن في حجته إلى كونه الوحيد القادر على رأب هذه الانقسامات، التي كانت تبدو عصية على الحل في عصر دونالد ترامب.
ومع ذلك، فإن هذه الصفقات لها ثمن بالطبع. ولذلك لم يزعم البيت الأبيض أن اتفاقية الميزانية التي توصل الحزبان إليها بشق الأنفس ليست إلا مكاسب خالصة بلا خسائر للقاعدة الديمقراطية. لكن اللافت للنظر أن عدد الديمقراطيين المصوتين لصالح مشروع القانون المكون من 99 صفحة كان أكبر من عدد الجمهوريين، وهذا مكسب في السجل غير الرسمي لنزاع الحزبين على من يحصل على مكاسب أكثر من الطرف الآخر، علاوة على ذلك فإن الديمقراطيين التقدميين الذين عارضوا بعض بنود التشريع اقتصرت معارضتهم عليها، ولم تتوسع إلى انتقادات لرئيسهم الديمقراطي بايدن.
بالتأكيد، سيكون هناك متسع من الوقت لمناقشة الآراء التي تقول إن بايدن والديمقراطيين كان بإمكانهم أن يبلوا بلاء أحسن في هذا الأمر. فقد كانوا يستطيعون رفع سقف الدين أو إلغاءه حين كانوا يسيطرون على البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس.
وقد أشار السيناتور الديمقراطي، تيم كين، إلى ذلك في تصريحات لموقع Politico الإلكتروني العام الماضي، عندما قال إنه لو عاد به الزمن إلى سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ، وتمكن من تغيير شيء ما "لكان هذا الشيء هو رفع سقف الدين أواخر العام السابق".
صفقة تحمي الإنجازات التشريعية لبايدن
تقول الصحيفة البريطانية، ربما ركن بايدن إلى شعور زائف بالأمان تأثراً بالخلافات التي عطلت اتفاق الحزب الجمهوري على انتخاب كيفن مكارثي رئيساً لمجلس النواب في يناير/كانون الثاني. فقد اقتضى الاتفاق على مكارثي 15 جولة اقتراع، ودلت تفاصيل التصويت على أن الأغلبية الجمهورية غارقة في الانقسام واختلال الأداء للعمل المنوط بها. ومع ذلك، فإن الديموقراطيين يستخفون بقدرة الجمهوريين على الاستنفار والاصطفاف معاً، ما إن يهددهم الخطر.
تمكن مكارثي من توجيه ائتلافه صعب المراس لتمرير فاتورة سقف الدين بعد إدراج الكثير من البنود المهمة للنواب المحافظين في الحزب الجمهوري، وبنود خفض الإنفاق.
وكان بايدن يأمل في البداية أن يرضخ الجمهوريون المعتدلون للمنطق -لأن سقف الدين يتعلق بالإنفاق الذي سمح به الكونغرس بالفعل، وليس الاعتمادات المستقبلية- وألا يصطفوا لمعارضته، ويغامروا باحتمال الوقوع في كارثة التخلف عن السداد، لكن الأحداث برهنت على خطأ ظنه.
ألغى بايدن رحلات مقررة إلى أستراليا وبابوا غينيا الجديدة لإجراء المحادثات مع مكارثي. وأرسل فريقاً من المفاوضين، يضم شالاندا يونغ، مديرة مكتب الإدارة والميزانية، التي أنهكها العمل ساعات طويلة، حتى صرحت للصحفيين بأنها استنفدت ملابسها النظيفة.
الصفقة الناشئة تحمي الإنجازات التشريعية لبايدن، مثل قانون البنية التحتية للحزبين، وقانون خفض التضخم؛ وتكبح محاولات الجمهوريين لإلغاء حوافز مشروعات الطاقة الخضراء. كما ألغى البيت الأبيض مقترحات الجمهوريين لخفض التمويل المخصص للتعليم، والرعاية الصحية، وإنفاذ القانون، والضمان الاجتماعي.
الأزمة داخل الحزب الديمقراطي
مع ذلك، لا يمكن الزعم أن استناد بايدن إلى الحجة القائلة إن "الأمور كان من الممكن أن تكون أسوأ لولاي" شعاراً كافياً لإعادة انتخابه، لكن البيت الأبيض سيشدد على أنه بلغ ما بلغه في ظل حكومة منقسمة ومعارضة شديدة من الجمهوريين.
أشادت شالاندا يونغ، مديرة مكتب الإدارة والميزانية، بالاتفاق بين الحزبين، وقالت: "يجب أن يكون لدينا بعض الثقة بالأغلبية الحاكمة في الكونغرس، وأنا أفعل ذلك، وأكن الكثير من الاحترام للنواب من الجانبين وقدرتهم على الاحتكام لما فيه مصلحة الشعب الأمريكي"، وقد توصلنا لاتفاق، على الرغم من أن ترك التشدد كان كثيراً ما يبوء بالفشل منذ أن تولى دونالد ترامب الرئاسة وزاد الانقسام بين الحزبين، وبعدها انحدر الحزب الجمهوري إلى سلوك شبيه بتقديسه.
مع ذلك، كانت هناك بعض المعارضة من التيار اليساري في الحزب الديمقراطي، وعلى رأسه النائبة براميلا جايابال وألكساندريا أوكاسيو كورتيز، والنواب التقدميين. فقد انتقدوا شروط العمل على مخصصات برامج المعونة الغذائية لبعض الأمريكيين الفقراء؛ وخفض التمويل لوكالة الإيرادات الداخلية (هيئة الضرائب) وما قد يؤدي إليه من تخفيف الرقابة على ضرائب الأثرياء؛ وتسريع عملية التصريح لخط أنابيب الغاز الطبيعي في فرجينيا الغربية (موطن السيناتور الديمقراطي المحافظ جو مانشين).
قد يؤدي ذلك إلى إضعاف الدعم لبايدن داخل الحزب الديمقراطي على المدى الطويل، ومن ثم تأكيد الآراء التي تقول إنه يزداد انحيازاً إلى كتلة يمين الحزب مع اقتراب عام 2024. لكن هذه الآراء مردود عليها أيضاً بأن الأمور كان من الممكن أن تكون أسوأ من ذلك.
لم يحدث تمرد عام على بايدن داخل الحزب الديمقراطي. فقد أدرك التقدميون أن "الجمهوريين من أنصار ترامب" قد أخذوا الاقتصاد رهينة، وأجبروا بايدن على التفاوض من أجل الفدية. وفي هذا السياق، قال نائب الكونغرس الديمقراطي جيمي راسكين: "يجب علينا أن نبذل وسعنا لكي لا يقع هذا الابتزاز التشريعي مرة أخرى".