يصعب على أي مراقب للشأن السوداني أن يفك ألغاز رحلة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، من صحاري دارفور النائية إلى قصره المذهَّب على ضفاف النيل في الخرطوم، عاصمة السودان المحاصرة. فقد كان الرجل في السابق تاجر إبل متوسط الحال، ليس لديه تعليم رسمي ولا تدريب عسكري. ومع ذلك، فإنه قد صار -بحلول أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين- أقوى قائد ميليشيا في منطقة دارفور الشاسعة في غرب البلاد، وآلت إليه مفاتيح مستقبل السودان.
حميدتي قائد أقوى ميليشيا ورحلة الصعود إلى السلطة في السودان
تقول صحيفة The Economist البريطانية، إن ميليشيات حميدتي سيئة السمعة، المعروفة باسم الجنجويد، اتُّهمت بارتكاب إبادة جماعية ضد القبائل الإفريقية في المنطقة نيابةً عن عمر البشير، حاكم البلاد على مدى ثلاثة عقود. ويصف دبلوماسي مخضرم للمجلة البريطانية، رحلة حميدتي من "سرقة الإبل إلى الطمع في حكم البلاد"، بأنها كرحلةِ "رجل مافيا بدأ بالسيطرة على زاوية شارع، ثم تمددت سيطرته حتى استولى على المدينة".
في غضون عقد من الزمان، تحولت ميليشيا الجنجويد، -التي اعترفت بها الحكومة المركزية رسمياً تحت اسم قوات الدعم السريع- إلى كيان شبه عسكري يضم عشرات الآلاف من القوات الجيدة التجهيز.
أبرم حميدتي، الذي صار يحمل رتبة عميد، صفقات مربحة مع الإمارات والسعودية، وأرسل رجالاً للمشاركة في حرب التحالف الخليجي في اليمن. واستغل حميدتي سيطرته على مناجم الذهب في السودان لتأسيس إمبراطورية تجارية مترامية الأطراف ومتجاوزة لحدود البلاد.
ولما أُزيح البشير عن منصبه على إثر الاحتجاجات الشعبية التي أعقبها انقلاب عسكري عليه في عام 2019، ربما أصبح حميدتي وقتها أقوى رجل في السودان، فقد استقبله الدبلوماسيون الغربيون واستقبلهم؛ وقيل إن المرتزقة الروس أمدُّوه بالسلاح؛ وتولوا الترويج له والضغط من أجل مصالحه شركةُ علاقات عامة كندية.
ثم تمكن حميدتي -بدعمٍ من قوات الدعم السريع التي كانت جيشاً تابعاً له على الحقيقة- من التسلق ببراعة إلى منصب نائب الرئيس في الحكومة المؤقتة التي تشكلت بعد سقوط السيد البشير. وقلة هم من شكوا في أن حميدتي يضع عينه على المنصب الأعلى.
معركة حياة أو موت بالنسبة لحميدتي
على الرغم من ذلك، فإن حميدتي يقاتل الآن في معركة حياة أو موت، كما تقول الإيكونومست. فمنذ منتصف أبريل/نيسان، تقاتل قوات الدعم السريع الجيشَ النظامي، القوات المسلحة السودانية، في صراع قاتل على السلطة يهدد بتفكيك الدولة المركزية وتشريد ملايين المدنيين.
ومع أن قوات الدعم السريع اجتاحت مناطق عديدة في الخرطوم خلال الأسابيع الماضية، ولا تزال تسيطر على مناطق رئيسية مثل المطار الدولي والبنك المركزي ومصفاة النفط الرئيسية في البلاد، فإن حميدتي لا يزال يمثل الطرف المُستبعد انتصاره في هذا الصراع.
ربما ساعدت عمليات وقف إطلاق النار -التي تناوبت السعودية والولايات المتحدة الإشراف عليها- قوات الدعم السريع في اتخاذ موطئ قدم لها في العاصمة؛ وأتاحت لها إعادة التسليح؛ ونشر قوات جديدة. لكن حميدتي ما زالت فرصته ضعيفة في هزيمة الجيش على المدى القريب.
من جهة أخرى، فإن الخلافات وإن كانت ضاربة في الائتلاف المكون لكل جانب من طرفي الصراع، إلا أن قيادة الدعم السريع تبدو أكثر تآلفاً فيما بينها. لذلك يقع على حميدتي وبطانته المتماسكة من رجال العائلة والعشيرة المقربين أن يقرروا ما إذا كانت قواتهم ستنحاز إلى الاستسلام، أم تخريب العاصمة، أم الفرار إلى معاقل القوات في دارفور، حيث يمكن أن يلحقوا مزيداً من الأضرار بالقوات النظامية إن هاجمتهم.
أما الشغل الشاغل للجيش، تحت قيادة اللواء عبد الفتاح البرهان، فهي قتل حميدتي أو القبض عليه هو وشقيقه عبد الرحيم حميدتي، نائب قائد الدعم السريع. ومع ذلك، فإن أياً من الرجلين لم يُشاهد علناً منذ أواخر أبريل/نيسان.
الرجل البراغماتي المعادي للإسلام السياسي
جيروم توبيانا، الباحث الفرنسي الذي عرف حميدتي منذ أكثر من 10 سنوات، يصفه بأنه "براغماتي". فقد كان أقرب حلفائه ذات يوم هي القبائل العربية حين كانت لها الغلبة في دارفور. ويدعي هذه الأيام أنه "يناضل من أجل الديمقراطية". لكن الواقع أنه انضم بقواته في عام 2021 إلى منافسه البرهان، لإسقاط الحكومة ذات القيادة المدنية في انقلاب عسكري.
وليكسب الدعم من الحلفاء المحتملين في الخليج، يصور نفسه في هيئة المعارض الشرس للإسلام السياسي، رغم أنه ظل لسنوات طويلة مناصراً متعصباً لنظام البشير المنسوب إلى الإسلام السياسي.
والواقع أن مكمن ضعف حميدتي أنه يفتقر إلى قاعدة شعبية واسعة النطاق، فهو وإن حاول في المدة الأخيرة تقديم نفسه في هيئة المدافع المخلص عن الجماهير المضطهدة في السودان، فإن قوات الدعم السريع لا تزال تقوم في صميمها على تحالف عائلي تستند ركائزه إلى قبيلة الرزيقات التي ينتمي إليها حميدتي. وقد زادت الأفعال الوحشية، التي ارتكبتها هذه القوات منذ اندلاع الحرب الأهلية في أبريل/نيسان، من نفور الناس. يقول مسؤول سابق في حكومة السودان المؤقتة: "لقد خسر قلوب الناس وعقولهم". ومن ثم، فإن السودانيين إذا أُجبروا على الاختيار بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش، فإن معظم السودانيين سيختارون الجيش بلا شك.
سلاح حميدتي للوصول هو المال
أهم وسيلة يعتمد عليها حميدتي هي المال، فقد استخدم ذهبه لشراء شبكة من الأصول الخاصة والعامة، ما مكَّنه من تهريب الأسلحة والوقود من ليبيا ومن دول عبر البحر الأحمر؛ وتمكن بالمال من دفع تكاليف المرتزقة الذين جنَّدهم من القبائل العربية عبر منطقة الساحل. ويُقال إن المقاتلين الأجانب ما انفكوا ينضمون إليه من تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى منذ اندلاع الحرب الأهلية.
لا يُعرف ما إذا كانت قوات الدعم السريع تستطيع خوض حرب طويلة أم لا. فلعل الدافع المحرك لمعظم قوات حميدتي هو المال والتضامن العشائري أكثر من الأيديولوجية. وعلى الرغم من وقف إطلاق النار بين الحين والآخر، فإن القتال في معاقل قوات الدعم السريع في دارفور قد يكون أشد شراسة من القتال في أي مكان آخر، ويزيد ذلك من تفاقم الأزمة الإنسانية. وهذا أكثر شيء يخشاه مارتن غريفيث، مبعوث الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، والذي يصف الأحوال بالقول: "إنه ثقب أسود – لا نعرف ما الذي يحدث هناك".
قد يبدأ التذمر على حميدتي في التزايد داخل قوات الدعم السريع، بل قد يتنامى حتى بين قبيلته ذاتها. ومع ذلك، فلا أحد يعرف مكان وجوده. ويقال إن كثيراً من أفراد عائلته اتخذوا ملاذاً آمناً لهم في الخليج. يقول مجدي الجزولي من معهد "ريفت فالي" -وهو مؤسسة فكرية تعمل في جميع أنحاء المنطقة- إن حميدتي "يجعل [قومه] يدفعون ثمناً باهظاً للغاية مقابل طموحه"، ما "قد يُفيض كيلهم في أي لحظة ويجعلهم يرون أن الأمر لا يستحق كل هذا العناء".