يبدو أن فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية في تركيا، سيعمل على دفع العلاقات التركية العربية إلى آفاق أكثر تطوراً عبر بوابة الاقتصاد والاستثمارات. هذا ما يقوله خبراء ومحللون، حيث حظيت العلاقات العربية التركية بدفعات إيجابية قبيل الانتخابات، ويبدو أن هذا الاتجاه الإيجابي سيتواصل بعد فوز أردوغان، وسيؤدي إلى مزيد من الانفتاح، والتركيز على الاستثمار والتبادل التجاري، بحسب محللين.
وفور إعلان النتائج شبه النهائية، هنّأ زعماء وقادة عرب الرئيس أردوغان بفوزه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لولاية جديدة، تستمر حتى عام 2028. وحصل أردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية على 52.16% من الأصوات، مقابل 47.84% لمرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، وفق ما أعلنت الهيئة العليا للانتخابات.
"تركيا ستظل القوة المؤثرة التي يتطلع الجميع للعمل معها"
دشنت تركيا حملة دبلوماسية في 2021 مع العديد من الدول في المنطقة أبرزها السعودية والإمارات ومصر، تمخضت عنه زيارات رسمية وصفقات استثمارية في وقت أزمة للاقتصاد التركي، حيث وافقت السعودية على إيداع خمسة مليارات دولار في البنك المركزي التركي.
وقد ذكر أردوغان قبل جولة الإعادة بثلاثة أيام أن دولاً خليجية أرسلت في الآونة الأخيرة استثماراتها إلى تركيا، ما ساعد في تخفيف الأعباء عن كاهل البنك المركزي التركي والأسواق، وتابع أنه يعتزم الاجتماع مع قادة تلك الدول وتوجيه الشكر لهم.
وتتحسن علاقات تركيا مع مصر أيضاً بعد سنوات من توترها بسبب معارضة أنقرة إطاحة الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013. وفي آذار/ مارس، زار وزير الخارجية التركي القاهرة للمرة الأولى منذ عقد.
وساعد هذا النهج التصالحي أيضاً على تهدئة الصراع في ليبيا، حيث كانت الإمارات ومصر قد دعمتا القوى المهيمنة على شرق البلاد مثل خليفة حفتر، في مواجهة حكومة طرابلس المعترف بها دولياً والمدعومة من تركيا.
وفي ظل السلام غير المستقر أصبح لدى أنقرة الآن علاقات عبر خطوط المواجهة القديمة. ويقول دبلوماسيون إن العلاقات الدافئة جعلت من السهل على الأطراف الليبية المتحاربة الالتزام بوقف إطلاق النار.
وقال طارق المجريسي، الخبير في شؤون ليبيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية لوكالة رويترز: "الأمور تسير كالمعتاد (بعد الانتخابات) وستظل تركيا القوة المؤثرة التي يتطلع الجميع للعمل معها".
مسار تطبيع العلاقات العربية التركية سيستمر
في السياق، يقول أستاذ العلاقات الدولية بمركز ابن خلدون في جامعة قطر، علي باكير، لوكالة الأناضول التركية، إنه "قبيل الانتخابات التركية كان هناك مسار من التطبيع في المنطقة العربية انخرطت فيه تركيا، وأعتقد أن هذا المسار سيستمر في الفترة المقبلة على عدة أصعدة".
وذكر باكير أن العلاقات التركية العربية الخليجية على سبيل المثال "ستشهد تركيزاً على الجانب الاقتصادي والاستثماري، والتعاون في المجال العسكري والدفاعي، بالإضافة للسياحة والطاقة".
مشيراً إلى أن العلاقات التركية المصرية على سبيل المثال "ستشهد مستوى أعلى من التطبيع بين البلدين، وكانا قطعا شوطاً قبل الانتخابات التركية، وغالباً سيستكملان المباحثات في هذا الخصوص".
وأضاف باكير أنه "بجانب العلاقات الثنائية والتبادل التجاري والاستثماري، ستتركز الجهود على موضوع شرق البحر المتوسط وترسيم الحدود المحتمل، إضافة للملف الليبي".
ملفات تركية عربية حساسة على طاولة أردوغان
باكير تحدّث عن استمرار العلاقات التركية مع الدول العربية في شمال إفريقيا، قائلاً إن "العلاقات مع ليبيا مستمرة بنفس الزخم، والعلاقات مع الجزائر قد تشهد تكثيفاً لناحية التركيز على العلاقات الاقتصادية وقطاع الطاقة والاستثمار، فيما تركز على التجارة والدفاع مع المغرب".
ووفق أستاذ العلاقات الدولية، "سيسعى الجانب التركي لتهدئة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية حال حدوث تصعيد إسرائيلي، بجانب استكمال المباحثات مع تل أبيب فيما يتعلق بإمكانية إنشاء خط لنقل أنابيب الغاز من إسرائيل لأوروبا عبر قبرص وتركيا والتعاون في مجال الطاقة".
وحول العلاقة مع النظام السوري قال باكير: "لا أظن أن الرئيس التركي سيلتقي رأس النظام في أي وقت قريب، ولكن أعتقد سيتم تخييره بتحقيق تقدم في ثلاثة مواضيع، هي محاربة الإرهاب، وضمان عودة آمنة للاجئين، وتحقيق تقدم في العملية السياسية، وإما إطلاق عملية عسكرية في الشمال السوري وهو محتمل، خاصةً مع التركيبة الحالية في البرلمان".
وبخصوص العودة الآمنة للاجئين السوريين، قال باكير: "سيتم التركيز على التعاون بين تركيا والدول العربية والمجتمع الدولي، فيما يتعلق بتمويل لإنشاء مدن لاستيعاب اللاجئين في المناطق المحررة من سوريا".
وأشار إلى أن "العلاقات التركية القطرية ستشهد مزيداً من التحالف في الفترة المقبلة، وسيعمل الطرفان على تقوية العلاقات من الناحية الاقتصادية والاستثمارية والأمنية والدفاعية".
الاقتصاد أولاً وتعزيز السياسة التصالحية
يتوقع الباحث بالشؤون التركية طه عودة أوغلو، أن تشهد المرحلة المقبلة "سياسة جديدة لتركيا مع الدول العربية، عنوانها التركيز على الاقتصاد والداخل التركي".
وقال عودة أوغلو إن "معالجة الاقتصاد تتطلب نسج علاقات جيدة مع عدد كبير من الدول العربية والإسلامية والخليجية خاصة، وهذا ما شهدناه في العامين الماضيين، لاحظنا أن هناك نزعة تصالحية أدت لنتائج إيجابية على الصعيد الداخلي".
وأضاف: "لاحظنا أن العلاقة التركية السعودية وصلت إلى مرحلة متقدمة، وهناك معلومات تتحدث عن أن الرئيس أردوغان سيزور السعودية بعد هذا الفوز، وتقديم الرياض في مارس/آذار الماضي وديعة بقيمة 5 مليارات دولار لصالح البنك المركزي التركي، عززت ثقة المستثمرين الأجانب في تركيا".
وأشار عودة أوغلو إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة التي وقّعتها الإمارات مع تركيا، في مارس/آذار الماضي، موضحاً أن "العلاقة التركية الإماراتية وصلت لمرحلة متقدمة من خلال الاتفاقيات التي أُبرمت بين الطرفين".
التقارب التركي المصري
يرى الباحث السياسي أن المرحلة المقبلة ستشهد تطوراً في التقارب التركي المصري، موضحاً أن "البلدين الكبيرين مهمان للغاية في الشرق الأوسط والملفات التي ينخرطان فيها، تُسهم بشكل كبير في فتح آفاق جديدة للعلاقات بين الطرفين".
وأضاف: "نتحدث عن علاقة متقدمة للغاية على الصعيد السياسي بين أنقرة والقاهرة، في ظل أنباء تتحدث عن لقاء مرتقب بين رئيسَي البلدين قريباً".
وأشار إلى أن "الخطوات الإيجابية في إطار التنسيق والتعاون التركي العربي ستعود على كل الأطراف بالخير، والمستفيد منها شعوب المنطقة".
وحسب عودة أوغلو "نرى مبادرات تركية عربية لإيجاد حل للمشاكل والملفات الشائكة بالمنطقة، بدءاً من الوضع بسوريا، والتطورات في السودان وليبيا والعراق، فكلها في مقدمة وأولويات الحكومة الجديدة"، حسب تعبيره.