"المعارضة التركية كانت أبرز ناخبي أردوغان، ومناطق الزلزال هي التي جلبت له الفوز"، هكذا يمكن وصف نتيجة الانتخابات الرئاسية التركية التي حقق بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الفوز بفارق مريح نسبياً، عن منافسه كليجدار أوغلو، في هذا التقرير نرصد أبرز العوامل وراء فوز أردوغان بهذه النسبة.
وجاء فوز أردوغان بعد حصوله على 52.14 % (27 مليوناً و677 ألفاً و929 صوتاً)، في حين حصل كمال كليجدار أوغلو على 47.86% من الأصوات (25 مليوناً و401 ألف و565 صوتاً)، بعد فرز ما يقارب الـ99.8% من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية التركية في جولتها الثانية، وفقاً لما أعلنته هيئة الانتخابات التركية.
أي فاز أردوغان بفارق 2 مليون و276 ألف صوت.
في الجولة الأولى التي جرت في 14 مايو/أيار 2023، حصل أردوغان على نحو 49.5%، من الأصوات مقابل 44.9% لمنافسه كمال كليجدار أوغلو، أي أن نسبة أردوغان زادت بمقدار 2.64 %، فيما ارتفعت نسبة كيلدجار، بنسبة تبلغ 2.23 %.
وشهدت الجولة الأولى إقبالاً قياسياً، بلغ أكثر من 88%، وشهدت الجولة الثانية إقبالاً كبيراً أيضاً مع تراجع طفيف عن الجولة الأولى، ولكن أقل من المتوقع، حيث بلغت النسبة نحو 84.57%، مع ارتفاع نسب التصويت في الخارج بشكل لافت في التصويت عن الجولة الأولى، وهو في الأغلب ما جاء في صالح أردوغان، الذي يحظى عادة بتأييد الخارج.
وحقق أردوغان هذا الفوز رغم أن الفارق زاد بين أوغلو في أنقرة وإسطنبول.
وفي إزمير معقل حزب الشعب، حصل أوغلو على 66% وهي نسبة كبيرة كما هو متوقع ولكن اللافت أن نسبة التصويت له زادت بنحو 2% فقط مقابل 3% لأردوغان، وفقاً لأرقام أولية.
مناطق الزلزال أعطت مزيداً من الأصوات لأردوغان وعاقبت أوغلو على عنصرية أنصاره
ولكن الفارق الأساسي، ظهر في مناطق الزلزال، حيث حقق أردوغان الفوز في الجولة الثانية بجميع مناطق الزلزال مقارنة بنتائج الجولة الأولى، وخاصة منطقة هطاي، وهي منطقة مضمونة للحزب الجمهوري ولديه السيطرة على بلديتها ووجود قوي لحزب الشعب في أعضاء البرلمان عن هذه المحافظة المتاخمة لسوريا، وترجع قوة حزب الشعب في هذه المحافظة، إلى أن المحافظة تضم نسبة كبيرة من العلويين (وهم عرب علويون مذهبهم مثل مذهب علويي سوريا وليس علويي الأناضول).
وحصل أردوغان في هطاي في الجولة الأولى على %48.03، لترتفع إلى %50.10، في الجولة الثانية.
كما حصل في كهرمان مرعش، في الجولة الأولى على %71.88، مقابل %75.69، في الجولة الثانية.
وفي أديامان حصل في الجولة الأولى على %66.20، زادت في الجولة الثانية إلى %69.00.
وفي غازي عنتاب حصل في الجولة الأولى على %59.76، وفي الجولة الثانية نال %62.77.
وفي شانلي أورفا حصل أردوغان في الجولة الأولى على %62.00، بينما في الجولة الثانية على %64.82.
وفي عثمانية حصل الرئيس التركي في الجولة الأولى على %62.31، بينما في الجولة الثانية %66.21.
أردوغان افتتح مستشفى في هطاي رغم أنها معقل لمعارضيه
ويمكن تفسير هذه الزيادة الكبيرة في الأصوات في مناطق الزلزال بسبب الهجوم الذي تعرض له سكان هذه المناطق بسبب تصويتهم لأردوغان، بل وصل الأمر لطرد رئيس إحدى بلديات حزب الشعب الجمهوري للنازحين من مناطق الزلزال لأنهم صوتوا لصالح أردوغان.
كما أن هطاي تعرضت لانتقادات من قبل المعارضة بسبب منحها صوتها لحزب العدالة والتنمية في انتخابات البرلمان.
في المقابل، فإن أردوغان زار هطاي وافتتح بها مستشفى رغم علمه بأن هذه المنطقة لا تصوت له تقليدياً.
والمفارقة أن كثيراً من قيادات حزب العدالة والتنمية كانت تفضل تأجيل الانتخابات بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب البلاد، بسبب الضرر الذي ضرب المنطقة، ولكن أردوغان اعتذر عن بعض التقصير في البداية وحاسب المقاولين المتهمين بالغش، وركز على حملة إنقاذ سريعة وإيواء وتعمير ووعد بتسليم منازل للمتضررين، وبالفعل سلم بعضها للمتضررين، وحول الورقة التي حاولت استغلالها المعارضة لصالحه، وسخر من وعود المعارضة غير الواقعية للمتضررين من الزلزال.
خطاب من منطقة لا تصوت له
كما كان لافتاً أن أردوغان، ألقى كلمة الفوز في حي إسكودار رغم أنه لم يصوت له.
ويبدو أن خليطاً من احترامه للمختلفين معه مقابل ازدراء حزب الشعب الجمهوري لسكان مناطق الزلزال المحافظة قد أدى لهذا التغيير اللافت في الأصوات الذي قاد إلى فوز أردوغان، رغم محاولة كمال كليجدار تدارك الأمر.
وفي الوقت ذاته يبدو أن الخطاب التحريضي ضد السوريين لم يؤت ثماره، فرغم أن المناطق الجنوبية من تركيا هي التي تستضيف نسبة كبيرة من اللاجئين السوريين، إلا أنها زادت من تصويتهم لأردوغان.
كما شهدت نسبة التصويت في الخارج زيادة كبيرة، حيث صوت في جولة الإعادة التي بدأت بالنسبة للأتراك المقيمين خارج البلاد يوم 20 مايو/أيار، وصوّت مليون و920 ألفاً و53 ناخباً، حتى بداية اليوم، وهذه الأرقام تعني أن إقبال الأتراك في الخارج على التصويت قد ارتفع، مقارنة بالجولة الأولى من الانتخابات، التي شهدت تصويت مليون و798 ألفاً و505 ناخبين بأصواتهم.
ويؤشر تراجع نسب التصويت عن الجولة الأولى بحوالي 4% إلى استفادة أردوغان من ذلك، فمن الواضح أن جزءاَ من ناخبي المعارضة لم يذهبوا له، كما أن أصوات المرشح اليميني سنان أوغان، قد ذهب جزء منها لأردوغان، كما أن جزءاً آخر، لم يصوت، وجزءاَ أقل لأوغلو على ما يبدو.
وحافظت المناطق الكردية، على تصويتها لكليجدار أوغلو، ولكن تراجع الفارق بين المرشحين من 45% إلى 43%، في ولاية ديار بكر أكبر الولايات الكردية، حيث زادت نسبة أردوغان إلى نحو 28% من الأصوات، حسبما ورد في تقرير في قناة "الجزيرة"، وذلك نتيجة على ما يبدو لتقلص حماس أنصار حزب الشعوب الديمقراطي الكردي سواء بسبب ضمان الحزب لمقاعده في الانتخابات البرلمانية، أو لغضب أنصاره من تحالف كليجدار أوغلو مع حزب النصر (الظفر) برئاسة أوميت أوزداغ، الذي حصل على وعود من رئيس حزب الشعب أغضبت الأكراد مثل مسألة استمرار نظام الوصاية الحكومية على البلديات التي يفوز بها سياسيون على علاقة بحزب العمال الكردستاني.
ويعيد فوز أردوغان في الانتخابات بعد جولتين قويتين، وتحقيقه نصراً كبيراً في الجولة الثانية، للأذهان انتخابات يونيو/حزيران عام 2015، حينما كان النظام السائد هو النظام البرلماني، حيث كانت الانتخابات التشريعية تحدد رأس السلطة التنفيذية (رئيس الوزراء)، تم إجراء انتخابات مبكرة بعد ثلاثة أشهر فقط، وذلك إثر فشل أحزاب الحكومة والمعارضة في ذلك الوقت في تشكيل الحكومة.
كما تعيد نسب فوز أردوغان للأذهان فوز أردوغان على أكمل الدين إحسان أوغلو عام 2014، الذي كان مرشح المعارضة في ذلك الوقت، حيث استعانت به المعارضة بالنظر لخلفيته الإسلامية وثقافته الدينية، في محاولة لاجتذاب جزء من الشريحة المحافظة من الناخبين، كما فعل حزب الشعب في هذه الانتخابات بتحالفه مع الأحزاب المحافظة المنشقة عن حزب العدالة.
واللافت أن أردوغان في مواجهة خطاب المعارضة التحريضي ضد اللاجئين السوريين، لم يغير خطابه بشأن اللاجئين، واستمر في الحديث عن المهاجرين والأنصار، وأنه لا يمكن أن نطرد الضيوف، وسيعودون عندما يريدون العودة لبلادهم، وأكد أن بلاده ستتعاون مع قطر لبناء منازل لهم في شمال سوريا.
ومن الواضح أن الخطاب التحريضي لكليجدار أوغلو، لم يؤد لمكاسب كبيرة، حيث لم يزد إلا بنسبة 2.23% من إجمالي الأصوات، مع مراعاة أن نسبة التصويت قد انخفضت بنسبة 4% بما يعني أن أصواته قد تكون انخفضت، ومن الواضح أن الأًصوات القليلة التي كسبها مقابل التحريض على اللاجئين، قد يكون قد فقد مقابلها بعض الأصوات، بسبب نفور بعض أصوات الليبراليين والمحافظين الذين رفضوا هذه النبرة العنصرية.
الفوز بالبرلمان سهَّل فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية
بطبيعة الحال، لا يمكن استبعاد أن تضارب تصريحات المعارضة حول نتيجة الجولة الأولى، وفوز تحالف الجمهور الحاكم بأغلبية البرلمان، شجع كثيراً من الأتراك، على التصويت لأردوغان، خوفاً من الإتيان برئيس مخالف للبرلمان؛ مما يعيد لأذهان الأتراك الأزمات السياسية التي ميزت تاريخ البلاد قبل تولي حزب العدالة والتنمية الحكم.
كما أن نجاح أردوغان في إعطاء الثقة لمؤيديه بعد تقدمه في الجولة الأولى، وتفاهمه مع المرشح اليميني سنان دوغان دون تقديم تنازلات، مقابل هرولة أوغلو لتبني خطاب اليمين المتطرف، والحديث عن وعده بتقديم وزارة الداخلية لأوزداغ رئيس تحالف الجدود (رغم عدم تأكيد ذلك من قبل حزب الشعب).
كل ذلك ساهم في تقديم أردوغان كرجل دولة، بينما أفقد كليجدار الصورة التي يحاول أن يرسمها كرجل سياسة وحسابات متسامح، أو تحول كما قال رئيس تحرير موقع ميدل إيست البريطاني من غاندي تركي إلى يميني قومي.
ولكل يظل الإقبال المرتفع للغاية في الجولة الثانية من الانتخابات التركية رغم ارتباك المعارضة وتفوق أردوغان الكبير في الجولة مؤشراً على حيوية الديمقراطية التركية، والوعي الكبير للناخب التركي الحريص على الإدلاء بصوته، حتى لو بدت النتيجة متوقعة، وهو ما يجعل الانتخابات التركية دوماً غير محسومة لآخر دقيقة بها.