جاء قرار مجلس النواب الليبي في طبرق (شرق) بإقالة فتحي باشاغا من رئاسة الحكومة، بعدما عيّنه في هذا المنصب في مارس/آذار 2022، بشكل مفاجئ، لكن سحب الثقة منه يفتح المجال لسيناريو تشكيل حكومة موحدة تشرف على إجراء الانتخابات.
وبحسب تحليل إخباري لوكالة الأناضول، فلا يمكن فصل "إيقاف" باشاغا، من رئاسة الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، عن المشهد العام للبلاد، والمساعي الأممية لتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية العام الجاري.
ماذا بعد "سحب" البرلمان الليبي الثقة من فتحي باشاغا؟
رغم أن طريقة إيقاف مجلس النواب لبشاغا، كانت "مريبة"، على حد وصف خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، وأحداثها جاءت متسارعة، دون أدنى تنسيق مع الأخير، وفق ما يفرضه الاتفاق السياسي.
ففي 16 مايو/أيار 2023، نشر مجلس النواب على موقعه الإلكتروني، بياناً أعلن فيه أنه سيناقش في جلسة مغلقة، أداء حكومة باشاغا، وما قدمته منذ نيلها الثقة من مجلس النواب.
كان البيان بمثابة إعلان لبدء عملية سحب الثقة من باشاغا، والذي سارع بعدها مباشرة إلى نقل كامل صلاحياته لنائبه علي القطراني (من المنطقة الشرقية).
لكن مجلس النواب، لم ينتظر تولي القطراني رئاسة الحكومة بالنيابة، وسارع هو الآخر للتصويت لصالح "إيقاف"، وليس سحب الثقة من باشاغا، وأحاله إلى التحقيق، وكلف وزير المالية أسامة حماد، بتسيير مهام رئيس الحكومة.
ولم يعلن البرلمان عدد النواب الذين حضروا الجلسة، وما إذ تحقق النصاب القانوني، إلا أن الإعلان عن إيقاف باشاغا وليس سحب الثقة، له دلالة قانونية توحي بعدم اكتمال النصاب.
ما أسباب إطاحة البرلمان الليبي بفتحي باشاغا؟
عندما سُئل المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، عن سبب إيقاف باشاغا، أوضح أنه "كان هناك امتعاض واعتراض على عدم تحقيق الحكومة لأي وجود على أرض الواقع، سواء على المستوى الخدمي أو السياسي".
بينما كان المحلل السياسي السنوسي إسماعيل، المحسوب على باشاغا، أكثر دقة في الحديث عن "القطرة التي أفاضت الكأس بين الأخير ومجموعة من النواب".
وكشف إسماعيل، في تصريح صحفي، أن باشاغا، "رفض تسيير الميزانية بقيمة 3 مليارات دينار (630 مليون دولار) حيث قام بتوزيعها على المناطق الليبية بالتساوي".
ومنح باشاغا المنطقة الغربية، التي ينتمي إليها، حصة من ميزانية حكومته، أثار غضب نواب المنطقتين الشرقية والجنوبية، على اعتبار أن المنطقة الغربية خاضعة لسيطرة حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وعليها تقع مسؤولية صرف الموازنة على المشاريع الخدمية.
فلم يتقبل نواب الشرق بالخصوص، إنفاق جزء من ميزانية حكومة باشاغا المتواضعة، على المنطقة الغربية، بالرغم من أن معظم مداخيل الدولة الليبية تحول إلى حكومة الدبيبة.
هذا الخلاف بين النواب وباشاغا، حول صرف ميزانية حكومته، كان النقطة التي أفاضت الكأس، وانتهت بفك الشراكة بين البرلمان وباشاغا، وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق الوطني (2018-2021).
طرابلس تطيح بباشاغا مجدداً
لكن يبدو أن السبب الحقيقي وراء هذه الخلافات، عدم تمكن باشاغا من تنفيذ وعده بدخول طرابلس، رغم محاولاته لتنفيذ ذلك، ليتحول بعدها إلى عبء على المنطقة الشرقية.
والمتحدث باسم البرلمان، أشار إلى ذلك في تصريحاته الصحفية، عندما اعتبر أن باشاغا، لم يفِ بالعديد من بالتزاماته، ومنها "دخول العاصمة طرابلس ومباشرة العمل منها، والحصول على اعتراف من المجتمع الدولي بالحكومة، الذي أثر على حضورها السياسي والدولي، رغم نيلها الثقة من مجلس النواب".
وكانت بداية إرهاصات تخلي معسكر الشرق عن باشاغا، عندما تم التوافق بشكل غير معلن بين حكومة الوحدة، وقائد قوات الشرق خليفة حفتر، في يوليو/تموز 2022، على تنحية مصطفى صنع الله، من رئاسة مؤسسة النفط، وتعيين فرحات بن قدارة، المقرّب من حفتر، خلفاً له، مقابل وقف غلق المنشآت النفطية.
ثم راجت شكوك بشأن إمكانية وجود توافق بين باشاغا والدبيبة، لإبقاء الحال كما هو عليه، على حد زعم النائب جبريل أوحيدة.
واللافت في جلسة سحب الثقة عن باشاغا، أنها جرت في مدينة بنغازي (شرق) مركز سيطرة ونفوذ حفتر، بدلاً من مدينة طبرق (شرق)، معقل عقيلة صالح، الذي غاب عن الجلسة، بعدما اعتاد ترؤس جلسات المجلس في مسقط رأسه، بينما ندر أن اجتمع النواب في بنغازي.
3 سيناريوهات لما بعد باشاغا
رغم أن سحب الثقة من باشاغا، دون حكومته، لا يرتبط بشكل مباشر بالانتخابات، التي يسعى المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، إلى تسريع إجرائها، إلا أنه سيكون لها تأثير مباشر على تطورات الأحداث وعلى إعادة ترتيب التحالفات وتشكيل المشهد الليبي.
فتوحيد الجهاز التنفيذي (الحكومة) مسألة مهمة لإجراء الانتخابات، وتقديم الدعم اللوجستي والأمني لمفوضية الانتخابات، المشرفة بشكل مباشر على إجراء الانتخابات.
لكن أمام تعقيد المشهد الليبي، فإن ذلك يقودنا إلى 3 سيناريوهات على الأقل:
السيناريو الأول: تقاسم الوزارات السيادية بين الشرق والغرب
يتداول نشطاء إعلاميون، الحديث عن مشاورات بين ممثلي الطرفين في دولة أجنبية، لتعديل حكومة الدبيبة، لتقاسم حقائب سيادية على غرار وزارات الخارجية والدفاع والداخلية والمالية؛ حيث يتم التفاوض بشأن حصول حفتر على حقائب وزارية لها ثقلها، مقابل اعترافه بحكومة الدبيبة.
ومع انسحاب باشاغا من المشهد، فسيكون من السهل حل حكومة الشرق، وتوحيد السلطة التنفيذية مجدداً، خاصة أن المفاوضات غير المعلنة بين الطرفين، تكثفت في الفترة الأخيرة، على غرار ما كشفت عنه جريدة الشرق الأوسط السعودية، في مارس/آذار الماضي، عن تفاهمات "لتنسيق التعاون الأمني والعسكري بين الجانبين، تمهيداً لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة وتأمينها، حال إتمامها هذا العام".
السيناريو الثاني: حكومة تكنوقراط
المفاوضات التي يجريها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في إطار لجنة "6+6″، من شأنها أن تفضي إلى تشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة، تتولى إجراء الانتخابات.
ويُعد هذا أحد مطالب جناح في مجلس النواب، الرافض لحكومتي الدبيبة وباشاغا، والداعي إلى حكومة تكنوقراط مصغرة محدودة الصلاحيات، تقتصر مهمتها على إجراء الانتخابات وتأمينها.
غير أن هذا السيناريو قد يصطدم مجدداً برفض الدبيبة، الذي شدد في أكثر من مناسبة على أنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة.
كما أن رئيس مجلس الدولة لا يخفي انزعاجه من طريقة اعتماد مجلس النواب لحكومة باشاغا ثم سحبه الثقة منها، بطريقة وصفها بـ"العبث السياسي".
السيناريو الثالث: تشكيل حكومة الشرق
في ظل عدم وجود أي تفاهمات، سواء بين الدبيبة وحفتر، أو بين مجلسي النواب والدولة، فإن السيناريو الأقرب تعيين البرلمان رئيس حكومة جديداً، بالموازاة مع حكومة الوحدة المعترَف بها دولياً، وهذا السيناريو سيكرس الانقسام، ويبعد البلاد أكثر عن مسار إجراء الانتخابات في العام الجاري.
وبين السيناريوهات الثلاث ضغط أممي ودولي من أجل وضع قاعدة دستورية وسنّ قوانين الانتخابات في غضون يونيو/حزيران المقبل، مع تلويح المبعوث الأممي باتيلي، بتشكيل "لجنة تسييرية رفيعة المستوى للانتخابات"، إذا أخفقت لجنة "6+6" في حل النقاط الخلافية، ولم يتم وضع خارطة طريق للانتخابات قبل نهاية العام الجاري.