تندفع أمريكا نحو "اللحظة س" (x-date)، التي قد تحدث في الأول من يونيو/حزيران، عندما تقول وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، إن البلاد ليس لديها المال اللازم لسداد التزامات الحكومة الأمريكية. وقد تعذر الحل الذي التفت إليه الكونغرس الأمريكي أكثر من 100 مرة- وهو رفع سقف الدين البالغ في الوقت الحالي 31.381 تريليون دولار- على الرئيس الأمريكي جو بايدن والجمهوريين في الكونغرس، الذين يطالبون بخفض كبير في الإنفاق.
تتواصل المفاوضات- وإن كانت متقطعة- في وجود شعور متزايد بالإلحاح، فقد عاد الرئيس بايدن إلى البلاد، في 21 مايو/أيار 2023، بعد حضور قمة مجموعة الدول الصناعية السبع في اليابان، قبل التاريخ الذي خُطط له، وذلك لبذل الجهود للتوصل إلى اتفاق. تبددت آمال إحراز تقدم في 19 مايو/أيار، عندما توقفت المحادثات بعد انهيار المفاوضات، فماذا إذا كان التوصل إلى اتفاقٍ لا يزال صعب المنال؟
كارثة اقتصادية تنتظر أمريكا.. هل ينهي التعديل الرابع عشر أزمة سقف الديون؟
تقول مجلة The Economist البريطانية إن حالة الاستقطاب في السياسة الأمريكية، التي تعد أكبر من أي وقت مضى، تجعل استمرار تصلب الرأي محتملاً بدرجة أكبر من المواجهات التي حدثت في الماضي. وسوف يؤدي عدم القيام بأي شيء، مما يسمح بتخلف أمريكا عن سداد التزاماتها، إلى كارثة اقتصادية، ومن ثم جاء البحث عن خطة بديلة قابلة للتطبيق.
يتمثل أحد الخيارات في إعلان "عدم دستورية سقف الدين" كما تقول المجلة البريطانية، إذ إن الفقرة الرابعة من التعديل الرابع عشر لدستور الولايات المتحدة، تقول إن "صلاحية الدين العام للولايات المتحدة لا يجوز التشكيك فيها".
وُلدت هذه الفقرة من رحم قلقٍ من احتمالية رفض أعضاء الكونغرس الذين يمثلون الولايات الجنوبية، لسداد ديون الحرب الأهلية المستحقة عن القتال ضد الولايات الكونفدرالية. فإذا كان لا يجوز التشكيك في جميع الديون العامة فإن المنطق يقول إن وضع حد مفتعل على الدين الفيدرالي لا يمكن أن يستمر، فكر الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما مرتين في استخدام هذا النهج – لكنه اختار ألا يلجأ إليه- عندما دفع مجلس النواب ذو الأغلبية الجمهورية أمريكا نحو حافة الإفلاس.
الديمقراطيون يحاولون دفع بايدن نحو التعديل الـ 14 من الدستور
وفي هذه المرة، يحث بعض الديمقراطيين الرئيس بادين على أن يُبقي هذا الخيار مطروحاً على الطاولة. قال الديمقراطي ديك دوربين، رئيس اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ: "أعتقد أن اللغة صريحة للغاية في ذلك التعديل". وترى إليزابيث وارن، عضو مجلس الشيوخ الديمقراطية عن ولاية ماساتشوستس، أن التعديل الرابع عشر برغم أنه "ليس الخيار الأول لأي شخص"، فإنه مخرج طوارئ ينبغي للرئيس الأمريكي أن يفكر فيه إذا كان رئيس مجلس النواب، كيفين مكارثي "سيدفع الولايات المتحدة نحو الهاوية".
يحظى هذا النهج بدعم أكاديمي، قدَّم لورانس ترايب، أستاذ القانون بجامعة هافارد، الذي يعد أحد أبرز أساتذة القانون المعترف بهم، مبرراً لهذا النهج في صحيفة The New York Times، ونصح الرئيس خلال حديثه عبر محطة MSNBC التلفزيونية الأمريكية قائلاً: "لديك كل الأسباب لتؤدي واجبك بموجب التعديل الرابع عشر". وبالنسبة لغاريت إيبس، أستاذ القانون في جامعة أوريغون، تحظر الفقرة الإفلاس، "حتى ولو قليلاً، وحتى ولو لمدة قصيرة".
يحمل مايكل ماكونيل رأياً مخالفاً، إذ يرفض ماكونيل، القاضي الفيدرالي السابق الذي يدير الآن مركز القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد، الفكرة، ويصفها بأنها "هراء خطير" قد "يحرف كلمات التعديل الرابع عشر" لتضخيم السلطة الرئاسية.
يُقرُّ ترايب بالتساؤلات "الشائكة" التي تُثار حول اللجوء إلى التعديل الرابع عشر، مثل ما إذا كان تمكين الرؤساء من تجاوز القوانين التي يعتبرونها غير دستورية سوف يستدعي "تجاوزات رئاسية". ومع ذلك يعتقد ترايب والأكاديميون الآخرون أن تجاهل سقف الدين- سواء عن طريق استحضار التعديل الرابع عشر أو بدونه- قد يكون الطريقة المثلى لبايدن من أجل يحافظ على الفصل بين السلطات.
هل يلجأ بايدن لهذه المناورة غير المسبوقة؟
طالما ارتأى مايكل دورف، أستاذ القانون بجامعة كورنيل، ونيل بيوكانان، الخبير الاقتصادي والباحث الكبير في جامعة فلوريدا، أن "معضلة ثلاثية" قد يواجهها الرؤساء الذين يتخذون قرارات حول ما يفعلونه عندما تتجاوز التزامات أمريكا سقف الدين.
يملك الكونغرس سلطة جباية الضرائب وإنفاقها، التي تتضمن الترخيص الحصري لفرض الضرائب، والإنفاق، والاقتراض. ويجادل دورف وبيوكانان، بأنه إذا حانت "اللحظة س"، فلن يكون أمام الرئيس خيارٌ سوى انتزاع إحدى هذه الوظائف بصورة غير دستورية من الهيئة التشريعية.
وإذا التزم بحد الدين، فسوف يُخل بايدن بواجبه لإنفاق التمويلات التي خصصها الكونغرس بالفعل. ويعد هذا إشكالياً بصورة خاصة، إذا تبنى سياسة "تحديد الأوليات"، عبر سداد بعض الديون دون غيرها. يقول دورف: "إذا كان الكونغرس سيمنح الرئيس حرية التصرف في تحديد أولويات السداد وعدم السداد، فيجب أن يفعل ذلك صراحةً".
ولكن حتى في وجود تصريح معلن من الكونغرس، فقد يكون من غير الدستوري أن ينفذ الرؤساء تحديد أولويات لبنود الموازنة: فخلال إدارة الرئيس بيل كلينتون، حكمت المحكمة العليا بعدم قانونية بند قانون حق النقض، وهو عبارة عن أداة منحت الرئيس حق حذف بنود فردية من بيانات الميزانية.
وبدلاً من انتزاع مثل هذه السلطة الهائلة، قد يكون الرئيس حكيماً بأن ينفذ "أقل قدر من اغتصاب الصلاحيات الدستورية الخاصة بالكونغرس"، ويصدر ديوناً إضافية كافية لدفع الفواتير، وذلك وفقاً لدورف وبيوكانان. وهذا- وليس التعديل الرابع عشر- هو أساس دعوى قضائية تقدم بها 75 ألف عامل فيدرالي تستهدف حماية شيكات رواتبهم إذا حانت اللحظة س.
فإذا لجأ بايدن إلى مثل هذه المناورة غير المسبوقة، فهل ستصمد أمام الطعون القضائية؟ يقول دورف ربما تصمد مناورته، ويوضح أن المحكمة العليا "تنقلب بسهولة على سوابقها"، وقد لا تضع الكثير من الثقة في "سابقة داخل السلطة التنفيذية" فيما يتعلق بسقف الدين. وقد يكون القضاة حذرين بشكل خاص من سد الطريق أمام رئيس يحاول تجنيب أمريكا كارثة اقتصادية.
فما هو الوزن الذي قد يمنحه البيت الأبيض إلى مثل هذه التكهنات الأكاديمية؟ لا بد أن تبدو مسارات الهروب القانونية محفوفة بالمخاطر. لكنها قد تستحق المحاولة إذا ثبت أن الخطة الأساسية- وهي التوصل إلى اتفاقية مع الكونغرس- ستكون مستحيلة.