سوف نبني "الجمهورية الجديدة"، بهذا الشعار أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن عزمه إصلاح الدولة المتهاكلة التي ورثها عن حكام مصر السابقين، ونفذ في هذا السبيل خطوات لم يجرؤ عليها أسلافه، ولكن اليوم يعود الاقتصاد المصري لدائرة الأزمات مجدداً، فهل المشكلة في الاقتصاد المصري أم الظروف الدولية أم في السياسات المتبعة؟
وسعى الرئيس المصري منذ توليه السلطة للتأكيد على أنه سيتخلى عن النهج الضعيف وغير الحاسم الذي ميز رؤساء البلاد السابقين الذين خلفوا له دولة متهالكة أو نصف دولة، حسب تعبيره.
وأكد أنه لن يتوانى عن اتخاذ قرارات اقتصادية وإدارية صعبة وغير شعبية ولكنها ضرورية.
كما سعى لإبراء ذمة نفسه والمؤسسة العسكرية الحالية من المسؤولية عن وضع الاقتصاد المصري، مشيراً إلى إخفاقات الأنظمة السابقة – الرؤساء السابقين جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك – في وضع الاقتصاد على المسار الصحيح، حسبما ورد في مقال نشر في موقع Middle East Eye البريطاني.
أزمات الاقتصاد المصري تعود لعقود
على مدى عقود، عانى الاقتصاد المصري من مشاكل هيكلية واضحة مثل ارتفاع النفقات الحكومية التي تتجاوز الإيرادات، وعجز الميزان التجاري جراء الفجوة بين الواردات والصادرات، والاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة. بدون معالجة نقاط الضعف الهيكلية هذه، لن تكون الإصلاحات المالية قصيرة الأجل مفيدة.
على الرغم من أن هذه القضايا تبدو اقتصادية بطبيعتها، إلا أنها في الواقع سياسية في جوهرها، حسب الموقع البريطاني.
إنها حصيلة خيارات سياسية اتخذتها الأنظمة المصرية المتعاقبة منذ استيلاء الجيش على السلطة في يوليو/تموز 1952 وتأسيس الجمهورية المصرية. خلقت مثل هذه الخيارات السياسية ما يسميه الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه "دولة متهالكة".
لأسباب سياسية واضحة، فشل قادة مصر السابقون في محاربة الفساد، وخفض الإنفاق الحكومي، وتطوير الصناعة الموجهة للتصدير، وسحب الجيش من الاقتصاد.
كانت التنمية الاقتصادية من قضايا الأمن القومي، حيث كان على الدولة أن تسيطر على أنشطة القطاعات الاقتصادية الرئيسية والإنتاج والتوزيع.
لم يكن هناك ثقة في الاستثمار الأجنبي والخاص، واعتبر استبدال الواردات استراتيجية وطنية للتنمية. وكانت النتيجة عجزاً مزمناً في الإيرادات، ونقصاً في العملات الأجنبية، وديوناً متزايدة لتعويض عجز الميزانية (كان الدين الخارجي في عام 1970 ملياري دولار، بينما يتجاوز اليوم 150 مليار دولار).
عبد الناصر أراد إرضاء الجميع فبدَّد الموارد
لطالما كانت دولة يوليو 1952 رهينة تحالفاتها الاجتماعية الخاطئة. لم يستطع عبد الناصر الاستمرار في تصميم السياسة لمصالح قاعدة سلطته، والطبقات الوسطى والفقيرة، والبيروقراطية العملاقة.
في الجمهوريات العربية ذات الجذور الاشتراكية ومنها مصر، عينت الحكومات أعداداً كبيرة من الموظفين على نطاق أوسع من أي منطقة أخرى في جنوب الكرة الأرضية، وهو إرث يصعب تغييره، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
وأدت هذه السياسة إلى نفاد الموارد.
وعندما تحول السادات ومبارك للرأسمالية، فإنهما أبقيا على أسوأ ما في الاشتراكية وجلبا أسوأ ما في الرأسمالية.
إذ وقع السادات ومبارك تحت تأثير مقربين من الدولة، والفساد الجائر، والريعية، حسب الموقع البريطاني.
وفي عهدهما كانت الحكومة مثلما حدث في بلدان عربية أخرى، تحمي الموظفين العاملين لديها، كما أن الحماية تشمل بعض الشركات، حيث تنقسم الشركات، التي تنتشر على نطاق واسع إلى شركات محسوبية لها صلات عميقة بالدولة من جهة وشركات هامشية غير رسمية من جهة أخرى. وتتلقى هذه الأخيرة القليل من دعم الدولة، والأهم أنها تحاول تجنب وطأة البيروقراطية الثقيلة للحكومة.
إنَّ قضية التنمية الاقتصادية في العالم العربي ليست مجرد مسألة "تدخل الدولة المفرط" كما يجادل العديد من الإصلاحيين المؤيدين للسوق، أو أن المشكلة انسحاب الدولة كما يدعو النقاد اليساريون.
بل بالأحرى المشكلة تكمن في السلوك غير المتكافئ للدولة عبر الإفراط في حماية البعض وإهمال الآخرين وتهميشهم.
ويترسخ هذا النظام غير المتكافئ، من خلال المصالح الخاصة التي تُشكِّل الدوائر السياسية الرئيسية؛ وعلى وجه التحديد، موظفو الدولة وشبكات المحسوبية في الأعمال التجارية.
وهذا ما تبدى في شكل واضح في مصر، في عهد مبارك والسادات.
دفع الافتقار إلى الإرادة السياسية الاقتصاد إلى الوراء وفشل في حل التحديات التي تواجهها الدولة المصرية في علاقاتها مع البيروقراطية والجيش. وتقليل قدرتها على توليد الموارد وتلبية احتياجات المجتمع؛ وأضعف ذلك موقفها في علاقاتها الإقليمية والدولية.
هل نجح السيسي في معالجة اختلالات الدولة؟
يتساءل المقال المنشور في Middle East Eye هل نجح الرئيس السيسي في معالجة هذا الاختلال الهيكلي في الدولة والاقتصاد المصري؟
منذ بداية حكمه جرت محاولات لإصلاحات غير شعبية، ولكنها قد تكون ضرورية، فجرت محاولات لتقوية الدولة وجعلها أكثر فاعلية، وتحسين نظم جمع الضرائب والتعامل مع المخالفات بما فيها مخالفات البناء واسعة النطاق ولكن الطابع المركزي لهذه القرارات وغياب الديمقراطية والحكم المحلي، جعل كثيراً من هذه القرارات شكلية وقاسية بدون وجود آلية لمراجعة صحة تنفيذها.
تزامن مع ذلك صعود دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد، وإجراءات صارمة وغير مدروسة ضد التجار في حال حدوث أي أزمة سلعية، بل تعدى الأمر لمصادرات ومضايقات لرجال أعمال بعضها لأسباب سياسية وأخرى، فهم الرأي العام منها أنها رغبة من الدول في الاستيلاء على حصة رجال الأعمال المربحة في كعكعة الاقتصاد، حتى إن تقارير أفادت بأن مصادرة واحدة من أكبر شركات الألبان جرت بسبب رغبة الجيش في الاستيلاء عليها.
تعويم 2016 خلق فسحة إيجابية للاقتصاد المصري
جاء التعويم الذي حدث في عام 2016، بضغط من صندوق النقد في ظل أزمة نقد أجنبي مماثلة للأزمة الحالية، أدى ذلك لتعويم إلى انخفاض قياسي للعملة المصرية من نحو تسعة جنيهات للدولار إلى 18 (الجنيه قيمته كانت ستة جنيهات عندما أطيح بالرئيس السابق محمد مرسي عام 2013).
بالتزامن مع هذا التعويم نفذ السيسي مجموعة من أجرأ القرارات الاقتصادية في تاريخ مصر، مثل تخفيض دعم الطاقة والوقود (ارتفع سعره من 1.75 قبل تولي السيسي لما يقرب من 10 جنيهات)، وهي إجراءات اقتصادية ضرورية ولكن كان يخشاها رؤساء مصر السابقون، رغم أن عدم تطبيقها كان يمثل عبئاً كبيراً على الموازنة
أدى هذا التعويم رغم قسوته، إلى استقرار مالي ومعدل نمو جيد، ولكن أعطى فسحة لتنفيذ مزيد من السياسات الإشكالية التي تميز العصر الحالي، والتي يقودها بنفسه الرئيس السيسي وتبدو أنها من تصميمه الشخصي، فهو يصف نفسه بـ"حكيم الفلاسفة". قائلاً إنه درس الدولة منذ عقود، كما حث السيسي المصريين بإصرار على الاستماع إليه فقط، وليس لأي شخص آخر، حسب الموقع البريطاني.
يرى الموقع أن السيسي مثل أسلافه، تبنّى بوضوح استراتيجية خاطئة للتنمية. تعتمد على بناء بنية تحتية ضخمة لجذب الاستثمار الأجنبي بالاعتماد على المنح والقروض الأجنبية. مع تخويف وتهميش المستثمرين المحليين؛ زيادة دور الجيش في الاقتصاد لجعله المقاول الضخم في البلاد؛ زيادة رواتب ومزايا الجيش والشرطة والقضاء؛ بيع أصول مصر لدول الخليج. والضرائب الثقيلة، والتي تمثل 83% من الإيرادات الحكومية.
تأتي معظم هذه الإجراءات على حساب القطاعات الإنتاجية المدرة للدخل، وكانت مدفوعة بأسباب سياسية وليست اقتصادية. باختصار، يريد السيسي أن يسجل التاريخ المصري باعتباره باني مصر الجديدة.
نصف رأسمالية أدت لنمو جيد ولكن..
للوهلة الأولى فإن النتيجة بدت إيجابية، حيث ارتفع معدل النمو الاقتصادي من 2.18% في عام 2013، ليصل إلى 5.5% في عام 2019. ومع بداية جائحة كوفيد-19 في 2020، لم تتجاوز معدلات الانخفاض أكثر من 3.5% فقط.
وقد تزامنت معدلات النمو الاقتصادي تلك مع انخفاض كبير في نسبة العجز المالي التي انخفضت من سالب 12.9% من نسبة الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013، إلى سالب 7.8% في عام 2020.
ووفقاً لمرجعيات الليبرالية الاقتصادية الحديثة فإن هذا الانخفاض، الذي يرمز إلى تراجع تدخُّل الدولة في الاقتصاد، كان من المفترض أن يحفز دور القطاع الخاص ويساعده على النمو خاصة مع تدني مستويات البطالة من 13.15% في عام 2013 إلى 7.4% في عام 2021. لكن نظرة فاحصة تكشف أن هذا النمو استند حصرياً إلى استثمارات الدولة التي يهيمن عليها الجيش والتي صاحبها انكماش في السوق المحلي وتدهور في الأوضاع الخارجية وضعف في القطاع الخاص، حسب تقرير لمركز "كارنيغي" الأمريكي.
مصادر تمويل هذا النمو، قامت على الديون التي كانت تمثل نحو 80% من إجمالي الناتج المحلي في 2013، وتصاعدت لتصل إلى 88% من إجمالي هذا الناتج في 2020.
كما أن هذا النمو لم ينعكس على معيشة المواطنين؛ حيث يشير تقرير صدر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أيار/مايو 2019، إلى أن معدلات استهلاك الأسرة المصرية على مستوى الجمهورية قد انخفضت بنسبة مقدارها 9.7%.
ويلاحظ التقرير الإقليمي للوظائف، الذي أصدرته منظمة العمل الدولية، أنه خلال السنوات الماضية قبل اندلاع الأزمة الاقتصادية الأخيرة، فإن استقرار معدلات البطالة والتراجع الضخم صاحبته زيادة في معدلات الفقر، إلى 32.5% عام 2017، مقابل 27.5% عام 2005.
كانت سياسة الرئيس السيسي نصف رأسمالية، فهي تأخذ من الرأسمالية بعض أفكارها السليمة اقتصادياً، مثل ضرورة أن يدفع المواطن ثمن تكلفة الخدمة وما عليه من ضرائب، ولكن دون أهم شروط السوق الحرة، وهي ألا تكون الحكومة قاضياً ومنافساً في الوقت ذاته، وأن تكون شروط المنافسة الاقتصادية متساوية بين الجميع، وأن تتسم القوانين بالعدالة، وأن تكون قابلة للتوقع، وأن تخضع المشروعات الاقتصادية لدراسات جدوىن لا أن تكون لها أهداف سياسية.
السقوط في دوامة الديون حدث بعد نجاح التعويم
التوسع في الإنفاق على مشروعات البنية الأساسية لم يكن له مصدر لتمويله سوى القروض الخارجية، وأدى التعويم في عام 2016 إلى انفتاح مصر على أسواق الديون الدولية، وتدفقت الأموال الساخنة على القاهرة التي قدمت سعر فائدة مرتفعاً على الجنيه، مقارنة بمستوى التضخم، وبدا كل شيء على ما يرام إلى حين جاءت الحرب الأوكرانية، وما ترتب عليها من ضغط على الاقتصاد المصري، الذي تثقله واردات الحبوب الخارجية، وتأثر سلباً بتراجع السياحة الروسية والأوكرانية.
ولكن الأهم أن الأزمة الأوكرانية أدت لتخوف مستثمري الأموال الساخنة من الاقتصادات الناشئة، فسحبوا أموالهم من مصر، تاركين القاهرة بلا موارد لسداد عجز ميزانيتها، وكذلك سداد الديون القديمة، وأدى ذلك لتراجع العملة ورفع كبير للفائدة، يزيد تكلفة الديون الجديدة مما فاقم العجوزات المالية.
وردت القاهرة بتقييد الواردات بشكل كبير، بطريقة أدت لعجز في السلع، بما فيها سلع حيوية مثل أعلاف الحيوانات والزيوت، كما أنه رغم تخفيض سعر العملة عدة مرات منذ مارس/آذار 2022، تفاقمت الفجوة بين السعر الرسمي للجنيه، الذي وصل إلى نحو 31 جنيهاً للدولار حالياً، وبين السعر في السوق الموازية الذي وصل لـ38، ولامس أحياناً الأربعين، فيما بلغ سعر الجنيه في العقود الآجلة في الأسواق الدولية 42 جنيهاً للدولار.
هذه الفجوة بين أسعار الجنيه، تعني أن المصدرين والعاملين بالخارج لن يحولوا أموالهم عبر القنوات الرسمية، بما يعني تزايد نقص العملة الأجنبية في دوامة تبدو أنها لا تنتهي.
صندوق النقد قدّم للقاهرة 20 ملياراً، ودول الخليج 100 مليار
منذ عام 2016، اقترضت مصر 20 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، لتصبح بذلك ثاني أكبر مدين لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين (52 مليار دولار).
ومنذ تولى السيسي السلطة، ضخت دول الخليج عشرات المليارات من الدولارات في خزائن مصر، بعض التقديرات تتحدث عن 100 مليار دولار.
مع عدم وجود مساءلة، من الصعب معرفة إلى أين ذهبت، وسبق أن قلل السيسي من قيمة دراسات الجدوى، قائلاً إنه لو كنا أجرينا دراسات جدوى فإن معظم هذه المشروعات لم تكن لتنفذ.
أنفقت كثير من هذه الأموال على مشروعات مثل العاصمة الإدارية الجديدة والقصور الفخمة، والقطار السريع والمونوريل وسط تساؤلات حول جدوى هذه المشروعات أو توقيتها على الأقل.
بالطبع بعض مشروعات البنية الأساسية مفيدة، وهناك مؤشرات على تحسن لافت في البنية الأساسية في البلاد، ولكن الكثير منها غير ذي جدوى أو كان يمكن تأجيله، كما أن هناك بعض برامج التكافل الاجتماعي الناجحة مثل برنامج تكافل وكرامة لمساعدة الفقراء.
إنهم يريدون معادلة جديدة في علاقتهم مع مصر
مع غرق البلاد في الديون للمرة الثانية خلال نحو 5 سنوات، ومع تغير الوضع الإقليمي، حيث لم يعد الخوف من الإخوان المسلمين والإسلام السياسي برمته هو المحرك الأساسي لسياسة الدول الخليجية، تراجع حماسها لدعم القاهرة بذات الوتيرة رغم أنهم وضعوا مؤخراً احتياطات طارئة، وجددوا ودائع قديمة حتى لا ينكشف الاحتياطي النقدي المصري.
دول الخليج دخلت مرحلة جديدة، وبدأت تفرض ضرائب على مواطنيها وترفع أسعار الوقود وتخفف نمط العيش الرغيد السابق، فلا يتوقع منها أن تدعم نمطاً مشابهاً في مصر.
ومع ذلك لم تُظهر دول الخليج امتناعاً كاملاً، عن دعم القاهرة، ولكنها تريد تطبيق روشتة صندوق النقد الدولي عبر تعويم حقيقي وتخفيض للدعم وتقليل دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد، وتريد بدلاً من تقديم قروض ومساعدات أن تشتري أصولاً مصرية، وذلك في توافق لافت بين أجندتها وأجندة صندوق النقد الذي يرى أن الاستثمارات الخليجية وشراء الأصول الوسيلة الأكثر فعالية لتقليص فجوة النقد الأجنبي في مصر المتأتية من تضخم الديون.
القاهرة لا تقول "لا" ولا "نعم"
من الناحية الرسمية الحكومة المصرية ليست معترضة، ولكنها مترددة في كل الخطوات، تخشى الوصول بالجنيه لقيمته الحقيقية، كما أن هناك خلافات حول تقييم الأصول المعروضة للبيع، وبأي قيمة للجنيه سوف تحدد، كما لا يبدو أن هناك مؤشرات على تخفيف البصمة العسكرية على الاقتصاد وهو مطلب للخليج ورجال الأعمال المحليين والأجانب وصندوق النقد على السواء.
كما أن الحكومة تعرض حصص أقلية في الشركات العسكرية والحكومية، رغم أن الجميع يعلم أن المشكلة في إدارة هذه الشركات، وأنه ليس هناك رجل أعمال خليجي أو غربي سيشتري حصة في شركة تديرها الجيش أو البيروقراطية الحكومية.
أفادت تقارير بأن دولاً خليجية ألمحت كذلك إلى الحاجة لتعيين مجلس وزراء اقتصادي لإدارة الإصلاحات وإنقاذ الاقتصاد.
تبدو المشكلة أن السيسي هو نفسه رئيس الوزراء الفعلي، علماً بأن رئيس الوزراء الحالي، مصطفى مدبولي، هو متخصص في الإسكان وليس اقتصادياً، عكس الشائع في تاريخ مصر.
في تاريخ مصر الحديث لم يكن هناك رئيس على الأرجح منخرط في تفاصيل العمل الاقتصادي والبيروقراطي، مثل السيسي، الذي يبدو ملمّاً بالتفاصيل والأرقام بشكل لافت، وهو ما يثير الشكوك في أنه سيسمح لأي رئيس وزراء بالعمل وفقاً لأجندة اقتصادية تخالف رؤيته.
تبدو الأمور عالقة، لم يتم الإعلان عن فشل الاتفاق مع صندوق النقد أو إنهاء المفاوضات مع دول الخليج، ولكن من ناحية أخرى، مؤسسات خليجية عدة أعلنت نيتها وقف الاستثمارات الجديدة في مصر، حتى رجال الأعمال المصريين يلمحون لذلك مثل سميح ساويرس.
القيود على حركة النقد الأجنبي تمنع أي تدفق للاستثمارات وتعرقل الصناعة الوطنية، والحكومة يبدو الخطوة الرئيسية التي اتخذتها هي تقييد الواردات.
ومع استمرار هذا الوضع يُخشى من تزايد الفجوة بين سعري الجنيه الرسمي والموازي، كما أن الخطر الأكبر متعلق بقدرة القاهرة على سداد الديون رغم أنها لم يسبق لها أن تخلفت كما أن رئيس الوزراء أكد على التزام مصر الكامل بسداد ديونها.
الإعلاميون المؤيدون للنظام نصحوا المصريين بأكل أقدام الدجاج؛ للتكيف مع الظروف الاقتصادية الصعبة.
ويرى الموقع البريطاني أنه يجب على المانحين الدوليين أن يحذوا حذو دول الخليج، وأن يجعلوا مساعدتهم لنظام السيسي مشروطة بإصلاحات هيكلية ملموسة، وليست نقدية فقط. يجب عليهم ربط المساعدات والقروض بإجراءات محددة يمكن أن تحفز الاقتصاد، مثل إصلاح السياحة، والحد من الفساد، واحترام الملكية الخاصة لطمأنة المستثمرين المحليين.
وعلى المدى الطويل، يجب أن تعطي استراتيجية التنمية في مصر الأولوية للتصنيع الزراعي والصناعي، وتعزيز قطاع الخدمات والاقتصاد الموجه للتصدير.
يقول كاتب المقال "إنه على عكس التصور الشائع، فإن مصر دولة غنية بموارد طبيعية متنوعة ورأس مال بشري شاب. لعنة هذه الدولة ليست اقتصادها، ولكن قادتها – النخبة العسكرية – السياسية بعد عام 1952، الذين أهدروا مواردها وأساءوا إدارة اقتصادها".