قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لمجلس الوزراء: "نحن مستمرون في قصف الجهاد الإسلامي بعد تصفية القيادي البارز في حركة الجهاد في قطاع غزة. لقد قلت أمس إننا لسنا مهتمين بالتصعيد، لكننا نرد على كل هجوم ضدنا بهجوم شديد القسوة".
وأضاف: "سيكون من الأفضل لحركة الجهاد أن تفهم هذا الآن قبل أن يفوت الأوان بالنسبة للتنظيم. أعتقد أن هذه الرسالة بدأت تصل إلى حركة الجهاد الإسلامي. إنهم يدركون أننا سنستمر في ضربهم بلا رحمة. إنهم يفهمون أن إسرائيل تمتلك قوة كبيرة وإرادة كبيرة".
لكن نتنياهو لم يقل هذا خلال القتال الأسبوع الماضي، فما يسميه الجيش عملية "الدرع والسهم". هذا ما قاله خلال الاشتباك الذي دام 48 ساعة مع حركة الجهاد الإسلامي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عملية "الحزام الأسود". في السنوات الثلاث والستة أشهر التي تلت ذلك، تقاتلت إسرائيل مع غزة ثلاث مرات، كما تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
القتال مع غزة أصبح أكثر تكراراً ولم يعد يجلب الهدوء لإسرائيل
كانت آخر عملية حققت هدوءاً لفترة طويلة للطرفين، هي حرب الخمسين يوماً مع غزة في صيف 2014، التي سمّاها الاحتلال عملية "الجرف الصامد"، أو كما سمّتها حماس "العصف المأكول". وجاء ذلك القتال، الذي تضمن هجوماً برياً إسرائيلياً، في أعقاب خطف وقتل ثلاثة إسرائيليين في الضفة الغربية.
حينها قالت الأمم المتحدة إن الفصائل الفلسطينية في غزة أطلقت أكثر من 4 آلاف صاروخ على إسرائيل في حرب 2014، بينما قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من ألفين من سكان غزة، معظمهم مدنيون عُزَّل من السلاح، وقُتِلَ آنذاك 74 إسرائيلياً بينهم 68 جندياً.
واصلت فصائل المقاومة إطلاق الصواريخ على إسرائيل في السنوات التالية، وإن كان بوتيرة متواضعة، حتى مايو/أيار 2019، عندما شنت إسرائيل عملية سمّتها "الحديقة المغلقة" التي استمرت أربعة أيام. وأسفر هذا القتال عن استشهاد 27 فلسطينياً. وقُتِلَ أربعة أشخاص في إسرائيل التي أُصيبَت بـ690 صاروخاً فلسطينياً.
بعد 6 أشهر فقط، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، اغتالت إسرائيل قائد الجهاد الإسلامي في شمال غزة، بهاء أبو العطا، وأطلقت عملية "الحزام الأسود". وأسفر القتال عن استشهاد 33 من سكان غزة، وأُطلِقَ أكثر من 400 صاروخ على إسرائيل.
معركة سيف القدس
استمر الهدوء لمدة عام ونصف حتى مايو/أيار 2021، عندما شاركت حماس هذه المرة في الحرب الجوية، عملية سماها الاحتلال "حارس الجدار"، وأطلقت عليها المقاومة اسم "معركة سيف القدس".
حينها، سمح نتنياهو للمشاركين في مسيرة الأعلام السنوية في القدس بالسير عبر باب العامود في المدينة القديمة والأحياء الإسلامية، لكنه غيَّر رأيه في اللحظة الأخيرة. وجاءت جهود الشرطة لتحويل المسار بعد فوات الأوان، وأطلقت حماس ستة صواريخ من غزة باتجاه القدس.
بمشاركة حماس، أُطلِقَ من غزة أكثر من 4 آلاف صاروخ على إسرائيل خلال 12 يوماً. قُتِلَ نحو 14 شخصاً في إسرائيل بحسب اعترافات حكومة نتنياهو بواسطة صواريخ غزة، واستشهد 254 فلسطينياً في غزة، في حرب مدمرة استطاعت فيها حماس توسيع مدى صواريخها لمناطق لم تكن لتصلها من قبل، مثل مطار رامون جنوباً، أي نحو 250 كيلومتراً عن غزة.
فيما كانت مشاهد الدمار والحرائق في إسرائيل غير مسبوقة، بعد ضرب المقاومة بشكل دقيق لمحطات تنقيب عن الغاز وخطوط إمدادات الوقود ومحطات كهرباء ومصانع وقواعد عسكرية وغيرها.
القتال يتكرر من جديد
بعد عام وثلاثة أشهر، في أغسطس/آب 2022، بدأت إسرائيل عملية "كسر الفجر" كما سمّاها جيش الاحتلال، والتي استمرت ثلاثة أيام، وشنت ضربة استباقية لحركة الجهاد الإسلامي، التي اشتكت بشدة من اعتقال إسرائيل العنيف لأحد مسؤوليها في الضفة الغربية، وهو الشيخ بسام السعدي.
في هذه العملية، استشهد 50 من سكان غزة. فيما أطلقت حركة الجهاد الإسلامي حوالي 1100 صاروخ على إسرائيل.
وبعد تسعة أشهر، شنت إسرائيل عملية "الدرع والسهم" الأسبوع الماضي، والتي بدأت باغتيال ثلاثة من قادة الجهاد الإسلامي في غزة. ووصفت إسرائيل ذلك بأنه رد متأخر على إطلاق الجهاد الإسلامي أكثر من 100 صاروخ على إسرائيل قبل أسبوع، بعد استشهاد الشيخ خضر عدنان، خلال إضرابه عن الطعام في سجون الاحتلال احتجاجاً على اعتقاله دون محاكمة.
خلال خمسة أيام من القتال، أُطلِقَ 1500 صاروخ على إسرائيل، ما أسفر عن مقتل شخصين. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، استشهد 33 شخصاً في غزة، نصفهم تقريباً أعضاء في حركة الجهاد الإسلامي أو منظمات أخرى.
المأزق الذي يعيشه نتنياهو
تقول صحيفة Haaretz لا يمكن الفصل بين عملية اغتيال قادة الجهاد الإسلامي الأخيرة وبين المأزق السياسي الذي يعيشه نتنياهو. ولطالما كان خيار تنفيذ عمليات اغتيال مستهدفة مطروحاً على الطاولة في ما يتعلّق بغزة. لكن نتنياهو كان يفضل عدم استخدام هذا الخيار كخطوة أولى خلال نحو 16 عاماً في السلطة، ولم يكن يختار هذه العمليات من بين سلسلة الخيارات التي كان رؤساء الأجهزة الأمنية يطرحونها عليه، بحسب الصحيفة.
وفي السابق، أصدر نتنياهو أوامره باغتيال شخصيةٍ فلسطينية بارزة داخل غزة -كخطوةٍ أولى لشن عملية ضد القطاع- في مناسبتين فقط. فبعد سلسلة من الاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي وحماس على الحدود في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012، أصدر نتنياهو أوامره باغتيال قائد الجناح العسكري لحركة حماس، أحمد الجعبري، ما أطلق شرارة عملية "عمود السحاب" التي استمرت لأسبوع.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقع الاختيار على قائد الجهاد الإسلامي في شمال غزة، بهاء أبو العطا. إذ كان أبو العطا يتصرف حسب رغبته بدرجةٍ كبيرة، ويخطط للهجمات الصاروخية ضد إسرائيل، وقد التزمت حركة حماس الحياد خلال تبادل إطلاق الصواريخ الذي دام ليومين بعدها، حسب الصحيفة.
ويحمل القادة الثلاثة الذين قتلتهم إسرائيل في عملية يوم الثلاثاء -التي يصفها الجيش الإسرائيلي بـ"الدرع والسهم"- رتباً مشابهةً لأبو العطا. لكن الثلاثة يختلفون عن أبو العطا في أنهم كانوا يلتزمون بقواعد الاشتباكات الغزاوية، حيث أطلقوا وابلاً من الصواريخ وقذائف الهاون قصيرة المدى بعد وفاة الناشط المضرب عن الطعام خضر عدنان، لكنهم وافقوا على الهدنة بوساطة مصرية بعد 24 ساعة.
ولم يتظاهر أحد في إسرائيل بأن الثلاثة كانوا عبارةً عن "قنابل موقوتة" على وشك شن هجوم قريبٍ آخر. أي أن نتنياهو اختار هنا أن يفعل ما كان يفضل اجتنابه في الماضي، وكسر الهدنة من أجل اغتيال قادة جهاديين من رتبةٍ متوسطة مع 10 مدنيين، لمجرد أنهم نفذوا هجوماً صاروخياً لم يقتل أي إسرائيليين.
ويعي نتنياهو احتمالات تصاعد هذه الهجمات إلى حربٍ تدوم لأسابيع طويلة، ما سيشل الحياة المدنية والاقتصادية الإسرائيلية وبكل تأكيد لن تجلب أي هدوء للإسرائيليين كما يظل يعد نتنياهو. كما يُدرك أن أي أفضليةٍ تكتيكية تتحقق نتيجة اغتيال القادة الفلسطينيين ذوي الرتب المتوسطة، ستكون أفضليةً عابرة. ولهذا عزف نتنياهو عن مثل هذه العمليات عادةً عندما كانت تُطرح عليه في السابق.
لكن تقول الصحيفة الإسرائيلية نتنياهو الذي نقف أمامه اليوم هو شخص مختلف؛ إذ بدأ يتخلى بدرجةٍ متزايدة عن الحذر الذي كان علامته المميزة في يومٍ من الأيام، وسمح للسياسة بالتأثير على قراراته العسكرية تحت ضغط أكثر الشركاء تطرفاً واستهتاراً في مسيرته، نظراً لاعتماده الكامل عليهم لضمان الأغلبية في الكنيست.