خسر حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم اليميني المتطرف في الهند معقله الوحيد بجنوب البلاد، بعد أن رفض الناخبون في ولاية كارناتاكا السياسات القومية الهندوسية الخاصة بحزب رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، وذلك خلال الانتخابات المحلية الحاسمة التي جرت الأسبوع الماضي.
خسارة تعكس شعبية مودي في جنوب الهند
ويقول تقرير لشبكة CNN الأمريكية، لطالما كان يُنظر إلى كارناتاكا باعتبارها "مختبراً" للأيديولوجية القومية الهندوسية -المعروفة باسم "الهندوتفا"-، بينما يقول بعض المحللين إن الهزيمة تُعَدُّ دلالةً على مشكلةٍ بالنسبة لمودي إبان سعيه لتأمين عقدٍ ثانٍ في السلطة.
إذ فاز حزب المؤتمر الوطني المعارض بـ153 مقعداً في المجلس التشريعي للولاية، مقابل 66 مقعداً للحزب الحاكم. مما منح خصوم مودي دفعةً قوية بالتزامن مع استعدادهم لتحدي الزعيم الشعبوي في الانتخابات العامة، التي ستنعقد العام المقبل.
وفي يوم الأربعاء، 17 مايو/أيار، تم الإعلان عن تعيين سيدارماياه رئيساً لوزراء ولاية كارناتاكا، لتنتهي بذلك أيام التكهنات المحيطة بهوية من سيقود الولاية. وكتب موقع The Wire الهندي المستقل: "أثبت المؤتمر الوطني أنه قادر على كسب المعارك المباشرة ضد بهاراتيا جاناتا، رغم استغلال حزب الزعفران لمودي كوجهٍ لحملته"، كما وصف الموقع الفوز بأنه يمثل "هزيمةً شخصية للسياسات التي تميز بها مودي".
وتُعَدُّ انتخابات كارناتاكا هي الأولى من بين 5 انتخابات ولائية ستُعقد خلال العام الجاري، وعادةً ما يُنظر إليها باعتبارها الاختبار الحاسم للحكم على مشاعر الناخبين في استطلاعٍ وطني.
ورغم الهزيمة الثقيلة، يقول الباحث الزائر في مركز دراسات الهند المتقدمة بجامعة بنسلفانيا، روهان فينكات: "لا تزال المكانة الوطنية لمودي على حالها، ومن المفترض أن يدخل بهاراتيا جاناتا الانتخابات العامة في العام المقبل، باعتباره الحزب الأقرب للفوز. وإذا خسروا بعض -أو كل- الانتخابات الولائية المتبقية في العام الجاري، ومنها الولايات الكبرى الثلاث في الحزام الهندي؛ فقد يكون ذلك بمثابة مؤشر على تراجع الدعم".
سياسات الهندوتفا تفشل في جذب الناخبين
يمثل الهندوس نحو 84% من إجمالي سكان كارناتاكا الذين يقدر عددهم بـ65 مليون نسمة، وقد قاد حزب بهاراتيا جاناتا حملةً مكثفة لاستمالة هذه الأغلبية.
وشهدت السنوات الأخيرة تمرير الولاية لتشريعات تُرسخ جذور الهندوتفا، مثل حظر بيع وذبح الأبقار. كما مررت الولاية مشروع قانون مثير للجدل لمناهضة التحول الديني، مما زاد صعوبة الزواج بين أبناء الأديان المختلفة.
وفي العام الماضي، منعت كارناتاكا الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب داخل المؤسسات التعليمية. وقد أثار حظر الحجاب الإسلامي احتجاجات من المسلمين، وعمّق التوترات الدينية داخل الولاية.
وخلال الفترة التي سبقت الاقتراع، عرض بهاراتيا جاناتا سحب بعض المزايا الممنوحة للمسلمين، وتخصيصها في المقابل لاثنين من مجتمعات الطبقة العليا الهندوسية.
واعتمدت أجندة بهاراتيا جاناتا على السياسات الشعبوية. لكن راهول فيرما، زميل مركز أبحاث Centre for Policy Research، قال إن تلك المنصات الأيديولوجية فشلت في "منحهم أي أصوات إضافية" بنهاية المطاف. بينما نجح المؤتمر الوطني في "إعادة إحياء تحالف اجتماعي" يضم الناخبين من الأقليات الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية.
وأردف فيرما: "لا أعني هنا أن المنصات الأيديولوجية لحزب بهاراتيا جاناتا ليس لها جمهور. لكنها لم تساعدهم هنا. ولن تقدم حكومة الولاية أداءً جيداً في غياب القيادة القوية بما يكفي. ولن تكفي المنصات الأيديولوجية بمفردها لتحقيق النصر".
"معارضة شاغلي المناصب"
شارك مودي بنفسه في الحملة الانتخابية بولاية كارناتاكا؛ حيث عقد أكثر من 10 مسيرات جال خلالها شوارع المدينة، والتقى بالأنصار، وألقى خطابات حماسية.
لكن شعبيته الجارفة على المستوى الوطني لم تُترجم إلى أصوات لحزب بهاراتيا جاناتا داخل الولاية.
بينما يقول المحللون إن حزب المؤتمر الوطني المعارض حصر نفسه في القضايا المحلية؛ فحقق التقدم وفاز بناءً على وعوده باستهداف الفساد، ومكافحة البطالة، وعكس مسار التضخم.
وقال فيرما: "كان من الواضح للغاية خلال الحملة أن حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم يواجه معارضةً ملموسة لشاغلي المناصب. ولم تكن لديهم الكثير من الأشياء لتقديمها على صعيد الحوكمة، كما كانت هناك مزاعم بوجود فساد على أعلى المستويات".
إذ اتهم المؤتمر الوطني حزب بهاراتيا جاناتا بارتكاب ممارسات انتخابية فاسدة في كارناتاكا.
في ما قال فينكات إنه قد "صار من الواضح" أن بهاراتيا جاناتا "واجه صعوبةً في محاكاة" سياسة الأكثرية الهندوسية على المستوى الولائي.
وأردف أن السياسات القومية الهندوسية للحزب "قد تبدو وكأنها لا تُقهر" في الانتخابات العامة، لكن الحزب يفشل "عندما لا يكون مودي هو المرشح الرئيسي، وعندما يكون خصمه على المستوى الولائي قادراً على المنافسة بمزيج من سياسات الرفاه والهوية الإقليمية".
مودي ضد غاندي
تُعَدُّ انتخابات كارناتاكا أول مقياس مهم لمشاعر الناخبين منذ انطلق زعيم المؤتمر الوطني راهول غاندي في تجربته الضخمة، التي تستهدف إحياء الاهتمام بحزبه الذي كان قوياً ذات يوم.
ففي يناير/كانون الثاني، أنهى غاندي "مسيرة توحيد الهند" التي امتدت لـ4,000 كيلومتر بطول البلاد، بعد أن استغرق خمسة أشهر لإتمامها. واجتذبت الرحلة الملحمية عشرات الآلاف من الأتباع، كما عززت صورة غاندي باعتباره حفيد أول رئيس وزراء في تاريخ الهند.
كما كانت الانتخابات الولائية أول مواجهة حقيقية بين غاندي ومودي بعد تجريد الأول من منصبه التشريعي واستبعاده من البرلمان، عقب اتهامه بالتشهير في قضية جارية يقول المنتقدون إن لها دوافعها السياسية.
ويُعتبر غاندي من الشخصيات القليلة التي تتمتع بالنجومية والشهرة الكافيتين لتحدي مودي في الانتخابات العامة العام المقبل، ولا شك أن فوز المؤتمر الوطني في كارناتاكا سيمنح الحزب "دفعة معنوية هائلة" بحسب فيرما.
حيث أوضح فيرما: "سيساعدهم ذلك الفوز على التفاوض مع الحلفاء المحتملين، وسيجلب لهم الموارد اللازمة لبناء منصة حملتهم في الانتخابات العامة".
لكن حزب مودي ما يزال يتمتع بدعم مهول في الولايات الشمالية، ومنها ولاية أتر برديش الأكثر اكتظاظاً بالسكان.
لهذا أردف فيرما: "ستعتمد الكثير من الأمور على أداء المؤتمر الوطني في الانتخابات المقبلة، التي ستجري على مقاعد المجالس التشريعية الولائية. ويجب عليهم تقديم أداءً جيد للغاية حتى يتمكنوا من المواصلة بالزخم نفسه".