تدرس شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو طرح شريحةٍ جديدة من أسهمها، في خطوةٍ قد تُتيح لشركة النفط الحكومية أن تجمع مليارات الدولارات، وذلك بالتزامن مع مضي المملكة قدماً في مشروعاتها العملاقة المصممة لتنويع اقتصادها.
ويقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني إن السعودية تتعاون مع مستشارين لدراسة إمكانية طرح مزيد من الأسهم في السوق المالية السعودية (تداول)، بحسب ما ذكرته وكالة Bloomberg الأمريكية يوم الثلاثاء، 16 مايو/أيار 2023، نقلاً عن مصادر مطلعة على الخطط.
لماذا تفكر السعودية في طرح جديد لأسهم أرامكو؟
جمعت أرامكو مبلغاً قياسياً يصل إلى 25.6 مليار دولار خلال اكتتابها العام الأوّلي في 2019. ومثّل ذلك الاكتتاب سمةً محوريةً لمحاولات ولي العهد محمد بن سلمان الرامية لتنويع اقتصاد المملكة، بهدف تقليل اعتمادها على النفط.
وحظيت المملكة بمكاسب اقتصادية مفاجئة إثر تجاوز سعر النفط لحاجز الـ100 دولار/برميل، في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا. حيث إن ارتفاع الأسعار سمح للرياض بأن تُغدق الأموال على مشروعات ضخمة، مثل مدينة نيوم المستقبلية على البحر الأحمر بتكلفة 500 مليار دولار، وكذلك شركة الطيران الجديدة المصممة لخدمة العاصمة المتنامية.
لكن أسعار خام برنت انخفضت في الفترة الأخيرة، وسط المخاوف بشأن قوة الاقتصاد العالمي، ليصل سعر تداوله إلى 74.65 دولار/برميل في يوم الثلاثاء. بينما ضغطت المملكة في العام الماضي لتطبيق سلسلةٍ من تخفيضات الإنتاج النفطي من الدول الأخرى المنتجة للنفط، وذلك في محاولةٍ للحفاظ على ارتفاع الأسعار.
وتضررت أرامكو من تراجع أسعار النفط مؤخراً، حيث أعلنت في مايو/أيار عن صافي دخل بلغ 31.9 مليار دولار خلال الربع الأول، بانخفاضٍ قدره 19%، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.
واضطرت أرامكو للتعامل مع إعادة هيكلة تجارة الطاقة العالمية، بالتزامن مع بيع السعودية المزيد من نفطها لأوروبا، في ما تشحن روسيا الخام إلى حصة المملكة من الأسواق الآسيوية بأسعار مخفضة، وذلك نتيجةً للعقوبات الغربية.
متى ستتطرح السعودية أسهم أرامكو، ومن سيشتري الأسهم؟
لم تحدد المملكة موعداً دقيقاً للطرح الجديد، لكن الأمر قد يحدث خلال العام الجاري. ولا شك أن عملية البيع ستكون بمثابة اختبار لمدى نجاح جهود المملكة في تعزيز جاذبية الشركة، التي تملك الحكومة السعودية 90% منها، بينما يمتلك صندوق ثروتها السيادية 8% من أسهمها.
وأوضح جيم كرين، خبير الطاقة وزميل معهد بيكر بجامعة رايس، لموقع MEE البريطاني: "تُمثل أرامكو السعودية درة تاج المملكة".
لم تتقبل المؤسسات الأجنبية التقييم الأولي الباهظ الذي حددته المملكة لأرامكو بقيمة تريليوني دولار عام 2019، واشترى المستثمرون السعوديون والإقليميون غالبية الأسهم المطروحة وقتها.
بينما أطلقت السعودية حملةً وطنية لجذب المستثمرين الأفراد من أجل تعزيز المبيعات، وعرضت عليهم القروض لشراء الأسهم. كما ذكرت تقارير أن العائلات الثرية التي اعتُقِلَ أفرادها في حملة ولي العهد لمكافحة الفساد عام 2017 قد تعرضت لضغوطات، وذلك من أجل شراء أسهم الشركة أيضاً.
واختارت المملكة طرح أرامكو في بورصتها المحلية بدلاً من الأسواق العالمية الأكبر. لكن الطرح في مؤشر "تداول" زاد مخاوف المستثمرين حيال شفافية الشركة.
واحتلت أرامكو عناوين الأخبار منذ اكتتابها العام الأولي. وانتعشت بعد ارتفاع أسعار النفط في مايو/أيار الماضي، لتتفوق على Apple باعتبارها الشركة الأعلى تقييماً في العالم. وتم تداول أسهم أرامكو في يوم الثلاثاء، بارتفاع بلغ 6.54% مقارنةً بسعر اكتتاب ديسمبر/كانون الأول عام 2019.
وتفوّق أداء أرامكو على بعض شركات النفط الغربية الكبرى في العام الجاري، لكنها سجلت أداءً أقل من صناديق المؤشرات المتداولة مثل XLE -الذي يتتبع حركة الأسهم المرتبطة بالطاقة على مؤشر إس وبي 500.
أرامكو ترى اهتماماً أجنبياً جديداً بأسهمها
تعرّضت أرامكو لضغوطات من أجل منح المزيد من النقود لحملة الأسهم أثناء الطفرة النفطية الأخيرة، كما هو حال شركات النفط الكبرى الأخرى. لهذا رفعت الشركة توزيعات أرباحها في مارس/آذار، وأعلنت في مايو/أيار عن خطط لمنح حملة الأسهم مدفوعات نقدية "مرتبطة بالأداء".
وقال كرين إن أرامكو ترى اهتماماً أجنبياً جديداً بأسهمها، نتيجة قلق المستثمرين الأجانب حيال شركات النفط الغربية والتحوُّل إلى الطاقة المستدامة.
بينما يقول المحللون إن التحول إلى الطاقة المستدامة قد يضر أسعار النفط على المدى البعيد، لكن السعودية تحتل موقعاً مثالياً للاستحواذ على حصةٍ من السوق، نظراً لأن عملية استخراج نفطها أسهل من بقية الدول.
وقد تعهّد وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان بأن المملكة ستكون "آخر الرجال الصامدين" في سوق النفط، وسوف تستخرج "كل جزيء ممكن من الهيدروكربونات" الموجودة في حوزتها قبل أن تفقد قيمتها.
وأوضح كرين: "على المدى البعيد، يبدو أن أرامكو ستحتل موقعاً أكثر قوة مع الاستحواذ على حصةٍ أكبر من السوق، بالتزامن مع تقدُّم جهود التحول إلى الطاقة المستدامة. وربما تنهار أسعار النفط، لكن السعودية ستكون رهاناً شبه خالٍ من المخاطر لمن يريدون الاستثمار في النفط".