تشهد القمة العربية رقم 32 في السعودية متغيرات عدة، أبرزها رفع التجميد عن مقعد سوريا بعد نحو 12 عاماً، والسماح لها بالحضور، وتقديم المملكة دعوة للنظام السوري بشأن المشاركة، فما الخطوة التالية؟
تحتضن مدينة جدة السعودية، الجمعة، 19 مايو/أيار، القمة العربية على مستوى القادة في دورتها العادية رقم 32، ليرتفع عدد القمم تحت مظلة الجامعة العربية إلى 50، منذ إقامتها لأول مرة قبل 77 عاماً. وأحد أبرز متغيرات هذه القمة العربية هو رفع التجميد عن مقعد دمشق، والسماح لها بالحضور، وتقديم المملكة دعوة للنظام السوري بشأن المشاركة.
عودة سوريا إلى الجامعة العربية
عادت سوريا إلى الجامعة العربية، في إطار التحولات الكبرى في المنطقة، فما الخطوة التالية؟ موقع Middle East Eye البريطاني نشر تقريراً يرصد أجواء تلك العودة وما تعنيه للمنطقة، والخطوة التالية المتوقعة من نظام بشار الأسد.
كان وزراء خارجية دول الجامعة العربية قد اتخذوا قراراً بإعادة الدولة التي مزقتها الحرب إلى التكتل العربي، بعد نجاح جهود التطبيع مع النظام السوري، والتي دفعتها الإمارات والسعودية بوتيرةٍ سريعة في الأشهر الأخيرة، مع فورة نشاط دبلوماسي ملحوظة.
وفي يوم الإثنين، 15 مايو/أيار، شارك المسؤولون السوريون في أولى فعالياتهم داخل الجامعة العربية منذ عقدٍ كامل، تمهيداً للقمة، وقال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، خلال الاجتماع: "أنتهز هذه الفرصة للترحيب بعودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية".
ولا شك أن هذه التطورات كانت مرضيةً بشدة للنظام السوري في دمشق، الذي يتعرّض لعقوبات شديدة ويحكم دولةً منقسمة وفقيرة، وكما قال مسؤول سوري مطلع على محادثات التطبيع إن هذه التطورات تبعث على الأمل أيضاً.
وأوضح المسؤول الذي تحدث إلى الموقع البريطاني، بشرط عدم الكشف عن هويته: "إن فكرة عودة سوريا الرسمية إلى الجامعة العربية قد دعمتها وعززتها العلاقات الدافئة مع السعودية". وأشار المسؤول إلى أن الرياض كانت "العامل الحاسم" في القرار الأصلي بطرد سوريا من الجامعة.
وبحسب ذلك المسؤول: "يمثل هذا الحدث شديد الرمزية بدايةً لفترة علاقات سورية-عربية أقوى، كما يمثل عودة سوريا إلى مكانتها الشرعية في المنطقة".
السوريون يأملون تحسُّن الأوضاع
لا خلاف على وضوح الرمزية هنا، لكن الاتفاق يتضمن بعض المحاذير، مثل الضغط على سوريا من أجل التصدي لتهريب المخدرات، والعمل من أجل عفو سياسي يمكنه مساعدة البلاد في إنهاء نزاعها وتسهيل عودتها إلى المجتمع الدولي.
لكن التساؤلات لا تزال مطروحةً حول ما إذا كان الشعب السوري سيشعر بأي مكاسب على المدى القريب أو المتوسط. فقد أدت الزلازل التي ضربت تركيا في فبراير/شباط الماضي إلى تدمير كثير من أراضي الشمال السوري. وقدّر البنك الدولي حجم الأضرار المادية المباشرة التي سببتها الكارثة بنحو 5.1 مليار دولار.
لكن الزلازل أدّت في الوقت ذاته إلى تسريع عملية التطبيع بالتزامن مع إرسال الدول العربية للمساعدات، كما خلقت سابقة مشاركةٍ واستثمارٍ يأمل في استمرارها العديد من السوريين داخل المناطق الخاضعة للحكومة.
إذ إن سحر ميستو (22 عاماً) الطالبة في جامعة دمشق، قالت إنها تشعر بأن عودة سوريا ستكون دفعةً لهذا البلد المعزول الذي مزقته الحرب.
وأوضحت لموقع ميدل إيست آي: "لا شك أنها خطوةٌ في الطريق الصحيح. لقد عانت سوريا من التجاهل والإهمال لوقتٍ طويل جداً، والعملة في وضع سيء، كما يصعب العثور على الوظائف. هناك الكثير من العاطلين عن العمل لأن الأجور لا تكفي لتغطية المواصلات، ناهيك عن تكاليف الحياة الأساسية. وإذا بدأت الدول العربية في إعادة العلاقات، فسوف يفيد ذلك الوضع الاقتصادي بصورةٍ جذرية".
يُذكر أن سحر تدرس الأدب الإنجليزي، لكنها قلقة بشأن العثور على وظيفة جيدة الأجر في دمشق، بالتزامن مع انهيار الليرة السورية أكثر؛ لتبلغ أدنى مستوياتها اليوم عند 8,500 ليرة مقابل الدولار.
ما الخطوات التالية من نظام بشار الأسد؟
حثّ رئيس تحرير صحيفة الوطن الحكومية الشعب السوري على عدم المبالغة في الابتهاج بإعلان عودة سورية إلى الجامعة العربية، نظراً لأن إصلاح العلاقات بالكامل سيستغرق بعض الوقت.
إذ كتب وضاح عبد ربه على فيسبوك: "عودة الجامعة العربية إلى سوريا لا تعني أن الحرب انتهت، أو أن مليارات إعادة الأعمار ستصل إلينا خلال أسابيع. العودة هي انتصار سياسي لشخص الرئيس بشار الأسد، وهي تجاوز للماضي، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين سوريا وعدد من الدول العربية. كما أن العودة هي بداية نهاية الحرب، وليست النهاية. بإمكان كل سوري أن يتفاءل بأن القادم أفضل".
لكن لا تزال هناك أعمال تنتظر إتمامها مع عدة دول عربية، إذ قالت السعودية إنها ستستأنف وجودها الدبلوماسي في سوريا على الفور، كما دعت الأسد إلى قمة الجامعة العربية في جدة يوم 19 مايو/أيار بمباركة الأمين العام أحمد أبو الغيط. لكن بعض الدول الأخرى كانت أكثر تحفظاً في هذا الصدد.
حيث تعارض قطر عودة سوريا بشدة، وقد رفضت تطبيع العلاقات قبل التوصل إلى حل سياسي أوسع للصراع، كما امتنعت عن إرسال وزير خارجيتها إلى اجتماع الأسبوع الماضي.
بينما كان موقف الولايات المتحدة قوياً بالدرجة نفسها، إذ قال المتحدث باسمها: "لا نرى أن سوريا تستحق العودة إلى الجامعة العربية في الوقت الحالي"، مضيفاً أن العقوبات الأمريكية ستظل مفروضةً بالكامل.
وفي الوقت ذاته، تقول المعارضة السورية إنها تعرّضت للتهميش بالكامل. حيث أوضح المعارض السوري البارز بدر جاموس: "هذه صدمة للشعب السوري الذي يناضل من أجل الحرية، والديمقراطية، والعدالة. لم يجر التشاور معنا حول هذا القرار، ويبدو أنه يتجاهل بوضوحٍ مطالب الشعب السوري".
ماذا عن قضية الكبتاغون؟
تمثل تجارة المخدرات السورية واحدةً من القضايا المحورية التي ناقشها اجتماع وزراء خارجية الجامعة العربية -وخاصةً مخدر الأمفيتامين (الكبتاغون) سيئ السمعة، الذي يجري تصديره بكميات كبيرة إلى الدول المجاورة في السنوات الأخيرة.
وقد جرى تشكيل لجنة تضم السعودية وجيران سوريا، لبنان والأردن والعراق، من أجل متابعة تطبيق النقاط الرئيسية التي تم الاتفاق عليها من أجل عودة سوريا. وتضم النقاط إصدار قرارات العفو، وتسهيل عودة النازحين، وإنهاء تهريب المخدرات، وكبح جماح الدعم الروسي والإيراني للأسد.
وتحمل قضية تجارة المخدرات العابرة للحدود أهمية حيوية بالنسبة للدول المجاورة مثل الأردن. بينما تأتي عودة سوريا في أعقاب مبادرة أردنية رسمت خارطة طريق لإنهاء الصراع السوري.
ووعدت سوريا بالتعاون مع عمان في رصد واقتلاع جذور تهريب المخدرات، على الرغم من اتهام أشخاص مقربين من حكومة سوريا بالوقوف وراء تجارة الكبتاغون المربحة بشدة. يُذكر أن بعض المسؤولين السوريين وأقارب الأسد قد تعرّضوا لعقوبات بسبب تجارة المخدرات، رغم أنهم ينكرون أي تورطٍ فيها.
وظهرت أولى التحركات القاسية بعد أيام من الاتفاق، عندما قصفت القوات الجوية الأردنية سوريا لتقتل أحد أباطرة تجارة المخدرات هناك.
والتزمت عمان الصمت حيال الواقعة -نظراً لوقوع الهجوم على أرض أجنبية على الأرجح-، لكن الغارات التي جرت في شرق السويداء أسفرت عن مقتل زعيم المخدرات مرعي الرمثان مع أطفاله الستة وزوجته.
ولدى السعودية رغبة كبيرة مماثلة في وقف تدفق الكبتاغون. حيث أفادت تقارير بأن الرياض عرضت على سوريا مبلغ 4 مليارات دولار لتعويضها عن فقدان أرباح تلك التجارة، لكن الرياض نفت ذلك.
وفي جميع الأحوال، يرغب ولي العهد، محمد بن سلمان، في وضع حدٍّ لغياب الاستقرار على حدود مملكته وتمهيد الطريق نحو الرخاء، بحسب تصريح الزميل الأقدم غير المقيم في Atlantic Council كمال علام.
وأوضح كمال في حديثه إلى موقع Middle East Eye البريطاني: "من المفهوم أن تُعَدّ هذه الخطوة بمثابة عودة للأسد. لكنه لم يغادر مطلقاً في الواقع. حيث ظلت الروابط الشخصية بين الرياض ودمشق قائمةً بصورةٍ غير رسمية عبر وسطاء رفيعي المستوى"، مضيفاً أن جهات الاتصال المذكورة زادت أكثر بعد تنصيب الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد عام 2017.
وأردف: "كما تتمتع مجتمعات الأعمال في دمشق، وحمص، وحلب، بعلاقات عائلية قديمة وعلاقات تجارية قائمة مع العديد من الشركات العائلية السعودية".
وذكر علام أن ولي العهد السعودي "لا يريد أي مشكلات" على حدوده من شأنها أن تعطل خططه لرؤية 2030. ثم تابع قائلاً: "يريد بن سلمان استقرار لبنان والعراق. وحتى لو كانت الدولة السورية ضعيفة، فستظل لدى الأسد وشبكته القدرة على السيطرة على لبنان والتأثير على العراق، كما فعل عندما كسر الملك السابق عبد الله الجمود إثر اغتيال الحريري. أي إن السعوديين سيحصلون على ما هو أكثر من سوريا باحتضانهم لدمشق. حيث سيحصلون على حزمةٍ إقليمية كاملة تضم الفلسطينيين أيضاً".