أصبح التوتر بين فاغنر والجيش الروسي علنياً وعنيفاً، فلماذا يصبر الرئيس فلاديمير بوتين على تلك التهديدات ونوبات الانفعال المتكررة من "طباخه"، زعيم المجموعة التي تقترب من السيطرة على باخموت؟
كان مؤسس مجموعة فاغنر الروسية الخاصة، يفغيني بريغوجين، قد صرح، الثلاثاء، 16 مايو/أيار، عن بقاء مربع سكني وقطعة صغيرة من القطاع الخاص لإحكام السيطرة على مدينة باخموت، شرقي أوكرانيا، والتي تحاول موسكو السيطرة عليها منذ الصيف الماضي.
بريغوجين قال، في تصريحات نقلتها قناة روسيا اليوم: "اليوم تقدمت وحدات فاغنر في اتجاهات مختلفة حتى مسافة 200 متر، وسيطرت على أراضٍ بمساحة 113 ألف متر مربع في مدينة أرتيوموفسك (باخموت)"، وأضاف: "لا يزال تحت سيطرة العدو 1.46 كيلومتر مربع من أراضي المدينة، ولم يتبقَّ سوى مبنى واحد متعدد الطوابق يستخدمه العدو كوكر له، وللسيطرة على باخموت – يتبقى مربع سكني أسفل شارع يوبيلينايا وقطعة صغيرة من القطاع الخاص. وستقوم وحدات فاغنر بإحكام سيطرتها الكاملة على المدينة".
وتُعد معركة باخموت، التي تسيطر القوات الروسية على حوالي 95% منها، الأطول والأكثر دموية منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر".
تصريحات "طباخ بوتين" العنيفة ضد الجيش
اشتهر بريغوجين بتصريحاته العنيفة التي ينتقد فيها قيادات الجيش الروسي علناً، بل هدد مؤخراً بسحب قواته من مدينة باخموت، وكان ذلك قبل يوم 10 مايو/أيار الجاري، بسبب الخسائر الفادحة وعدم كفاية إمدادات الذخيرة، وأضاف بريغوجين في بيان: "أعلن بالنيابة عن مقاتلي فاغنر وبالنيابة عن قيادة فاغنر أنه في العاشر من مايو/أيار 2023، سنكون مجبرين على نقل مواقعنا في منطقة باخموت إلى وحدات وزارة الدفاع، وسحب من تبقوا من فاغنر إلى معسكرات لوجستية لاستعادة قوتنا".
وسبق ذلك قيام الرجل، الذي يلقبه الغرب بأنه "طباخ" الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بنشر مقطع فيديو وقف فيه أمام جثث العشرات ممن زعم أنهم مقاتلون من مجموعته قُتلوا في الحرب، وأخذ يهاجم القيادة العسكرية الروسية بسيلٍ من الشتائم، واتهم قادة الجيش الروسي بالمسؤولية عن مقتلهم؛ لأنهم لم يرسلوا لهم الدعم والإمدادات اللازمة من موسكو.
بريغوجين قال في مقطع الفيديو، الذي نُشر على تطبيق تليغرام: "نحن ينقصنا 70% من احتياجاتنا من الذخيرة!"، ثم سلّط كشافاً صغيراً على الجثث الموضوعة في الهواء الطلق بالقرب من الجبهات الأمامية للقتال على ما يبدو، وادعى أن هؤلاء القتلى إنما هم ضحايا يوم واحد فقط من القتال.
مجلة Foreign Affairs الأمريكية نشرت تحليلاً عنوانه "لماذا يحتاج بوتين إلى مجموعة فاغنر المرتزقة؟"، يلقي الضوء على أسباب صبر الرئيس الروسي على انفعالات بريغوجين، رغم ما تكشفه من توتر شديد بين القوات شبه العسكرية وجنرالات الجيش الروسي.
ويرى كثير من المراقبين الغربيين أن صدعاً كبيراً ينفتح على ما يبدو بين مجموعة فاغنر والكرملين، فيما يتكهن آخرون بأن أيام بريغوجين ربما قد صارت معدودة، بالنظر إلى أنه خلق أعداءً على ما يبدو بين قيادات الجيش الروسي بأكملها.
ففي فيديو جديد، وبّخ أشخاصاً لم يذكر أسماءهم، ووصفهم بأنهم "أجداد سعداء يظنون أنه طيب"، مما أثار الدهشة في موسكو حول الأشخاص الذين يقصدهم بحديثه، وفي نهاية المطاف، يرى البعض أن هذه الحلقة الميلودرامية محاولة بائسة من بريغوجين لإنقاذ سمعة فاغنر، بوصفها الوحدة الروسية الوحيدة القادرة على تنفيذ العمليات الهجومية، برغم الخسائر الكارثية في باخموت.
لماذا يتسامح بوتين مع زعيم فاغنر؟
غير أن الحلقة المفقودة في هذا العرض هو السبب وراء تسامح بوتين مع طرائف بريغوجين، وأين تكمن مجموعة فاغنر في واقع الأمر بين التسلسل الهرمي للجيش الروسي والاستخبارات الروسية. في حقيقة الأمر، لم يكن بروز فاغنر سوى أحدث تطور ضمن تاريخ طويل شهد اعتماد الروس والسوفييت على القوات غير الرسمية، التي تعود إلى عهد ستالين. فضلاً عن ذلك، لدى المجموعة إرث كبير في أوكرانيا؛ فقد برزت لأول مرة خلال حرب روسيا السابقة في دونباس قبل 8 سنوات.
يرى بوتين أيضاً أن فاغنر صارت وسائل حاسمة لكبح جماح الجيش، الذي طالما ارتأى أنه يشكل تهديداً محتملاً ضد حكمه. فعلى النقيض من الفرضيات التي تُطلَق في الغرب، يرتبط الدور البارز الذي تضطلع به مجموعة فاغنر بديناميات السلطة في موسكو، بنفس قدر ارتباطه بمجريات الأحداث على أرض المعركة في أوكرانيا، بحسب فورين أفيرز.
من الضروري التوقف عند الطريقة التي يُنظر بها إلى فاغنر وزعيمها من الأطراف المختلفة للدولة الروسية: مديرية المخابرات الرئيسية الروسية (GRU)، والجيش في العموم، وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB)، وبوتين نفسه.
اضطلعت مديرية المخابرات الرئيسية الروسية (GRU) بدور رئيسي في نشأة فاغنر، وتتمثل الأسباب بدرجة كبيرة في الإصلاحات الصاخبة التي مرت بها الاستخبارات العسكرية الروسية في أواخر العقد الأول من القرن الجديد وبدايات العقد الثاني منه. ففي وجود سلف سيرغي شويغو، وزير الدفاع السابق أناتولي سيرديوكوف، الذي شغل المنصب بين عامي 2007 و2012، حاولت الوزارة تقليص دور مديرية المخابرات الرئيسية داخل الجيش.
وبعد وقت قصير من توليه المنصب، غيَّر شويغو المسار ووضع موارد جديدة في أيدي مديرية المخابرات الرئيسية. ونتيجة لذلك، تعززت المديرية بأفراد جدد، جُنِّد كثير منهم من صفوف فرقة القوات الخاصة بالجيش الروسي "السبيتسناز"، التي تُشرف عليها تقليدياً مديرية المخابرات الرئيسية (GRU). بالنسبة للجنرالات الذين يديرون مديرية المخابرات، كان جلب مزيد من أفراد السبيتسناز منطقياً: فقد كان الجيش الروسي حينها متورطاً بدرجة كبيرة في الصراع الدائر بسوريا، وكذلك في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا، وكانت مديرية المخابرات تحوّل تركيزها نحو ما يسمى بـ"الاستخبارات النشطة"، التي تنفذ عمليات مسلحة بدلاً من مجرد زرع المصادر، مثلما يحدث في أعمال الجاسوسية التقليدية.
وفي السنوات اللاحقة، تعاظمت عقلية السبيتسناز هذه داخل مديرية المخابرات الرئيسية، وترقى الجنرال فلاديمير أليكسيف، الذي كان مسؤولاً عن السبيتسناز، ليصير النائب الأول لرئيس مديرية المخابرات الرئيسية (GRU).
وفي خضم هذا التحول الحاصل على صعيد أولويات مديرية المخابرات الرئيسية، أُبلغ عن وجود مجموعة فاغنر لأول مرة في وسائل الإعلام الروسية، وعن أن ديمتري أوتكين، الذي كان قائداً في قوات السبيتسناز، كان مسؤولاً عن العمليات العسكرية لفاغنر. وعلى أرض الواقع، أُنشئ قسم جديد داخل مديرية المخابرات الرئيسية للإشراف على أنشطة الشركات العسكرية الخاصة، ومن ضمنها مجموعة فاغنر، مع أن هذا الأمر لم يُعلن عنه آنذاك.
وبعد أشهر قليلة من الإعلان عن ظهور فاغنر للوجود، علمت مجلة Foreign Affairs من أحد مسؤولي مديرية المخابرات الرئيسية (GRU) أن هذا القسم الجديد موجود بالفعل، وأن العاملين فيه -وهي معلومة لا تثير أي دهشة- كانوا من قدامى محاربي السبيتسناز. وفرت فاغنر لمديرية المخابرات الرئيسية إنكاراً مناسباً للعمليات التي تنفذها، حينما كانت روسيا تنكر تورطها المباشر في شرق أوكرانيا.
فاغنر وبلاكووتر الأمريكية
ظاهرياً، تَنَاسَب استخدام الشركات العسكرية الخاصة مع نموذج جديد من نماذج حروب القرن الحادي والعشرين. على سبيل المثال، استخدمت الولايات المتحدة المتعاقدين العسكريين في العراق، وحملت فاغنر أوجه تشابه مع شركة الأمن الأمريكية العسكرية الخاصة بلاك ووتر (تعرف الآن باسم أكاديمي).
ولكن بالنسبة لمديرية المخابرات الرئيسية (GRU)، كانت فاغنر أيضاً امتداداً لتقليد أقدم بكثير يعود إلى عصر الاتحاد السوفيتي، عندما استخدم الكرملين القوات بالوكالة للتدخل في الصراعات في جميع أنحاء العالم. قال مسؤول في مديرية المخابرات الرئيسية في عام 2017: "إنه يشبه فحسب عندما كان جيشنا متنكراً في إسبانيا خلال الحرب الأهلية الإسبانية"، وذلك عندما سألته مجلة Foreign Affairs عن سبب حاجة المديرية إلى شركة عسكرية خاصة مثل فاغنر.
صحيحٌ أن الحكومة السوفييتية لم تؤكد قط رسمياً على تدخلها، إلا أنه من المعروف على نطاق واسع أن ستالين أرسل مستشارين عسكريين لدعم قوات الجمهوريين في إسبانيا في ثلاثينيات القرن الماضي.
طالما ارتأى مسؤولو الجيش السوفيتي والروسي أن الحرب الأهلية الإسبانية "حرب خيِّرة": كان الجنود الروس على الجانب الصحيح، وكان القتال بلا شك ضد الفاشية، نظراً إلى أن قوات الجمهوريين كانت تقاتل القوات القومية بقيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو، الذي كان متحالفاً مع كلٍ من موسوليني وهتلر. في سجلات التأريخ الروسية، يُنظر إلى التدخل السوفييتي في إسبانيا على أنه النذير المباشر للحرب الوطنية العظمى، وهو مصطلح يستخدم في روسيا لوصف القتال ضد ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.
وبالنسبة لمديرية المخابرات الرئيسية، كانت التجربة الروسية في الحرب الأهلية الإسبانية مبرراً مناسباً لتبني قوات فاغنر في أوكرانيا، حيث أصرّ الكرملين على أنه كان يقاتل الفاشيين مرة أخرى.
هل تحظى فاغنر بدعم الجنرالات؟
ومع ذلك، ثمة تساؤل أشد تعقيداً، يتعلق بمدى الدعم الذي تحظى به مجموعة فاغنر داخل صفوف كلٍ من الجيش وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB). تطورت سمات العمليات العسكرية التي تنفذها مجموعة فاغنر منذ نشأتها في 2015، وبصورة خاصة منذ بداية الحرب الحالية في أوكرانيا، تطوراً ملحوظاً. فقد بدأت بوصفها قوة مرتزقة سرية بالوكالة يمكن إنكار الارتباط بها، وتطورت تدريجياً لتصبح وحدة عسكرية كبيرة لديها عملياتها في عديد من البلاد ولديها قوتها المدفعية والجوية الخاصة، وأخيراً صارت تعلق لوحات إعلانية ضخمة في شوارع المدن الروسية للإعلان عن تجنيد أفراد جدد في صفوفها، بل وإنتاج سينمائي خاص بها لتمجيد أفعالها، وبرج كبير لامع في سانت بطرسبرغ لمقار شركتها. كذلك صارت تعرف بالقوة الأشد وحشية في الجيش الروسي، التي تتباهى علناً بقتل "الخونة" بأفظع الطرق.
وفي حين أن بريغوجين ازدادت جرأته في انتقاد القيادة العسكرية، بدأ كثير من المراقبين في طرح تساؤل يقول: إلى متى سيفلت من العقاب؟ في اللحظة الحالية، لا تزال مديرية المخابرات الرئيسية (GRU) تدعم فاغنر، وذلك وفقاً للمسؤولين الذين تحدثت معهم مجلة Foreign Affairs داخل قوات السبيتسناز التابعة للمديرية. إذ تعتقد المديرية أن مجموعة فاغنر لا تزال مفيدة.
بيد أن دعم مديرية المخابرات الرئيسية لا يمنح الكثير من الطمأنينة إلى بريغوجين. فخلال ولاية بوتين، كانت هناك مناسبات لم يكن دعم مديرية GRU ذا قيمة كبيرة. في السنوات الأولى من القرن الحالي، على سبيل المثال، أشرفت مديرية المخابرات الرئيسية وقوات السبيتسناز التابعة لها على كتيبة عسكرية بالوكالة تسمى فوستوك، أدارها رسلان يامادييف، أمير الحرب الشيشاني القوي.
كانت فوستوك قوة فعالة، وكان يامادييف موالياً لمديرية المخابرات الرئيسية. لكن هذا لم يكفي لحمايته عندما دخلت عشيرته في صراع مفتوح ضد رمضان قديروف، رئيس الشيشان. في سبتمبر/أيلول 2008، اغتيل يامادييف في عملية إطلاق نار من سيارة متحركة بينما كان جالساً في سيارته المرسيدس عند إشارة مرورية تبعد بضع مئات من الأمتار عن البيت الأبيض في موسكو (وهو مقر الحكومة الروسية). ويعتقد كثيرون أن قديروف هو من أمر بقتله.
وفي اللحظة الحالية، لا يزال بريغوجين يتمتع ببعض الدعم داخل صفوف الجيش، رغم انتقاداته اللاذعة الموجهة لوزارة الدفاع. منذ سبتمبر/أيلول 2022، عندما انسحبت روسيا من مساحة كبيرة من الأراضي بسبب هجوم أوكراني في شمال شرق البلاد، ظل بريغوجين يهاجم علناً التسلسل القيادي للجيش الروسي. ومع ذلك، تلقت وسائل الإعلام الروسية التي تسيطر عليها الحكومة، بما في ذلك مراسلو الحرب الروس "Voenkors"، المنضوين تحت لواء الجيش، أوامر بالمساعدة في الترويج لفاغنر وأنشطتها في أوكرانيا. ونتيجة لذلك، استمرت الصحف الموالية للكرملين في نشر مقابلات مع ضباط فاغنر، تُمجِّد الروح المعنوية للمجموعة.
وحتى في اللحظة الراهنة، لم تهدأ تغطية الإعلام الروسي المؤيدة لفاغنر. فضلاً عن أن الجيش نفسه يبدو أنه يواصل دعمه لفاغنر. وفقاً لبريغوجين، بعد نشر الفيديو الخاص به المتعلق بالأوضاع في باخموت، عيّنت قيادة الجيش الجنرال سيرغي سوروفيكين، القائد السابق للقوات الروسية في أوكرانيا الذي لا يزال أحد الجنرالات الذين يحظون باحترام كبير في روسيا، للإشراف على إمدادات الذخيرة والموارد إلى فاغنر.
بالنسبة لبريغوجين، تتمثل إحدى المزايا في أن فاغنر ظلت، بصرف النظر عنه، مجهولة الهوية، ولا ترى قيادة الجيش الروسي الأمر على أنه تنافس. ومع أن بريغوجين دأب على الترويج لمقاتليه ووصفهم بأنهم القوى القتالية الأعلى قدرة بين صفوف الجانب الروسي، فقد بذل أيضاً مجهوداً خاصاً لجعل ضباطه وقادته الميدانيين مجهولي الهوية. إذ إن أسماءهم، بمن فيهم أوتكين، غير معروفة للمواطنين الروس، وعندما يجري مراسلو الحرب الروس مقابلات مع جنود وضباط فاغنر، لا يذكرون أي شيء عن أسمائهم وهوياتهم.
صحيحٌ أن تسامح القيادة العسكرية تجاه فاغنر مهم، لكن هذا التسامح قد يُلَغى في اللحظة التي يرى الجيش أو الكرملين أنها ملائمة لذلك. فالقادة الروس لا يُشتهر عنهم الوفاء تجاه رفاقهم في صفوف الجيش.
لماذا يستمر بوتين في دعم فاغنر؟
لكن العامل الأهم وراء استمرار الدور الذي يؤديه بريغوجين في أوكرانيا هو بوتين نفسه. فمن المؤكد أن الهجمات المتكررة من جانب بريغوجين ضد أكبر قائدين في الجيش الروسي تجاوزت الحدود بشدة، لدرجة أن الدعم الشخصي لبوتين فقط هو ما يفسر استمرار دور قائد فاغنر في الحرب. ولكن لماذا يعد بريغوجين ذا قيمة كبيرة بالنسبة لبوتين؟
ويكمن التفسير هنا في علاقة بوتين المعقدة مع الجيش الروسي، ففي السنوات الأولى لحكمه، تمثَّل أحد أكبر التحديات بالنسبة لبوتين في مواصلة السيطرة على الجيش. بالنظر إلى أنه أحد أكبر جيوش العالم في بلد شاسع حيث يحدث كل شيء داخلياً، لدى الجيش تقليد يتمثل في التأكد من أن العالم الخارجي لا يعرف إلا أقل القليل عن أنشطته.
يعني ذلك أن الأشكال الاعتيادية من الإشراف الحكومي أو الرقابة العامة -سواء من خلال البرلمان أو هيئات إنفاذ القانون أو وسائل الإعلام- ببساطة ليس لها وجود في روسيا. خلال العقد الأول في السلطة، سعى بوتين لإحكام قبضته على الجيش عن طريق تعيين سيرغي إيفانوف، الجنرال السابق في لجنة أمن الدولة (KGB) وصديقه المقرب، في منصب وزير الدفاع. لكن بوتين اضطر لاستبداله في 2007 عندما اتضح أن جهود إيفانوف لإجراء إصلاح عسكري أكبر قد باءت بالفشل. ولاحقاً، من خلال شويغو، وهو دخيل آخر على الجيش، حاول بوتين كسب مزيد من النفوذ.
ولكن في الوقت الحالي، وبعد أكثر من عام على بداية الحرب في أوكرانيا، ثمة أدلة قليلة على أن بوتين نجح مع شويغو نجاحاً أكثر مما حققه مع إيفانوف. فضلاً عن أن بوتين يعي تماماً أن الجيش خلال أوقات الحرب يميل إلى كسب مزيد من السلطة داخل الدولة. ويعلم أنه كلما استمرت الحرب تزايدت هذه السلطة، وزادت صعوبة ممارسة سيطرته عليه. ونظراً لأنه يميل للنظر إلى العالم عبر عدسة التهديدات، فإن القوة النسبية للجيش تقلقه، وبطريقة ما أكثر من قلقه من أداء الجيش في أرض المعركة.
ونتيجة لذلك، لجأ بوتين إلى طرق غير تقليدية على نحو متزايد لكبح جماح الجنرالات. على سبيل المثال، بداية من خريف 2022، شجع مراسلو الحرب Voenkors على نشر المشاكل التي تحدث داخل الجيش. لكن الأهم هو الدور الذي تضطلع به مجموعة فاغنر، بوصفها قوةً تحافظ على التوازن بالنسبة للجيش، بحسب تحليل المجلة الأمريكية.