حِراك روسي لإنجاز مشروع “ممر الشمال – الجنوب” مع إيران.. كيف يلبي حاجة موسكو للوصول إلى المياه الدافئة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/16 الساعة 08:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/16 الساعة 09:25 بتوقيت غرينتش
الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين/ GettyImages

اجتمع في شهر مايو/أيار 2023 بطهران، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، مع مستشار الأمن القومي الهندي، آجيت دوفال، لمناقشة عدة ملفات من بينها تفعيل "ممر الشمال – الجنوب"، وهو نفس الموضوع الذي ناقشه شمخاني في أبريل/نيسان الماضي مع إيغور لويتين، المساعد الخاص للرئيس الروسي، كما ناقشه في اتصال هاتفي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في مارس/آذار الماضي.

ويلبي مشروع "ممر الشمال – الجنوب" حاجة روسيا الدائمة للوصول إلى المياه الدافئة، كما يقول موقع أسباب المتخصص بالتحليل الاستراتيجي، عبر بناء شبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية وخطوط الملاحة البحرية؛ بهدف تعزيز النقل والتجارة بين روسيا وإيران والهند والقوقاز ودول آسيا الوسطى.

حيث يربط المشروع عبر الأراضي الإيرانية بين عاصمة روسيا الشمالية، مدينة وميناء سان بطرسبورغ المطلة على خليج فنلندا في بحر البلطيق، والعاصمة المالية والتجارية للهند مومباي (بومباي). كما يُفترض مستقبلاً بناء خطوط مواصلات فرعية تربط الممر بشرق ووسط أوروبا.

مشروع ممر الشمال – الجنوب.. متنفس روسيا لمواجهة عقوبات الغرب

خارطة مشروع ممر الشمال - الجنوب
خارطة مشروع ممر الشمال – الجنوب

هناك 3 مسارات لمشروع "ممر الشمال – الجنوب":

  • المسار الأوسط عبر بحر قزوين: حيث يبدأ المسار براً من سان بطرسبورغ شمال غرب روسيا إلى منطقة أستراخان الروسية على بحر قزوين، ثم يتم الشحن بحراً بواسطة السفن إلى ميناء بندر أنزلي الإيراني على ساحل بحر قزوين، ثم النقل براً إلى ميناء تشابهار الإيراني، المطل على المحيط الهندي، ثم الشحن بحراً إلى مدينة بومباي في الهند.
  • المسار الشرقي: هو مسار بري ينطلق من روسيا إلى إيران عبر المرور بكازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان.
  • المسار الغربي: هو مسار بري ينطلق من روسيا إلى إيران عبر أذربيجان، وهو ما يتطلب إكمال بناء خط سكة حديد رشت- استارا داخل إيران، بطول 160 كم لربط ميناء بندر أنزالي الإيراني مع شبكة السكك الحديدية الروسية عبر أذربيجان، وهو ما يوفر طريقاً مباشراً لنقل البضائع.

اهتمام روسي كبير بإنجاز المشروع الآن

يقول موقع أسباب إنه، بينما جرى الاتفاق بخصوص المشروع بين إيران وروسيا والهند في عام 2000، فإنه لم يشهد تقدماً منذ ذلك الحين بسبب مشاكل التمويل وعدم التبني السياسي القوي له سابقاً، وبالأخص من قبل موسكو. 

لكنّ الاهتمام الروسي بإنجاز المشروع تجدد عقب فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات مشددة على موسكو، إثر شنها للحرب ضد أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وهو ما جعل روسيا تنضم إلى إيران في مواجهة صعوبات في الوصول إلى الأسواق العالمية، وتعرضها للتضييق على حركة التجارة الخاصة بها.

وبالفعل بدأت مرحلة الاختبار في يوليو/تموز 2022، من خلال نقل قطار روسي 39 حاوية عبر آسيا الوسطى إلى إيران، ومنها إلى الهند، وتأمل إيران وروسيا في استكمال وإطلاق الممر بحلول عام 2025، بحيث ينقل ما بين 20-25 مليون طن سنوياً من البضائع.

وتسعى روسيا وإيران لتعزيز وجودهما في أسواق بديلة مثل دول الخليج وشرق إفريقيا والهند، كما تبحثان عن طرق للالتفاف على العقوبات الغربية وخفض تكلفة التجارة عبر ممر الشمال – الجنوب الذي سينقل البضائع بينهما بحراً بشكل مباشر، أو براً من خلال دول آسيا الوسطى أو جنوب القوقاز، بعيداً عن طرق التجارة التقليدية، الأكثر عرضة للعقوبات الاقتصادية الغربية.

المشروع قد يصبح بديلاً لقناة السويس والبحر المتوسط

وتراهن موسكو وطهران على أن ممر الشمال- الجنوب، يمكن أن يصبح بديلاً لحركة النقل عبر قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط، نظراً لأن المرور من خلاله يستغرق 25 يوماً لقطع 7200 كيلو متر، مقارنة بطريق قناة السويس البالغ طوله 16 ألف كلم، ويستغرق من 36 إلى 40 يوماً على الأقل.

لكنّ المشروع ما زال يواجه تحديات؛ حيث تواجه إيران تحديات مثل تردي البنية التحتية المحلية من عربات نقل وطرق، وضعف القدرة على جذب استثمارات أجنبية أو توفير الموارد المالية اللازمة لإكمال الممر، وبالأخص تمويل بناء "خط سكة حديد رشت-أستارا"، فضلاً عن تمويل بناء 22 نفقاً و15 جسراً على امتداد الممر في الأراضي الإيرانية، وهي عقبات تعهدت روسيا مؤخراً بحلها عبر تقديم مساعدات فنية ومالية مقابل دفع إيران المستحقات ضمن آلية "النفط مقابل البضائع".

كذلك يؤثر توتر العلاقات الإيرانية-الأذرية المتزايد بعد حرب كاراباخ 2020، على المسار الغربي للممر، والذي يُعد المسار الأقل كلفة والأيسر عبوراً، وهو ما قد يؤخر أو يعطل إكمال تنفيذ المشروع، كما يفتح الباب لواشنطن والغرب لعرقلة تنفيذ الممر الذي يفتح نافذة واسعة في جدار العقوبات الغربية على روسيا وإيران.

والخلاصة؛ يمثل المشروع أحد أوجه التعاون الاستراتيجي بين موسكو وطهران، والذي تعزز بعد حرب أوكرانيا، ليأخذ أشكالاً متنوعة، عسكرية وأمنية واقتصادية وتجارية، كما أنه يشير إلى أن تنامي التحالف بين الهند والولايات المتحدة ما زال يواجه تحدياً أساسياً هو عمق العلاقة التاريخية بين روسيا والهند.

تحميل المزيد