الوجود الصيني في الشرق الأوسط أصبح حقيقة لا جدال فيها، وتسعى أمريكا لمواجهته من خلال سكك حديدية تربط الخليج العربي بالهند وإسرائيل، فهل تضاهي مشاريع الحزام والطريق؟
كانت السنوات الأخيرة قد شهدت صعوداً صينياً لافتاً في منطقة الشرق الأوسط، لم يتوقف فقط عند حدود الاقتصاد، بل تعداها مؤخراً إلى الجانب السياسي، وهو ما تجلى في الاتفاق بين السعودية وإيران بوساطة بكين، وهي الوساطة التي أعطت التطلعات الصينية للعب دور أكبر على المسرح العالمي زخماً كبيراً تردد صداه في واشنطن.
وعلى الرغم من أن أمريكا قد أظهرت لا مبالاة واضحة بالحفاظ على نفوذها التقليدي في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن الصراع مع الصين أدى إلى إعادة التفكير في تلك الاستراتيجية، في ظل الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية الهائلة لمنطقة الشرق الأوسط، فقررت إدارة الرئيس جو بايدن التعامل مع الأمور بطريقة مختلفة.
تحركات أمريكية تجاه المنطقة
ومن هذا المنطلق، طفت على السطح تحركات أمريكية رصدتها منصة "أسباب" المختصة بالتحليل الاستراتيجي في تقرير لها يلقي الضوء على خلفيات وكواليس تلك التحركات ويضعها في إطار الصورة الأكبر، وهي المنافسة بين الصين والولايات المتحدة.
كان مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، قد التقى مع ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارة للمملكة يوم الأحد 7 مايو/أيار الجاري.
كما أجرى سوليفان محادثات مشتركة مع ولي العهد السعودي ومستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد ومستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال، ونقل موقع Axios الأمريكي عن مصدرين أنه من المتوقع أن يناقش مستشار الأمن القومي الأمريكي مشروع مقترح لبنية تحتية تربط دول الخليج والبلدان العربية عبر شبكة من السكك الحديدية سيتم ربطها أيضاً بالهند، عبر ممرات الشحن من موانئ المنطقة، وهي مبادرة طرحت خلال محادثات منتدى I2U2، الذي يضم الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والهند.
زيارة سوليفان في هذا التوقيت تشير إلى أن إدارة جو بايدن متمسكة بإصلاح العلاقات مع السعودية، وسط مخاوف متزايدة من انجراف المملكة نحو الصين، خصوصاً أن الاتفاق الأخير بين السعودية وإيران بدا وكأنه يفتح آفاقاً جديدة لشرق أوسط بدون أمريكا، فالعامل الرئيسي في هذه الصفقة هو بلا شك عدم تدخل واشنطن في الأمر مطلقاً، بينما تم الاتفاق بوساطة صينية.
كانت السعودية وإيران قد أعلنتا استئناف العلاقات بينهما بعد قطيعة استمرت 6 سنوات، وهددت الاستقرار والأمن في الخليج، وساعدت في تأجيج الصراعات في الشرق الأوسط من اليمن إلى سوريا. وجاء الإعلان عن الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بعد محادثات لم يعلن عنها من قبل، استمرت أربعة أيام في بكين، بين كبار مسؤولي الأمن من البلدين.
وفي هذا السياق، تأتي مناقشة مشاريع البنية التحتية طويلة الأجل مع حلفاء واشنطن ضمن خطوات الأخيرة لإعادة المشاركة في المنطقة وطمأنة حلفائها المتشككين في استمرار التزام الولايات المتحدة تجاه أمنهم.
وتسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين شركائها، بما يساهم في تخفيف حجم الموارد التي تنفقها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على المدى الطويل دون التضحية بالمصالح الرئيسية لأمريكا.
ويعد تعزيز التكامل الإقليمي إحدى ركائز استراتيجية بايدن الجديدة في الشرق الأوسط، إلى جانب المحافظة على الشراكات الإقليمية والردع وتخفيض التوترات وتعزيز قيم الديمقراطية، كما جاء في وثيقة الأمن القومي الأمريكي التي أصدرها البيت الأبيض نهاية العام الماضي.
خطة سكك حديدية تربط الخليج بالهند وإسرائيل
ويرتبط المقترح الأمريكي لربط الشرق الأوسط بسكك حديد بمبادرة "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار"، التي أعلنت عنها واشنطن ودول مجموعة السبع (G7) في منتصف العام الماضي، وتستهدف ضخ استثمارات في مشاريع البنية التحتية للدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، من أجل مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تمنح بكين مزيداً من النفوذ الدولي.
كما يعد المقترح الأمريكي امتداداً للأفكار الرئيسية التي تم طرحها في تحالف "رباعي غرب آسيا" (I2U2) الذي تأسس في يوليو/تموز 2022، ويضم الولايات المتحدة والهند والإمارات وإسرائيل، حيث يرتكز التحالف على مفهوم للاستثمارات المشتركة والمبادرات الجديدة لتحديث البنية التحتية، إلى جانب مجالات المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والأمن الغذائي.
وبالرغم من أن إسرائيل لم تكن حاضرة في اجتماع الرياض، إلا أن دعوة أمريكا لمشاركة السعودية في مشروع للبنية التحتية مع أعضاء تحالف رباعي غرب آسيا تشير إلى تواصل مساعي واشنطن لدمج إسرائيل في هيكل الشرق الأوسط الاقتصادي والتجاري والأمني، كما يعتبر تطبيع علاقاتها مع السعودية أولوية أمريكية وإسرائيلية لتعزيز هذه الجهود.
وفي الوقت نفسه، تتبني السعودية نهجاً جديداً يستند إلى الدبلوماسية وإنهاء التوترات في المنطقة، وهو ما برز في الوساطة في الأزمة السودانية، وقبل ذلك جهودها الحاسمة لإعادة نظام بشار الأسد للجامعة العربية، والمفاوضات مع الحوثيين وإرسال رسالة إيجابية لحركة حماس بالسماح لقادتها بأداء العمرة للمرة الأولى منذ سنوات.
ولا تأتي هذه الدبلوماسية الجديدة في إطار إعطاء الرياض الأولوية لتعزيز النمو الاقتصادي فحسب، ولكنّها أيضا تعكس طموح المملكة لقيادة السياسة العربية إقليمياً، وهو طموح يدفع الرياض للعمل المباشر مع كافة الفاعلين الإقليميين، بمن فيهم إسرائيل.
وعلى الرغم من تقدم العلاقات مؤخراً بين الرياض وتل أبيب بما يعكس استعداد المملكة لاتخاذ خطوة تطبيع العلاقات رسمياً، لكنّ السعودية ما زالت ترهن هذه الخطوة الأخيرة بموافقة واشنطن على شروط المملكة، والتي تتمثل في الحصول على ضمانات أمنية يقرها الكونغرس، والمساعدة في تطوير برنامج نووي مدني، والحد من القيود على مبيعات الأسلحة الأمريكية.
لكن منطقة الشرق الأوسط تعد من أهم المناطق الجيواقتصادية بالنسبة للصين، سواء بحكم وارداتها النفطية منها أو كون هذه المنطقة ركناً أساسياً في مبادرة الحزام والطريق، حيث تضم المنطقة معظم الممرات البحرية اللازمة لإنجاز مشاريع كهذه، سواء قناة السويس أو مضائق البوسفور، الدردنيل، باب المندب وهرمز، وهو ما يشير إلى أن مهمة أمريكا لن تكون سهلة في احتواء تمدد النفوذ الصيني في المنطقة بطبيعة الحال.