أوضحت الانتخابات التركية المثيرة في نتائجها أنَّ ثقة الشعب بالنظام الانتخابي للبلاد بقيت قوية، وأنَّ الرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان، يظل قوة سياسية كبيرة، بالرغم من عدم تحقيقه انتصاراً ساحقاً من الجولة الأولى.
ستُجرى جولة إعادة يوم 28 مايو/أيار، بعدما أعلن المجلس الأعلى للانتخابات الإثنين، 15 مايو/أيار، فوز أردوغان بنسبة 49.5% من الأصوات، وفوز منافسه الرئيسي، كمال كليجدار أوغلو، بنسبة 44.9% بعد إحصاء كل الأصوات تقريباً.
ويبدو أنَّ أردوغان، الذي يقود تركيا منذ 20 عاماً، في موقف قوي للفوز بولاية أخرى من 5 سنوات، كما تقول صحيفة The New York Times الأمريكية.
وبحسب الصحيفة، حظيت انتخابات الأحد بمتابعة قوية حول العالم لأنَّها يمكن أن تحدد مسار حليف مهم بالناتو يتمتع بمجموعة واسعة من العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية في مختلف القارات. كان الأمر محل الاهتمام الخاص هو مصير أردوغان، بالنسبة لخصومه وشركائه الغربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة.
أشارت معظم استطلاعات الرأي قبل التصويت إلى تقدُّم بسيط لكليجدار أوغلو، المرشح المشترك لتحالف تشكَّل حديثاً من 6 أحزاب معارضة. لكنَّ النتائج أظهرت استمرار قبول وتأثير أردوغان، وأن مراكز الاستطلاع هذه فشلت في تقدير حجم وشعبية الرئيس التركي.
وفيما يلي 4 ملاحظات رئيسية من سباق الانتخابات التركية المثير:
1- أول جولة إعادة للانتخابات الرئاسية في تاريخ تركيا
هذه هي أول انتخابات في تاريخ تركيا لا يحقق فيها أي مرشح رئاسي أغلبية في الجولة الأولى. ويفتح هذا نافذة معقدة تمتد أسبوعين، سيقوم فيها المرشحان بكل ما بوسعهما لجذب الناخبين إلى معسكريهما.
وكانت انتخابات الأحد هي الثانية التي تُجرى في البلاد منذ استفتاء عام 2017 الذي دعمه أردوغان وحوَّل تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي. وفاز أردوغان بالتنافسين الرئاسيين الأخيرين، في 2014 و2018، بصورة صريحة وبفارق كبير.
2- أردوغان يتمتع بالأفضلية لدى الشعب التركي
يبدو أنَّ أردوغان يتمتع بالأفضلية في ظل تقدُّمه على كليجدار أوغلو وبفارق مريح. ويؤدي استبعاد المرشح الثالث، سنان أوغان، إلى ترك 5.7% من الناخبين الذين اختاروه، والكثير منهم من اليمين، في متناول اليد. وفي حال شاركوا في جولة الإعادة، فإنَّ معظمهم على الأرجح سيختارون أردوغان، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وما يساعد أردوغان أيضاً في تدعيم موقفه هو أداء حزبه القوي في الانتخابات البرلمانية، التي جرت في نفس الوقت.
إذ تشير النتائج الرسمية إلى أنَّ حزب العدالة والتنمية، وحلفائه سيُحافظون على أغلبيتهم في البرلمان المؤلف من 600 مقعد. ومن شأن هذا أن يسمح لأردوغان بالفوز من أجل تجنُّب وجود حكومة منقسمة يمكن أن تعرقل الأداء الفعال للدولة.
من جانبه، تنبأ كليجدار أوغلو بأنَّه سيفوز في جولة الإعادة، فقال لأنصاره في وقت مبكر من يوم الإثنين: "سنفوز بكل تأكيد، وسنجلب الديمقراطية إلى هذا البلد"، حسب تعبيره.
3- ثقة الأتراك بالديمقراطية لا تزال مرتفعة
أدلت أغلبية ساحقة مؤلفة من 64 مليون شخص يحق له التصويت في مختلف أنحاء تركيا وفي الجاليات التركية بالخارج بأصواتها. بل تحمَّل البعض الطوابير الطويلة وعاد إلى الأحياء التي دُمِّرَت بفعل الزلزال الأخير لممارسة واجبهم الوطني.
وأفادت الهيئة العليا للانتخابات بأنَّ نسبة المشاركة تجاوزت 88%. وهذا أعلى بكثير من نسبة المشاركة التي بلغت 66.6% في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020.
ومثل هذه الأرقام المرتفعة ليست غريبة على تركيا، كما تقول صحيفة نيويورك تايمز. ففي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة، في عام 2018، أدلى نحو 85% من الناخبين بأصواتهم. ولم تتراجع المشاركة في الانتخابات –بما في ذلك في انتخابات البلديات ومجالس المدن- منذ عام 1983 عن مستوى 74%.
ويأخذ الأتراك الانتخابات على محمل الجد. ويتضمَّن هذا أردوغان، الذي قال لأنصاره في وقتٍ مبكر من يوم الإثنين إنَّه يتحضَّر بقوة لمواجهة جولة إعادة. وأضاف: "في حياتي السياسية، كنتُ أحترم قراراتكم دائماً. وأتوقع نفس النضج الديمقراطي من الجميع".
4- يبدو أنَّ القومية تنتصر
قد لا يعطي الناخبون الأتراك الأولوية للسياسة الخارجية في صناديق الاقتراع، لكنَّ قرار معظم الأحزاب بتصعيد الخطاب القومي خلال الحملة الانتخابية يبدو كأنَّه قد آتى ثماره، خصيصاً لحلفاء أردوغان مثل حزب "الحركة القومية".
وخلال الحملة الانتخابية، جعل أردوغان سفينة حربية ضخمة ترسو في وسط إسطنبول كي يزورها الناخبون. وصعَّد انتقاده للولايات المتحدة، حتى أنَّه قال عشية الانتخابات إنَّ الرئيس بايدن يسعى للإطاحة به، مشيراً إلى تصريحات سابقة لبايدن قبل أن يصبح رئيساً.
وغالباً ما يتهم القوميون الأتراك الساسة الأكراد بدعم أو التعاون مع المسلحين الأكراد الذين يخوضون حرباً مع الدولة التركية منذ عقود. من جهته، تحدث سنان أوغان، المرشح الذي حل في المرتبة الثالثة، أيضاً عن منح الأولوية لإعادة ملايين اللاجئين السوريين في تركيا وانتقد تحالف المعارضة بسبب الدعم الكردي له. وفي جولة الإعادة، يمكن للمرشح الذي يتبنّى المواقف القومية بفعالية أكثر أن يجذب جزءاً أكبر من أنصار أوغان، بحسب الصحيفة الأمريكية.