مع دخول معارك الخرطوم مرحلة الاستنزاف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تصاعدت أهمية الجسور النهرية العشرة التي تربط مدن العاصمة الثلاث. فالطبيعة الجغرافية المتميزة للخرطوم، فرضت على طرفي الصراع خوض معركة الجسور، التي تمثل مفتاح السيطرة على العاصمة.
الخرطوم.. العاصمة الثلاثية والجسور العشرة
تمثل الخرطوم ملتقى النهر الأبيض القادم من بحيرة فكتوريا في قلب إفريقيا، ليلتقي بالنيل الأزرق، الأغزر مياهاً، وينبع من بحيرة تانا في إثيوبيا، وعليه تشيد أديس أبابا سد النهضة المثير للجدل.
ويلتقي النيلان الأبيض والأزرق في منطقة المقرن، والتي تتوسطها جزيرة توتي، ذات المناخ المعتدل والمتميز مقارنة ببقية مدن الخرطوم، وسكانها يمتهنون الزراعة على الطريقة التقليدية، ولا توجد بها مقرات رسمية أو منتجعات سياحية، لذلك لا تمثل أهمية استراتيجية.
ومن منطقة المقرن ينطلق نهر النيل شمالاً نحو مصر حيث يصب في البحر الأبيض المتوسط. والتقاء الأنهار الثلاثة في شكل خرطوم فيل، منح العاصمة السودانية اسم الخرطوم.
وقسمت الأنهار الثلاثة (النيل الأبيض، والنيل الأزرق، والنيل) العاصمة إلى 3 مدن:
1- الخرطوم: وتعتبر المركز وتحتضن مقرات السيادة، مثل القصر الجمهوري، ومقر قيادة الجيش، والمطار الدولي، بالإضافة إلى أكبر الفنادق والمراكز التجارية والمنتجعات السياحية، وهي أقل مساحة وأكثر كثافة، وتقع جنوبي العاصمة التي تحمل الاسم نفسه.
2ـ أم درمان: وتعتبر العاصمة التاريخية للسودان خلال ثورة الإمام المهدي، ومازالت إلى اليوم معقلاً لحزب الأمة، الذي أسسه الصادق المهدي، وتقع على الجهة الغربية والشمالية الغربية منفتحة على إقليم دارفور، وبها مقر الإذاعة والتلفزيون (حكومي).
3ـ خرطوم بحري: وتقع على الجهة الشرقية والشمالية الشرقية، منفتحة على ميناء بورتسودان الاستراتيجي على البحر الأحمر، وعلى الولايات الشرقية الحدودية مع إثيوبيا وإريتريا، وتعتبر مركز الطريقة الختمية، وحزبها الاتحادي الديمقراطي بقيادة عائلة الميرغني، وتتميز بجوها اللطيف، لذلك تسمى "بحري".
ما قصة الجسور العشرة وما أهميتها؟
يربط مدن العاصمة الثلاث، 10 جسور، بالإضافة إلى جسر الدباسين على نهر النيل الأبيض، الذي مازال قيد الإنشاء منذ 2003. حيث توجد 5 جسور على نهر النيل الأزرق، و3 جسور على نهر النيل الأبيض، وجسران على نهر النيل.
وتختلف الأهمية الاستراتيجية لكل جسر حسب الدور الذي يمكن أن يلعبه، لكن الجسور المؤدية نحو القصر الجمهوري ومقر القيادة العسكري ومطار الخرطوم، تمثل الأخطر، والسيطرة عليها يحرم الطرف الآخر من حرية الحركة والمناورة من وإلى مركز العاصمة.
وعلى رأس هذه الجسور ذات الأهمية الاستراتيجية التي يشتد حولها القتال: جسر الملك نمر، وجسر النيل الأزرق، وجسر كوبر، على النهر الأزرق، وجسر النيل الأبيض وجسر الإنقاذ، على النهر الأبيض.
1- جسور نهر النيل الأزرق:
ويربط مدينة الخرطوم بمدنية خرطوم بحري
- جسر الملك نمر: وتسيطر عليه قوات الدعم السريع، ويؤدي إلى القصر الجمهوري، ومقر وزارة الخارجية، ويربط خرطوم بحري بقلب الخرطوم الأكثر ازدحاماً، كما أنه قريب من المقرات الأمنية والعسكرية والمطار الدولي.
- جسر النيل الأزرق: ويخضع لسيطرة الجيش، ويؤدي إلى مقر القيادة العامة للجيش، الذي يتقاسم السيطرة فيه مع قوات الدعم السريع، حيث تجري اشتباكات بين الطرفين للسيطرة الكاملة عليه، ويضم مقرات القوات الجوية والبرية والبحرية، وجهاز المخابرات، ومقر قيادة الدعم السريع، وقصر الضيافة الذي يوجد به منزل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
- جسر كوبر: ويخضع لسيطرة غير مؤكدة للجيش، بالنظر للاشتباكات الواقعة بالقرب منه من ناحية "بحري"، وهو أقرب جسر لمطار الخرطوم الدولي، المحاذي لمقر قيادة الجيش، أما من جهة خرطوم بحري فقريب من سجن كوبر المركزي، والذي كان الرئيس المخلوع عمر البشير، مسجوناً فيه.
- جسر المنشية: يخضع لمراقبة الجيش، يعد الوحيد على الجهة الشرقية لمدينة الخرطوم، حيث يمثل البوابة الشرقية المؤدية للمطار، رغم بعده النسبي عنه مقارنة بالجسور الثلاثة الشمالية، لكنه قريب من مصفاة البترول، التي تقول وسائل إعلام إن قوات الدعم السريع استولت منها على كميات كبيرة من الوقود لتشغيل عرباتها المسلحة.
- جسر توتي: ويخضع لسلطة قوات الدعم السريع، ويربط مدينة الخرطوم بجزيرة توتي، وليست له أهمية استراتيجية، خاصة أن الجزيرة يقطنها مزارعون ولا توجد فيها مقرات سيادية أو عسكرية، لكن يمكن استخدامها كقاعدة خلفية لتخزين الذخائر والمؤن وعلاج الجراح غير المستعصية.
- جسر سوبا: ويخضع لقوات الدعم السريع، ويعد آخر جسر على نهر النيل الأزرق جهة الجنوب، وتعتبر منطقة سوبا نقطة انطلاق هجوم قوات الدعم السريع على مقرات القيادة والسيطرة، ويوجد بها سجن سوبا، أحد أكبر السجون في الخرطوم، وكلية الشرطة، ويمكن لهذا الجسر أن يمثل أحد الخيارات لقوات الدعم السريع للمناورة ومنع تطويقها وسط الخرطوم، أو إرسال تعزيزات لخرطوم بحري.
2- جسور نهر النيل الأبيض
هناك جسران، ويربطان بين مدينتي الخرطوم وأم درمان:
- جسر النيل الأبيض: يخضع لسيطرة الجيش، ويمثل أهم جسر على نهر النيل الأبيض، حيث يصل أم درمان بأشهر شارع في السودان، وهو شارع النيل الذي يلتف على مدينة الخرطوم من الشمال مارا على القصر الجمهوري، ومقر الحكومة، وعدة مقرات وزارية، أما من جهة أم درمان فيؤدي إلى مستشفى السلاح الطبي، وإلى مقر قيادة سلاح المهندسين، وهو الجسر الذي تمكن الجيش السوداني من وقف زحف أرتال مسلحي حركة العدل والمساواة من دارفور للسيطرة على الخرطوم في عام 2008.
- جسر الإنقاذ: ويخضع لسيطرة الجيش، يؤدي إلى مقر البنك المركزي وغابة السنط من جهة الخرطوم، وإلى كلية القادة والأركان العسكرية وأكاديمية نميري العسكرية العليا من جهة أم درمان.
3- جسور نهر النيل
هناك جسران، ويربطان أم درمان وخرطوم بحري:
- جسر شنبات: وتسيطر عليه قوات الدعم السريع، وتعد منطقة شنبات نقطة انطلاق هجوم قوات السريع من الشمال إلى جانب سوبا من الجنوب، وتكمن أهميته في أن تعزيزات قوات الدعم السريع من دارفور (غرب) تعبر من خلاله إلى خرطوم بحري، وعبر جسر الملك نمر تكون في القصر الرئاسي دون أن تعترضها وحدات الجيش البرية باستثناء الطيران، لذلك يحاول الجيش استعادته لأهميته الاستراتيجية، خاصة أنه يؤدي إلى مقر الإذاعة والتلفزيون في أم درمان.
- جسر حلفايا: يسيطر عليه الجيش، ويمثل أبعد جسر في شمال الخرطوم، وعبره يمكن الوصول إلى قاعدة وادي سيدنا الجوية، في أقصى شمال ولاية الخرطوم من جهة أم درمان.
وتنطلق من القاعدة المقاتلات الهجومية والمروحيات لاستهداف تمركزات قوات الدعم السريع، التي بدورها تحاول الوصول إليها لوقف الضربات الجوية على عناصرها، والسيطرة على الكلية الحربية ومقرات مختلف التشكيلات العسكرية المنتشرة بكثافة في منطقة وادي سيدنا.
لمن الأفضلية في معركة السيطرة على الجسور؟
في المحصلة يسيطر الجيش على 6 جسور؛ 3 منها على نهر النيل الأزرق، و2 على جسريْ نهر النيل الأبيض، و1 على جسر على نهر النيل.
بينما تسيطر قوات الدعم السريع على أربعة جسور؛ 3 منها على نهر النيل الأزرق، وواحد على نهر النيل، ولا تسيطر على أي جسر على نهر النيل الأبيض رغم انتشارها بكثافة في أم درمان.
ويعكس هذا الوضع نوعاً من التوازن في السيطرة على الجسور مع أفضلية مؤقتة للجيش، لكن قوات الدعم السريع لديها انتشار أوسع في الأحياء القريبة من رؤوس الجسور، وفق تقارير إعلامية، وقد يكون ذلك خشية استهدافها من الطيران في مناطق مكشوفة أو حتى احتمال تدمير الجسور لإعاقة حركتها.
ويفسر هذا التوازن صعوبة كل طرف في حسم المعركة سريعاً، بالنظر لأن لكليهما نقاط قوة ونقاط ضعف تجعلهما غير قادرين على إنهاء معركة الخرطوم.