صفقة مريبة أبرمتها شركة آبل مع الصين، ساعدت على جعلها أكبر شركة في العالم، بل إن بعض المحللين الغربيين يرونها شركة صينية أكثر من كونها أمريكية، في ظل تصاعد الجدل في أمريكا حول علاقة آبل والصين.
ومع اقتراب سهم آبل من أعلى مستوى له على الإطلاق، يجدر السؤال عن كيفية وصوله إلى هذا المستوى المذهل – وكم من الوقت يمكن أن يستمر ذلك في ظل تصاعد وتيرة التنافس الأمريكي الصيني.
وتصنع آبل، الشركة صاحبة القيمة السوقية الأعلى في العالم، منتجات رائعة، ولكن قد يتبين أن أكبر محرك لسعر سهمها كان العلاقة الوثيقة التي زرعها الرئيس التنفيذي تيم كوك بين آبل والصين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
الصين عاقبت شركات غربية عديدة ولكن لا مساس بـ"آبل"
تمنح العلاقة بين آبل والصين أو تسميه الصحيفة البريطانية "الوفاق الودي مع الحزب الشيوعي الصيني" لشركة آبل وجوداً ساحراً عندما يتعلق الأمر بتصنيع وبيع المنتجات في الصين. لكن نقاط البيانات المخيفة تستمر في الظهور، حسب الصحيفة.
في الأسابيع الأخيرة فقط، فرضت الصين عقوبات على شركة لوكهيد مارتن ورايثيون؛ وبدأت تحقيقاً في ميكرون؛ وداهمت شركة مينتز غروب المتخصصة في تحقيقات مزاعم الاحتيال والفساد وسوء السلوك بالعمل واعتقلت بعض موظفيها (رئيسها موظف سابق في المخابرات الأمريكية)؛ واحتجزت 17 رجل أعمال يابانياً، بما في ذلك عضو كبير في شركة أستيلاس فارما؛ وفرضت غرامة قياسية ضد شركة ديلويت البريطانية للخدمات المهنية، وعدلت قانون التجسس الخاص بها لتغطية الأنشطة التجارية، على الرغم من كل ذلك، خلال زيارة حديثة إلى الصين، أشاد تيم كوك بعلاقة آبل "الرمزية" بالصين.
إليك نسب إنتاج آي فون من المملكة الوسطى
قال كوك في منتدى التنمية الصيني في بكين، نسخة البلاد من دافوس: "لا يمكننا أن نكون أكثر حماساً". "اجتمعت الصين وآبل (Apple وChina) . . . معاً، وهكذا كان هذا نوعاً تكافلياً من العلاقة".
قابله المضيفون الصينيون من خلال تنظيم تصفيق حار في متجر آبل الرئيسي في بكين – وهو واحد من 54 متجراً.
تقر شركة Apple في تقريرها السنوي الأخير بأن "الأعمال يمكن أن تتأثر بالأحداث السياسية والتجارية والنزاعات الدولية الأخرى" وأن "تصنيع الشركة يتم كلياً أو جزئياً عن طريق شركاء الاستعانة بمصادر خارجية في آسيا، بما في ذلك البر الرئيسي للصين والهند، اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وفيتنام".
هذا مخادع في أحسن الأحوال، حسب وصف تقرير لمجلة Forbes الأمريكية.
تعتمد آبل بشكل مذهل على مصانع في المملكة الوسطى (لقب تاريخي للصين).
فأكثر من 95% من أجهزة iPhone وAirPods وMacs وiPads مصنوعة في الصين.
في أكتوبر/تشرين الأول 2010، كان لدى مصانع Foxconn (الشريك الرئيسي التصنيعي لآبل) في Shenzhen وحدها ما يصل إلى 500 ألف عامل.
قام كوك بتعميق توغل Apple بشكل أعمق من أي وقت مضى في الصين على مدى السنوات العشرين الماضية، كما ذكر باتريك ماكجي في صحيفة فاينشيال تايمز.
بعد توقيع اتفاقية سرية لعام 2016 بين آبل والصين لاستثمار 275 مليار دولار في الاقتصاد الصيني والقوى العاملة والقدرات التكنولوجية، أصبح iPhone من أكثر الهواتف مبيعاً. في الواقع، أصبحت شركة آبل الآن شركة صينية بقدر ما هي أمريكية، حسب تقرير الصحيفة البريطانية.
يأتي ما يقرب من خُمس إيرادات آبل من المبيعات في الصين، وبلغت الأرباح التشغيلية في الصين الكبرى التي تشمل هونغ كونغ وماكاو وتايوان والبر الرئيسي – 31.2 مليار دولار في عام 2022. هذا يمثل جزءاً كبيراً من أرباح آبل (على الرغم من استحالة تحويل مبالغ كبيرة من الصين).
الصين توفر مهارات لا تستطيع آبل إيجادها في مكان آخر
تقدم الصين عمالة ذات مهارات متخصصة يصعب العثور" هكذا قال "كوك"، في معرض شرحه لماذا لا تستطيع شركة آبل التصنيع على نطاق واسع في الولايات المتحدة.
أخبر الجمهور ذات مرة أنه إذا تمت دعوة كل صانع للأدوات والقوالب الإلكترونية في أمريكا إلى القاعة، حيث كان يتحدث، فلن يفعلوا ذلك. أن يملأوا الغرفة، بينما في الصين، "ستحتاج إلى عدة مدن لملء صناع الأدوات للأدوات والقوالب الإلكترونية".
لكن هناك جوانب في علاقة آبل والصين لا تفضل الشركة الأمريكية التركيز عليها.
هناك صفقة مريبة بين آبل والصين.. إليك ما فعلته مع النشطاء المحليين
توفر Apple أكثر من النقد والملكية الفكرية للصين يتم تعزيز العلاقات من خلال المصداقية التي تمنحها علامة آبل التجارية لدولة قمعية واستبدادية والمرونة التي تظهرها في دعم أهداف الحزب الشيوعي الصيني، وفقاً للصحيفة البريطانية.
فعندما يتعلق الأمر بتوجيهات الصين، لا تستطيع Apple قول "لا".
فلقد حظرت شركة آبل HKmap.live – وهو تطبيق خرائط يستخدمه المتظاهرون في هونغ كونغ لتتبع تحركات الشرطة – بعد أيام من الموافقة عليه. قالت الشركة لـ"رويترز" إن السلطات المحلية اشتكت من: "تم استخدام التطبيق لاستهداف كمين للشرطة".
حدت Apple من مشاركة الملفات على أجهزة iPhone في الصين بعد أن استخدم المتظاهرون المناهضون للحكومة AirDrop لنشر منشورات تنتقد الحزب الشيوعي الصيني، مستوحاة جزئياً من رجل بكين الذي علق لافتات تسعى إلى إسقاط الرئيس الصيني شي.
لن تكون ميزة الخصوصية الجديدة من Apple المصممة لإخفاء تصفح الويب للمستخدم من مزودي خدمة الإنترنت والمعلنين متاحة في الصين.
اختفت عشرات الآلاف من التطبيقات من متجر التطبيقات الصيني من Apple: منها منافذ الأخبار الأجنبية وخدمات المواعدة المثلية وتطبيقات المراسلة المشفرة. وتم حظر أيضاً: أدوات لتنظيم الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية والتحايل على قيود الإنترنت، وتطبيقات حول الدالاي لاما.
تقول شركة آبل إن بيانات المستخدم الصينية آمنة، ولكن آبل تنازلت عن السيطرة على مركز بيانات "غوييانغ" للحكومة الصينية؛ حيث يدير موظفو الدولة أجهزة الكمبيوتر، ويتم تخزين المفاتيح الرقمية التي تفتح هذه الأنظمة في مراكز البيانات التي من المفترض أن تؤمنها.
يتحدث كوك عن الحريات المدنية والخصوصية: وهي مسألة غير ذات صلة في الصين، حيث ليس لدى آبل خيار سوى تسليم بيانات عملائها الصينيين إلى الحكومة. ربما أصبحت شركة آبل ميسرة للمراقبة والرقابة الحكومية عن غير قصد.
عندما تعرضت الصين لأزمة طاقة في سبتمبر/أيلول 2021، أجبرت الصين العديد من مصانع الشركات المحلية والأجنبية على إغلاق أبوابها توفيراً للطاقة بما في ذلك تيسلا، ولكن الأمر اختلف مع آبل، وقدمت بكين معاملة تفضيلية لها
وتجنَّبت الشركات المسؤولة عن إنتاج هاتف "آبل" التخفيضات الكبيرة في الإنتاج حتى الآن، ويبدو أنَّها تحصل على معاملة تفضيلية في الوصول إلى الطاقة من أجل استمرار العمليات، وفقاً لما نقل موقع بلومبيرغ الشرق عن أشخاص مطَّلعين على الموقف.
وحالياً، خرجت شركات أمريكية تكنولوجية كبرى من الصين أو أُخرجت مثل فيسبوك وجوجل ولكن "آبل"، في المقابل تحظى بمعاملة تفضيلية من قبل بكين.
تبدو آبل وكأنها أبرمت صفقة مع الصين تقدّم للصين الاستثمارات ونقل التكنولوجيا مقابل معاملة تفضلية تمنحها أرباحاً، ولكن الجانب الأكثر ريبة في الصفقة هو تقبل آبل شروط الصين في حجب المواقع والمعلومات، ولكن لا يُعرف هل يمكن أن تسمح الشركة لنفسها بنقل خصوصيات المستخدمين للسلطة الصينية.
آبل تقول إنها تنقل مصانعها الرئيسية خارج الصين، فهل تفعل ذلك حقاً؟
تقول Apple إنها تتجه بشكل محموم – نحو الخروج من الصين: نقل إنتاج أجهزة iPhone إلى الهند وAirPods إلى فيتنام وأجهزة Mac إلى ماليزيا وأيرلندا – وتجميع مئات الموظفين في فرق مخصصة لتحويل سلسلة التوريد الخاصة بها.
لكن هذه الجهود تبدو غير مجدية، Financial Times.
يعد نقل مراحل الاختبار النهائي والتجميع إلى دول مثل الهند، وهو ما بدأت شركة Apple القيام به، أمراً مثيراً للاهتمام ويرضي مناهضي الصين، ولكن هذه مراحل لا تتطلب عمالة ماهرة كثيرة، وسيتم اللجوء فيها إلى الصينيين كعمال مهرة وموظفين رئيسيين، وفقاً لمجلة Forbes.
ويبدو أن إعلان آبل نقل عمليات التجميع النهائية لخارج الصين خدعة دعائية مفيدة اقتصادياً، إذ يعتقد أنها تنقل لخارج الصين الجوانب الأقل تعقيداً وتكلفة في أجهزتها؛ لأن العمالة الصينية أصبحت عالية الأجور بعدما أن اكتسبت خبرات كبيرة، خاصة أن خلال في فترة إغلاقات جائحة كورونا تراجع سفر مهندسي آبل من الولايات المتحدة للصين، وهذا دفع الشركة لتعزيز اكتساب المهندسين الصينيين للمهارات (عبر محاضرات منقولة على الإنترنت).
كل هذا جزء من مسار طويل ساهمت فيه آبل بنقل التكنولوجيا للصين، بشكل ساعدة الشركات المحلية التكنولوجية على التحول إلى عمالقة لصناعة الهواتف مثل أوبو وشاومي وهواوي المعاقبة أمريكياً، الأمر الذي يعني أنه حتى لو خرجت آبل من الصين من الممكن أن تحل محلها الشركات المحلية.
ومن المرجح ألا تتمكن شركة آبل أبداً من الخروج تماماً من الصين، حسب الصحيفة البريطانية، فحتى التحولات الصغيرة تخاطر بتعرضها للانتقام من قبل حكام الصين الذين قد يحولون المستهلكين الصينيين ضد منتجات آبل. فهل ستسمح الصين لآبل-بالابتعاد بعد أن ساهمت بشكل كبير في نجاح الشركة؟
تقول الصحيفة البريطانية "ليس لدى Apple خيار سوى القيام بما تريده الصين".
هل يتعامل المراقبون الأمريكيون والمستثمرون بجدية مع حقيقة ارتباط آبل بالصين؟
مما يثير تساؤلات واضحة: هل تهتم لجنة الأوراق المالية والبورصات؟ ماذا عن مراجعي حساباتها؟ لماذا المستثمرون يتفاءلون بآبل؟ لقد تم تحذيرهم جميعاً من قبل بعض المحللين مثل دوغ غوثري وآخرين.
يقول تقرير مالي حول آبل "يمثل التعامل التجاري مع الصين الشيوعية خطراً فريداً وكبيراً وملحاً على آبل يستدعي تقارير مخصصة.
يؤثر الضرر المحتمل من اعتماد آبل على الصين على كل جانب من جوانب أعمالها. ينبغي تقييم هذه المخاطر الخاصة ببكين والإبلاغ عنها بشكل أكثر شمولاً.
الإفصاحات الحالية مجزأة وغير مكتملة وغامضة. ونتيجة لذلك، فإن هذه الإفصاحات غير كافية لتقييم المخاطر التجارية المتعلقة بالصين.
وتقول صحيفة Financial Times إنه بدلاً من تحذير المستثمرين من الاستثمار المحفوف بالمخاطر في الشركة الأكثر قيمة في أمريكا، تحذر لجنة الأوراق المالية والبورصات المستثمرين من ضعف الإفصاحات من قبل الشركات الصينية.
وإذا انتبهت لجنة الأوراق المالية والبورصات، فقد تستنتج أن آبل هي شركة صينية بشكل كبير، حسب وصف الصحيفة، وعلى الرغم من أن Apple قد تمثل المشكلة الأكثر وضوحاً، فإن العشرات من الشركات "الأمريكية" الأخرى تواجه أسئلة مماثلة.
تقول الصحيفة: شئنا أم أبينا، الاستثمار في آبل هو رهان جيوسياسي به خطورة، آبل كلعبة للآلهة، مضغوطة بين الحزب الشيوعي الصيني والمصالح الأمريكية.
يبدو أن الصين ترى"آبل" سلاحاً في يديها
كما يلاحظ العقيدان تشياو ليانغ ووانغ شيانغسوي، الاستراتيجيون في جيش التحرير الشعبى الصينى ومؤلفي الحرب غير المقيدة، لا ينبغي خوض الحروب حركياً عندما تمارس النفوذ الاقتصادي المزيد من السلطة على الخصم.
أشار العقيدان إلى أن كل أصل هو سلاح. ويتحكم الحزب الشيوعي الصيني في المصانع والقوى العاملة التي تصنع منتجات آبل، ويتحكم في الوصول إلى السوق الصينية، ويهيمن على سلسلة التوريد العالمية لشركة آبل. بالنسبة للجيش الصيني آبل هو سلاح قوي بالفعل.
في السباق مع الزمن، لن يتغلب تدافع آبل للحد من الاعتماد على الصين على قوة الحزب الشيوعي الصيني، فلو سارعت أمريكا بالضغط على آبل لتقليل وجودها في الصين، لتسبب ذلك لخسائر للشركة، ولانتقمت بكين منها بشدة ستكون مؤذية لأكبر شركة في العالم عبر إغلاق السوق الصيني الضخم أمامها، وقد تشن عليها حملة مثلما فعلت أمريكا مع هواوي، بما في ذلك مصادرة مصانعها.
أما لو تأنت آبل في الخروج من الصين حتى لا تتعرض للإيذاء، فإنها توفر فرصة للاقتصاد وصناعة التكنولوجيا الصينيين لإيجاد بديل.