“قرص مهدئ” لليهود الخائفين.. 3 أسباب وراء عودة إسرائيل لسياسة الاغتيالات رغم الاعتراف بفشلها

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/10 الساعة 07:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/10 الساعة 07:39 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش/رويترز

لم يكن مفاجئاً ما أقدم عليه سلاح الجو الإسرائيلي فجر الثلاثاء 9 مايو/أيار بعملية اغتيال واسعة النطاق في أنحاء مختلفة من قطاع غزة، استهدفت ثلاثة من كبار قادة الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، بجانب عشرة من المدنيين من الأطفال والنساء في عودة لسياسة الاغتيالات الإسرائيلية.

لعل سبب عدم المفاجأة الفلسطينية من عملية الاغتيال هذه أن الطيران الإسرائيلي لم يغادر أجواء القطاع منذ أيام طويلة، بكل أنواعه: الحربي والاستطلاعي والتجسسي، فضلاً عن الشعور الإسرائيلي السائد أن الردع أصابه ضرر كبير، ولابد من عملية تستعيد بعضاً من الصورة المتآكلة، بجانب تواصل العمليات الفدائية في الضفة الغربية.

أضف إلى هذا الرشقات الصاروخية التي استهدفت الجبهة الداخلية الإسرائيلية من مختلف الحدود الغزية واللبنانية والسورية قبل أسابيع، ثم تتويج التراجع الإسرائيلي بما حصل من أحداث في المسجد الأقصى حين فرض المعتكفون والمرابطون إرادتهم بالبقاء في ساحاته رغم أنف المستوطنين.

وأعادت عملية الاغتيال الإسرائيلي لعدد من القادة العسكريين في قطاع غزة إلى الأذهان أهم وأخطر عمليات الاغتيالات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، قديماً وحديثاً، سواء رجال فتح الثلاثة في بيروت عام 1973، مروراً بخليل الوزير أبو جهاد في تونس عام 1988، وزعيم الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي في مالطا عام 1995، وقائد حماس العسكري يحيى عياش في غزة 1996، وصولاً لقادة حماس الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي في 2004، وحتى أحمد الجعبري قائد كتائب القسام في 2012.

عودة الاغتيالات

نفذ الجيش الإسرائيلي فجر الثلاثاء عملية اغتيال جديدة ضد قادة كبار في المقاومة الفلسطينية، في سيناريو يتكرر بين حين وآخر في الأراضي المحتلة للقضاء التدريجي على المقاومة وقادتها العسكريين، مما يفقدها كوادرها، ويجعلها تواجه صعوبات في تعويضهم.

ورغم سقوط العشرات منهم في هذه الاغتيالات، لكن الاعترافات الإسرائيلية لا تتوقف عن الإقرار بفشل هذه السياسة، وعدم نجاحها بوقف مسيرة المقاومة، سوى أنها تشكل عاملاً انتقامياً ثأرياً فقط من المسلحين، لكنها لم تنجح بوقف هجماتهم، بدليل تجددها بين حين وآخر.

السطور التالية تسلّط الضوء على أبرز أساليب الاغتيالات الإسرائيلية الأخيرة، ولماذا تنجح رغم أخذ كافة الاحتياطات، وكيف تنجح إسرائيل بالوصول للمقاومين في قلب غزة، وما جهود المقاومة في التصدي لها، وأهم الاعترافات الصادرة عن الجنرالات الإسرائيليين بفشل هذه السياسة الدموية، وتقديم تقييم موضوعي لها.

تعرض قطاع غزة لقصف عنيف فجر الثلاثاء 9 أيار 2023 من قبل الطائرات الإسرائيلية – رويترز

كل ذلك يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن القرار الإسرائيلي قد اتخذ باستهداف المقاومة، ليس بالضرورة للدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة وطويلة، لأن الجيش ليس لديه الجاهزية الكاملة للتورط في هذه المواجهة.

فضلاً عن إمكانية تحضيره لمعركة طويلة في جبهة أخرى أكثر شراسة من غزة مثل لبنان أو إيران، مما أفسح المجال للتفكير في عملية خاطفة تحقق لإسرائيل أكبر قدر من الأهداف، وفي الوقت ذاته بأقل قدر من الأثمان، وكل ذلك أكد أن غزة أمام اغتيال وشيك، وهو ما تجلّى في حالة الاستنفار التي أبدتها قوى المقاومة.

لعل آخر اغتيال أقدمت عليه إسرائيل في غزة جاء في أغسطس/آب 2022 حين نفذت عملية تصفية بحق عدد من كبار قادة الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، وقبلها في حرب مايو/أيار 2021 حين تم اغتيال عدد من كوادر حماس العسكريين، وقبلها في حروب 2014، و2012، و2008، التي شملت اغتيال العشرات من الكوادر العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية.

جزّ العشب

باستثناء الحروب التي امتدّت أياماً وأسابيع طويلة، فلم تقدم إسرائيل على الاغتيالات إلا منذ أغسطس/آب الماضي، مما يعني استئنافاً واضحاً وصريحاً لهذه السياسة في قلب قطاع غزة، الأمر الذي بات يشكل للاحتلال بديلاً لخوض مواجهات قتالية مفتوحة وواسعة، وفي الوقت ذاته يتم تطبيق سياسة "جزّ العشب"، المتمثلة بقطف رؤوس قادة المقاومة العسكرية، حسبما يدعي.

مع العلم أن الاستهداف الموجّه لقادة المقاومة الفلسطينية من الناحية العسكرية يأتي بزعم الدور الذي يضطلعون فيه لتوجيه العمليات الفدائية في الضفة الغربية، وفي الوقت ذاته، تتهمهم إسرائيل بالمبادرة لإطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه مستوطنات الغلاف والجبهة الداخلية الإسرائيلية عموماً، وهي تسعى من ذلك لاستئصال شأفة القيادة العسكرية للمقاومة، وملاحقتها يوماً بيوم وساعة بساعة.

الاعتبارات الداخلية

يحمل التوقيت الحالي لاغتيالات فجر الثلاثاء دلالات إسرائيلية لا تخطئها العين، في ضوء اختلاط الاعتبارات الداخلية الإسرائيلية مع الخارجية الفلسطينية، ولعل أولاها ما يتمثل في رغبة حكومة اليمين بردّ اتهامات المعارضة الموجهة إليها بالتفريط في دماء الإسرائيليين، والفشل في اختبار الأمن.

مع العلم أن البرنامج الانتخابي لمعسكر اليمين قام بالأساس على وقف عمليات المقاومة الفلسطينية التي اندلعت في مارس/آذار 2022، وأسفرت عن سقوط عشرات الإسرائيليين. لكن الشهور الأولى من عمر حكومة نتنياهو شهدت سقوط عشرات آخرين، وأطلقت صواريخ من غزة بما يزيد عن عام كامل من عمر الحكومات السابقة.

في الوقت ذاته، فإن حكومة اليمين ذاتها بدأت تشهد تصدّعات داخلية بعد تهديد بعض أطرافها بالانسحاب منها بسبب ما اعتبرته التساهل الذي تبديه تجاه المقاومة الفلسطينية، وهو ما تجلّى بمقاطعة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وكتلته الحزبية جلسات الكنيست واللجان البرلمانية، الأمر الذي دفعه على الفور بعد ساعات معدودة من اغتيالات الثلاثاء للإعلان عن عودته الانتظام في الحكومة، والالتزام بالتصويت لصالحها في البرلمان الإسرائيلي.

الاعتبار الإسرائيلي الثالث الذي دفع حكومة نتنياهو العودة لهذه السياسة يتعلق بما يتردد في الأوساط الإسرائيلية أن هناك توجهاً يقضي بإمكانية افتعال مواجهة عسكرية في واحدة من الجبهات المحيطة بفلسطين، لا سيما سوريا أو لبنان، وربما إيران، مما حدا بالجيش للعمل على تحييد جبهة غزة، تمهيداً للتفرغ لتلك الجبهات الأكثر ضراوة من غزة، بحيث يتم استنزاف المقاومة في غزة، وعدم جعلها متفرغة للانخراط بجانب الجبهات المرشحة للاشتعال في أي لحظة.

قواعد الاشتباك

تزعم إسرائيل أن أحد الأهداف الأساسية لعمليات الاغتيال تكمن في ملاحقة من يسعى لإيذائها واستهدافها بحيث تتم تصفيته من خلال ما تسميها عمليات "الإحباط المركّز"، أو "التحييد"، وتصفية الحساب معه، دون أن تمتلك بالضرورة بوليصة تأمين بموجبها يتم طي صفحة الخطر المحدق بأمنها، وهو ما أثبتته المئات من عمليات الاغتيالات منذ عقود سابقة.

صحيح أن الاغتيال يعني وضع حدّ لحياة هذا القائد العسكري أو ذاك، مما يشكّل خسارة كبيرة للمقاومة الفلسطينية، في بعض الأحيان يصعب تعويضها، لاسيما مع بعض القادة النموذجيين المثاليين الذين يمتلكون كاريزما سياسية وعسكرية عزّ نظيرها، وهو ما تسعى إليه إسرائيل حين تتخذ قرار الاغتيال.

لكن في معظم الحالات، فإن الحديث يدور عن اغتيال يطال الكوادر العسكرية الميدانية، لاسيما الوسطى منها، وليست الأولى الأساسية في المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي يمنح الأخيرة فرصة تصدير قيادات من الصف الثاني والثالث، من خلال تأهيلهم، وإمساكهم بمهام عسكرية.

وفي هذه الحالة فإنهم يواصلون طريق من سبقوهم في طريق المقاومة واستهداف الاحتلال، وفي هذه الحالة لا يكون الاغتيال قد حقق سوى ثأر شخصي من هذا القيادي أو ذاك، الأمر الذي لا يعني طيّ صفحة المقاومة، كما يسعى الاحتلال.

أخطر من ذلك، فقد أثبتت تجربة الاغتيالات السابقة أنها قد تسفر عن تصدير قيادات عسكرية أكثر صلابة وأشدّ قسوة على الاحتلال الإسرائيلي، بحيث يترحّم الأخير على من تم اغتيالهم، لأنه أمكن الحديث معهم، أو إبرام صفقات تهدئة، أو تسويات سياسية.

في المحصلة، فإن الاغتيالات الإسرائيلية لقادة المقاومة، ورغم ما تسببه لها من خسارات وتضحيات جسيمة، لكنها لا تغير الكثير من قواعد الاشتباك على اعتبار أنها ثابتة باقية بغض النظر عمن يقود المقاومة من القادة والعسكريين، أي أن الاحتلال من خلال اغتيالاته هذه كأنه يدور في حلقة مفرغة، من القتل والقتل المضاد، دون تحقيق النتيجة المرجوة منها، وإن كان هذا الاستخلاص لا يعترف به الاحتلال علانية؛ لأنه يشكل إحراجاً له أمام رأيه العام الداخلي.

تعامل المقاومة

رغم ما أبدته إسرائيل من جاهزية واستنفار واضحين تجاه تنفيذ الاغتيالات بحق قادة المقاومة، لكن المتوقع كان من قادتها أخذ مزيد من الحيطة والحذر، واليقظة والتنبّه، لاسيما أن الجيش الإسرائيلي لم يتردد في التصريح بأنه ينوي العودة لسياسة الاغتيالات والإحباطات المركّزة، بهدف وضع حدّ لتوسع رقعة المقاومة في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تدرك قيادة المقاومة أن الجيش الإسرائيلي يمتلك من المعدّات الاستخبارية والإمكانيات العسكرية التي تجعله يسابق الزمن لتحقيق تلك الاغتيالات، وتحويلها إلى سلوك ميداني، سواء من خلال نشر الجواسيس على الأرض، أو التجسس على تحركاتهم واتصالاتهم، أو نشر الطيران الاستطلاعي الذي يحصي على الفلسطينيين أنفاسهم، مما يجعل الاحتلال يراكم لديه ما يسميه "بنك أهداف" يلجأ إليه كلما دعت الحاجة لتنفيذ اغتيال هنا وتصفية هناك.

في المقابل، تلجأ المقاومة للتغلب على الإجراءات الإسرائيلية الهادفة لاغتيال أكبر عدد من قادتها العسكريين من خلال عمليات التمويه على المخابرات الإسرائيلية من خلال تحركاتهم الميدانية، وتشتيت انتباه جواسيسه المنتشرين على الأرض، واللجوء للاتصالات الأرضية الآمنة غير الخاضعة للتجسس، وأساليب أخرى لا يتسع المجال لذكرها في محاولة مستميتة للحيلولة دون نجاح مخططات الاغتيال الإسرائيلية، فتنجح تارة وتخفق تارة أخرى.

ولعل أكبر دليل على ذلك أن عدداً ممن استشهدوا في اغتيال الثلاثاء نجوا من عدة محاولات اغتيال سابقة، لاسيما القائد جهاد غنام ابن الستين عاماً الذي تعرض لخمس محاولات اغتيال فقد فيها قدميه.

لا تحوز المقاومة كثيراً من الخيارات الميدانية للتعامل مع الاغتيالات الإسرائيلية، باستثناء ما قد تقدم عليه من مزيد من الإجراءات الاحترازية لحرمان الجيش الإسرائيلي من تحقيق مخططات التصفية بحق قادتها العسكريين، بجانب الردّ الموضعي على أي اغتيال بالرد بإطلاق رشقات صاروخية باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، وربما الدخول في مواجهة عسكرية انتقاماً لأي حادث اغتيال.

في الوقت ذاته، تسعى المقاومة للإبقاء على تعيينات قادتها العسكريين الذين يأتون عقب من يتم اغتيالهم طي الكتمان، وعدم الكشف عنهم، لأن إسرائيل تجري عملية "حلاقة" مستمرة لكل من يتصدر العمل العسكري في المقاومة، هادفة لبثّ الإحباط في صفوف أفراد المقاومة، وإشعارهم أنهم في مرمى الاستهداف.

اعترافات إسرائيلية بفشل سياسة الاغتيالات

رغم الادعاء الإسرائيلي بالشعور بتحقيق إنجاز ما عند تنفيذ اغتيال هنا وتصفية هناك، لكن هناك شعوراً مقابلاً بخيبة الأمل من عدم قدرة هذه الاغتيالات على "جلب البضاعة" المطلوبة، بدليل أن "المسلحين والمنظمات الفلسطينية التي يعملون فيها لا يختفون، فما يتم هو عملية استبدال ليس أكثر، وفقاً لما طرحه ألون بن دافيد الخبير العسكري الإسرائيلي للقناة 13 الذي تساءل حول جدوى هذه الاغتيالات على مواجهة المنظمات المسلحة، باستثناء أنها تهدف أساساً لتصفية الحساب الإسرائيلي مع هذا المسلح أو ذاك.

البروفيسورة رونيت مارزين، المستشرقة الإسرائيلية من جامعة حيفا، قالت إن هناك اعتبارات تدخل على خط الاغتيالات، من بينها الانتقام على توجيه أحد القادة الفلسطينيين إهانة قومية لإسرائيل، وأحياناً أخرى يتم الاغتيال تحت الضغط الجماهيري فيها على صناع القرار، في ظل عدم توفر أسلوب ردعي تجاه أعدائها.

ران أدليست الكاتب اليساري بصحيفة معاريف اعترف أن سياسة الاغتيالات التي تنتهجها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لا تهدف للقضاء المبرم على المنظمات الفلسطينية المسلحة، بل تسعى للإثبات أن الأمن ما زال فعالاً، لكن النتيجة أن هذه الاغتيالات تحافظ على مستوى متصاعد من الكراهية والخوف، ولا تنجح بالقضاء على تطلعات الشعب الفلسطيني بالتحرر، الاغتيالات فقط هي "القرص المهدئ القومي" لليهود الخائفين.

جاكي خوجي، خبير الشئون العربية في الإذاعة الإسرائيلية، أكد أن الحقيقة المُرّة هذه المرّة أن الاغتيالات لم تعد بيد إسرائيل وحدها، لأن غزة تغيرت، والأمور اختلفت عما كانت عليه في سنوات سابقة، وهناك شكوك كبيرة أن تكون الاغتيالات مجدية لحفظ أمنها، على العكس فإنها قد تضر أكثر مما تنفع، وسنفترض أن إسرائيل افتتحت سياسة الاغتيالات من جديد، وقتلت اثنين أو ثلاثة من زعماء المقاومة، وربما خمسة أو عشرة، فإنها ستبدي خسارتها من موتهم، لكنها بعد أيام قليلة سيأتي ردها المتوقع.

تحميل المزيد