"إنه الحزب التركي الكردي المشترك الوحيد"، هكذا يمكن وصف حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا الذي يترأسه الرئيس رجب طيب أردوغان، فعكس الإدعاءات الغربية الشائعة فإن الناخبين الأكراد يعطون أصواتهم لأردوغان وحزب العدالة بنسب كبيرة، وذلك لأن هناك علاقة وثيقة ومتعددة الأوجه بين أكراد تركيا وأردوغان وحزبه.
فمن الافتراضات التي يتم على أساسها صياغة الموقف الغربي من الأزمة الكردية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقود حملة اضطهاد ضد الأكراد في بلاده وسوريا.
ويتم شخصنة هذه المسألة، واستغلال حالة الجدل القائمة بين أردوغان والعديد من القوى الغربية، بعد رفضه الحاد التدخلات الغربية في شؤون بلاده، لتحويل الأمر وكأن أردوغان يعادي الأكراد، رغم أن واحداً من أبرز الساسة المقربين له هو بن علي يلدريم، رئيس الوزراء التركي السابق، من أصول كردية، وغيره من المسؤولين في عهد أردوغان، ورغم الحقوق الكبيرة التي حصل عليها الأكراد منذ تولي حزب العدالة السلطة، وشعبيته الكبيرة في مناطقهم.
وهذا المنطق يتجاهل حقيقة أن الأكراد والأتراك عاشوا لعقود دون خلافات تُذكر تحت الحكم العثماني، وكانت القبائل الكردية في الأغلب حلفاء مخلصين للدولة التركية في العهد العثماني، وأسهموا في حرب الاستقلال، وأن المشكلة بدأت نتيجة ظهور الشكل العلماني الراديكالي للقومية في العصر الحديث، ويُعتقد أن أولى تمردات الأكراد ضد مؤسس الدولة التركية كمال أتاتورك كانت رفضهم لسياسته العلمانية، رغم تأكيد النشطاء الأكراد أنها جاءت لأسباب قومية.
وسعى أردوغان، بعد وصوله للحكم إلى تحقيق السلام مع حزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمرداً انفصالياً مسلحاً أدى إلى فقد حياة نحو 40 ألف شخص على مدار عدة عقود، ولكن الحزب نقض الهدنة مع الدولة التركية التي أبرمتها حكومة حزب العدالة والتنمية، واستأنف عملياته العسكرية عام 2015.
15 مليون ناخب.. أكراد تركيا من أتاتورك إلى أردوغان
يعيش أغلب أكراد تركيا في شرق وجنوب شرق البلاد، كما يوجد لهم حضور قوي في إسطنبول، ويقدر "المعهد الكردي في باريس" عددهم في مختلف أنحاء تركيا بنحو 20 مليون نسمة، يشكلون 25% تقريباً من إجمالي سكان البلاد.
في حين تشير تقديرات أخرى أكثر شيوعاً إلى أن نسبتهم تقارب الـ20% من إجمالي سكان تركيا، أي يقدر عددهم بنحو 17 مليوناً.
ويتوزع الأكراد مذهبياً بين سنّة (70%، ومعظمهم شافعيون) وبين علويين (30%) مع وجود أقلية تقدر بما يقارب 10-20 ألفاً من اليزيديين (أو الأزيديين).
وتصل بعض التقديرات بعدد الناخبين الأكراد إلى 15 مليون صوت رغم صعوبة التأكد من هذه الأرقام ومعرفة هل تشمل الأكراد المندمجين تماماً في الثقافة التركية وأبناء الزيجات المشتركة.
وعانى الأكراد في تركيا من التهميش والإقصاء وعدم المساواة ومحاولة الدمج القسري، خاصة في مطلع عهد الجمهورية التركية، حتى إن أطلق عليهم في بعض المراحل الأولى للجمهورية التركية مصطلح "أتراك الجبل".
كما عانت مناطق الأناضول بما في ذلك شرق ووسط وجنوب وجنوب شرق تركيا عامة بما فيها من أكراد وأتراك، من تهميش من قبل الأنظمة السابقة لحكومة حزب العدالة، وبدأت مظاهر التنمية تدخل ببطء في عهد الرئيس الراحل تورغوت أوزال خاصة عندما كان رئيساً للوزراء في الثمانينات.
ومنذ ستينيات القرن الماضي، بدأت تنمو حركة سياسية للمطالبة بحقوق الأكراد، ثم تطورت لتطالب بالاستقلال وتأسيس دولة كردية.
وتأسس حزب العمال الكردستاني في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1978، على يد مجموعة من الشباب الأكراد ذوي الأيديولوجية الماركسية اللينينية، يرأسهم عبد الله أوجلان، بهدف الحصول على دولة مستقلة للأكراد في تركيا.
وبنى الحزب قواعده على مدى 6 سنوات، ثم أعلن في عام 1984 الحرب على الحكومة التركية، واتخذ من مناطق الأكراد في العراق قواعد انطلاق له، خاصة بعد ضعف الدولة العراقية بعد هزيمة بغداد إثر الغزو العراقي للكويت.
ويعتبر الحزب حالياً من أشهر الحركات الانفصالية التي تحمل السلاح، وهو مصنف كحركة إرهابية في أوروبا والولايات المتحدة، فضلاً عن تركيا بطبيعة الحال.
الصراع يصل لذروته الدموية وتركيا تلقي القبض على أوجلان بعد تخلي حافط الأسد عنه
وصل الصراع إلى أقصاه في أواسط التسعينيات، وأسفر عن نزوح مئات الآلاف من الأكراد إلى أجزاء أخرى من تركيا، ودول الاتحاد الأوروبي.
إلى أن استطاعت المخابرات التركية القبض على عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، عام 1999، خلال توجهه من كينيا إلى هولندا، بعد طرده من سوريا بناءً على ضغوط من أنقرة وصلت إلى التهديد بالحرب، وغزو تركي شامل لسوريا، حيث وقف قائد الجيش التركي في ذلك الوقت على الحدود السورية وهدد بقطع اليد التي تؤذي أنقرة، وتوسط الرئيس المصري السابق حسني مبارك في الأزمة.
ليخرج أوجلان من سوريا (أو لبنان التي كانت خاضعة لنفوذ دمشق)، في ظروف غامضة بعد أن ظل 13 عاماً في ضيافة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ثم سُلّم لتركيا.
حكم على أوجلان بالإعدام بتهمة "الخيانة العظمى"، ثم خفف الحكم إلى السجن مدى الحياة، ومازال مسجونًا.
وتراجع حزب العمال عن مطلبه الأولي باستقلال المناطق الكردية داخل تركيا.
وصار يدعو إلى حصول الأكراد الأتراك على الحكم الذاتي. كما طرح مبادرة لوقف إطلاق النار من جانب واحد لمدة 5 سنوات، واتخذ عدداً من الخطوات في محاولة لتغيير صورته وتوسيع رقعة شعبيته.
رغم الشكوك أن هذا مجرد تغير تكتيكي، خاصة أن الفرع السوري للحزب أقام دويلة انفصالية ورفض أي تعاون مع المعارضة السورية ضد الأسد.
تغييرات تاريخية بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم
بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم بزعامة رجب طيب أردوغان منحت حكومته الأكراد بعض حقوقهم الثقافية مثل السماح بتدريس اللغة الكردية في المدارس العامة، وأصبحت هناك برامج تليفزيونية تبثت باللغة الكردية، فمنذ 2009 تبث شبكة تلفزيونية وطنية برامج باللغة الكردية بشكل كامل، فيما وصف بالخطوة التاريخية في بلد بني على الاعتزاز الشديد باللغة التركية.
وأنهت حكومة حزب العدالة المحظورات ذات الطابع الوطني التركي المتشدد على الأكراد ـ على سبيل المثال السماح إعطاء أسماء كردية للمواليد الأكراد والسماح بالخطاب السياسي الذي يحمل إشارات إلى الشخصية الكردية التركية في إطار الدولة الواحدة، حسبما ورد في تقرير سابق لـ"راديو مونت كارلو".
واعتبر أردوغان أن حل القضية الكردية أولوية لحكومته، وقوبلت هذه التوجهات بإشادة من قِبل وسائل إعلام غربية آنذاك.
وسعى حزب العدالة إلى تحقيق السلام مع الأكراد عكس التوجهات السابقة للدولة التركية، وقد أعلن أردوغان وهو رئيس وزراء في 28 ديسمبر/كانون الأول 2012، عن محادثات مع رئيس حزب العمال أوجلان في السجن من أجل التوصل إلى سلام.
وفي 21 مارس/آذار 2013، أطلقت مفاوضات بين أوجلان -في سجنه بجزيرة أميرالي في بحر مرمرة- ومسؤولين بالاستخبارات التركية، وأعلن حزب العمال الكردستاني رسمياً حينئذ وقفاً لإطلاق النار مع تركيا.
كما أولى حزب العدالة اهتماماً كبيراً بمناطق الأكراد ضمن سياسته لإعطاء أولوية للتنمية.
ولكن انقلبت عملية السلام إلى حرب ضروس
بعد تدهور الأوضاع في سوريا والعراق، أصبح قادة أكراد البلدين يعتقدون أن الفرصة متاحة لتأسيس دولتين مستقلتين، ويبدو أن هذا شجع أكراد تركيا على استئناف حربهم ضد الحكومة.
فقد زاد التوتر وانعدمت الثقة بين الطرفين على خلفية الحرب في سوريا، ودور أحزاب الأكراد في العراق وسوريا وتركيا الذين يرتبطون ببعضهم بروابط وثيقة، في الحرب على تنظيم "داعش" بدعم من الولايات المتحدة، والموقف التركي الرافض لهيمنة أكراد سوريا على شمال البلاد على حساب المعارضة السورية.
كل ذلك عقد المشهد، وفي 22 يوليو/تموز 2015، انتهت عملية السلم الأهلي في تركيا بعد قيام حزب العمال الكردستاني بقتل اثنين من رجال الشرطة في منزليهما، وعادت الاشتباكات بين الجانبين مرة أخرى على خلفية الخلاف بشأن الأكراد السوريين.
حزب ماركسي حليف للسوفييت وكان يناصب الغرب العداء ويستخدم العنف حتى ضد أعضائه
وهذا الحزب الذي يتبنى الماركسية اللينينية، كان أحد أدوات الاتحاد السوفييتي في مناكفة تركيا والغرب وحلف الناتو، حسبما ورد في تقرير لمعهد واشنطن الأمريكي للدراسات السياسية.
وبالتالي فإن الحزب الماركسي تاريخياً يعتبر معادياً للغرب وليس لتركيا فقط.
وكانت الولايات المتحدة قد أدرجت حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" ضمن قوائم المنظمات الإرهابية في عام 1997، وتعاونت مع أنقرة في التصدي لأنشطة هذا الحزب بأوجه عديدة؛ من أهمها تبادل المعلومات الاستخبارية حول نشاطه، ولكنه يعتقد أنها لم تعد تفعل ذلك حالياً، بل هناك اتهامات تركية للغرب بدعم الحزب، ولاسيما للسويد.
والحزب يؤمن مثل مموليه السوفييت، ليس فقط بالعنف ضد الدولة التركية أو الطبقات الرأسمالية، بل يُؤمن بالعنف وسيلةً لتغيير المجتمعات، وفرض ما يعتبره تحديثاً وعلمانية قسرية، (الاتحاد السوفييتي اعتبر الوضوء في فترة من الفترات عادة بدائية).
وهو حزب ميليشياتي يقوم على التدريب القاسي والولاء الصارم، ووأد أي انشقاقات بالعنف، ومواجهة حتى منافسيه ضد الوسط الكردي بالعنف بما في ذلك الاغتيال، إضافة إلى التركيز على العمل السري والاختراق الاستخباراتي، مثل استخدام واجهات متعددة مثل حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا، ووحدات حماية الشعب في سوريا.
وتتحدث تقارير غربية عن أنه بعد الثورة السورية نشأ تحالف استراتيجي بين "حزب العمال الكردستاني" وإيران؛ لممارسة ضغوط على تركيا، وتعزيز وضع نظام بشار الأسد، ومن المعروف أن الحركة الكردية في إيران يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني، وأنه فعلياً أوقف أي نشاط كردي معادٍ لطهران في إطار تحالفه مع النظام الإيراني.
حزب الشعوب، هل هو مجرد للعمال أم كيان مستقل؟ إليك وقائع تاريخية
حزب الشعوب الديمقراطي، هو أكبر الأحزاب الكردية السياسية المعترف بها في تركيا)، ولقد أعلن المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة تحت اسم حزب حليف له يدعى "اليسار الأخضر"، خشية صدور قرار من المحكمة الدستورية العليا في تركيا بحله.
ويوصف حزب الشعوب بأنه الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني، أو متعاطف معه على أقل تقدير، وهو اتهام موجه له من الحكومة التركية ومن حزب الجيد المعارض، وكثير من القوى التركية والكردية، وهو ما يميل له الباحثون الدوليون المختصون.
زعيم حزب الشعوب الديمقراطي السابق صلاح الدين دميرطاش مسجون بتهم جنائية، وهناك انتقادات غربية وجهت لمحاكمته، وهي انتقادات تزعم أنه ليس فرعاً سياسياً من حزب العمال، وأصبح حزب الشعب الجمهوري يتبنى مقاربة مشابهة رغم أنه فضل عدم التحالف مع الحزب علناً، حتى لا يغضب الناخبين، وكذلك حليفه حزب الجيد اليميني.
ولكن مما يؤكد عدم صحة هذه الإدعاءات، أن هذا الحزب حظي بالفعل عند تأسيسه بمباركة عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، الذي أرسل برقية إلى مؤتمر الحزب الذي أقيم في أكتوبر/تشرين الأول 2013، وجاء فيها أن "الحزب الجديد يمثل محطة تاريخية مهمة في النضال من أجل الديمقراطية في تركيا"، معتبراً أن بإمكانه الوصول إلى فئات كبيرة من الأكراد والأتراك لم يستطع حزب السلام والديمقراطية أن يخاطبها، حسب ما ورد في تقرير لموقع "الجزيرة.نت".
وشارك حزب الشعوب بالتعاون مع حزب السلام والديمقراطية في الانتخابات البلدية بتركيا عام 2014، وحزب السلام فرع سياسي لحزب العمال، وسبق أن فُتح تحقيق قضائى بحقه لرفع أعضائه صور أوجلان.
وتقاسم الحزبان الأدوار في هذه الانتخابات، حيث شارك حزب السلام والديمقراطية في المناطق ذات الأغلبية الكردية، أما حزب ديمقراطية الشعوب فشارك في بقية مناطق البلاد.
ونظمت صفوف الحزبين بعد الانتخابات على شكل هيكل مشترك، حيث انضمت كتلة نواب حزب السلام والديمقراطية في البرلمان التركي إلى حزب الشعوب.
ويتحدث أعضاء حزب الشعوب على أنه في حال فوز مرشح المعارضة كمال كليجدار فإنه سيتم إطلاق سراح زعيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي عبد الله أوجلان.
هل يقود حزب الشعوب الكتلة الكردية حقاً؟
وأحد الافتراضات غير الدقيقة التي يقوم عليها التعاطف الغربي مع حزب الشعوب الديمقراطي (الحزب السياسي الكردي الرئيسي في تركيا)، هو أن هذا الحزب وغيره من المجموعات الكردية المنبثقة عن حزب العمال تعبر عن مطالب مجمل الأكراد في تركيا وسوريا.
ولكن الحقيقة أن تحليل نتائج الانتخابات في تركيا بصفة عامة يظهر أن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، يحصل بصعوبة على نسبة أعلى من نسبة 10% من الأصوات اللازمة لدخول البرلمان، وقد فشل في الحصول عليها مراراً، علماً أن نسبة الأكراد في تركيا أعلى من ذلك بكثير، كما سبقت الإشارة، حيث تصل بعض التقديرات بهم لنحو ربع الناخبين.
ويعتبر حزب الشعوب الديمقراطي الوحيد من الأحزاب الكردية، الذي تخطى العتبة البرلمانية في الانتخابات السابقة في 2018 بتجاوزه حاجز 10%، ودخل البرلمان ليحظى بدعم من خزينة الدولة. بعد أن حصل على 11.7% من الأصوات في 2018؛ إذ صوّت له أكثر من 5 ملايين و800 ألف ناخب، أي نحو ثلث عدد الناخبين الأكراد.
وأصوات الناخبين في المناطق الكردية يتنافس عليها عادة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وحزب العدالة الذي يتزعمه أردوغان، إذ تعتبر المناطق الكردية من المعاقل الانتخابية لحزب العدالة.
المفارقة أن كثيراً من الأكراد يعطون أصواتهم لأردوغان بالانتخابات، فمن يتفوق العدالة أم الشعوب؟
وتقليدياً يعطي جزء كبير من الأكراد أصواتهم لحزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان، حيث لعبوا دوراً في حسم كثير من الاستحقاقات السياسية لصالحه.
إذ يصوّت الناخبون المحافظون في المناطق الكردية لحزب العدالة والتنمية بسبب مرجعيته الإسلامية وعمليات التنمية في مناطقهم، كما ينفر بعضهم من الأيديولوجية الماركسية لحزب العمال.
فحزب العدالة لأنه حزب ذو جذور إسلامية، مع تبنّي قومية تركية معتدلة، يكاد يكون الحزب التركي الوحيد الذي يحصل على أصوات من الناخبين الأتراك والأكراد معاً، وقد حاول حزب الشعوب الديمقراطية الكردي أن يجذب بعض الناخبين الأتراك الليبراليين، ولكن علاقته مع حزب العمال الكردستاني، وفشله في إدانة العنف، لم يمكّناه من ذلك.
وتمكّن أردوغان تاريخياً من الحفاظ على الأصوات التي تقترع له في المناطق ذات الأكثرية الكردية، حسب ما قال الباحث التركي لالي أوغلو لـ"عربي بوست".
وقد حصل أردوغان في الدورتيْن الأخيرتين للانتخابات الرئاسية عامَي 2014 و2018، على نسبة 40% من الأصوات في هذه المناطق، أي إن الحزب يحصل غالباً على نسب تصويت في مناطق الأكراد أعلى قليلاً من حزب الشعوب الديمقراطية الذي ينال نحو الثلث، مع الإقرار بوجود إشكالية في تحديد مفهوم الناخب الكردي.
أي أن حزب العدالة على الأرجح صاحب النصيب الأكبر من الأصوات في المناطق الكردية.
ويعتقد أن نسب تصويت الأكراد لحزب العدالة تزداد في الانتخابات البلدية بسبب كفاءته الإدارية، مع اتسام انتخابات البلديات بأنها أقل استقطاباً من حيث الجوانب السياسية والإثنية.
علاوةً على ذلك، لدى أردوغان تحالف قوي مع حزب الدعوة الحرة (الهدى) الكردي الديني المحافظ المثير للجدل، الذي يعول عليه الرئيس التركي في الحفاظ على الأصوات الكردية التي تصوت له وزيادة حصته منها، وبحسب رئيس الحزب زكريا يابجي أوغلو، فإن الحزب سيصل في هذه الانتخابات إلى ما بين 3 إلى 4% من الأصوات، بحسب تصريحات له قبل أيام.
كما يراهن أردوغان على التحولات الجذرية التي شهدها الأكراد في عهده، والتي قد لا تلبي مطالب القوميين الراديكاليين بينهم ولكنها تاريخية بالمعيار التركي.
ففي الوقت الحالي يحظى الأكراد بحقوق ثقافية ولغوية تفوق في الأغلب ما تحصل عليه الأقليات اللغوية في بلد مثل فرنسا، تفرض قيوداً شديدة على اللغات الإقليمية في بريتاني والباسك واللغة الأوكيتانية Occitan (التي كان يتحدث بها نحو ثلث فرنسا)، بينما تلقي العظات الحقوقية على الدول الأخرى ومنها تركيا.
ليس بسبب حقوق الأكراد.. العمال والشعوب يعاديان أردوغان لأنهما يخشيان على قاعدتهما الاجتماعية
وقد يُفسر ما سبق العداءَ الشديد من قِبل حزب العمال الكردستاني وفروعه الأخرى مثل الشعوب الديمقراطي، لحزب العدالة والتنمية، فهو عداء ليس ناتجاً عن اضطهاده المزعوم للأكراد، بل على العكس، فحزب العدالة يكاد يكون المنافس الوحيد للأحزاب الكردية على أصوات الأكراد، لاسيما الأكراد المحافظين والرافضين للعنف.
وهذا يحطم السردية القائلة بـ"تزعم حزب العمال الكردستاني وفروعه وواجهاته السياسية للأكراد في تركيا".
وحتى الناخبون الأكراد ذوو التوجهات القومية، فإن كثيراً منهم يبتعد عن حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، بسبب توجهاته الراديكالية، مفضّلين التصويت أحياناً لحزب العدالة.
الأهم أن جزءاً من الأكراد لديه مشكلة مع حزب العمال الكردستاني، بسبب شيوعيته المتطرفة وموقفه من الدين، وسلوكه الإقصائي من الأحزاب المنافسة له في المنطقة، حسب تقرير لمركز كارنيغي.
ويقول التقرير عن الانتخابات التي جرت في عام 2015، على سبيل المثال، بصفة عامة تُظهر النتائج أيضاً أن التفضيلات السياسية للأكراد تدحض الافتراض بأن اقتراعهم يتم فقط على أساس الولاءات الإثنية المتشدّدة.
كليجدار يجد صعوبة في الجمع بين القوميين والأكراد عكس أردوغان
في الانتخابات البلدية عام 2019، دعَّم حزب الشعوب الديمقراطي ضمناً التحالف بين حزب الشعب الجمهوري وحزب "الجيد"، وبرهن عن دور أساسي في مساعدة حزب الشعب الجمهوري على انتزاع السيطرة على المحافظتَين الرئيسيتين في تركيا، إسطنبول وأنقرة، من حزب العدالة والتنمية.
في عام 2023، تخلّى حزب الشعوب الديمقراطي عن مناوراته خلف الكواليس، حسب وصف مركز "كارنيغي"، وتقدّم إلى الواجهة كقوّة سياسية حازمة ضد أردوغان، فخلافاً للانتخابات السابقة، سارع حزب الشعوب الديمقراطي إلى الإعلان على الملأ عن دعمه لترشّح كمال كليجدار أوغلو للرئاسة، وهو أمر أغضب حلفاء الأخير القوميين.
وبحسب الباحث التركي باقي لالي أوغلو، لكي يتمكّن كليجدار أوغلو من الفوز بهذه الانتخابات يحتاج إلى تأييد حزب الشعوب الديمقراطي، وحزب "الجيد"، والقوميين العلمانيين في الوقت ذاته، ولكن كثيراً من الأعضاء في حزب "الجيد" لا يستطيعون تقبّل انعطافة كليجدار أوغلو نحو حزب الشعوب الديمقراطي.
وقد تسبّبت هذه الأوضاع أيضاً بأزمة تطال شرعية حملة كليجدار أوغلو الرئاسية في أوساط القوميين الأتراك.
ويقول لالي أوغلو إنه على عكس الصعوبة المتمثلة في إيجاد توازن بين حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وحزب "الجيد" القومي، لدعم ترشيح كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، تمكّن أردوغان تاريخياً من الحفاظ على الأصوات التي تقترع له في المناطق ذات الأكثرية الكردية، مع تحالفه مع الحركة القومية اليمينية بقيادة دولت بهجلي التي تقبلت سياسته الإيجابية تجاه المناطق الكردية، مادام يحافظ على وحدة الدولة التركية.
بالنسبة للأكراد، فإن أردوغان عبر حزبه العابر للمكونات التركية يوفر فرصاً لهم لأن يكونوا ممثلين في الحكم على المستوى القومي، عبر حزب قريب لهم بحكم جذوره الدينية والاجتماعية، بينما حزب الشعوب لو فاز بمعظم أصواتهم لن يعني ذلك فوزه بالانتخابات القومية، وحتى لو ساعدوا كليجدار في الفوز على أردوغان، فإن حزب الشعب الجمهوري رغم طابعه العلماني اليساري يظل حزباً قومياً يتبنى القومية التركية بشكلها الحاد التقليدي، بما في ذلك التعصب ضد اللغات غير التركية، كما أنه حزب نخبوي بعيد عن الأقاليم، حتى إنه افتتح قبل سنوات قليلة أول مقر له في المنطقة الجنوبية الشرقية ذات الغالبية الكردية، لأنه مرتبط بالأساس بالمراكز الحضرية في أنقرة وإسطنبول وبالأكثر إزمير.
كما أنه في حال وصول كليجدار إلى السلطة سيكون في حاجة لدعم القوميين المعادين للأكراد في البرلمان.
وبالنسبة للناخب التركي القومي والأمن القومي التركي يوفّر أردوغان عبر حزبه العدالة والتنمية حالة حزبية نادرة لحزب قومي تركي به تمثيل كردي قوي، بما يبعد الخريطة الحزبية للبلاد عن شبح الانقسام على أساس إثني، لأن بديل العدالة، هو منح الفرصة لسيطرة حزب الشعوب الديمقراطي على الكتلة الكردية، ومحاولته الدخول في مساومات مع حزب الشعب إذا وصل للحكم، تفضي لتسليم حزب الشعوب الهيمنة على السياسة في المناطق الكردية، الأمر الذي قد يمثل ناقوس خطر للمؤسسات والقوى القومية التركية التي تعتبر وحدة البلاد خطاً أحمر.