سيجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، في 12 مايو/أيار 2023، لتحديث نهج أوروبا تجاه الصين، حيث من المرجح أن يدفع العديد منهم بعض الاختلاف عن الاستراتيجية ذات المحاور الثلاثة التي اعتمدتها أوروبا سابقاً: إبقاء روسيا في مكانها المنبوذ، وإبقاء الولايات المتحدة إلى جانبنا، والصين في الخارج.
وتقول مجلة foreign policy الأمريكية، إنه مع ذلك هناك نظرة أخرى مختلفة تماماً تمنع اندماج استراتيجية أوروبية مشتركة حيال الصين وربما روسيا، حيث كان واضحاً من الزيارة المتزامنة التي قام بها إلى الصين الشهر الماضي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التباين في وجهات النظر الأوروبية تجاه بكين، إذ دافعت فون دير لاين بصوت عالٍ عن الصيغة المذكورة أعلاه.
هل يمكن لماكرون تغيير استراتيجية أوروبا نحو روسيا والصين؟
تقول فورين بوليسي إن ماكرون يبدو أنه قد استلهم ما يفعله من خيط استراتيجي آخر للحرب الباردة: السياسة الخارجية للرئيس الفرنسي شارل ديغول لاستعادة تفوق فرنسا في أوروبا، وإبقاء الولايات المتحدة (وحليفتها بريطانيا) خارج الشؤون القارية، والمناورة البحرية مع قوى عظمى أخرى مثل روسيا والصين.
لكن سعي ماكرون لإعادة الديجولية، المغلّفة بعبارات مثل "السيادة الأوروبية" و"الحكم الذاتي الاستراتيجي"، يهدد بالشلل في أوروبا باستخدام حق النقض الفرنسي ضد الإجماع الاستراتيجي الناشئ كما تقول المجلة الأمريكية، مشيرة إلى أنه مثلما أوقف ديغول التكامل الأوروبي على طريقته، أحبط ماكرون استراتيجية عالمية متماسكة للاتحاد الأوروبي من الظهور.
وتحت خطابه المثير للانتباه، ترتكز استراتيجية ماكرون لأوروبا في نهاية المطاف على تقليد دبلوماسي فرنسي راسخ منذ فترة طويلة: تعظيم "قوة فرنسا ونفوذها واستقلالها". كما أوعز ماكرون لسفراء البلاد، في سبتمبر/أيلول 2022، فإن هذا هو "الهدف الأساسي الذي يجب اتباعه". وبقدر ما يتحدث ماكرون عن الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، فإن هذه الفكرة تخضع في النهاية للاستقلال الاستراتيجي لفرنسا.
ماكرون على خطى ديغول
يبدو أن ماكرون، مثل ديغول، يريد أن يكون الرجل في الساحة، بل أكبر عدد ممكن من الساحات، وطوال الوقت، كما تقول فورين بوليسي، ومن الصعب تفسير تواصله الدبلوماسي النشط والمستمر مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ، وربما يكون الزعيم البارز الوحيد الذي لم يلق اهتمامه هو ديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ أون، على حد وصف المجلة.
لكن بالنسبة لديغول، كان تعظيم القوة الفرنسية، بما في ذلك من خلال الحفاظ على حرية المناورة التكتيكية مع القوى العظمى الأخرى، هدفاً واضحاً: لقد كانت وسيلة لاستعادة هيبة فرنسا بعد الاستسلام والتعاون في الحرب العالمية الثانية.
ويمكن القول إن هذه المهمة قد تم إنجازها، حيث تتمتع فرنسا في الوقت الحاضر بقدر كبير من الثقة بالنفس والأمن والثروة والجاذبية العالمية، ولذلك فإن الأمر عفى عليه الزمن عندما يستمر ماكرون في التأكيد على أن فرنسا "لن تنحاز أبداً إلى الخلف، أو تكون تابعة لأي قوة عالمية"، في إشارة واضحة للولايات المتحدة والحلف الأطلسي.
ولا أحد يشكك في حرية فرنسا وأوروبا في أن تكونا سيد مصيرهما، لكن النقاش الوحيد يدور حول الخيارات الاستراتيجية التي تعظم مصالح المواطنين والدول الأوروبية. والسياق الحالي- حرب روسيا ومركزية الولايات المتحدة والشركاء الغربيين الآخرين للأمن الأوروبي- يقود بشكل مباشر إلى الهدفين الاستراتيجيين المتمثلين في الإبقاء على روسيا الإمبريالية الجديدة في حالة هبوط، والولايات المتحدة ملتزمة بدفاع أوروبا وأمنها، كما تصف المجلة الأمريكية ذلك.
ماكرون المفتون بـ"عبقرية الصين الدبلوماسية"
ماذا عن الصين؟ في السنوات السابقة أشار ماكرون إلى "عبقرية الصين الدبلوماسية" في اللعب على الانقسامات الأوروبية وإضعافها. كما أكد على المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة، باعتبارها سمة هيكلية للعلاقات الدولية.
من وجهة نظر ماكرون، يجب على الدول الأوروبية أن تبقى بعيدة وتحافظ على مسافة بينها وبين صراع واشنطن وبكين. في الوقت نفسه، حدد ماكرون اهتمام الصين بـ"بناء نظام دولي يناسب مصالحها الخاصة"، بدلاً من النظام الدولي الليبرالي الذي بناه الغرب- بما في ذلك فرنسا- وشركاؤه منذ الحرب العالمية الثانية. لقد فشل في نشر أي إشارة علنية لهذه النزاعات خلال رحلته الأخيرة للقاء شي.
وبدلاً من ذلك استسلم ماكرون لاستراتيجية فرّق تسد الصينية، وعلى عكس موقف رئيس المفوضية الأوروبية فون دير لاين، الأكثر صرامة، استحوذ ماكرون على الاهتمام الذي حظي به شخصياً ولم يقدم نهجاً أوروبياً موحداً تجاه الصين.
وفي محاولاته لإبعاد فرنسا عن الإجماع الاستراتيجي الأوروبي الناشئ بشأن الصين، التزم ماكرون بتطوير "شراكة استراتيجية عالمية وثيقة ومتينة" مع الصين، بعبارات مماثلة لتلك الممنوحة عادة لحلفاء فرنسا الغربيين، مثل الولايات المتحدة. بعيداً عن الحفاظ على الاستقلال أو حرية المناورة، فإن محاولة اللعب على كلا الجانبين بهذه الطريقة تخاطر بجعل فرنسا بيدقاً في لعبة القوى العظمى.
النهج الفرنسي تجاه الصين قد يُعجب دولاً أوروبية أخرى
أخيراً، تقول "فورين بوليسي"، إن ماكرون أعاد الآن تأطير دور الصين في العالم على نفس القدر من الالتزام مثل فرنسا "بالعمل معاً لتعزيز الأمن والاستقرار في العالم". وهذا بالطبع يتجاهل شراكة الصين بلا حدود مع روسيا، ودعمها المالي الروسي من خلال مشتريات الغاز والنفط، ودراستها في تسليم أسلحة لروسيا لاستخدامها في أوكرانيا.
لم تدعم الصين روسيا بعد إلى الحد الذي يمكنها من الفوز في أوكرانيا، حيث قد تفضل بكين صراعاً طويل الأمد يمتص الغرب ويبقي موسكو تابعة بشكل متزايد. لكن شي جين لا يريد أيضاً أن يرى بوتين يخسر، وقد ينقذه، تماماً كما فعل بوتين عندما تدخل لحماية بشار الأسد في عام 2015.
ربما يكون العيب الرئيسي في النهج الفرنسي الذي يسعى لجر دول أوروبية أخرى على نفس خطاه، هو أنه يقوي قدرة الصين على تشكيل العالم في مصلحتها، كما أقر ماكرون العام الماضي، بدلاً من بناء القوة داخل المعسكر الغربي لـ"ضمان ميل النظام العالمي للديمقراطية وحقوق الإنسان"، على حد وصف المجلة الأمريكية.
في الواقع، خطاب فون دير لاين الأخير بشأن الصين، أعرب عن "مخاوف كبيرة بشأن صعود قوة استبدادية قادرة على إعادة تشكيل النظام العالمي، الذي تعتمد عليه الديمقراطيات الأوروبية وعازمة على ذلك".
لكن تتجاهل نسخة ماكرون للديغولية، التي تستند إلى فكرة أن أوروبا تتصرف بين القوى العظمى، وربما على مسافة متساوية معها، الحقيقة الأساسية للحرب الباردة: لقد كانت لها أهمية كبيرة من حيث الفرص والنتائج، سواء ببلد أوروبي في غرب أو شرق برلين، في فرنسا أو بولندا، في بلجيكا أو بلغاريا، كما تقول المجلة الأمريكية.