رغم أنف بايدن.. لماذا قد تكون الصين الوسيط الأنجح بين روسيا وأوكرانيا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/04/30 الساعة 21:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/30 الساعة 21:28 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصيني شي جين بينغ مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون مع أورسولا فون دير لاين خلال زيارتهما الأخيرة لبكين/رويترز

هل تكون الصين هي الوسيط الأنجح بين موسكو وكييف، رغم أنف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يحاول عزل بكين دولياً، ولكن هناك تطور لافت في العلاقة المتوترة بين الصين وأوكرانيا قد يدفع إلى هذا الاتجاه.

فلقد تحدث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع نظيره الصيني شي جين بينغ عبر الهاتف يوم الأربعاء 26 أبريل/نيسان. 

كانت هذه هي المرة الأولى التي قام فيها الزعيمان بإجراء محادثات مع بعضهما البعض منذ غزو روسيا لأوكرانيا قبل 14 شهراً، وأعلن الجانبان ذلك إظهار الاتصال كأنه انتصار دبلوماسي؛ إذ أشار بيان رسمي صيني إلى "الارتفاع الحالي في التفكير والأصوات المنطقية من جميع الأطراف"، بينما كتب زيلينسكي على تويتر أنها كانت "محادثة طويلة ومُجدية".

لكن وراء هذه المجاملات الدبلوماسية هناك توتر واضح. فقد كانت هذه المكالمة بمثابة عملية توازن جيوسياسية حساسة في العلاقات بين الصين وأوكرانيا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

بكين سترسل ممثلاً خاصاً إلى أوكرانيا

وتأمل الصين، التي أعلنت في بيانها أنها سترسل ممثلاً خاصاً إلى أوكرانيا ودول أخرى لإجراء محادثات مع جميع الأطراف بشأن حل "الأزمة"، في مساعٍ لتعزيز سمعتها المتنامية بصفتها صانعة سلام وذات ثقل دبلوماسي، وتقديم بديل عن الغرب في تلك المنطقة.

وأصدرت الصين اقتراحاً من 12 نقطة للسلام في أوكرانيا، وذكرت يوم الأربعاء، 26 أبريل/نيسان، أنها لن "تستغل الوضع من أجل التربح" -في ضربة مستترة ضد الولايات المتحدة.

الصين وأوكرانيا
إدارة الرئيس الأمريكي تبدو غير مرحبة بدور الصين في أزمة أوكرانيا/رويترز

لكن بينما تعهد شي بالحياد في الصراع، أثار رفض الصين إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا غضب الكثيرين في كييف وأماكن أخرى. علاوة على ذلك، صارت الصين شريان حياة اقتصادياً لروسيا، إذ تشتري النفط والغاز وتتاجر مع الشركات التي فرض الغرب عليها عقوبات. ويتحد الطرفان بسبب العداء الجيوسياسي المتبادل ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

وهناك مخاوف بين المسؤولين الأمريكيين من أنَّ العلاقات بين الصين وروسيا يمكن أن تستمر في النمو. ووفقاً لمعلومات استخباراتية روسية، اعترضتها مصادر أمريكية وكُشِف عنها في الوثائق السرية المُسرّبة، التي نشرتها لأول مرة صحيفة The Washington Post، فإنَّ الصين وافقت على "تقديم مساعدة قاتلة" لروسيا في وقت سابق من هذا العام. بينما نفى مسؤولون صينيون أنهم سيقدمون أسلحة لأي من طرفي الحرب.

كييف قلقة من دعم الصين لروسيا ولكن لا تستطيع تجاهلها

من جانبها، أبدت أوكرانيا قلقها من دور الصين، مشيرة إلى أنَّ خطة السلام التي اقترحتها بكين تتماشى مع مصالح موسكو وستسمح لروسيا بالبقاء في الأراضي الأوكرانية المحتلة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. لكن زيلينسكي وغيره من كبار المسؤولين رفضوا استبعاد وساطة بكين، وربما بالنظر إلى حاجة كييف لشركاء تجاريين في عالم ما بعد الغزو، أكدوا مستقبل العلاقات بين أوكرانيا والصين.

وكما قال الزعيم الأوكراني يوم الأربعاء 26 أبريل/نيسان: "أعتقد أنَّ هذه المكالمة.. ستعطي دفعة قوية لتنمية" تلك العلاقات.

وتتخذ الصين رسمياً موقف المراقب المحايد. ففي الأمم المتحدة، رفضت الانضمام إلى الأصوات التي أدانت روسيا منذ غزو أوكرانيا، لكنها إلى حد كبير لم تنحَز رسمياً إلى موسكو أيضاً. وبدلاً من ذلك، امتنعت الصين عن معظم التصويتات (باستثناء تصويت العام الماضي في الجمعية العامة لتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، الذي صوتت الصين ضده، واصفة إياه بأنه "سابقة خطيرة").

ومن الناحية التاريخية، كانت العلاقات بين موسكو وبكين فاترة معظم فترة الحرب الباردة. وعندما سقط الاتحاد السوفييتي، طبّعت الصين علاقاتها مع روسيا وسرعان ما فتحت علاقات دبلوماسية مع أوكرانيا المستقلة حديثاً.

العلاقات بين الصين وأوكرانيا كانت قوية قبل الحرب

قبل الغزو، كانت العلاقات العميقة بين الصين وأوكرانيا تبرز أكثر شيء في التبادلات الاقتصادية بينهما.

وكان البلدان يرتبطان بعلاقات وثيقة، حيث سعت بكين للاستفادة من أزمات أوكرانيا لشراء تقنيات عسكرية منها وكذلك سعت لاختراق صناعة الطيران الأوكرانية، كما حصلت بكين على أول حاملة طائرات عبر شرائها خردة من كييف؛ بدعوى استخدامها كملهى عائم في هونغ كونغ. 

بين عامي 2017 و2021، تضاعفت الصادرات من أوكرانيا إلى الصين أربع مرات. وبحلول عام 2019، صارت الصين أكبر شريك تجاري لأوكرانيا وأكبر مُستورِد لشعيرها وخام الحديد، وفقاً لتقرير صادر عن مجلس العلاقات الخارجية. كانت أوكرانيا أيضاً أكبر مُورِّد للذرة إلى الصين وثاني أكبر مُورِّد للأسلحة. 

الصين وأوكرانيا
أول حاملة حاملة طائرات صينية والتي تدعى لياونينغ (Liaoning) تم شراؤها من أوكرانيا ثم قامت بإصلاحها وتطويرها/رويترز

وأعلن رئيس الوزراء الأوكراني آنذاك أنَّ عام 2019 هو "عام الصين". واستُغِلَت موارد الشركات الصينية لبناء خط مترو أنفاق جديد في كييف. وجعلت اتفاقية التجارة الحرة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي منها نقطة دخول جذابة للسلع الصينية لتتدفق إلى السوق الأوروبية المربحة.

بعد عام 2014، أصبح لدى بكين نظرة متشككة تجاه الحكومة في كييف، وصورت وسائل الإعلام الحكومية الاحتجاجات التي ساعدت في وصولها إلى السلطة على أنها "ثورة ملونة" مدعومة من الغرب. وامتنعت الصين عن التصويت في الأمم المتحدة لإدانة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في نفس العام، مستشهدة بسياستها الرسمية المتمثلة في عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، لكنها مع ذلك لم تعترف بشبه جزيرة القرم على أنها جزء من روسيا.

وقبل أسابيع قليلة من غزو روسيا لأوكرانيا العام الماضي، أصدرت بكين وموسكو بياناً مشتركاً بعد اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي في بكين في 4 فبراير/شباط 2022، الذي قال إنه "لا حدود" ولا مجالات "محظورة" للتعاون بين البلدين -وهو ما فُسِر على نطاق واسع على أنها إشارة إلى أنَّ العمل العسكري المشترك لم يكن مستبعداً. وهذا لا يساعد الصين بالضبط في أن تتخذ موقف المراقب المحايد.

الصين تنظر لأوكرانيا عبر العدسة التايوانية

ولا شك أنَّ وجهة نظر بكين للصراع تستند إلى نواياها فيما يتعلق بتايوان، وهي جزيرة تتمتع بالحكم الذاتي وتعتبرها بكين أراضي صينية ذات سيادة. أثار لو شاي، سفير الصين الصريح لدى فرنسا، عاصفة هذا الأسبوع بالتشكيك في وضع دول ما بعد الاتحاد السوفييتي بصفتها دولاً مستقلة – وهو صدى لكيفية نظر بكين إلى تايوان – ومع ذلك، تراجعت السفارة الصينية في فرنسا لاحقاً عن تعليقات "لو".

وقال مدير وكالة المخابرات المركزية وليام جيه بيرنز لبرنامج "Face the Nation" على شبكة CBS الأمريكية في فبراير/شباط إنَّ الرئيس الصيني أراد أن يكون جيشه قادراً على الاستيلاء على تايوان بحلول عام 2027، على الرغم من أنَّ هذا لا يعني بالضرورة أنه سيغزو تايوان بحلول ذلك الوقت. وأضاف بيرنز أنَّ تجربة الروس في أوكرانيا "ربما عززت" الشكوك حول إمكانية تنفيذ مثل هذه العملية.

ماكرون وزيلينسكي أرادا هذه المحادثة مع رئيس الصين رغم إدانة أمريكا لموقفه من الحرب

من جانبها، أدانت الولايات المتحدة الصين بسبب ما وصفته بـ"رسائلها المتضاربة بشأن الحرب"، لكن أوكرانيا اتخذت موقفاً أكثر حذراً. بعد أن سافر الرئيس شي إلى موسكو في زيارة دولة، والتقى مع بوتين الشهر الماضي، ضغط زيلينسكي من أجل إجراء محادثة خاصة به مع الزعيم الصيني. وآتت هذه المحاولة ثمارها أخيراً هذا الأسبوع، وذلك بعد أن حصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على وعد خلال زيارته لبكين من نظيره الصيني على إجراء هذه المكالمة.

هناك القليل من الأوهام حول علاقات الصين بروسيا في كييف. لكن الزعيم الأوكراني ليس وحده الذي يعتقد أنَّ الطريق إلى السلام في أوكرانيا قد يمر عبر بكين. فقد صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل لقاء شي خلال زيارة إلى بكين في وقت سابق من هذا الشهر: "لقد وجه العدوان الروسي في أوكرانيا ضربة للاستقرار الدولي. وأعلم أنه يمكنني الاعتماد عليك لإعادة روسيا إلى رشدها وإعادة الجميع إلى طاولة المفاوضات".

وساطة الصين بين السعودية وإيران مؤشر إيجابي وها هي تعين دبلوماسياً رفيعاً لأزمة أوكرانيا

وحققت الصين نجاحاً غير مسبوق بدور الوسيط مؤخراً؛ إذ ساعدت في صياغة صفقة شهدت عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران إلى طبيعتها في وقت سابق من هذا الشهر.

واتبع ذلك تقدم في مسيرة التسوية بشأن حرب اليمن. 

ويشير تعيين لي هوي، وهو دبلوماسي من العيار الثقيل، الذي شغل سابقاً منصب سفير لدى موسكو، مبعوثاً إلى أوكرانيا، إلى أنَّ الصين تأمل في تحقيق نجاح دبلوماسي آخر.

رغم خلافاتها مع أمريكا، ولكن لا أحد يستطيع مثلها الضغط على بوتين

بيد أنَّ علاقات الصين مع روسيا، والعداء تجاه الولايات المتحدة وحلفائها، ومخططات الهيمنة على تايوان، تجعل بكين بعيدة كل البعد عن كونها وسيطاً مثالياً في أوكرانيا. لكن الوسطاء المحتملين الآخرين مثل تركيا والبرازيل لا يقدمون سوى جزء قليل من الضغط السياسي الذي يمكن أن تمارسه الصين في عهد شي على روسيا، التي من الواضح أنها القوة الأدنى في المستوى في علاقتها مع بكين، حيث باتت موسكو أكثر اعتماداً اقتصادياً وتقنياً على الصين من أي وقت مضى بسبب الحصار الغربي.

وعندما تنتهي الحرب أخيراً، ستبحث أوكرانيا بدورها عن شركاء اقتصاديين جدد لمساعدتها في إعادة البناء وإيجاد بدائل للعلاقات التجارية التي ربطتها في السابق مع جارتها العملاقة روسيا. لذا قد تكون الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أضخم من أن تستَعدِيها كييف الآن. وما لم تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من تقديم بديل، فلن يكون أمام أوكرانيا خيار سوى قبول المخاطر.

تحميل المزيد