أعلن حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، يوم الخميس 27 أبريل/نيسان 2023 تحريك قوات عسكرية للتدخل ووقف الاشتباكات المستمرة منذ أسبوعين بين الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، وبين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي".
وأشار مناوي الذي يتزعم "حركة تحرير السودان" في دارفور، إلى أنه "بالتواصل مع قادة الحركات المسلحة في الإقليم فقد تم إقرار تحريك قوة مشتركة للفصل بين الاشتباكات". فما هي هذه القوات المسلحة في دافور وما خلفيتها؟
ما هي "حركة تحرير السودان" التي تحكم إقليم دارفور؟
يتزعم مناوي "حركة تحرير السودان" كونه من قبيلة الزغاوة كبرى القبائل الإفريقية غير العربية في شمال دارفور، منذ عام 2004. وتأسست حركة تحرير السودان في 2002 من طرف قبائل الزغاوة والمساليت والفور، وهي من أبرز القبائل الإفريقية المتمردة في إقليم دارفور.
وقد عرفت الحركة في البداية باسم "جبهة تحرير دارفور"، وكانت عضويتها مقصورة على بعض أبناء قبيلة الفور، وبعدما انفتحت على أبناء القبائل الأخرى في الإقليم أطلقت على نفسها اسم "حركة تحرير السودان"، وذلك في 14 مارس/آذار 2003.
وتعرف نفسها بأنها حركة قومية وطنية التوجه، تسعى لتحقيق الحرية والديمقراطية التعددية، والهوية السودانية، وتعتبر أن النظام الفيدرالي هو الأنسب للسودان لشساعته وتعدد أعراقه وثقافاته وأديانه.
و"حركة تحرير السودان" هي إحدى الحركات السياسية المسلحة الرئيسية في دارفور، وهي من أكبر وأقدم الحركات المتمردة في إقليم دارفور غرب السودان، عصفت بها الانشقاقات منذ تأسيسها، ترفض الحكم المركزي للسودان وتعتبر النظام الفدرالي هو الأنسب للبلاد وتنوعها العرقي والثقافي والديني.
حروب وانقشاقات
شاركت الحركة في النزاع المسلح بدارفور منذ اندلاعه في فبراير 2003 عندما بدأت مجموعتان متمردتان هما حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة بقتال الحكومة السودانية، متهمة إياها باضطهاد سكان دارفور من غير العرب.
وردت الحكومة السودانية حينها بهجمات وصفت بـ"حملات تطهير عرقي" ضد سكان دارفور غير العرب، حيث تتهم تقارير دولية الحملة التي نفذتها قوات الجنجويد التي تحولت لاحقاً إلى "قوات الدعم السريع" بقيادة حميدتي، إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين، واتهم بسببها الرئيس السوداني عمر حسن البشير بارتكاب إبادة جماعية، جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية من قبل محكمة العدل الدولية.
انشقت حركة تحرير السودان إلى قسمين: جناح مني أركو ميناوي من قبيلة الزغاوة، والذي وقّع عام 2006 اتفاقية أبوجا وبعد ذلك أصبح كبير مساعدي الرئيس السوداني عمر حسن البشير، وجناح عبد الواحد محمد نور، وهو من قبيلة الفور وكان عضواً في الحزب الشيوعي السوداني، واختار باريس مقراً لمنفاه منذ التوقيع على اتفاقية أبوجا عام 2006.
توالت الانشقاقات، فانشقت عن الحركة فصائل شكلت قيادة شمال دارفور بزعامة جار النبي عبد القادر، وانشق فصيل يسمى "حركة تحرير السودان/مجموعة الـ19″، ومنه انشقت "حركة تحرير السودان الموحدة" بزعامة أحمد عبد الشافي.
وفي عام 2008، أعلن عبد الواحد محمد نور أن حركته افتتحت لها مكتباً في إسرائيل، وطالب بأن يسمح لإسرائيل بافتتاح سفارة لها في الخرطوم.
رفضت الحركة وثيقة السلام التي وقعتها الحكومة السودانية بوساطة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وقطر مع حركة التحرير والعدالة في يوليو/تموز 2011 بالعاصمة القطرية الدوحة.
وحصلت اشتباكات عسكرية بين الحركة وقوات الحكومة السودانية التي استعانت بقوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي، منها الاشتباكات التي حصلت في مارس/آذار 2014 في منطقتي حسكنيتة واللعيت جار النبي بولاية شمال دارفور.
مناوي حاكماً لإقليم دارفور
بعد تشكيل الحكومة الانتقالية السودانية عام 2021 التي أتت بعد الإطاحة بنظام عمر البشير، جرى تنصيب زعيم حركة تحرير السودان مناوي، حاكماً لإقليم دارفور، إنفاذاً لاتفاق السلام الموقع بين الحكومة السودانية وقوى تحالف الجبهة الثورية في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2020.
وحصل مسار دارفور، الممثل "لحركات الكفاح المسلح"، على 40% من حصة السلطة في الإقليم بموجب الاتفاق، على أن تحصل الحكومة السودانية على 40%، و10% للحركات غير الموقعة على اتفاق السلام، و10% لأصحاب المصلحة.
وبعيد ذلك الاتفاق، لم تقل حدة التوترات الأمنية في إقليم دافور، حيث تثار من حين لآخر المنازعات القبلية والهجمات المسلحة بين مليشياتها، كما تشهد المنطقة نزاعات مستمرة بين المزارعين والرعاة بسبب الزراعة في مسارات الرعاة، وحرق مخلفات الزراعة بعد الموسم، مما يتسبب في إتلاف المراعي الطبيعية.
ومنذ عام 2015، أشارت تقارير دولية إلى افتقار الحركات في دارفور للقوة العسكرية الضاربة، حيث سعى قادتها خلال مفاوضات جوبا لإثبات عكس ذلك. وأصر هؤلاء على ضمان ترتيبات أمنية مفصّلة، تضمن لجندهم حق الالتحاق بالجيش القومي والمشاركة في القوة التي ستحل مكان البعثة المختلطة "يوناميد"، التي انسحبت من الإقليم.
وكان اتفاق الترتيبات الأمنية يشمل كلاً من حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة السودانية، وحركة تحرير السودان-المجلس الانتقالي، وتجمع قوى تحرير السودان، والتحالف السوداني، إضافة إلى حركات أخرى.
ونص الاتفاق على تشكيل قوة مشتركة قوامها 20 ألف جندي، لحفظ الأمن في دارفور، تخضع لقانون الجيش السوداني، ومهمتها حماية المدنيين وجمع السلاح وتقنين المركبات غير المرخصة، وتوفير الأمن لعودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم وحمايتهم، والفصل بين أطراف النزاعات المسلحة، وتأمين معسكرات النزوح.
لكن منذ ذلك الحين لم تتمكن الأطراف من تشكيل هذه القوة لصعوبات في التمويل، لذلك لا يزال يعتمد حاكم إقليم دارفور على الميليشيات المسلحة التابعة له ولحركات أخرى في الإقليم.
ما سبب تحرك مناوي في دارفور الآن؟
يقول الخبير في الشأن السوداني د.أسامة الأشقر إن مناوي زعيم إقليم دافور الذي تمت محاربته لسنوات طويلة من قبل قوات الدعم السريع والجيش السوداني، يتحرك الآن بغاية تأمين المناطق الخاضعة له في دافور وحمايتها، عبر الفصل بين قوات الدعم السريع والجيش.
ويضيف الأشقر لـ"عربي بوست" أن مناوي يسعى لعزل الأحداث في ولايات دارفور عما يحصل في الولايات الأخرى وخصيصاً الخرطوم، وهو يعمل في الوقت نفسه بالتنسيق مع الحكومة التشادية لتأمين الحدود بين البلدين.
ويعمل مناوي -الذي قد يكون يحظى بدعم رسمي تشادي- من خلال تحركاته الآن على إعادة تجميع قوته العسكرية بعد الضربة التي تلقتها القوة المشتركة (السودانية التشادية) مؤخراً بالجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور، من قبل قوات الدعم السريع، في 25 إبريل/نيسان 2023.
وتعد قبيلة الزغاوة التي ينتمي إليها مناوي مجموعة عرقية مسلمة، تعيش في المقام الأول في فزان شمال شرق تشاد، وغرب السودان، بما في ذلك دارفور، كما تنتشر أيضاً في ليبيا والنيجر.
وكان للزغاوة دور كبير في نزاع دارفور، حيث تشير تقديرات إلى أن أعدادهم تبلغ حوالي نصف مليون إنسان، موزعين بين السودان وتشاد. وهم يقطنون المناطق المحاذية للحدود السودانية التشادية.
ويهيمن الزغاوة سياسياً على تشاد، فالرئيس السابق إدريس ديبي وعدد من رؤساء الوزراء السابقين في تشاد هم من الزغاوة، بالإضافة إلى العديد من أعضاء الحكومة الآخرين. وهكذا كان الزغاوة التشادية أشخاصاً مؤثرين في السياسة الإقليمية. في الحروب المعاصرة في تشاد وليبيا والسودان، انخرطت جماعة الزغاوة العرقية بعمق، لا سيما من خلال التحالفات الاستراتيجية مع الجماعات العرقية الأخرى مثل شعب الفور.
لكن الزغاوة في السودان محاصرون في أزمة دارفور وقد عانوا الكثير من الخسارة من جراء الاضطرابات هناك، حيث يعتبر الزغاوة السودانية من بين السكان الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين في دارفور وشرق تشاد، ويمثل تجنيد الأطفال منهم في حركات التمرد مشكلة مستمرة.