أصبح الصراع في السودان بين قيادة الجيش من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، يمثل انعكاساً مباشراً لتدخلات خارجية اقليمية ودولية معنية بصياغة مستقبل السودان، وفقاً لأولويات جيوسياسية واقتصادية وأيديولوجية. ويجمع خبراء على أن تضارب المصالح الغربية في السودان يتحكم بطول أمد الصراع في البلاد مع وجود التدخلات الإقليمية والدولية، محذرين من تكرار "سيناريو الصومال" في السودان أو "سورنة" المشهد السوداني.
تضارب المصالح الغربية في السودان
يقول الباحث ياسين التميمي، حول الدور الغربي في الأزمة السودانية، إنه "ليس هناك أدنى شك في أن الصراع المسلح الذي اندلع بين طرفي السلطة السودان، يمثل انعكاساً مباشراً لتدخلات خارجية إقليمية ودولية معنية بصياغة مستقبل السودان وفقاً لأولويات جيوسياسية واقتصادية وأيديولوجية".
وأضاف التميمي في تصريحات لوكالة الأناضول أن "هناك أدواراً سلبية مؤثرة ومعلنة لدول عربية بعينها، وهناك انخراط سياسي واستخباراتي إسرائيلي كذلك".
ومنذ 15 أبريل/نيسان الجاري، يشهد السودان اشتباكات بين الجيش و"الدعم السريع" في الخرطوم ومدن أخرى، وتبادل الطرفان اتهامات ببدء كل منهما هجوماً على مقارّ تابعة للآخر، بالإضافة إلى ادعاءات بالسيطرة على مواقع تخص كلاً منهما.
و"الدعم السريع" تشكلت في 2013 لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضد الحركات المتمردة بإقليم دارفور، ثم تولت مهاماً منها مكافحة الهجرة غير النظامية وحفظ الأمن، قبل أن يصفها الجيش بأنها "متمردة" عقب اندلاع الاشتباكات.
ويرى الباحث التميمي، أنه "يمكن إدراك طبيعة التدخل الدولي والإقليمي في التعاطي المزدوج مع طرفي السلطة الرئيسين المتصارعين، والذي يعكس رغبة مسبقة في توجيه الصراع نحو نهاياته الصفرية".
مشيراً إلى أن "التباين يبدو جلياً في ترجيح أحد طرفي الصراع بين المتدخلين الإقليميين، بين من يريد حسم المواجهة المسلحة لصالح الجيش ومن يدفع بكل قوة لحسم المواجهة لصالح قوات الدعم السريع".
ما فرص تأثير القوى الغربية في معارك السودان؟
حول الدور الغربي خصوصاً مع إجلاء البعثات الأجنبية، قال التميمي: "إن اضطرار الغرب إلى إجلاء بعثاته الدبلوماسية يشير إلى أن الصراع اندلع في توقيت لم تحدده القوى الغربية أو لم تكن على دراية بهذا التوقيت بالتحديد، أو أن الحسم لم يتحقق على نحو ما خطط له".
مضيفاً أن "المعركة اتخذت منحى تصعيدياً واتجهت نحو مزيد من التعقيد والكارثية، ما اضطرها إلى إجلاء رعاياها في ظل وضع أمني وعسكري محفوف بالمخاطر، أظهر الصراع في السودان وكأنه بالفعل خارج السيطرة الغربية".
وحتى اللحظة لا توجد مؤشرات على تورط مباشر للغرب في المعركة باستثناء التواصل ذي الطبيعة السياسية مع طرفي الصراع، غير أن تورط قوى إقليمية في الصراع، يمنح القوى الغربية فرصة للتأثير في مسار المعركة والتحضير لتدخل عسكري قد يكون وشيكاً، بحسب التميمي.
مشيراً إلى أنه "قد نرى سيناريو الصومال يتكرر في حال استمرت المعارك دون حسم وزادت وطأتها على الشعب السوداني"، في إشارة إلى الحرب الأهلية في الصومال، مطلع تسعينيات القرن الماضي.
حيث إن "دوافع التدخل لن تكون إنسانية بالتأكيد، بل بهدف وضع اليد على السودان ومستقبله وإعادة صياغة هويته السياسية وأدواره الجيوسياسية والإفادة من المزايا الاقتصادية الواعدة التي يتمتع بها السودان".
بالإضافة إلى "الرغبة في التحكم بالتطورات في شمال شرق القارة الإفريقية والقرن الإفريقي، وعلاقاتها بالنفوذ الذي تمارسه القوى الدولية، والإقليمية في هذه المنطقة التي تشهد تزايداً مضطرباً للنفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري للصين".
تقاطع المصالح الدولية في السودان
من جهته، يرى الكاتب ياسر عبد العزيز أن "طرفي الأزمة في السودان هما من بقايا النظام السابق، البرهان يمثل الجيش، وحميدتي قائد قوات الدعم السريع، وحالياً يتبادلان الاتهامات بالتبعية لنظام البشير، وأن كل طرف يدافع عن الثورة، وهو نزاع على السلطة".
وأضاف لوكالة الأناضول أن "الطرفين حاولا تقديم نفسيهما على أنهما الأولى بقيادة السودان ما بعد البشير، الدول الإقليمية تدعم الجيوش لأنها راسخة وفيها ولاءات، والأزمة بدأت مع الجلسة الخامسة لتسليم السلطة للمدنيين وإعادة هيكلة النظام في السودان بدستور جديد ينهي حالة وضع الجيش المسيطر منذ الاستقلال حتى الآن".
بحسب الباحث المصري، فإن "الأزمة الحقيقة بدأت هنا مع الحديث عن دمج قوات الدعم السريع مع الجيش، وهنا شعر حميدتي بفقدان السيطرة والجهود التي قدمها أمام الدول الإقليمية والمجتمع الدولي، ودعم حميدتي للسعودية في اليمن جعله يتلقى دعماً مستتراً غير ظاهر".
وأكد عبد العزيز: "هناك تقاطع للعلاقات والمصالح العربية والإقليمية والدولية في السودان، ووجود أمريكا في البحر الأحمر لقطع الطريق على الصين، ووجود روسيا في البحر الأحمر أيضاً في محاولة لوضع قدم هناك بظل الحرب في أوكرانيا، ومحاولة جميع القوى الدولية كسب أوراق معينة، والصين تحاول زيادة مصالحها بالقرن الإفريقي".
آفاق الصراع في السودان
فيما يتعلق بآفاق الصراع ودور الدول الغربية في حل الأزمة قال التميمي: "أعتقد أن أمد الحرب يطول، وموضوع التدخل المباشر من قبل الدول في الصراع أستبعده، وجميع الدول تتحرك لإجلاء الرعايا، وهو ما يعني أن الجميع قلق، وخروج المنظمات الدولية من السودان مؤشر أيضاً على خطورة الوضع، ودليل قلق".
حيث إن "الدعوة لوقف الحرب هي دبلوماسية أكثر ولا تأثير لها، وهي مطالب على استحياء، وتشير بأن ثمة أموراً تحاك بالغرف المغلقة". وأكد التميمي أن "التدخلات الحالية تشير لأن الحرب طويلة الأمد، وحرب بالوكالة لتكسير العظام، وهناك أطراف دخلت الخط بالتمويل والاستهداف المباشر".
يشدد الكاتب على أن "تسليح الدعم السريع بدأ يظهر، وكان معلوماً أنها مجرد ميليشيا ذات سيارات دفع رباعي ولديهم رشاشات فقط، ولكن اليوم بات لديهم سلاح بعيد المدى ومتوسط، وهو مؤشر بأن الأمور قد تسير للأسوأ بشكل سريع".
فيما يبدو أن "تصعيد البرهان دليل وصول الوضع إلى طريق صعب بين الأطراف، وهو يظهر التدخل الأجنبي، الغرب له دور كبير في وقف الحرب وبدئها، ومن بدأ الحرب يستطيع إنهاءها، ولكن لن يكون ذلك إلا بعد التفاهمات".