لا مؤشرات على أن طرفي الصراع في السودان مستعدان للتفاوض، والهدنة لإجلاء الأجانب ليست صامدة في أغلب المناطق، فهل توقظ الحرب بين الجيش بقيادة البرهان و"الدعم السريع" بقيادة حميدتي الصراع القبلي في دارفور؟
كان السودان قد شهد، منذ يوم 15 أبريل/نيسان، انفجاراً عنيفاً في الموقف المتوتر بين الرجلين القويين المتنافسين على السلطة في البلاد: الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد وقائد القوات المسلحة السودانية، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي، والذي يقود قوات الدعم السريع؛ حيث بدأت حرب شوارع في الخرطوم، ثم امتدت إلى جميع أنحاء البلاد.
وبعد أن فشلت محاولات إقناعهما بوقف إطلاق النار، وافق طرفا الصراع مساء الإثنين، على هدنة جديدة لمدة 72 ساعة اعتباراً من الثلاثاء 25 أبريل/نيسان؛ لإفساح المجال أمام الدول الغربية والعربية والآسيوية لإجلاء رعاياها من البلاد، وسارعت أمريكا وحلفاؤها وباقي الدول إلى إجلاء مواطنيها، في مؤشر على أن سيناريو الحرب الممتدة بات أكثر ترجيحاً.
من الخرطوم بدأت الاشتباكات
كانت الاشتباكات قد اندلعت أولاً في العاصمة الخرطوم، وسط تبادل للاتهامات بين طرفي الصراع حول الطرف المسؤول عن إطلاق الرصاصة الأولى، فالجيش يقول إن قوات الدعم السريع هي من بدأت القتال عندما هاجمت مقر القيادة العامة بهدف اغتيال القائد عبد الفتاح البرهان، بينما تقول قوات الدعم السريع إن الجيش هاجم مقراتها في العاصمة دون سابق إنذار.
على أية حال، اندلع القتال ودخل يوم الثاني عشر الأربعاء 26 أبريل/نيسان، ويبدو أن الهدنة التي توسطت فيها أمريكا والسعودية لمدة 3 أيام بهدف إجلاء الرعايا الأجانب، صامدة في بعض المناطق، وسط أنباء عن تجدد القتال بعنف، مساء الثلاثاء، في بعض المناطق.
مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى السودان قال الثلاثاء، إن اتفاق وقف إطلاق النار يبدو صامداً في بعض المناطق، مضيفاً أنه لا يوجد ما يشير إلى استعداد الطرفين المتحاربين للتفاوض بجدية. وأضاف المبعوث فولكر بيرتس، أمام مجلس الأمن الدولي، أن ذلك "يشير إلى أن كلاً منهما يعتقد أن بإمكانه تحقيق نصر عسكري على الآخر… هذه حسابات خاطئة".
وقال بيرتس الذي تحدث في اتصال بالفيديو من بورتسودان: "يبدو أنه (وقف إطلاق النار) صامد في بعض الأماكن حتى الآن. لكننا أيضاً نسمع أنباء مستمرة عن قتال وتحرك للقوات".
ووصف أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، العنف والفوضى في السودان بأنهما "يفطران القلب". وقال إن الصراع على السلطة يضع مستقبل السودان في خطر وقد يسبب معاناة تستمر أعواماً وانتكاسة للتنمية تستمر عقوداً.
لكن سُمع دويُّ إطلاق نار وانفجارات على المشارف الغربية للعاصمة السودانية الأربعاء، في خرق للهدنة. وفي ظل غياب أي دلائل على تهدئة الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، قال الجيش إن الرئيس السابق عمر البشير نُقل إلى مستشفى عسكري قبل اندلاع القتال، بحسب رويترز.
وأضاف أن البشير نُقل من السجن مع خمسة على الأقل، من الأعضاء السابقين في نظامه، من بينهم عبد الرحيم محمد حسين المطلوب مع الرئيس السابق لدى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابهما جرائم حرب خلال صراع سابق في إقليم دارفور.
كان مكان وجود البشير قد أصبح مثار تساؤلات بعدما أعلن الوزير السابق في حكومته عليّ هارون، الثلاثاء، أنه غادر سجن كوبر مع مسؤولين سابقين آخرين. وهارون مطلوب أيضاً لدى المحكمة الجنائية الدولية؛ لاتهامه بارتكاب العشرات من جرائم الحرب.
وكان آلاف المجرمين المدانين، ومن بينهم بعض المحكوم عليهم بالإعدام، محتجزين في السجن الكبير إلى جانب مسؤولين كبار وصغار من نظام البشير، وتبادلت السلطات السودانية وقوات الدعم السريع الاتهامات بشأن إطلاق سراح السجناء. وقالت الشرطة إن مسلحين شبه عسكريين اقتحموا خمسة سجون في مطلع الأسبوع، وقتلوا عدة حراس وفتحوا البوابات. بينما ألقت قوات الدعم السريع باللوم على السلطات في السماح لهارون وآخرين بالخروج.
انعدام الأمن في الخرطوم
أدى إطلاق سراح المجرمين المدانين إلى زيادة الشعور بغياب القانون في الخرطوم، حيث أبلغ السكان عن زيادة انعدام الأمن وأعمال النهب وانتشار العصابات في الشوارع.
وقالت قوى الحرية والتغيير: "هذه الحرب التي أشعلها ويتكسب منها النظام البائد ستقود البلاد إلى الانهيار"، وكانت تلك الجماعة السياسية تقود خطة مدعومة دولياً لانتقال السودان إلى الحكم المدني، لكن اندلاع القتال أدى إلى تقويض الخطة.
وعلى الرغم من أن الطالب الفلسطيني خميس جودة نشأ في قطاع غزة، ونجا من حروب عدة، فإنه قال إنه لم يشهد شيئاً مثل العنف الذي رآه في الخرطوم. وقال جودة (25 عاماً)، الذي يدرس الطب وجرى إجلاؤه من العاصمة السودانية الثلاثاء بحافلة مع عشرات الفلسطينيين الآخرين: "أول مرة نشوف هيك شوفات، بالنسبة للخوف كل واحد فينا كان حامل روحه على كفه".
وقال فلسطينيون آخرون، في حديث لـ"رويترز" عبر الهاتف فجراً بينما كانوا ينتظرون على الحدود للعبور إلى مصر من السودان، إنهم رأوا جثثاً في الشوارع وأعمال نهب واشتباكات بين سكان، بعضهم كانوا مسلحين.
وعلى الرغم من أن قطاع غزة شهد حروباً عديدة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، كما عانى من نزاع داخلي في عام 2007، فإن جودة شعر بالصدمة من الأسلحة المستخدمة في الأعمال القتالية بين طرفي الصراع في السودان. وقال جودة: "ما توقعنا هو أن طيراناً حربياً وزنانات (طائرات مسيّرة) تقصف في معركة داخلية". وأضاف: "بدنا علاجاً نفسياً من بعد ها الشوفات".
ومع انهيار الأمن، قال أحد الأشخاص الذين تم إجلاؤهم: "أنا شفت أولاد صغار بيحملوا سواطير كرمال يحموا حالهم". وطلب الشاهد عدم ذكر اسمه؛ تجنباً لأي مشاكل أمنية محتملة في حال عاد إلى السودان. وأضاف: "شفنا مصانع وسيارات وبيوتاً ما زالت النار مولعة فيها خلال مرورنا"، متابعاً: "الوضع كتير صعب، ومش واضح إنه راح تنتهي المشكلة بدري، قلوبنا ودعواتنا مع السودان".
والسودان وجهة شهيرة للطلاب الفلسطينيين، بسبب الرسوم الدراسية المنخفضة نسبياً وسهولة الحصول على تأشيرة. وفي غزة، قالت أسر الطلاب إنهم لم يتمكنوا من النوم؛ خوفاً على أبنائهم. وقال غسان موسى الذي حوصر ابنه محمد، طالب الطب، في مبنى بلا كهرباء أو ماء بعد اندلاع القتال: "الوقت كان بيمضي ببطء، إحنا بنعيش بخوف وهم بيعيشوا في رعب. ابني حكى لي إنه هو وأصدقاؤه اضطروا يتركوا المكان ويمشوا حوالي الفجر في العتمة، وشافوا جثثاً في الشوارع".
وقال نجله محمد لـ"رويترز" عبر الهاتف، على متن الحافلة التي غادرت الخرطوم الثلاثاء، إن مستقبله في خطر، إذ إنه في السنة النهائية من دراسته. وأضاف: "مشان أكمل دراستي لازم الحرب تنتهي الأول. أتمنى إنه تنتهي بسرعة وما تطول".
هل تنتهي حرب السودان في دارفور؟
قال مراسل لـ"رويترز"، إن المعارك تجددت الأربعاء في مدينة أم درمان المقابلة للخرطوم على الجهة الأخرى من نهر النيل، حيث كان الجيش يقاتل في مواجهة تعزيزات جاءت بها قوات الدعم السريع من مناطق أخرى في السودان. وقال مسؤول بمستشفى، إن قذيفة أصابت مركز الرومي الطبي في أم درمان أمس الثلاثاء، وانفجرت داخله؛ مما أدى إلى إصابة 13 شخصاً.
واتهم الجيش قوات الدعم السريع باستغلال هدنةٍ مدتها ثلاثة أيام لتعزيز صفوفها بالرجال والأسلحة. ومن المقرر أن تنتهي الهدنة مساء الخميس. وبفضل وقف إطلاق النار، كان القتال بين جنود الجيش وقوات الدعم السريع أكثر هدوءاً في وسط الخرطوم.
وحوّل القتال المناطق السكنية إلى ساحات حرب. وأسفرت الضربات الجوية والقصف بالمدفعية عن مقتل 459 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من أربعة آلاف، وتدمير مستشفيات، والحد من توزيع المواد الغذائية في دولة يعتمد ثلث سكانها، البالغ عددهم 46 مليون نسمة، على المساعدات الإنسانية.
لكن إلى الغرب وهناك في إقليم دارفور، يخشى سكان المنطقة من أن يؤدي القتال إلى إيقاظ الصراع في المنطقة الصحراوية مترامية الأطراف التي تذوق مرارة الحرب بالفعل منذ عقدين من الزمان.
كان الصراع في دارفور قد اندلع في عام 2003 حينما وقفت مجموعة من المتمردين في وجه القوات الحكومية المدعومة من ميليشيات الجنجويد التي اشتهرت بامتطاء الخيل في أعمال عنف أدت إلى مقتل نحو 300 ألف شخص وتشريد الملايين.
ورغم اتفاقيات السلام العديدة، فإن الصراع مستمر منذ ذلك الوقت، كما تصاعدت حدة العنف على مدى العامين الماضيين. وسرعان ما امتد العنف الحالي إلى دارفور بعدما اندلعت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف هذا الشهر في الخرطوم.
وتحدث سكان ومصادر عن أعمال نهب وسلب وهجمات انتقامية عرقية واشتباكات بين الجيش والدعم السريع في مراكز تجمعات سكانية بأنحاء المنطقة التي تشتهر بالزراعة ويسكنها البدو وتعادل مساحة فرنسا تقريباً.
كانت جهود الوساطة المحلية قد ساعدت على تهدئة الصراع في مدينتي نيالا والفاشر الرئيسيتين، لكن القصف والنهب استمرا في مدينة الجنينة، مما أشعر سكان دارفور بالخوف من انفجار كبير آخر للحرب.
وقال أحمد قوجة، الصحفي والناشط الحقوقي في نيالا، لـ"رويترز": "إذا استمر هذا وإذا قُتل قادة عسكريون ينتمون إلى قبائل ذات تأثير، فسوف تحدث فوضى وستكون هناك تعبئة قبلية".
وتكتسب دارفور أهمية استراتيجية لطرفي الصراع المتحاربين في السودان وهما البرهان وحميدتي، إذ بنى الرجلان حياتهما المهنية في دارفور، حيث ارتقى البرهان بصفوف الجيش في أثناء القتال بدارفور، بينما بدأ حميدتي حياته العسكرية قائداً لإحدى الميليشيات التي قاتلت في معارك عدة لصالح الحكومة السودانية خلال الصراع في دارفور.
وبينما يحاول الجيش الآن طرد مقاتلي قوات الدعم السريع من مواقعهم في الخرطوم، فإن القوات شبه العسكرية يمكن أن تعود إلى جذورها بدارفور؛ في محاولة لإعادة ترتيب صفوفها والحصول على مزيد من التعزيزات.
ويمكن أن تؤدي زيادة إراقة الدماء في دارفور إلى جذب أنظار الولايات المتحدة مرة أخرى، فقد أدت أعمال عنف سابقة واتهامات بحدوث إبادة جماعية إلى إطلاق حملة من أجل تحقيق السلام وانخراط واشنطن بفاعلية في المفاوضات.
وما يزيد من احتمال حدوث مشكلات هو أن دارفور تقع على حدود أربع دول، هي: ليبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وتشهد الدول الأربع حالة من عدم الاستقرار بسبب نزاعات داخلية، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية.
أما بالنسبة للمدنيين، فإن الوضع ينذر بتفاقم معاناتهم، إذ يعيش نحو 1.5 مليون نازح في مخيمات بدارفور. واستمرت موجات العنف لسنوات مع شن المقاتلين هجمات على المجتمعات السكنية وإحراق القرى ونهب إمدادات الإغاثة.
وقال مدير المجلس النرويجي للاجئين في السودان، ويل كارتر، لـ"رويترز": "بغض النظر عن الطريقة التي تسير بها المعركة حالياً في الخرطوم، نتوقع صراعاً أكثر دموية الآن في منطقة دارفور ومزيداً من الجماعات المسلحة والأسلحة والأعمال القتالية".
وقالت مصادر في الجنينة قرب الحدود مع تشاد، إن مسلحين يمتطون الخيول ويقودون دراجات نارية وشاحنات نهبوا مناطق في المدينة؛ مما أدى إلى اندلاع قتال بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بوقوع اشتباكات يوم الإثنين.
لكن السكان في نيالا والفاشر أشاروا إلى تمكنهم من كبح العنف نسبياً بعد الاتفاق على نشر قوات شرطة محايدة في مراكز البلدات التي تركها المقاتلون الذين لا يزالون ينتشرون في مناطق سيطرتهم.
وقال محمد سليمان، وهو طبيب في نيالا: "الحياة تعود ببطء إلى طبيعتها". ومع ذلك، اندلع قتال في نيالا والفاشر؛ مما أدى إلى سقوط قتلى وعمليات نزوح ونهب، ووقف لعمليات الإغاثة التي يعتمد عليها عدد كبير من السكان المحليين.
وفي الفاشر، وقعت بعض أسوأ الخسائر في أبو شوك، وهو مخيم للنازحين من القتال الذي دار حول قراهم. وقال سليمان إن الاشتباكات أدت إلى تدمير سوق المخيم وتوقف إمدادات المياه ومنع السكان من الوصول للمستشفى.
وقال قوجة إن المثير للقلق هو أن بعض المقاتلين يتعاملون مع الأشخاص بناءً على جماعتهم العرقية أو قبيلتهم. وأضاف: "كنت أبحث عن دواء لشخص ما وأوقفني جنود واتهموني بأنني من قوات الدعم السريع"، مشيراً إلى أن هذه الاتهامات سببها مظهره.
ويزيد قلق السكان المحليين من احتمال أن تنتهي الحرب في دارفور رغم أنها بدأت في الخرطوم. وقال قوجة عن الطرفين المتحاربين: "إذا لم يتوصلا إلى تسوية سياسية فسوف يأتيان إلى هنا".