حرب أهلية أسوأ من سوريا وليبيا، وحتى يوغسلافيا، يبدو أن هذا السيناريو يهدد السودان، فهناك مشاهد ومؤشرات على أن الحرب الأهلية السودانية التي اندلعت بالفعل، قد بدأت بطريقة تختلف عن معظم الحروب الأهلية، طريقة قد تفضي لمآلات أكثر إيلاماً من الحروب الأهلية التي شهدتها المنطقة مؤخراً.
وتبدأ معظم الحروب الأهلية بطرق مختلفة ولكن الحروب الأهلية التي شهدتها دول المنطقة بدأ أغلبها بثورات سلمية توسعت تدريجياً ببطء.
وقد تبدأ الحرب الأهلية بمناوشات بين فصيلين مسلحين، تتحول لصراع مفتوح مثل الحرب الأهلية اللبنانية والعراقية (بعد الغزو الأمريكي)، وقد تبدأ الحرب الأهلية بين مجموعتين غير مسلحتين، ولكنهما يتسلحان مع تفاقمها، وقد تبدأ بين فصيل وجيش مسلح ضد مجموعات شعبية غير مسلحة لديها مطالب ومظالم، ولكن الأخيرة تضطر للتسلح بعد تعرضها للعنف الشديد للدفاع عن نفسها، مثلما جرى في سوريا وليبيا.
ولكن الحرب الأهلية السودانية، بدأت بأسوأ سيناريو.. قوتان عسكريتان ضاربتان، هما الأكبر في البلاد وشبه متكافئتين، ولم تبدأ بمناوشات خفيفة، بل هجوم مفاجئ واسع النطاق من قوةا (الدعم السريع) على أخرى (الجيش) بهدف القضاء على قيادتها وإخضاعها وتفكيكها وتدميرها، أو على الأقل القضاء على نقطة تفوقها مثلما حاول الدعم السريع القضاء على طيران الجيش السوداني. في بداية المعارك، كما كشف حميدتي نفسه.
ويبدو أن هذا نذير بما هو أسوأ، وهناك مشاهد وشواهد تفيد بذلك.
حملات لنهب المواطنين والمؤسف أنها قد تكون في بدايتها
مع استمرار الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في العاصمة الخرطوم منذ أكثر من أسبوع، ازدادت شكاوى المواطنين من انفلات أمني واسع، عبر عمليات نهب وسلب وترويع في المنازل والأسواق، وسط غياب لافت للشرطة، وفق شهود عيان.
وكشف عدد من الناشطين عن تعرّضهم للسرقة والنهب من مجموعات تتبع "الدعم السريع"، خلال انتشارهم داخل أحياء مدن الخرطوم، وهو ما تنفيه الأخيرة، وتتهم بذلك أنصار النظام السابق (نظام عمر البشير)، حسبما ورد في تقرير لوكالة الأناضول.
وقال أمجد فريد، مستشار رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، الإثنين، إنه "تم اقتحام وتدمير منزل أسرتي بحي الصبابي (شمال شرق الخرطوم) والسيطرة عليه بواسطة قوات الدعم السريع".
وذكرت وسائل إعلام محلية، بينها موقع "مداميك"، أن "مناطق وأحياء وأسواق الخرطوم تشهد أعمال سلب ونهب مسلح واسعة من قبل مسلحين وعصابات.
ويتبادل الطرفان الاتهامات بشأن حوادث النهب والسرقة التي طالت أنحاء عديدة من العاصمة ومدن أخرى.
إذ يتهم الجيش قوات الدعم السريع بالقيام بهذه الأعمال، وقال في بيان الإثنين، إن أفراداً من الأخيرة "شرعوا في ارتداء زي الشرطة ليقوموا بالنهب والسرقة".
من جانبها، قالت "الدعم السريع" في بيان، إنها "رصدت خلال اليومين الماضيين عمليات تخريب واسعة ونهب لمنازل المواطنين ومقار الشركات والمصانع يقف وراءها فلول وعناصر النظام السابق".
سر غياب الشرطة
يتساءل مواطنون سودانيون عن سر غياب الشرطة، لم يصدر عن الشرطة تعليق بشأن حوادث الانفلات الأمني، سوى بيانات مقتضبة عن إرسالها "تعزيزات لتأمين أرواح وممتلكات المواطنين"، كان آخرها قبل 3 أيام.
من جانبه، ناشد حاكم ولاية الخرطوم عثمان أحمد حمزة، الإثنين، المواطنين في كل أنحاء العاصمة ولجانهم وتكويناتهم المختلفة "برفع حسهم الأمني والمساهمة في تأمين أحيائهم وتفويت الفرصة لمن يستغلون الأوضاع الحالية في تنفيذ عمليات نهب وسلب"، وفق وكالة الأنباء السودانية الرسمية.
وقال حمزة إن "تلك المناشدات تجيء في ظل الظروف الحرجة التي تعيشها بلادنا وولاية الخرطوم بصفة خاصة، وترتبت عليها مشاكل عديدة حالت دون تمكن أجهزة ولاية الخرطوم من القيام بمهامها على الوجه الأكمل وتزامن هذه الظروف مع عطلة عيد الفطر المبارك".
ولم يصدر أي تفسير واضح من قبل الجهات الرسمية لسبب غياب الشرطة، ولكن يمكن توقع أن الأمر مرتبط بالإنقسام في رأس السلطة بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان قائد الجيش، ونائبه محمد حمدان دقلو قائد "الدعم السريع".
وشلل رأس الدولة يعني شلل أطرافها، وقد يزيد الأمر سوءاً على الأغلب أن الشرطة وكثير من أجهزتها قد ترغب في عدم إظهار انحياز لأي طرف انتظاراً لحسم الأمور، والأسوأ أن تنقسم أجهزة الدولة الأخرى (غير الجيش) بين مؤيد للبرهان وآخر لحميدتي، وخاصة أن كلاً من الرجلين حاول أن يستقطب فئات وأجهزة حكومية لجانبه.
كما أن الشرطة قد تتعّرض لشلل إضافي، سواء بمحاولة تجنبها التدخل في النزاع خاصة ضد الدعم السريع إلى جانب خطر توقف التمويل، ولاسيما للإمدادات والأجور، في بلد متعثر مالياً حتى قبل اندلاع الحرب.
الأمور ليست واضحة، ولكن قد تنحاز الأجهزة والموظفون ذوو الميول الإسلامية للبرهان، في ضوء هجوم حميدتي عليهم، ومحاولة استغلاله لقضيتهم، وادعائه بأن البرهان إسلامي متطرف، بينما قد ينحاز بعض الليبراليين واليساريين، في ضوء ادعاء حميدتي أن تحركه يهدف إلى استعادة الديمقراطية.
لهذه الأسباب النهب قد يتوسع
يزيد الأمر سوءاً أن السودان بلد كبير، وتاريخياً تظهر لديه مشكلات متعلقة بالأمن وقطاع طرق وغيرها من مظاهر الفوضى في ظل الوجود السابق لجيش وسلطة مركزية، كما أن طبيعة الأعمال المسلحة الخارجة في عن القانون السودان تحتاج أحياناً لتدخل الجيش وليس الشرطة فقط، لأن العصابات كثيراً أقوى تسليحاً من الشرطة.
ورغم أن زعامات القبائل والقيادات التقليدية في السودان قد تعمل على حفظ الأمن في غياب السلطة، ولكن هذه الزعامات قد تستغل الفراغ لتعزيز سلطتها وخلق أمر واقع انفصالي، لاسيما أن كل مكون ومنطقة سودانية لديها مظالمها.
والأخطر أنه مثلما حدث في دارفور وكثير من المناطق القبلية في العالم العربية، فلقد ضعفت الزعامات القبلية التقليدية، وظهرت قيادات من هوامش القبائل أكثر تطرفاً في مطالبها أو بعضها قد يستغل القبلية للتحريض على الآخرين وتحقيق منافع شخصية أو حتى لنيل نصيبهم من السلب والنهب.
من جانبها، فإن قوات الدعم السريع، ونظراً لافتقادها حاضنة شعبية قوية في الخرطوم، ولأنها قد تواجه مشكلة في تموين قواتها قد تلجأ للنهب، سواء للانتقام من مؤيدين مفترضين للجيش أو بحثاً عن المؤن أو نهب من أجل النهب، خاصة أن جذور هذه القوات التي تعود لميليشيات الجنجويد ليس ببعيدة.
ويتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع باتخاذ الأحياء والمناطق المكتظة بالسكان ملاذا لنشر قواتها وعرباتها متخذين منهم دروعا بشرية".
خطر استهداف المواطنين العرب والأجانب
جاء إعلان الخارجية المصرية، عن مقتل مساعد الملحق الإداري بسفارتها في الخرطوم، دون أن تتهم أحدا بمقتله، او تعلق على تحميل الجيش السوداني المسؤولية للدعم السريع، وقبل ذلك أسر الدعم للجنود المصريين في قاعدة مروي ليؤشر ان الرعايا الأجانب والعرب لاسيما المصريين قد يكونون عرضة للهجمات.
ومصر لديها وضع خاص في ظل حساسية علاقتها التاريخية مع البلاد، حيث ينظر كثير من السودانيين للحكم المصري فيي عهد الأسرة العلوية والاحتلال البريطاني كاحتلال خارجي (رغم أن الشعب المصري ضحية لذات الحكم)، إضافة لمخاوف القوى المدنية من تدخل القاهرة لصالح دعم الحكم العسكري، وتلاعب حميدتي بهذه الأوراق لتقديم نفسه كقائد السودان ضد هذا التدخل أو الاحتلال المصري المزعوم.
ولكن ليس هناك ضمانة بتوسع العنف ليشمل رعايا أجانب آخرين في ظل قلق كل طرف في السودان من تدخلات خارجية.
من السمات في الحروب الأهلية أن الأطراف، لاسيما غير الحكومية تستطيع أن تستهدف رعايا أو أصول أجنبية دون خوف من عقاب، لأنه ليس لها مصالح أو أتباع معروفين في الخارج يمكن معاقبتها، وينطبق هذا على الدعم السريع، الذي قد يرد على أي استهداف مصري لأتباعه المقيمين في مصر بتقديمها كتأكيد لادعاءاته السلبية ضد القاهرة، وبالتالي لمزيد من المكاسب في هذا الملف.
أحد الجوانب الأساسية في الأزمة الحالية صعوبة إجلاء الرعايا الأجانب، في ظل استهداف حميدتي المطار في أولى هجماته، إضافة لأن السودان بلد شاسع المساحة يعاني من مشكلة في الطرق والأمن، مما يشكل صعوبة بالنسبة للرعايا الأجانب للسفر عبر الطرق البرية للوصول للمنافذ البرية والبحرية للبلاد، وأفاد شهود عيان من الرعايا العرب بتعرضهم لبعض المضايقات خلال خروجهم من قوات الدعم السريع.
لاجئون قد يفتقدون الترحيب الذي ناله أقرانهم السوريون
توافد آلاف السودانيين وأبناء جاليات أجنبية إلى مصر، عبر معبر "أرقين" البري الفاصل بين الحدود المصرية السودانية، حسب قالت وسائل إعلام مصرية، فيما لم تصدر إحصائيات رسمية من القاهرة أو الخرطوم بأعداد العابرين.
وقال موقع "القاهرة 24" المصري "نشر بعض السودانيين شهاداتهم (عبر منصات التواصل) حول الدخول من معبر أرقين البري مرورا إلى مصر، والتي تضمنت تسهيلاً في عبور السودانيين الحاملين لجوازات السفر، مع إمكانية مدّها لمدة 6 أشهر، فضلاً عن تسهيلات في عبور الأطفال غير الحاملين لجوازات السفر، برفقة والديهم".
ونقل الموقع عن مصادر دبلوماسية مصرية لم يسمّها، أنه "في ظل الأزمة السودانية، وضعت مصر ضوابط قانونية ميسّرة على المنافذ الحدودية لدخول المواطنين السودانيين، بشرط توافر جواز السفر والتنسيق مع السفارة المصرية في الخرطوم، مع إمكانية الدخول دون تأشيرة مسبقة".
وأشارت وسائل الإعلام المصرية إلى أنه من بين تسهيلات السلطات المصرية وجود حافلات لنقل القادمين إلى مدينة أسوان جنوبي مصر، "على أن يتحرك من يشاء بعدها للجهة التي يريدها".
ويأتي ذلك وسط جدل في مصر والسودان بعد قرار إلغاء نظام دخول السودانيين لمصر بدون تأشيرات كما كان في السابق، وفرض تأشيرات على القادمين، حيث أبدى كثير من المصريين رفضهم للقرار، معربين عن ترحيبهم بالأشقاء السودانيين، فيما اعتبره آخرون منطقياً.
ويبدو أن هناك مخاوف لدى القاهرة التي تستضيف أصلاً عدداً كبيراً من السودانيين، من تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين من البلاد التي يقارب عدد سكانها 50 مليون نسمة، وسط توترات شعبية تتصاعد على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب أزمة الأسرى المصريين ومقتل عضو البعثة المصرية، وتراشقات متبادلة بين بعض مستخدمي وسائل التواصل بين البلدين، ولكنها مازالت قليلة وتواجه بالرفض بين أغلبية الشعبين.
وبينما تم الترحيب باللاجئين السوريين في البداية في دول الجوار العربي وتركيا، وكذلك في أغلب الدول العربية، (قبل أن تظهر مظاهر التذمر في بعض البلدان بعد ذلك بسنوات)، وبينما كانت مصر دوماً، مرحبة بالسودانيين من كل أقاليم وأعراق البلاد، فإن تدفق اللجوء السوداني المحتمل، يأتي في وقت مصر تبدو فيه طرفاً في الأزمة أو يراها بعض السودانيين كذلك، بينما يرى مصريون آخرون أن أطرافاً سودانية تقحم بلادهم في الأزمة، مما يجعل هناك توتراً محتملاً بين الشعبين، رغم أنه يمكن المراهنة على العلاقة الوثيقة بين الشعبين التي لم تشهد يوماً توتراً حتى في أسوأ أوقات تدهور العلاقات السياسية.
وفي ظل الأزمات الاقتصادية القائمة أصلاً بالسودان وعدد سكان البلاد الضخم، واحتمال توسع الحرب الأهلية وانضمام أطراف أخرى، يمكن توقع حركة لجوء كبيرة.
وقال المفوض الأممي لشؤون اللاجئين إن – 3.7 مليون سوداني قد نزحوا حتى الآن بسبب الصراع الدائر، والأعداد في تزايد سريع.
رغم أن هناك جانباً أقل سلبية في الحالة السودانية مقارنة بسوريا، وهو أن الحرب الأهلية السودانية اندلعت لأسباب شخصية وسياسية وإقليمية وليست عرقية (البرهان وحميدتي كلاهما من من عرب السودان)، عكس سوريا؛ حيث كانت الحرب تدور بين حكم علوي طائفي، وبين معارضة ينتمي أكثرها للأغلبية السنية، وكان الحكم العلوي يرى الحل في إبادة أو تطهير طائفي بهدف جعل السنة أقلية في البلاد، وهو سيناريو مستبعد في السودان.
السجون نقطة فوضى خطيرة في الأزمة السودانية
بلغت أزمة السجون السودانية ذروتها بخروج سجناء ينتمون للنظام السابق من بعضها، في ظل تقارير عن هروب البشير، بعد فرار النزلاء من سجن كوبر، إثر هجوم لمسلحين على السجن المحتجز به الرئيس السوداني عمر البشير ونائبه علي عثمان طه، وكبار مساعديه .
قال الجيش السوداني، قوات الدعم التي يصفها بالميليشيا المتمردة أخذت في ارتداء ملابس الشرطة وشرطة الاحتياطي وتطلق سراح نزلاء بعض السجون، واتهمها باقتحام 5 سجون وإطلاق سراح نزلاء.
بينما اتهمت قوات الدعم السريع الجيش السوداني بإخلاء السجن؛ وقالت إن "تنفيذ قادة الانقلاب عملية إخلاء بالقوة الجبرية لجميع السجناء الموجودين بسجن كوبر الذي يضم جميع قادة النظام البائد".
ولكن الجيش السوداني كشف أن الرئيس المعزول، عمر البشير، موجود في مستشفى علياء التابع للقوات المسلحة تحت حراسة ومسؤولية الشرطة القضائية، من جانبه، قال أحمد هارون المسؤول السوداني السابق في نظام عمر البشير، في بث تليفزيوني إنه غادر سجن كوبر مع مسؤولين سابقين آخرين، وإنهم سيوفرون الحماية لأنفسهم، وأنه مستعد هو والمسؤولون السابقون الآخرون للمثول أمام القضاء عندما يضطلع بدوره.
وبطبيعة الحال، تركت قوى الحرية والتغيير أبرز ائتلاف المعارضة كل الفوضى الضاربة في ربوع السودان وركزت على هروب بعض أعضاء النظام، حيث قالت، في بيان لها، إن خروج قادة النظام المعزول "دليل على أنه يقف خلف الحرب في السودان".
ولكن الجانب الأسوأ في عمليات الهروب من السجون، هو خروج 7 آلاف سجين، من بينهم عدد كبير من المنتظرين المحكومين بالإعدام، وذلك بعد أن اقتحمت قوة مسلحة سجن كوبر الرئيسي في منطقة الهدى في أم درمان غرب الخرطوم، وأخذت معها 28 من ضباط جهاز الأمن الذين كانوا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام في جريمة قتل
دور إسرائيلي غامض في الحرب الأهلية السودانية
لا يُعلم دور إسرائيل الفعلي في الأزمة الحالية، ولكن من المؤكد أن تل أبيب أهم المستفيدين، فالسودان الذي كان آخر الدول العربية الممانعة للتطبيع والداعمة للمقاومة الفلسطينية أحياناً يتنافس رأساه المتناحران على رضا تل أبيب.
فإذا كان البرهان هو الرجل الذي قاد التطبيع السوداني والتقى برئيس الوزراء الإسرائيلي عبد الفتاح البرهان وفتح الأجواء السودانية أمام الطيران الإسرائيلي فإن حميدتي نقل العلاقة مع إسرائيل لمرحلة جديدة فزعم أن حربه مع الجيش تشبه حرب إسرائيل مع حركات المقاومة الفلسطينية التي سماها بالإرهابية، وحذف كلمة قدس من شعار قوات الدعم السريع التي أسست بدعم من الرئيس البشير الإسلامي المعزول.
وبلغ بإسرائيل الحد بأنها عرضت استضافة "مصالحة" بين البرهان وحميدتي في الدولة العبرية حسبما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية، عن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، فيما لم يصدر تعليق فوري من القائدين السودانيين.
ووفق المصدر الذي نقل عن وزير الخارجية الإسرائيلبي فإن كوهين قال إن "التقدم الذي تم إحرازه في الأيام الأخيرة في المحادثات مع الطرفين، مشجّع للغاية".
وبحسب المصدر ذاته، "أبلغت إسرائيل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ودولاً أخرى في المنطقة بهذه الخطوة".
قد تستفيد إسرائيل من هذا الوضع لابتزاز الطرفين وبيع الأسلحة.
غياب المعلومات مقابل فيض من الدعاية
بقدر ضراوة المعارك اللافتة في الحرب الأهلية السودانية منذ يومها الأول، فهناك غياب واضح للمعلومات الموثوقة أو نصف موثوقة، مقابل ادعاءات ودعاية فجة من الطرفين تتحدث عن انتصارات غير واقعية.
ولكن الشيء المؤكد الوحيد أن أي من الطرفين لا يبدو قريباً من حسمها، وأن الجيش السوداني استوعب الصدمة، ونجا من مصير الانهيار أو فقدان القيادة،
أما ادعاء الجيش السوداني بأن قوات الدعم قد تبعثرت، فيبدو غير واقعي، ويعني ذلك أن الحرب قد تطول.
غموض مواقف الأطراف الخارجية
إحدى النقاط اللافتة في أزمة السودان الحالية هو غموض مواقف القوى الإقليمية والدولية، ومن هو الطرف الداخلي الذي تدعمه.
يقول الجيش السوداني إنه يملك معلومات دقيقة "لعملية تآمر ومؤشرات قوية بتورط أطراف إقليمية ومحلية" في الحرب مع قوات الدعم السريع، دون أن يحدد هذه الأطراف، ومن جهة أخرى تتهم قوات الدعم طيران أجنبي بقصف وحداتها في مدينة بورتسودان (شرق)، التي تضم أكبر ميناء للبلاد على البحر الأحمر.
ولم تعلن أي دولة دعمها رسمياً لأي طرف، رغم أن معظم الاتهامات تتوجه لمصر حتى الآن.
القاهرة متهمة من قبل الدعن بدعم الجيش السوداني
رغم ادعاءات منسوبة للدعم توجه للبرهان بالتحالف مع الإسلاميين، ولكن يبدو أن مصر تحديداً موقفها معروف، وهو دعم الجيش السوداني في ظل الطابع العسكري لحكم البلاد، وإن كانت القاهرة تؤكد حيادها وتنفي دعمها لأي طرف.
وادعت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية "أن مصر أرسلت طائرات حربية وطيارين لدعم الجيش السوداني، بينما تعلن القاهرة أنها لم ولن تتدخل"، كان وجود مقاتلات مصرية من طراز ميغ 29 في قاعدة مروي السودانية مثيراً للحرج، ومؤكداً لهذه الرواية، ويقال إن واحدة منها على الأقل قد تعرضت للتدمير (هناك تقارير عن 3 من بين 5 كانت موجودة بالقاعدة).
كان هدف قوات الدعم من الهجوم على مطار مروي بشمال السودان منع الجيش السوداني من الحصول على أي دعم عسكري من مصر، أو تدخل مقاتلاتها في المعارك، خاصة أن قاعدة مروي الجوية هي الأحدث، والأقرب لمصر.
ولا يُعرف هل هدوء الموقف المصري تجاه الأزمة خاصة تجاه أسر جنودها ومقتل أحد أفراد بعثها وإزاء حملة قوات الدعم السريع الإعلامية ضدها نابع من قرار بعدم التدخل أم الاكتفاء بتدخل سري محدود، أم تريث انتظاراً لخروج الجالية والبعثة المصرية من البلاد.
الإمارات والسعودية حليفتان للرجلين المتصارعين
أما دول الخليج فموقفها أكثر غموضاً، كانت سياسة السعودية والإمارات في المنطقة خلال السنوات الماضية تقوم بالأساس على التصدي لنفوذ الإسلاميين المعتدلين المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين وإيران أينما كان.
ولكن يبدو أن السعودية والإمارات، قد أصبحتا أقل حدة في هذا الملف مع زوال خطر الإسلاميين، وها هما يتصالحان مع أكبر نظاميين إسلاميين في المنطقة إيران وتركيا.
كما أن دور الإسلاميين في أزمة السودان واحتمال عودتهم للسلطة يبدو بعيداً رغم إدعاءات حميدتي وائتلاف الحرية والتغيير بعكس ذلك.
وقبل اندلاع الحرب كانت السعودية والإمارات لديهما علاقة بالقائدين العسكريين الكبيرين في السودان البرهان وحميدي على السواء، وكانتا داعمتين لهما في عملية الإطاحة بالبشير، وأقرب لمواقفهما في مواجهة المعارضة المدنية.
ولكن البلدان كانتا أقرب لحميدتي أمير الحرب البدوي المرن، الذي وفر المقاتلين في حروب اليمن وليبيا، وباع الذهب عبر الأسواق الإماراتية.
ولا يعرف موقف الدولتين التفصيلي وهل يدعمان حميدتي أمام الجيش حليف حليفتها الكبيرة مصر.
هناك مزاعم وتقارير لا يمكن تأكيدها عن دور إماراتي في دعم حميدتي، لاسيما على المستوى الإعلامي.
وهناك تقارير أخرى تتحدث عن انتظار البلدين لاتضاح الأمور، في كل الأحوال هذا الموقف وهذه العلاقة المركبة مع البرهان وحميدتي تجعل الإمارات والسعودية مؤهلتان أكثر من مصر في الوساطة بين الطرفين.
وأفادت تقارير إعلامية غربية بأن أمير الحرب الليبي، خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق البلاد، أرسل لحميدتي طائرة على الأقل لنقل إمدادات عسكرية لقوات الدعم السريع، كما تفيد تقارير بالتقاء نجله بحميدي خلال زيارة للسودان قبل الحرب تبرع خلالها نجل حفتر لنادي الهلال السوداني خلال الأزمة الأخيرة بين النادي السوداني والنادي الأهلي المصري.
يثير ذلك علامات استفهام كبيرة في ظل تحالف القاهرة وأبوظبي مع حفتر المعروف، وهل هذا التحرك المزعوم لحفتر جاء بالتنسيق مع الإمارات، أم بشكل منفرد، أم مجرد رد جميل لحميدتي على مساعدته السابقة لحفتر، ونفت ميليشيات حفتر هذه التقارير.
قطر من جانبها، هي حليف تقليدي للقوى الإسلامية المعتدلة والمؤيدة للديمقراطية في المنطقة العربية، والبرهان وحميدتي، بعيدان كل البعد عنها، مما يرجح أن دور الدوحة أقرب للحياد.
إثيوبيا تبدو أقرب لحميدتي وستنال جائزة كبرى في سد النهضة والفشقة
إثيوبيا ستتخذ موقفاً قوامه الأساسي مناهضة مصر، لإضعاف موقفها من أزمة سد النهضة، مما يجعل أديس أبابا أبعد على الأرجح عن الجيش السوداني، وأقرب لحميدتي، خاصة أن ضعف الجيش يعني إضعاف الحدود الشرقية السودانية الملاصقة لإثيوبيا، ويتيح لها التدخل في منطقة شرق السودان وهي وأريتريا، وبالفعل أفادت تقارير بسحب الجيش السوداني لقواته من منطقة الشفقة المتنازع عليها مع أديس أبابا لدعم قواته بالخرطوم.
في المقابل، حميدتي نفوذه محدود بشرق السودان، مما يجعله لا يمثل خطراً على إثيوبيا، خاصة أنه أثبت أنه مستعد لكي يتحالف مع أي طرف للوصول للحكم.
الموقف الأمريكي حتى الآن يبدو غامضاً فيما يتعلق بمدى ميله لأحد الطرفين، حيث يكتفي بدعوتهما لوقف القتال، بينما تقول وسائل الإعلام الغربية حميدتي حليف لمرتزقة فاغنر الروس.
ولكن اللافت أنه رغم هذه الاتهامات لحميدتي واتهامات أخرى بالتورط في مذابح دارفور، فإن الغرب لا يناصبه العداء، وسط تقارير عن دعم أوروبي سابق له ولقوات الدعم السريع.
الموارد المالية للطرفين قد تؤدي لإطالة الحرب
من الجوانب الخطيرة في الحرب الأهلية السودانية وفرة الأسلحة والموارد المالية للطرفين، مما يجعلهما قادرين على خوض المعارك لفترة طويلة حتى بدون دعم أجنبي كبير.
تمثل الشركات المملوكة للجيش ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، والكيانات التابعة لقوات الدعم السريع تشكل النصف تقريباً، حسب ما قال الطيب عثمان يوسف، الأمين العام للجنة إزالة التمكين الرسمية المعنية بتفكيك دور قوات الأمن في الاقتصاد.
أي إن الطرفين يسيطران على نحو 75% من اقتصاد البلاد.
وبالتالي لدى الطرفين موارد مالية كبيرة، ولكن قوات الدعم السريع يبدو لديها موارد ذاتية أكبر بفضل ذهب دارفور، بينما لدى الجيش السوداني قدرة على النفاذ لموارد الدولة بشكل أفضل، وتبدو هذه ميزة كبيرة للجيش، ولكن يمكن للدعم التحول لمحاولة الحصول على موارد من الدولة بالقوة، وهو ما قد يمثل مشكلة إضافية للسودان، وقد يؤدي لمشكلات مع السكان، وترسيخ لتقسيم النفوذ في البلاد بين الجيش والدعم.
وفي الوقت ذاته، فإن قدرة الجيش على الاستمرار في الحرب اعتماداً على موارد الدولة، سيعني مزيداً من الأعباء على السودانيين واقتصاد البلاد المنهك.
فشل حميدتي في حسم حرب المطارات والموانئ، فهل يستفيد الجيش من ذلك؟
أراد حميدتي بهجومه المباغت في أول أيام الحرب الأهلية السودانية، حسم الصراع بالقضاء على تفوق الجيش في مجال الطائرات، ولكن لم يتحقق له ذلك رغم عدم وضوح حجم الدمار الذي أصاب المطارات والطائرات التابعة للجيش السوداني القليلة أصلاً بمعايير الجيوش الحديثة.
وتضاربت الأنباء بشأن السيطرة على مطار الخرطوم، ولكن المؤكد أن استمرار القتال يعني أنه لم تتمكن أي جهة من تثبيت سيطرتها على المطار، في ظل حرب كرّ وفرّ بينهما.
والملاحظ، حسب صور للأقمار الاصطناعية تناقلتها وسائل إعلام، فإن عدة طائرات مدنية ومقاتلات عسكرية دمرت في مطار الخرطوم وقاعدة مروي الجوية.
حاولت قوات الدعم السريع تكرار هذه المساعي في مطارات أخرى في البلاد المترامية الأطراف، غير أن الجيش السوداني أعلن السيطرة عليها، خاصة المطار الرئيسي في إقليم دارفور، لكنه بالمقابل خسر مطار نيالا، في ولاية جنوب دارفور (ألف كلم غرب الخرطوم).
وفي ظل عدم امتلاك قوات الدعم السريع لسلاح طيران أو حتى لطيارين مدربين على قيادة المقاتلات أو حتى المروحيات التي يستولون عليها، يمثل نقطة ضعف رئيسية، مقابل الجيش السوداني الذي يتسيد سماء المعركة.
ولكن في ظل ضعف الطيران السوداني وخوض حرب شوارع ضد قوات حميدتي فإن سلاح الجو السوداني قادر على حماية مواقع الجيش وردع الدعم دون هزيمته الكاملة.
لكن معركة الموانئ هي الأهم على المدى البعيد، لسهولة نقل المؤن والمساعدات العسكرية بحراُ وبكميات أكبر من الطائرات، لذلك سعت قوات الدعم السريع للسيطرة على ميناء بورتسودان، لكنها أخفقت بعد تعرض أرتالها لقصف جوي، قالت إنه من طيران أجنبي.
كل هذا يعني أن الحرب قد تطول وقد تصبح أكثر دموية، وهذا ما ستختلف به عن سوريا
لم يحسم أي طرف المعركة لصالحه، ما يعد مؤشراً خطيراً على أن القتال مرشح ليتواصل لفترة طويلة تهدد بسقوط مزيد من الضحايا خاصة المدنيين، حسب تقرير لوكالة الأناضول.
فبالنظر إلى توازن القوى بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع (شبه عسكرية)، فإن الأقرب هو تكرار سيناريو الحروب الطويلة في اليمن وسوريا وليبيا.
وقد تتوسع الحرب الأهلية السودانية لحروب أهلية فرعية موازية، خاصة أن السودان ذاته شهد عدة حروب داخلية طويلة في الأطراف، خاصة أن البلاد ينتشر فيها السلاح بشكل كبيرة خاصة في الأرياف والأطراف، كما أن حدود البلاد شاسعة، وغير مسيطر عليها، وهي حتى قبل الحرب تشهد عمليات تهريب واسعة.
لكن هذه المرة الوضع أخطر، فقد تحولت قوات الدعم السريع إلى قوة موازية للجيش، بتعداد 100 ألف مسلح ونحو 10 آلاف عربة مسلحة بمدافع رشاشة مضادة للطيران، ولديها ميزانيتها الخاصة مقابل قوة الجيش البالغة نحو 110 آلاف جندي.
وقد تستغل بعض المجموعات المسلحة والقبلية في الأطراف مثل الشرق والغرب وجبال النوبة صراع رأسا السلطة في السودان لفرض انفصال واقعي (قد يتحول لانفصال معلن في حالة جبال النوبة)، وقد ينفرد الدعم السريع بحكم دارفور، رغم أن حركات الإقليم المسلحة المتمردة سابقاً تبدو أقرب للجيش.
والأخطر أنه مع استمرار المعارك، قد تتطور وتتوسع الانتهاكات، خاصة من قبل قوات الدعم السريع، التي انبثقت من مجموعات الجنجويد القبلية، المتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور.
كل ما سبق قد يعني أن السودان مقدم على حرب أهلية قد تطول، وقد تصبح أكثر دموية من حربي سوريا ولييبا، حتى لو خلت من التطهير الطائفي الذي شهدته سوريا ودارفور.